تفسير سورة الأنعام - الآيات [84-90]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى, أما بعد:

فإن ربنا تبارك وتعالى بعدما قص علينا خبر إبراهيم مع أبيه وقومه، وكيف أنه ناظرهم على عقيدة التوحيد، بين ربنا جل جلاله نعمته على خليله إبراهيم عليه السلام، فقال سبحانه: وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا [الأنعام:84]، (ووهبنا) النون نون العظمة، والهبة عطاء من الله عز وجل.

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ [الأنعام:84]، عوض الله عز وجل إبراهيم عليه السلام لما ترك أباه وقومه، وهاجر من وطنه إيثاراً لرضا الله عز وجل ورغبة في ما عنده، فوهب له هذه الذرية الصالحة ليأنس بها ويطمئن إليها.

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ [الأنعام:84]، وهب الله له إسحاق على كبر منه، كما حكى ربنا في سورة هود: أن الملائكة لما بشرته بمولد إسحاق أقبلت امرأته في صرة، أي: في صيحة وضجة، فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ [الذاريات:29]، وفي سورة هود: قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ [هود:72].

وبعدما وهب الله له إسحاق جعل من ذرية إسحاق يعقوب عليه السلام الذي هو حفيد إبراهيم، قال الله عز وجل: كُلاًّ هَدَيْنَا [الأنعام:84]، (كلاً)، التنوين هنا: للعوض، وتقدير الكلام: كل واحد منهم هديناه، كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ [الأنعام:84]، ونوح عليه السلام يسمونه آدم الصغير؛ لأن جميع البشر من ذرية نوح؛ لأنه عليه السلام لما دعا قومه إلى الله فأبوا، أرسل الله عز وجل عليهم الطوفان فأهلكهم جميعاً، وما نجا إلا نوحاً ومن آمن معه، قال سبحانه: وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ [الصافات:77].

أوجه الشبه بين إبراهيم ونوح عليهما السلام

ذكر الله عز وجل نوحاً بعدما ذكر إبراهيم للشبه الذي بينهما، فإن إبراهيم عليه السلام جادل أباه وقومه، وكذلك نوح عليه السلام جادل قومه، وشدد في الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، فواجهه قومه بالنكير، وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً [نوح:23]، ثم قالوا له: يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [هود:32-34]، وهذا وجه من أوجه الشبه بين نوح وإبراهيم عليهما السلام.

الوجه الثاني: أن جميع الأنبياء بعد نوح هم من ذرية نوح، وكذلك جميع الأنبياء بعد إبراهيم من ذرية إبراهيم، وقد قال الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [الحديد:26]، وقال عن إبراهيم عليه السلام: وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ [العنكبوت:27].

عود الضمير في قوله تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان ...)

قال الله عز وجل: وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ [الأنعام:84]، والسؤال في قول ربنا جل جلاله: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ [الأنعام:84]، من ذرية من؟ إبراهيم أم نوح؟ قولان لأهل التفسير:

قال بعضهم: ومن ذرية نوح؛ لأن نوحاً هو أقرب مذكور، والضمير يرجع إليه، وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ [الأنعام:84]، أي من ذرية نوح، واستدلوا على ذلك بوجه آخر، وهو أن في هؤلاء الأنبياء المذكورين لوطاً وهو عليه السلام ليس من ذرية إبراهيم بل هو ابن أخيه باتفاق المؤرخين.

وقال بعض المفسرين: بل الضمير يرجع إلى إبراهيم؛ لأن السياق كله حديث عن إبراهيم عليه السلام.

الأنبياء الذين ورد ذكرهم في قوله تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان ...)

قال الله عز وجل: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الأنعام:84]، داود عليه السلام هو أول أنبياء بني إسرائيل الذي جمع الله له بين النبوة والملك، فكان نبياً ملكاً، وهذا النبي المبارك قد أثنى عليه ربه جل جلاله في كتابه، فقال: وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ [ص:20]، وقال عنه وعن ولده: وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً [الأنبياء:79].

وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ [الأنعام:84]، سليمان بن داود، قال الله عنه وعن أبيه: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ [النمل:15-16]، سليمان عليه السلام آتاه الله عز وجل ملكاً عظيماً، فسخر له الطير والإنس والجن، وسخر له ما شاء من خلقه استجابة لدعوته حين قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص:35].

وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ [الأنعام:84]، وأيوب هو: العبد الصالح الذي قال الله عنه: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44]، وَمُوسَى وَهَارُونَ [الأنعام:84] وهما ابنا عمران اللذان أرسلهما الله عز وجل إلى فرعون اللئيم وأمرهما بأن يلينا له القول، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود:96-97].

وموسى عليه السلام كانت منته على هارون عظيمة؛ إذ جعل الله هارون نبياً استجابة لدعوة موسى، حين قال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه:25-32]، وحين قال: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ [القصص:34].

وبعد أن ذكر الله عز وجل هؤلاء الأنبياء؛ داود وسليمان وأيوب ويوسف وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وموسى وهارون.

