خطب ومحاضرات
تفسير سورة الأنعام - الآيات [10-16]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى المهاجرين والأنصار.
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:
ففي الآيات التي سبقت بين فيها ربنا تبارك وتعالى سوء أدب المشركين مع ربهم، وتكذيبهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم، وأنهم كانوا لا يكفون عن الاقتراحات، وكانوا يقولون: لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [الأنعام:8]، وقد أجاب ربنا تبارك وتعالى بقوله: وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ [الأنعام:8]، فلو استجاب الله عز وجل لرغباتهم وحقق مقترحاتهم، وأنزل ما يريدون من الآيات؛ لتبع ذلك حلول العذاب، وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لا يُنظَرُونَ .
قال الله عز وجل: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [الأنعام:9]، فلو قدر الله عز وجل أن يبعث ملكاً؛ لجعل هذا الملك رجلاً؛ من أجل أن يراه الناس على طبيعتهم، ويقتدوا بحاله، كما قال سبحانه: قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا [الإسراء:95]، لكن لما كان سكان الأرض بشراً، فإن الله عز وجل جعل الرسول بشراً، من أجل أن يروا حاله ويسمعوا أقواله، ويقتدوا بأفعاله، فيأكلون كما يأكل، ويشربون كما يشرب، ويمشون كما يمشي، ويصنعون ما يصنع، هذه هي حكمة الله عز وجل.
وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [الأنعام:9]، أي: لخلطنا عليهم مثل الذي يخلطون.
يقول الله عز وجل مسلياً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، ومعزياً إياه: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الأنعام:10]، اللام واقعة في جواب القسم، وقد: حرف تحقيق، وكلاهما مؤكد للخبر، وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ [الأنعام:10]، والاستهزاء والسخرية كلاهما بمعنى واحد، لكنه استخدم لفظ الاستهزاء؛ لأنه أكثر.
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ، أي: لست يا محمد بدعاً من الرسل، إن كان القوم قد استهزءوا بك، وأساءوا الأدب معك، ونسبوا إليك ما ليس فيك، فنسبوا إليك السحر والجنون والكهانة والفتنة.. وغير ذلك من ألفاظ السوء، فقد تعرض المرسلون من قبلك لمثل هذا، بل تعرضوا للتكذيب كما كذبت: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام:34]، وهذه الآية المجملة بين فيها ربنا جل جلاله أن الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم قد استهزئ بهم.
سخرية قوم نوح من نبيهم
وقد فصلت آيات القرآن في هذا الاستهزاء، فقد بين ربنا جل جلاله أن قوم نوح سخروا منه، وكانت تلك السخرية: أنه لما بدأ في صنع السفينة، قال له قومه: يا نوح! قد صرت نجاراً بعد ما كنت نبياً، أين الماء الذي تسير عليه هذه السفينة؟ فكان نوح عليه السلام يجيب بقوله: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38]، فكانت العاقبة أنه حاق بهم ما كانوا به يستهزئون، قال الله عز وجل: فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [العنكبوت:14]، وقال الله عز وجل: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصَارًا [نوح:25]، وقال: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود:44]، فأنزل الله عز وجل بأولئك القوم ما يستحقون من عذاب ونكال.
سخرية قوم هود من نبيهم
وكذلك قوم هود، كانوا يسخرون من هود عليه السلام، فيقولون عنه: مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ [المؤمنون:33-34]، وكانوا يقولون له: يا هود! إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ [هود:54]، كانوا يقولون له: بسبب كلامك في الآلهة قد أصابك بعض السوء، مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ [هود:53]، فالله عز وجل بين ما حاق بهم من العذاب، قال سبحانه: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:6-7]، وقال سبحانه: إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات:41-42].
سخرية قوم صالح من نبيهم
وكذلك قوم صالح كانوا يقولون له: يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا [هود:62]، أي: كنا نظن بك الخير، وننتظر منك البر، فبين ربنا ما حاق بهم، فقال سبحانه: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [الحاقة:5]، وقال سبحانه: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا [هود:67-68].
سخرية قوم شعيب من نبيهم
وكذلك قوم شعيب كانوا يسخرون من نبيهم، فيقولون له: يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ [هود:91]، يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود:87]، وكانوا يقولون لشعيب: وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء:186-187]، أسقط علينا قطعاً من السماء إن كنت من الصادقين.
سخرية قوم لوط من نبيهم
وكذلك قوم لوط، سخروا بنبيهم عليه السلام، وكانوا يقولون: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل:56]، ولما ذكرهم بالله: قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود:78] أي: بالزواج المشروع، الحلال، فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78]، فأجابوه الجواب اللئيم: قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ [هود:79]، قال الله عز وجل: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:82-83].
