تفسير سورة الأنعام - الآيات [1-9]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً، طيباً، مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فقد مضى معنا الكلام في مقدمة هذه السورة، وعرفنا أنها من السور المكية، وقد نزلت دفعة واحدة؛ لأنها جاءت على سبيل المحاجة للمشركين، وتزييف ما هم عليه من المنكر والباطل في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله.

فضل الحمد واستحقاق الله له دون غيره

وهذه السورة المباركة قد افتتحت بالحمد كما افتتحت سور أربع سواها: سورة الفاتحة، وسورة الكهف، وسورة سبأ، وسورة فاطر.

وكلمة (الحمد لله) تفيد استحقاق الله جل جلاله الحمد وحده دون غيره، فهو المحمود سبحانه وتعالى دون سواه، لا يستحق الشكر والحمد أحد سواه، وهذه الكلمة -كلمة الحمد لله- لا ينبغي أن تفارق لسان عبد الله المؤمن، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمد الله عز وجل إذا أصابته نعمة وإذا أصابه بلاء، إذا أصابته نعمة قال: ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات )، وإذا أصابه بلاء قال: ( الحمد لله على كل حال )، وأخبرنا صلوات ربي وسلامه عليه: ( أن الله تعالى يرضى من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ).

وكان من هديه صلوات ربي وسلامه عليه أنه يحمد الله إذا ثار من فراشه، فيقول: ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور )، وكان يحمد الله إذا فرغ من طعامه: ( الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة )، بل حمد ربه بعدما أصابه الذي أصابه يوم أحد، بعدما شج وجهه وكسرت رباعيته، وجحشت ركبتاه، صلوات الله وسلامه عليه، قال لأصحابه: ( اصطفوا لأثني على ربي، فقال: اللهم لك الحمد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت )، إلى آخر ما قال صلوات الله وسلامه عليه.

دلالة خلق السموات والأرض على صفات الكمال لله وعلى وجوب عبادته

افتتح ربنا هذه السورة المباركة بهذه الكلمة المباركة (الحمد لله)، ثم وصف نفسه جل جلاله بصفات الكمال والجلال، وأولها الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:1]، والسموات والأرض آيتان من آيات الله عز وجل، لفت أنظارنا إليها في كثير من آي القرآن، يقول الله عز وجل: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق:6-7]، ويقول سبحانه: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ [الذاريات:47-48]، ويقول سبحانه: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ [الصافات:6-7]، ويقول سبحانه في آية أخرى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5]، إلى غير ذلك من الآيات، فهو سبحانه خلق السموات والأرض أوجدهما على غير مثال سابق، كما قال سبحانه: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:117]، بديع: أوجدهما على غير مثال سابق، والنتيجة التي ينبغي أن يفضي إليها كل عاقل أن الذي خلق هو الذي ينبغي أن يُعبد، ولا يُعبد معه غيره؛ ولذلك أول نداء في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ [البقرة:21]، من ربكم؟ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:21-22].

وهذه السورة المباركة قد افتتحت بالحمد كما افتتحت سور أربع سواها: سورة الفاتحة، وسورة الكهف، وسورة سبأ، وسورة فاطر.

وكلمة (الحمد لله) تفيد استحقاق الله جل جلاله الحمد وحده دون غيره، فهو المحمود سبحانه وتعالى دون سواه، لا يستحق الشكر والحمد أحد سواه، وهذه الكلمة -كلمة الحمد لله- لا ينبغي أن تفارق لسان عبد الله المؤمن، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمد الله عز وجل إذا أصابته نعمة وإذا أصابه بلاء، إذا أصابته نعمة قال: ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات )، وإذا أصابه بلاء قال: ( الحمد لله على كل حال )، وأخبرنا صلوات ربي وسلامه عليه: ( أن الله تعالى يرضى من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ).

