تفسير سورة الكهف - الآيات [107-110]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقناً عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:

يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً * قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:107-110].

في الآيات التي سبقت هذه الآيات كان حديث القرآن عن الكفار، ابتداءً بقول الله عز وجل: أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً [الكهف:102].

الحديث في هذه الآيات عن المؤمنين الطيبين، على عادة القرآن في ذكر البشارة بعد النذارة، فبعد أن ينذر ربنا ويخوف فإنه سبحانه وتعالى يبشر ويرغب، كما مر معنا في قوله سبحانه: إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا [الكهف:29]، ثم قال بعدها إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30].

ومثله قول ربنا سبحانه: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14].

وقوله سبحانه: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ [الحجر:49-50]، فالقرآن الكريم مثاني: يذكر المؤمنين ويذكر الكفار، ويذكر أصحاب الجنة ويذكر أصحاب النار، ويذكر المتقين ويذكر الفجار.. وهكذا.

المقصود بالإيمان والعمل الصالح وحسن عاقبتهما

هنا ربنا جل جلاله يقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الكهف:107]، أي: إن الذين آمنوا بقلوبهم، فرضوا بالله رباً، وآمنوا به إلهاً، وآمنوا به جل جلاله على كماله وجلاله وجماله، وسكن هذا الإيمان قلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم، وبألسنتهم، وبأيديهم، واستعملوا جوارحهم في فعل ما يقربهم إلى ربهم.

وكلمة (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) تتكرر في القرآن كثيراً، يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر رحمه الله: وهي شاملة للدين كله، عقائد وأعمالاً، وأصولاً وفروعاً، وبعد أن ذكر الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات، قال: كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً [الكهف:107]، (كانت) أي: في علم الله الأزلي السابق، الذي لا يتخلف، (لهم) اللام: لام الاستحقاق، بمعنى: هم مستحقون لها، جديرون بها.

ولا تعارض بين هذه الآية وبين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ).

فنقول: دخول الجنة بالعمل دلت عليه آيات من القرآن كثيرة، كقول ربنا سبحانه: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً [الكهف:2-3].

وقوله سبحانه: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72].

وقوله سبحانه: إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم:60]، فهذه الآيات تدل على أن دخول الجنة بسبب الأعمال الصالحة، ومن هنا قال أهل العلم: لا تعارض بين هذه الآيات وبين الحديث، فالباء في الحديث: باء المقابلة، ( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله )، أي: في مقابلة عمله، وأما الباء في الآيات كقوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72]، فهي: باء السببية، أي: دخول الجنة بسبب العمل، وليس العمل مقابلاً للجنة؛ ولذلك لما ذكر الله عز وجل أهل النار قال: جَزَاءً وِفَاقاً [النبأ:26]، أي: جزاءً في مقابل أعمالهم، ولما ذكر نعيم أهل الجنة قال: جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً [النبأ:36]، فهو عطاء من الله عز وجل وتفضل، وقال بعض أهل التفسير: دخول الجنة ابتداءً بفضل الله، ثم التفاضل في الجنة بسبب الأعمال.

وقال بعض أهل التفسير: بل دخول الجنة ابتداءً وانتهاءً بفضل الله؛ لأن السبب في دخول الجنة العمل، وقبول العمل فضل من الله جل جلاله.

فالخلاصة: أنه لا تعارض بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله )، وبين هذه الآية، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ [الكهف:107].

دلالة الجمع في قوله: جنات

لم يقل سبحانه: جنة الفردوس، وإنما قال: (جنات)، قال أهل التفسير: الجمع إيماء وإشارة إلى السعة، وإلى تنوع النعيم وكثرته، بحيث لا يحصر، كما قال ربنا سبحانه: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر )، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءته امرأة كان ولدها قد استشهد واسمه حارثة ، قالت له: ( يا رسول الله! أخبرني إن كان حارثة في الجنة تسليت وصبرت، وإن كانت الأخرى بكيت بكاءً لم يعهد مثله. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أهبلت يا امرأة؟! -يعني: هل في عقلك شيء؟- هي والذي نفسي بيده جنان لا جنة واحدة )؛ ولذلك قال الله عز وجل: كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً [الكهف:107].

المقصود بالفردوس

(والفردوس) أكثر المفسرين على أنها كلمة معربة، يعني: ليست عربيةً ابتداءً، لكنها منقولة من لغات أخرى، ثم استعملها العرب، قالوا: ومعناها: البستان بالرومية، وقيل: معناها: شجر الأعناب، وقيل غير ذلك، وبعض المفسرين قالوا: هي سرة الجنة، وبعضهم قالوا: ربوة الجنة وأفضلها وأعلاها، وخير من يفسر هذه الكلمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من آمن بالله وبرسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، إن جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها. قالوا: يا رسول الله! أفلا نبشر الناس؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة )، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها.

وفي رواية: ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلاها، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة )، وهنا عين النبي صلى الله عليه وسلم بأن الفردوس: أوسط الجنة وأعلاها.