قال سبحانه: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الأنعام:84]، (وكذلك)، التشبيه راجع للهداية، لما قال: وَنُوحاً هَدَيْنَا [الأنعام:84]، أي: مثل هذه الهداية، نهدي بها كل من اتصف بوصف الإحسان، و(المحسنين) جمع محسن، وهو اسم فاعل من الإحسان، والإحسان كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم على درجتين: أن تعبد الله كأنك تراه، وهذه درجة سامية عالية، والتي بعدها: فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

فهؤلاء المحسنون يهديهم الله عز وجل، كما قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

ذكر الله عز وجل نوحاً بعدما ذكر إبراهيم للشبه الذي بينهما، فإن إبراهيم عليه السلام جادل أباه وقومه، وكذلك نوح عليه السلام جادل قومه، وشدد في الدعوة إلى توحيد الله عز وجل، فواجهه قومه بالنكير، وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً [نوح:23]، ثم قالوا له: يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [هود:32-34]، وهذا وجه من أوجه الشبه بين نوح وإبراهيم عليهما السلام.

الوجه الثاني: أن جميع الأنبياء بعد نوح هم من ذرية نوح، وكذلك جميع الأنبياء بعد إبراهيم من ذرية إبراهيم، وقد قال الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ [الحديد:26]، وقال عن إبراهيم عليه السلام: وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنْ الصَّالِحِينَ [العنكبوت:27].

قال الله عز وجل: وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ [الأنعام:84]، والسؤال في قول ربنا جل جلاله: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ [الأنعام:84]، من ذرية من؟ إبراهيم أم نوح؟ قولان لأهل التفسير:

قال بعضهم: ومن ذرية نوح؛ لأن نوحاً هو أقرب مذكور، والضمير يرجع إليه، وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ [الأنعام:84]، أي من ذرية نوح، واستدلوا على ذلك بوجه آخر، وهو أن في هؤلاء الأنبياء المذكورين لوطاً وهو عليه السلام ليس من ذرية إبراهيم بل هو ابن أخيه باتفاق المؤرخين.

وقال بعض المفسرين: بل الضمير يرجع إلى إبراهيم؛ لأن السياق كله حديث عن إبراهيم عليه السلام.

قال الله عز وجل: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الأنعام:84]، داود عليه السلام هو أول أنبياء بني إسرائيل الذي جمع الله له بين النبوة والملك، فكان نبياً ملكاً، وهذا النبي المبارك قد أثنى عليه ربه جل جلاله في كتابه، فقال: وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ [ص:20]، وقال عنه وعن ولده: وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً [الأنبياء:79].

وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ [الأنعام:84]، سليمان بن داود، قال الله عنه وعن أبيه: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ [النمل:15-16]، سليمان عليه السلام آتاه الله عز وجل ملكاً عظيماً، فسخر له الطير والإنس والجن، وسخر له ما شاء من خلقه استجابة لدعوته حين قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص:35].

وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ [الأنعام:84]، وأيوب هو: العبد الصالح الذي قال الله عنه: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:44]، وَمُوسَى وَهَارُونَ [الأنعام:84] وهما ابنا عمران اللذان أرسلهما الله عز وجل إلى فرعون اللئيم وأمرهما بأن يلينا له القول، فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44]، وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود:96-97].

وموسى عليه السلام كانت منته على هارون عظيمة؛ إذ جعل الله هارون نبياً استجابة لدعوة موسى، حين قال: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه:25-32]، وحين قال: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ [القصص:34].

وبعد أن ذكر الله عز وجل هؤلاء الأنبياء؛ داود وسليمان وأيوب ويوسف وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وموسى وهارون.

قال سبحانه: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الأنعام:84]، (وكذلك)، التشبيه راجع للهداية، لما قال: وَنُوحاً هَدَيْنَا [الأنعام:84]، أي: مثل هذه الهداية، نهدي بها كل من اتصف بوصف الإحسان، و(المحسنين) جمع محسن، وهو اسم فاعل من الإحسان، والإحسان كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم على درجتين: أن تعبد الله كأنك تراه، وهذه درجة سامية عالية، والتي بعدها: فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

فهؤلاء المحسنون يهديهم الله عز وجل، كما قال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

قال الله عز وجل: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ [الأنعام:85]، ذكر ربنا جل جلاله زكريا، ذلك العبد الصالح والنبي الكريم، الذي نادى ربه نداءً خفياً، فاستجاب الله عز وجل دعوته وأصلح له زوجه ووهب له يحيى، بعدما شكا إلى الله عز وجل كبر سنه ووهن عظمه وعقم زوجه، استجاب الله عز وجل دعاءه وحقق رجاءه.

ثم ذكر بعد زكريا ولده يحيى الذي سماه الله عز وجل سيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين، وكان واحداً من الأنبياء الذين قتلوا في سبيل الله عز وجل.

وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى [الأنعام:85]، عيسى عليه السلام هو ابن مريم الذي جعله الله وأمه آية للعالمين، فخلقه من أم بلا أب، وأجرى على يديه تلك المعجزات الباهرات العظيمات، حين كلم الناس في المهد صبياً، وآتاه الله الحكمة، وكان ينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، وكان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، وأنزل الله عليه مائدة من السماء.

