تفسير سورة الأنعام - الآيات [134-140]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين, حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا علماً نافعاً, وارزقنا عملاً صالحاً, ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى, أما بعد:

ففي الآيات التي مضى شرحها يقول الله عز وجل: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ [الأنعام:130], بين ربنا جل جلاله ما يكون يوم القيامة من سؤال الإنس والجن عما فعلوه مع دعوة المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, الذين تلوا عليهم الآيات وأنذروهم يوم القيامة وما فيه من الأهوال.

في هذه الآيات المباركة يقول الله عز وجل: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134], (ما) هنا موصولة بمعنى: الذي, وعائد الصلة محذوف, تقديره إن الذي توعدونه لآت, أي: لجاءٍ, ولقريب.

إنفاذ الله لوعده ووعيده

قوله تعالى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ [الأنعام:134], (توعدون) هاهنا, إما أن تكون من الوعد, وإما أن تكون من الوعيد. أما إذا كانت من الوعد فقد أجمع المسلمون على أن الله تعالى إذا وعد بخير فإنه سبحانه لا يخلف الميعاد؛ لقوله سبحانه: إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعَادَ[آل عمران:9].

وأما إذا أوعد بالشر جل جلاله ففي هذا تفصيل:

فإذا كان الموعد بالشر مسلماً فهو تحت المشيئة, إن شاء الله أنفذ وعيده فيه وإن شاء عفا، كما قال سبحانه: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48], فكل ذنب دون الشرك فأمره إلى الله، إن شاء عذب وإن شاء غفر, وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أصاب من هذه الحدود شيئاً فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له وطهور, ومن لم يؤخذ به في الدنيا فأمره إلى الله, إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ), (من أصاب من الحدود شيئاً): من زنا، من قذف، من سرق، من أخاف السبيل، من شرب الخمر، من بغى على الإمام العدل فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له, ولا يعاب جل جلاله بإخلاف الوعيد، بل لا يعاب الإنسان لو أخلف وعيده, فلو أنك توعدت إنساناً بسوء، ثم بعد ذلك تمكنت منه فعفوت عنه، فإن ذلك يكون محموداً، وكما قال القائل:

وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

الموعد ينجزه, أما الوعيد فإنه يخلفه, إذا كان الوعيد في حق المسلم فالله عز وجل جعله تحت المشيئة.

أما إذا كان الوعيد للكافر المشرك، الذي مات وهو صاد عن سبيل الله, ومحاد لله ورسوله فالوعيد نافذ؛ لأن الله تعالى قال: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72], وبين ربنا جل جلاله أن أهل النار يوم القيامة -عياذاً بالله- من حالهم يقولون لأهل الجنة: أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ [الأعراف:50], فيكون جواب أهل الجنة: إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:50-51].

عجز المشركين عن الهرب من الله تعالى

يقول الله عز وجل: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134], وما أنتم أيها الكفار والمشركون والفجار والعاصون بمعجزين الله جل جلاله, المعجزون: جمع تصحيح لمعجز, والمعجز: اسم فاعل من الإعجاز، وهو الفوت والهرب, يقول الله عز وجل: ما أنتم أيها الكفار والمشركون بفائتين الله عز وجل ولا بهاربين من قضائه وقدره وعقوبته وبطشه جل جلاله, وهذا المعنى هو الذي أقرت به الجن حين قالوا: وَأَنَّا ظَنَنَّا [الجن:12] بمعنى: أيقنا, أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا [الجن:12], أي: لا أحد يفر من قضاء الله عز وجل وقدره؛ ولذلك الكفار يوم القيامة يقولون: أَيْنَ المَفَرُّ [القيامة:10], والجواب: لا مفر.

قوله تعالى: إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ [الأنعام:134], (توعدون) هاهنا, إما أن تكون من الوعد, وإما أن تكون من الوعيد. أما إذا كانت من الوعد فقد أجمع المسلمون على أن الله تعالى إذا وعد بخير فإنه سبحانه لا يخلف الميعاد؛ لقوله سبحانه: إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ المِيعَادَ[آل عمران:9].

