عنوان الفتوى : وجوب حسن معاملة الزوجة وأداء حقوقها والترهيب من ظلمها والعدوان عليها
أنا متزوجة، ولدي طفلان، وزوجي يري أن من حقه أن يشتم ويغضب، ويجب أن أسكت، وأعتذر أنا، وحصلت لي صدمة بعد هذا.
سؤالي واستفساري عن المرأة في الإسلام.
أنقل لكم كلاما من صفحة من أحد المواقع حيث جاء فيه:
ومن أخلاق المرأة الصالحة أنها تبادر إلى إرضاء زوجها إذا غضب، ولا تنتظر أن يبدأ هو بذلك، وذلك لأسباب:
منها: إن المرأة أكثر رغبة في نجاح حياتها الزوجية, ومصلحتها في ذلك.
منها: الأنثى بطبعها مفطورة على التذلل والخضوع والاسترضاء للرجل.
منها: الرجل أخشن من المرأة, والمرأة بلطفها ورقتها وحنانها أقدر على تخفيف حدة المشاكل.
منها: الرجال عادة أكثر عنادا من النساء, وإذا انتظرت المرأة زوجها كي يبادر لإنهاء المشكلة, فقد تطول المدة وتتعقد المسألة.
فأنا متزوجة، ومنذ صغري كنت أحسب أن المرأة إنسان مثلها مثل الرجل، والإسلام قال عن النساء: شقائق الرجال.
فكيف تكون المرأة شقيقة الرجل، وفي نفس الوقت مفطورة على التذلل والخضوع والاسترضاء، حتى عندما يكون الغلط من الرجل!!
هل حقيقي أن الله خلق المرأة مذلولة للرجل، وخاضعة، وتسترضيه؛ كي يغضب ويذنب ويغلط، وتعتذر هي لأجل سلامة الأسرة؟
هل صحيح أن الزوجة الصالحة هي من تفعل ذلك؟ وإذا لم أَرْضَ بالإهانة؟
لماذا لا نحاول تغيير الرجال ولو قليلا، ونريد الرجال كما هم عليه، لا نطلب منهم تغييرا في أيّ شيء، حتي لو كان هذا خلقهم؟
فبدل أن نغير خلقه، نقول للمرأة تعايشي وتأقلمي! وإذا غضب لا أكون ندًّا له، ولا أستفزه، وإذا كان الغضب منه هو، وهو السبب. فلماذا أعتبر ندًّا أنا؟
ويقول أيضا إن أساس الحياة أن أسعد زوجي، إذن أنا مخلوقة لهذا!
الزوجة الصالحة ترضى باليسير، اليسير في ماذا؟ الطعام، والشراب، والجماع، والحقوق! إذن أين حقوق المرأة في الإسلام؟
وهل يرضى الرجل باليسير أيضا؟ أم يجب أن يأخذ كل شيء كاملا مكملا؟
لماذا الرجل في الإسلام سواء كان ظالما أو مظلوما يحابيه الله، ويجب أن تسعده المرأة، وتسترضيه؟! لماذا تكون فطرة المرأة هي أن تكون خاضعة متذللة تسترضي الزوج؟ يعني: الله فطرها لتعتذر للرجل للظالم الغاضب؟
لا أفهم شيئا، لماذا النساء لا يحصلن على شيء؟ حتى تتنازل لأم زوجها، وأهل زوجها، وحقوقها لا شيء، وهي لا معنى لها، وغير مسموح لها برد الإساءة. ويجب أن تبذل جهودا في سعادة الرجل. ودورها سعادة الرجل، والمقابل الذي تأخذه من هذا الرجل هو اليسير في كل شيء.
هذا فهمي للكلام.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن صدر هذا اللفظ عن زوجك، وأنه ادَّعى أن من حقه أن يشتمك، وأنه يجب عليك أن تسكتي وتعتذري له؛ فقد قال منكرا من القول وزورا، وإن قصد أن الشرع قد أعطاه هذا الحق؛ فقد افترى على الله كذبا.
فقد حضَّ الإسلام على حسن معاملة الزوج لزوجته، كما قال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}.
قال الجصاص: أمر للأزواج بعشرة نسائهم بالمعروف، ومن المعروف أن يوفيها حقها من المهر والنفقة والقسم، وترك أذاها بالكلام الغليظ، والإعراض عنها، والميل إلى غيرها، وترك العبوس والقطوب في وجهها بغير ذنب، وما جرى مجرى ذلك، وهو نظير قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. اهـ.