وكان من هديه صلوات ربي وسلامه عليه أنه يحمد الله إذا ثار من فراشه، فيقول: ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور )، وكان يحمد الله إذا فرغ من طعامه: ( الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة )، بل حمد ربه بعدما أصابه الذي أصابه يوم أحد، بعدما شج وجهه وكسرت رباعيته، وجحشت ركبتاه، صلوات الله وسلامه عليه، قال لأصحابه: ( اصطفوا لأثني على ربي، فقال: اللهم لك الحمد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت، ولا مضل لمن هديت )، إلى آخر ما قال صلوات الله وسلامه عليه.

افتتح ربنا هذه السورة المباركة بهذه الكلمة المباركة (الحمد لله)، ثم وصف نفسه جل جلاله بصفات الكمال والجلال، وأولها الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:1]، والسموات والأرض آيتان من آيات الله عز وجل، لفت أنظارنا إليها في كثير من آي القرآن، يقول الله عز وجل: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق:6-7]، ويقول سبحانه: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ [الذاريات:47-48]، ويقول سبحانه: إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ [الصافات:6-7]، ويقول سبحانه في آية أخرى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ [الملك:5]، إلى غير ذلك من الآيات، فهو سبحانه خلق السموات والأرض أوجدهما على غير مثال سابق، كما قال سبحانه: بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [البقرة:117]، بديع: أوجدهما على غير مثال سابق، والنتيجة التي ينبغي أن يفضي إليها كل عاقل أن الذي خلق هو الذي ينبغي أن يُعبد، ولا يُعبد معه غيره؛ ولذلك أول نداء في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ [البقرة:21]، من ربكم؟ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:21-22].

قال سبحانه: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [الأنعام:1]، لم جمعت السموات وأفردت الأرض؟ وهذا مطرد في سائر سور القرآن، فالسموات تذكر مجموعة والأرض مفردة، وهذا إما لأن المقصود بالأرض: السفل والتحت، وهو لا يجمع، وإما لأن الأرض بالنسبة إلى السموات كحلقة ألقيت في فلاة، فالأرضون بالنسبة للسموات صغير حجمها، يسير شأنها؛ ولذلك تفرد، والسموات تجمع.

وقال بعض أهل التفسير: أفرد الأرض؛ لأنها عالم واحد، وجمع السموات؛ لأنها عوالم، وقد دل القرآن على أن الأرضين كالسموات من حيث العدد، قال الله عز وجل: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12]، وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن المثلية مثلية عدد، ففي حديث سعيد بن زيد بن عمرو في الصحيحين: ( من أخذ شبراً من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين )، وكان صلى الله عليه وسلم إذا دخل بلداً قال: ( اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الرياح وما ذرين، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها، وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها، وشر أهلها، وشر ما فيها ).

قال سبحانه: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1]، جعل بمعنى: أحدث وأنشأ؛ لأنها تعدت إلى مفعول واحد، أما إذا تعدت إلى مفعولين فإنها تكون بمعنى صير، كما في قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3].

وقد جمع الله عز وجل الظلمات وأفرد النور، والظلمات جمع ظلمة، والجمع إما باعتبار الخفة على اللسان؛ لأن الظلمات أخف على اللسان من الظلمة، والنور أخف على اللسان من أنوار، وإما أن يكون المراد -والعلم عند الله تعالى- بجمع الظلمات أن الظلمات طرق كثيرة، وليس للنور إلا طريق واحد، كما قال الله عز وجل: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]. أو أن الله عز وجل جمع الظلمات وأفرد النور باعتبار الشرف، مثلما جمع الشمائل وأفرد اليمين: عَنْ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ [النحل:48].

وقدم الظلمات على النور باعتبار السبق، فالإنسان كان في ظلمة، ثم خرج إلى النور، كما قال ربنا سبحانه: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ [الزمر:6].