وأما إذا أوعد بالشر جل جلاله ففي هذا تفصيل:

فإذا كان الموعد بالشر مسلماً فهو تحت المشيئة, إن شاء الله أنفذ وعيده فيه وإن شاء عفا، كما قال سبحانه: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48], فكل ذنب دون الشرك فأمره إلى الله، إن شاء عذب وإن شاء غفر, وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أصاب من هذه الحدود شيئاً فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له وطهور, ومن لم يؤخذ به في الدنيا فأمره إلى الله, إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ), (من أصاب من الحدود شيئاً): من زنا، من قذف، من سرق، من أخاف السبيل، من شرب الخمر، من بغى على الإمام العدل فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له, ولا يعاب جل جلاله بإخلاف الوعيد، بل لا يعاب الإنسان لو أخلف وعيده, فلو أنك توعدت إنساناً بسوء، ثم بعد ذلك تمكنت منه فعفوت عنه، فإن ذلك يكون محموداً، وكما قال القائل:

وإني إذا أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

الموعد ينجزه, أما الوعيد فإنه يخلفه, إذا كان الوعيد في حق المسلم فالله عز وجل جعله تحت المشيئة.

أما إذا كان الوعيد للكافر المشرك، الذي مات وهو صاد عن سبيل الله, ومحاد لله ورسوله فالوعيد نافذ؛ لأن الله تعالى قال: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72], وبين ربنا جل جلاله أن أهل النار يوم القيامة -عياذاً بالله- من حالهم يقولون لأهل الجنة: أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ [الأعراف:50], فيكون جواب أهل الجنة: إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ [الأعراف:50-51].

يقول الله عز وجل: وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134], وما أنتم أيها الكفار والمشركون والفجار والعاصون بمعجزين الله جل جلاله, المعجزون: جمع تصحيح لمعجز, والمعجز: اسم فاعل من الإعجاز، وهو الفوت والهرب, يقول الله عز وجل: ما أنتم أيها الكفار والمشركون بفائتين الله عز وجل ولا بهاربين من قضائه وقدره وعقوبته وبطشه جل جلاله, وهذا المعنى هو الذي أقرت به الجن حين قالوا: وَأَنَّا ظَنَنَّا [الجن:12] بمعنى: أيقنا, أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللهَ فِي الأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا [الجن:12], أي: لا أحد يفر من قضاء الله عز وجل وقدره؛ ولذلك الكفار يوم القيامة يقولون: أَيْنَ المَفَرُّ [القيامة:10], والجواب: لا مفر.

قال عز وجل: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ [الأنعام:135].

الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم, يأمره ربه جل جلاله بأن يخاطب كفار مكة بهذا الكلام.

معنى (القوم) في لغة العرب

قوله تعالى: (( يَا قَوْمِ )) وكلمة القوم في لغة العرب تطلق على خصوص الرجال كما في قول الله عز وجل: لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ [الحجرات:11], ثم قال بعدها: وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ [الحجرات:11], وكما في قول القائل:

وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء

أي: رجال هم أم نساء.

معنى المكانة

قال تعالى: (( اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ )) هذه قراءة الجمهور, وقرأ شعبة عن عاصم وحده بالجمع: (اعملوا على مكاناتكم), والمكانات: جمع مكانة وهي المنزلة التي يتبوؤها الإنسان، وهي تأنيث المكان، كما يقال: الدارة: تأنيث الدار, ولا تعارض بين القراءتين؛ لأن المفرد إذا أضيف إلى معرفة أفاد العموم, كما في قول الله عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63], أي: أوامره, وكما في قول الله عز وجل على لسان لوط عليه الصلاة والسلام: قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ [الحجر:68], أي: ضيوفي, وكما في قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ[النور:31], أي: الأطفال الذي لم يظهروا على عورات النساء.