دخول أبناء البنات في الوقف على الذرية

وهاهنا مسألة فقهية وهي: لو أن إنساناً قال: هذا المال وقف على ذريتي، أو قال: هذا المال وقف على أولادي، فهل يدخل في الأولاد أولاد البنات؟ ومعلوم أن كلامه هذا يشمل أولاده لصلبه، أي: الأولاد الذكور ومن تناسل منهم، وكذلك يشمل البنات، لكن من تناسل من البنات، هل يدخلون في هذا اللفظ؟ أنتم تقولون: لا؛ بناء على قول الفرزدق:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

لكن في الآية دليل على أنهم يدخلون؛ لأن الله عز وجل قال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ [الأنعام:84]، ثم قال: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى [الأنعام:85]، وعيسى هو ابن مريم ، فعيسى ليس من ذرية إبراهيم من جهة الآباء، وإنما من جهة بنته مريم ؛ ولذلك قال بعض أهل العلم: من قال: هذا المال وقف على ذريتي، يدخل في ذلك أولاد البنات كذلك، واستدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن : ( إن ابني هذا سيد )، فسمى الحسن ابناً، مع أن الحسن هو ابن بنته.

وهذه المسألة هي التي قال فيها الطاغية الغشوم، الحجاج بن يوسف للعبد الصالح يحيى بن يعمر ، قال له: أنت تزعم أن الحسن و الحسين أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال له: بلى، أنا أزعم ذلك، قال له: والله لئن لم تأتني بآية لأجعلنك نكالاً، فهذا الإمام الفذ رحمه الله ما تردد، بل قال له: أما تقرأ سورة الأنعام؟ قال: بلى، قال: أما تقرأ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ [الأنعام:84]، إلى أن ذكر عيسى، وإنما عيسى ابن بنت، وليس ابن ابن. وهذا حكم فرعي استفيد من هذه الآية المباركة.

نبي الله إلياس عليه السلام

الشهادة للأنبياء بصلاح النية والعمل

قال تعالى: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ [الأنعام:85]، يشهد ربنا جل جلاله شهادة حق لهؤلاء النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين؛ بأنهم جميعاً كانوا صالحين، والصالحون جمع صالح، والصالح هو من جمع بين صلاح النية وصلاح القول والعمل.

فمن كان قوله وعمله صالحاً ولم تكن النية كذلك لم يوصف بالصلاح، وكذلك من كانت نيته صالحة ولكن عمله ليس على مقتضى الشرع فإنه لا يوصف بالصلاح، بل الصالح من جمع بين الأمرين، بين صلاح النية وصلاح القول والعمل، وهذا الذي ذكره ربنا في قوله: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125]، أي: أخلص قصده لله، وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً [النساء:125]، وفي قوله سبحانه: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف:110].

وهاهنا مسألة فقهية وهي: لو أن إنساناً قال: هذا المال وقف على ذريتي، أو قال: هذا المال وقف على أولادي، فهل يدخل في الأولاد أولاد البنات؟ ومعلوم أن كلامه هذا يشمل أولاده لصلبه، أي: الأولاد الذكور ومن تناسل منهم، وكذلك يشمل البنات، لكن من تناسل من البنات، هل يدخلون في هذا اللفظ؟ أنتم تقولون: لا؛ بناء على قول الفرزدق:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

لكن في الآية دليل على أنهم يدخلون؛ لأن الله عز وجل قال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ [الأنعام:84]، ثم قال: وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى [الأنعام:85]، وعيسى هو ابن مريم ، فعيسى ليس من ذرية إبراهيم من جهة الآباء، وإنما من جهة بنته مريم ؛ ولذلك قال بعض أهل العلم: من قال: هذا المال وقف على ذريتي، يدخل في ذلك أولاد البنات كذلك، واستدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن : ( إن ابني هذا سيد )، فسمى الحسن ابناً، مع أن الحسن هو ابن بنته.

وهذه المسألة هي التي قال فيها الطاغية الغشوم، الحجاج بن يوسف للعبد الصالح يحيى بن يعمر ، قال له: أنت تزعم أن الحسن و الحسين أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال له: بلى، أنا أزعم ذلك، قال له: والله لئن لم تأتني بآية لأجعلنك نكالاً، فهذا الإمام الفذ رحمه الله ما تردد، بل قال له: أما تقرأ سورة الأنعام؟ قال: بلى، قال: أما تقرأ: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ [الأنعام:84]، إلى أن ذكر عيسى، وإنما عيسى ابن بنت، وليس ابن ابن. وهذا حكم فرعي استفيد من هذه الآية المباركة.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير من سورة الأعلى إلى سورة البلد 2546 استماع
تفسير من سورة الفيل إلى سورة الكوثر 2534 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [98-106] 2506 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [27-29] 2378 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [21-24] 2368 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآية [151] 2295 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [27-35] 2263 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [71-78] 2127 استماع
تفسير سورة الأنعام - الآيات [115-118] 2087 استماع
تفسير سورة الكهف - الآيات [30-36] 2049 استماع