المراد بالكفار الذين يعدلون مع الله غيره

قال تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنعام:1]، المراد بالذين كفروا كل من كفر بإثبات إله غير الله، إما بأن ينسب إليه خلقاً كالمانوية الذين يعتقدون خالقاً غير الله، وإما بإثبات معبود غيره كمشركي العرب، الذين كانوا يعتقدون أن الله هو الذي خلق وحده، والأصنام لم تخلق، لكنهم كانوا يعبدونها ويقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].

قال تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]، والعدل: التسوية، ومنه قول الله عز وجل: أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً [المائدة:95]، ومنه تقول العرب: عادلت البعير، أي: إذا جعلت جانبيه مستويين في الحمل، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1].

قال تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنعام:1]، المراد بالذين كفروا كل من كفر بإثبات إله غير الله، إما بأن ينسب إليه خلقاً كالمانوية الذين يعتقدون خالقاً غير الله، وإما بإثبات معبود غيره كمشركي العرب، الذين كانوا يعتقدون أن الله هو الذي خلق وحده، والأصنام لم تخلق، لكنهم كانوا يعبدونها ويقولون: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].

قال تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1]، والعدل: التسوية، ومنه قول الله عز وجل: أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً [المائدة:95]، ومنه تقول العرب: عادلت البعير، أي: إذا جعلت جانبيه مستويين في الحمل، ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1].

قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً[الأنعام:2]، ينبه الله عز وجل هؤلاء المشركين إلى ابتداء خلقتهم، وأول تكوينهم من أجل أن يتعرفوا على ربهم، وخلق الإنسان من طين قد دلت عليه آيات من القرآن، كقول ربنا الرحمن: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12]، وكقوله سبحانه: إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ [ص:71]، وكقوله سبحانه على لسان إبليس في حق آدم: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [ص:76].

وفي قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام:2]، التفات من الغيبة إلى الخطاب، فالآية الأولى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنعام:1]، خطاب عن غائب، وها هنا خطاب للكفار مباشرة: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً [الأنعام:2]، والأجل هنا مراد به الموت.

معاني كلمة (قضى) في القرآن الكريم

وكلمة: قَضَى [الأنعام:2]، تجيء في القرآن بمعنى: الكتابة، وبمعنى: الفصل والحكم، وبمعنى: الأمر والإلزام، وبمعنى: الوفاء والإتمام، فمثلاً لو قرأت قول الله عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23]، أي: حكم وأمر جل جلاله، ولو قرأت قول الله عز وجل: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ [الزمر:42]، قضى هنا بمعنى كتب وقدر.

وهاهنا يقول الله عز وجل: ثُمَّ قَضَى أَجَلاً [الأنعام:2]، قضى هاهنا بمعنى: أوفى أجل كل مخلوق، كقوله سبحانه: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ[سبأ:14]، أي: وفيناه أجله، تمت أيامه، وانقضت ساعاته، وفارقت روحه جسده.

دلالة قول الله عز وجل: (وأجل مسمىً عنده)

قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً [الأنعام:2]، المراد به أجل الموت، وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام:2]، مراد به القيامة، والسؤال هنا: أليس موتي وموتك أجلاً مسمى عنده؟ فلم خص الثاني بقوله: مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام:2]؟

والجواب: أن الأجل الأول -وهو الموت-، لا أحد يعرفه إلا بعد وقوعه، فأنا الآن -مثلاً- أعرف أني ولدت في يوم كذا من شهر كذا سنة كذا، لكن متى أموت، لا أحد يعرف، لكن بعد الموت سيقال: مات فلان في يوم كذا من شهر كذا سنة كذا، أما القيامة فلا يعرفها أحد، سواء الآن أو غداً أو بعد غد، أو في أي وقت، يقول تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف:187]، إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان:34]، اختص نفسه؛ ولذلك لما سأل جبريل النبي الأمين عليهم السلام بقوله: ( أخبرني عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل )، فلا يعلم وقت وقوعها إلا الله عز وجل.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام:2]؛ ولذلك الأجل المسمى هذا إذا جاء يخرج الناس من قبورهم، قال الله عز وجل: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم:55]، وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ [يونس:45]، فهم لا يعرفون كم الوقت الذي قضوه منذ أن قبضت أرواحهم إلى أن قامت قيامتهم.