ما يفيده الأمر الوارد في قوله تعالى: (اعملوا على مكانتكم)

وقوله تعالى: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ هذه الآية فيها تهديد ووعيد لهؤلاء المشركين الذين رسخت أقدامهم في الكفر, وكانوا يستهزئون بالقرآن, ويستهزئون بالنبي عليه الصلاة والسلام، فالله يهددهم ويتوعدهم ويقول: اثبتوا على كفركم, اصبروا على شرككم, كونوا على صدكم عن سبيل ربكم، اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ أي: إني ثابت القدم على الإيمان, إني راسخ في الإسلام, وهذه الآية تهديد، كما في قول الله عز وجل: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا [التوبة:82], وكما في قول الله عز وجل: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فصلت:40], وكما في قول الله عز وجل: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29], هذا كله تهديد, لا يفهم من هذه الآيات أن الله أباح الكفر أو أباح لهم أن يبقوا عليه.

من تكون له عاقبة الدار

قال تعالى: إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ [الأنعام:135], العاقبة: مآل الأمر، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ أي: هل تكون لي أو لكم؟ أيمكن الله لي أو لكم؟ أينصرني ربي أو ينصركم؟ وقد صدق الله رسوله صلى الله عليه وسلم وعده, فما مات صلوات ربي وسلامه عليه حتى فتح الله له مكة, وفتح له كثيراً من البلاد، ومكنه من نواصي من خالفه من العباد, فدانت له جزيرة العرب واليمن والبحرين، ثم بعد وفاته صلوات ربي وسلامه عليه فتحت الأقاليم والرساتيق، ودخل الناس في دين الله أفواجاً إنفاذاً لوعد الله عز جل حين قال: كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة:21], وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ المَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173], إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ [غافر:51], فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم:13-14], وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55].

نفي الفلاح عن الكفار في الدنيا والآخرة

ثم قال: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:135], أي: الكافرون, كما قال ربنا سبحانه: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ[البقرة:254], ففي هذه الآية ينفي الله عنهم الفلاح بإطلاق, فلا فلاح لهم في الدنيا ولا في الآخرة.

قوله تعالى: (( يَا قَوْمِ )) وكلمة القوم في لغة العرب تطلق على خصوص الرجال كما في قول الله عز وجل: لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ [الحجرات:11], ثم قال بعدها: وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ [الحجرات:11], وكما في قول القائل:

وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء

أي: رجال هم أم نساء.

قال تعالى: (( اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ )) هذه قراءة الجمهور, وقرأ شعبة عن عاصم وحده بالجمع: (اعملوا على مكاناتكم), والمكانات: جمع مكانة وهي المنزلة التي يتبوؤها الإنسان، وهي تأنيث المكان، كما يقال: الدارة: تأنيث الدار, ولا تعارض بين القراءتين؛ لأن المفرد إذا أضيف إلى معرفة أفاد العموم, كما في قول الله عز وجل: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63], أي: أوامره, وكما في قول الله عز وجل على لسان لوط عليه الصلاة والسلام: قَالَ إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ [الحجر:68], أي: ضيوفي, وكما في قوله تعالى: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ[النور:31], أي: الأطفال الذي لم يظهروا على عورات النساء.

وقوله تعالى: قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ هذه الآية فيها تهديد ووعيد لهؤلاء المشركين الذين رسخت أقدامهم في الكفر, وكانوا يستهزئون بالقرآن, ويستهزئون بالنبي عليه الصلاة والسلام، فالله يهددهم ويتوعدهم ويقول: اثبتوا على كفركم, اصبروا على شرككم, كونوا على صدكم عن سبيل ربكم، اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ أي: إني ثابت القدم على الإيمان, إني راسخ في الإسلام, وهذه الآية تهديد، كما في قول الله عز وجل: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا [التوبة:82], وكما في قول الله عز وجل: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [فصلت:40], وكما في قول الله عز وجل: فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29], هذا كله تهديد, لا يفهم من هذه الآيات أن الله أباح الكفر أو أباح لهم أن يبقوا عليه.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير من سورة الأعلى إلى سورة البلد 2546 استماع
تفسير من سورة الفيل إلى سورة الكوثر 2534 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [98-106] 2506 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [27-29] 2377 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [21-24] 2368 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآية [151] 2295 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [27-35] 2263 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [71-78] 2127 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [115-118] 2087 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [30-36] 2049 استماع