جزاء المستهزئين بالأنبياء
يقول الله عز وجل: يا محمد! هؤلاء الرسل من قبلك قد استهزئ بهم، (فحاق) حاق.. يحيق.. حيقاً، وحيوقاً، وحيقاناً، أي: نزل، فنزل بهؤلاء الذين سخروا -أي: استهزءوا- منهم ما كانوا به يستهزئون، كانوا يستهزئون بنزول العذاب مثل استهزاء قومك، فقد كان الكفار إذا بلغ بهم الكفر عرامةً يقولون له: اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:32]، قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال:33]، فكان وجوده صلى الله عليه وسلم أماناً لهؤلاء الكفار المكذبين.
وفي قوله: فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون[الأنعام:10] نلاحظ فصاحة القرآن، فتارة يستخدم الاستهزاء، وتارة يستخدم السخرية، لئلا تكرر الألفاظ فيكون في النفوس سآمة وملل.
وقد فصلت آيات القرآن في هذا الاستهزاء، فقد بين ربنا جل جلاله أن قوم نوح سخروا منه، وكانت تلك السخرية: أنه لما بدأ في صنع السفينة، قال له قومه: يا نوح! قد صرت نجاراً بعد ما كنت نبياً، أين الماء الذي تسير عليه هذه السفينة؟ فكان نوح عليه السلام يجيب بقوله: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38]، فكانت العاقبة أنه حاق بهم ما كانوا به يستهزئون، قال الله عز وجل: فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ [العنكبوت:14]، وقال الله عز وجل: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصَارًا [نوح:25]، وقال: وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود:44]، فأنزل الله عز وجل بأولئك القوم ما يستحقون من عذاب ونكال.
وكذلك قوم هود، كانوا يسخرون من هود عليه السلام، فيقولون عنه: مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ * وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ [المؤمنون:33-34]، وكانوا يقولون له: يا هود! إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ [هود:54]، كانوا يقولون له: بسبب كلامك في الآلهة قد أصابك بعض السوء، مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ [هود:53]، فالله عز وجل بين ما حاق بهم من العذاب، قال سبحانه: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:6-7]، وقال سبحانه: إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ [الذاريات:41-42].
وكذلك قوم صالح كانوا يقولون له: يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا [هود:62]، أي: كنا نظن بك الخير، وننتظر منك البر، فبين ربنا ما حاق بهم، فقال سبحانه: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [الحاقة:5]، وقال سبحانه: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا [هود:67-68].
وكذلك قوم شعيب كانوا يسخرون من نبيهم، فيقولون له: يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ [هود:91]، يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ [هود:87]، وكانوا يقولون لشعيب: وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الشعراء:186-187]، أسقط علينا قطعاً من السماء إن كنت من الصادقين.
وكذلك قوم لوط، سخروا بنبيهم عليه السلام، وكانوا يقولون: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل:56]، ولما ذكرهم بالله: قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود:78] أي: بالزواج المشروع، الحلال، فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود:78]، فأجابوه الجواب اللئيم: قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ [هود:79]، قال الله عز وجل: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:82-83].
يقول الله عز وجل: يا محمد! هؤلاء الرسل من قبلك قد استهزئ بهم، (فحاق) حاق.. يحيق.. حيقاً، وحيوقاً، وحيقاناً، أي: نزل، فنزل بهؤلاء الذين سخروا -أي: استهزءوا- منهم ما كانوا به يستهزئون، كانوا يستهزئون بنزول العذاب مثل استهزاء قومك، فقد كان الكفار إذا بلغ بهم الكفر عرامةً يقولون له: اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الأنفال:32]، قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال:33]، فكان وجوده صلى الله عليه وسلم أماناً لهؤلاء الكفار المكذبين.
وفي قوله: فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون[الأنعام:10] نلاحظ فصاحة القرآن، فتارة يستخدم الاستهزاء، وتارة يستخدم السخرية، لئلا تكرر الألفاظ فيكون في النفوس سآمة وملل.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير من سورة الأعلى إلى سورة البلد | 2549 استماع |
تفسير من سورة الفيل إلى سورة الكوثر | 2539 استماع |
تفسير سورة الكهف - الآيات [98-106] | 2511 استماع |
تفسير سورة الكهف - الآيات [27-29] | 2379 استماع |
تفسير سورة الكهف - الآيات [21-24] | 2370 استماع |
تفسير سورة الأنعام - الآية [151] | 2298 استماع |
تفسير سورة الأنعام - الآيات [27-35] | 2265 استماع |
تفسير سورة الكهف - الآيات [71-78] | 2173 استماع |
تفسير سورة الأنعام - الآيات [115-118] | 2089 استماع |
تفسير سورة الكهف - الآيات [30-36] | 2052 استماع |