تشكيك الكفار في أمر الساعة وعنادهم محمداً صلى الله عليه وسلم

يقول الله عز وجل: ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام:2]، أي: يا مشركون! يا معاندون! بعد هذه الأدلة كلها أنتم تمترون، أنتم في مرية، أنتم في شك، تعاندون محمداً صلى الله عليه وسلم مع أنكم مقرون بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض، وأنه الذي خلق الظلمات والنور، وأنه سبحانه هو الذي قضى أجلاً، وأنكم تموتون.. وفي كل يوم ترون من يموت، وبعد ذلك أنتم تمترون في أمر الساعة، في أمر الأجل المسمى؛ ولذلك كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [المؤمنون:82-83]، أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا [الإسراء:49]، مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78]، أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مريم:66]، كانوا يشككون ويمترون.

وكلمة: قَضَى [الأنعام:2]، تجيء في القرآن بمعنى: الكتابة، وبمعنى: الفصل والحكم، وبمعنى: الأمر والإلزام، وبمعنى: الوفاء والإتمام، فمثلاً لو قرأت قول الله عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ [الإسراء:23]، أي: حكم وأمر جل جلاله، ولو قرأت قول الله عز وجل: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ [الزمر:42]، قضى هنا بمعنى كتب وقدر.

وهاهنا يقول الله عز وجل: ثُمَّ قَضَى أَجَلاً [الأنعام:2]، قضى هاهنا بمعنى: أوفى أجل كل مخلوق، كقوله سبحانه: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ[سبأ:14]، أي: وفيناه أجله، تمت أيامه، وانقضت ساعاته، وفارقت روحه جسده.

قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً [الأنعام:2]، المراد به أجل الموت، وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام:2]، مراد به القيامة، والسؤال هنا: أليس موتي وموتك أجلاً مسمى عنده؟ فلم خص الثاني بقوله: مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام:2]؟

والجواب: أن الأجل الأول -وهو الموت-، لا أحد يعرفه إلا بعد وقوعه، فأنا الآن -مثلاً- أعرف أني ولدت في يوم كذا من شهر كذا سنة كذا، لكن متى أموت، لا أحد يعرف، لكن بعد الموت سيقال: مات فلان في يوم كذا من شهر كذا سنة كذا، أما القيامة فلا يعرفها أحد، سواء الآن أو غداً أو بعد غد، أو في أي وقت، يقول تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف:187]، إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لقمان:34]، اختص نفسه؛ ولذلك لما سأل جبريل النبي الأمين عليهم السلام بقوله: ( أخبرني عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل )، فلا يعلم وقت وقوعها إلا الله عز وجل.

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام:2]؛ ولذلك الأجل المسمى هذا إذا جاء يخرج الناس من قبورهم، قال الله عز وجل: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ المُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم:55]، وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ [يونس:45]، فهم لا يعرفون كم الوقت الذي قضوه منذ أن قبضت أرواحهم إلى أن قامت قيامتهم.

يقول الله عز وجل: ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام:2]، أي: يا مشركون! يا معاندون! بعد هذه الأدلة كلها أنتم تمترون، أنتم في مرية، أنتم في شك، تعاندون محمداً صلى الله عليه وسلم مع أنكم مقرون بأن الله هو الذي خلق السموات والأرض، وأنه الذي خلق الظلمات والنور، وأنه سبحانه هو الذي قضى أجلاً، وأنكم تموتون.. وفي كل يوم ترون من يموت، وبعد ذلك أنتم تمترون في أمر الساعة، في أمر الأجل المسمى؛ ولذلك كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [المؤمنون:82-83]، أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا [الإسراء:49]، مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78]، أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مريم:66]، كانوا يشككون ويمترون.