المقصود بالنزل في قوله تعالى: (جنات الفردوس نزلاً)

ثم قال الله عز وجل: نُزُلاً [الكهف:107]، النزل هنا فسر بمعنيين: بمعنى المنزل والمقام، وفسر: بالطعام الذي يهيأ للضيف، قال عليه الصلاة والسلام: ( من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا أو راح )، وفسره ربنا بقوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ [الدخان:51-54]، وغير ذلك من الآيات، وفسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ( هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وريحانة تهتز، وقصر مشيد، وفاكهة نضيرة، وزوجة حسناء جميلة، لا يفنى شبابهم، ولا تبلى ثيابهم، يصحون فلا يسقمون، ويشبون فلا يهرمون، ويحيون فلا يموتون )، وقال: ( إذا دخل أهل الجنة الجنة ناداهم ربهم: يا أهل الجنة! هل رضيتم؟ يقولون: يا ربنا! وما لنا لا نرضى، ألم تبيض وجوهنا، ألم تثقل موازيننا، ألم تدخلنا الجنة وتجرنا من النار؟ فيقول الله عز وجل: إني جعلت ثوابكم أن أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً ). نسأل الله أن يجعلنا منهم، فهؤلاء هم أهل الجنة يتنقلون بين أنهارها، فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [محمد:15].

ويسمعون كلاماً طيباً وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24]، دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [يونس:10].

وإذا دخلوا الجنة قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43]، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ [فاطر:34-35]، ويهنئ بعضهم بعضاً، فيقولون: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:26-27].

هنا ربنا جل جلاله يقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [الكهف:107]، أي: إن الذين آمنوا بقلوبهم، فرضوا بالله رباً، وآمنوا به إلهاً، وآمنوا به جل جلاله على كماله وجلاله وجماله، وسكن هذا الإيمان قلوبهم، وعملوا الصالحات بجوارحهم، وبألسنتهم، وبأيديهم، واستعملوا جوارحهم في فعل ما يقربهم إلى ربهم.

وكلمة (الذين آمنوا وعملوا الصالحات) تتكرر في القرآن كثيراً، يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر رحمه الله: وهي شاملة للدين كله، عقائد وأعمالاً، وأصولاً وفروعاً، وبعد أن ذكر الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات، قال: كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً [الكهف:107]، (كانت) أي: في علم الله الأزلي السابق، الذي لا يتخلف، (لهم) اللام: لام الاستحقاق، بمعنى: هم مستحقون لها، جديرون بها.

ولا تعارض بين هذه الآية وبين قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ).

فنقول: دخول الجنة بالعمل دلت عليه آيات من القرآن كثيرة، كقول ربنا سبحانه: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً [الكهف:2-3].

وقوله سبحانه: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72].

وقوله سبحانه: إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم:60]، فهذه الآيات تدل على أن دخول الجنة بسبب الأعمال الصالحة، ومن هنا قال أهل العلم: لا تعارض بين هذه الآيات وبين الحديث، فالباء في الحديث: باء المقابلة، ( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله )، أي: في مقابلة عمله، وأما الباء في الآيات كقوله تعالى: وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الزخرف:72]، فهي: باء السببية، أي: دخول الجنة بسبب العمل، وليس العمل مقابلاً للجنة؛ ولذلك لما ذكر الله عز وجل أهل النار قال: جَزَاءً وِفَاقاً [النبأ:26]، أي: جزاءً في مقابل أعمالهم، ولما ذكر نعيم أهل الجنة قال: جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً [النبأ:36]، فهو عطاء من الله عز وجل وتفضل، وقال بعض أهل التفسير: دخول الجنة ابتداءً بفضل الله، ثم التفاضل في الجنة بسبب الأعمال.

وقال بعض أهل التفسير: بل دخول الجنة ابتداءً وانتهاءً بفضل الله؛ لأن السبب في دخول الجنة العمل، وقبول العمل فضل من الله جل جلاله.

فالخلاصة: أنه لا تعارض بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله )، وبين هذه الآية، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ [الكهف:107].

لم يقل سبحانه: جنة الفردوس، وإنما قال: (جنات)، قال أهل التفسير: الجمع إيماء وإشارة إلى السعة، وإلى تنوع النعيم وكثرته، بحيث لا يحصر، كما قال ربنا سبحانه: ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر )، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءته امرأة كان ولدها قد استشهد واسمه حارثة ، قالت له: ( يا رسول الله! أخبرني إن كان حارثة في الجنة تسليت وصبرت، وإن كانت الأخرى بكيت بكاءً لم يعهد مثله. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أهبلت يا امرأة؟! -يعني: هل في عقلك شيء؟- هي والذي نفسي بيده جنان لا جنة واحدة )؛ ولذلك قال الله عز وجل: كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً [الكهف:107].

(والفردوس) أكثر المفسرين على أنها كلمة معربة، يعني: ليست عربيةً ابتداءً، لكنها منقولة من لغات أخرى، ثم استعملها العرب، قالوا: ومعناها: البستان بالرومية، وقيل: معناها: شجر الأعناب، وقيل غير ذلك، وبعض المفسرين قالوا: هي سرة الجنة، وبعضهم قالوا: ربوة الجنة وأفضلها وأعلاها، وخير من يفسر هذه الكلمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عنه في صحيح البخاري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من آمن بالله وبرسوله، وأقام الصلاة، وصام رمضان، كان حقاً على الله أن يدخله الجنة، إن جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي ولد فيها. قالوا: يا رسول الله! أفلا نبشر الناس؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة )، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها.

وفي رواية: ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلاها، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة )، وهنا عين النبي صلى الله عليه وسلم بأن الفردوس: أوسط الجنة وأعلاها.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير من سورة الأعلى إلى سورة البلد 2549 استماع
تفسير من سورة الفيل إلى سورة الكوثر 2539 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [98-106] 2511 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [27-29] 2379 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [21-24] 2370 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآية [151] 2298 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [27-35] 2265 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [71-78] 2173 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [115-118] 2089 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [30-36] 2052 استماع