وجاء التحذير من الاعتداء على المرأة وظلمها، كما قال المولى تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}.
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: إن كنتم تقدرون عليهم، فتذكروا قدرة الله، فيده بالقدرة فوق كل يد، فلا يستعلي أحد على امرأته، فالله بالمرصاد. اهـ.
فالشرع لا يقر الزوج على الظلم والاعتداء، بل يأمره بالرفق، واللين، وحسن التعامل مع الزوجة، وهو الهدي الذي كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- مع زوجاته، ولا يجوز الحكم على الشرع بتصرفات الناس أو أقوالهم المعارضة له، فالشرع حاكم لا محكوم عليه.
والمرأة ليست ملزمة شرعا بأن تعتذر لزوجها أو تسترضيه إن غضب عليها بغير سبب منها، أو تقصير، ولكن لو بادرت بذلك، فطلبت رضاه، فهذا مما يحسب لها، ويدل على كريم أصلها، وحسن معشرها، وخير المتخاصمين من يبدأ بالسلام، ظالما كان أم مظلوما، وهذا من أجل المقصد النبيل من تشريع الإسلام للزواج، وهو استقرار الأسرة، كما قال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {الروم:21}.
وينبغي للزوجين العمل معا من أجل تحقيق ذلك بأن يقوم كل واحد يما يجب عليه من حقوق للآخر، قال الله سبحانه: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}.
ولمزيد الفائدة نرجو مطالعة الفتوى: 27662. فالزوج مطالب بأن يسعد زوجته، كما أنها مطالبة بإسعاده.
ومن حقوق المرأة على زوجها أن ينفق عليها، وهذه النفقة تكون بقدر كفايتها في المسكن والمطعم والملبس، ويراعى في هذه النفقة حال الزوجين؛ كما هو مبين في الفتوى: 113285.
فإذا كان هنالك من يقول إن المرأة ملزمة بأن ترضى باليسير من النفقة فهو مخطئ.
وللمزيد فيما يتعلق بمكانة المرأة في الإسلام، وما ضمن لها من الحقوق نرجو مراجعة الفتويين: 5729، 16441.
ونؤكد على ما ذكرناه سابقا من أنه لا يجوز الحكم على الشرع من تصرفات الناس، فالناس يخطئون، والشرع منهج معصوم منزل من عند العليم الحكيم، قال تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ {الإسراء:9}، وقد أجاد وأفاد الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في بيانه هداية القرآن للتي هي أقوم في شؤون الدين والدنيا، وذلك في تفسيره أضواء البيان، فيمكن الرجوع إليه، والاستفادة منه.
والمصاهرة قد امتن الله -عز وجل- بها على عباده فقال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا {الفرقان:54}، وجاءت السنة بالوصية بالاهتمام بها، ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما.
وهو يشير بهذا إلى كون ماريا القبطية منهم، والتي هي أم ولده إبراهيم الذي توفي صغيرا.
ولذلك ينبغي لكل من الزوجة وأهل الزوج أن يحسن كل منهما الآخر، ويعمل بكل ما يمكن على تقوية هذه الرابطة، ويبعد الشيطان عن الدخول بينهم، ويتسبب في الخصام والفرقة، وهذا مطلوب من الطرفين معا، وليس من الزوجة فقط،.
بقي أن نبين ما يتعلق بالاقتصاص فيما إذا كانت الزوجة مظلومة من قبل زوجها، أو من قبل أهله، وقد سبق وأن بينا مشروعية اقتصاص المرأة من زوجها في قول بعض أهل العلم، وراجعي الفتوى: 426400.
ولا حرج عليها أيضا في أن تقتص من أهل زوجها إن وقع منهم ظلم عليها، وانظري الفتوى: 16709. وللاقتصاص ضوابطه التي تجب مراعاتها، وسبق بيانها في الفتوى: 456370.
وننبه في الختام إلى أن الله -عز وجل- لا يحابي في أحكامه أحدا؛ زوجا كان أم غيره، ومن يظن في الله سبحانه مثل هذا الظن فهو على خطر عظيم، فإنه من الظن السيء الذي هو من شأن أهل النفاق، قال تعالى عنه: وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا {الفتح:12}.
قال ابن جرير الطبري في تفسيره: وقوله ( وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ) يقول: وكنتم قوما هَلْكى لا يصلحون لشيء من خير. اهـ.
فهذا طريق للهلاك والخسران المبين، فالواجب عليك المبادرة للتوبة، وعدم العودة لإطلاق مثل هذه الألفاظ في حق المولى -تبارك وتعالى-.
والله أعلم.