العدة شرح العمدة [4]


الحلقة مفرغة

مسألة: هل التيمم مبيح لما تجب له الطهارة أم رافع للحدث؟

في هذا نزاع، وإن قلنا: رافع للحدث، سيترتب على ذلك أمور، وإن قلنا: مبيح لما تجب له الطهارة، سيترتب على ذلك أمور أيضاً.

والحنابلة قالوا: إنه مبيح لما تجب له الطهارة، والمقصود: أنه لو تيمم مسلم لصلاة الظهر ثم جاء وقت العصر ولا يزال على تيممه فإنهم يلزمونه أن يعيد التيمم، وهذا مرجوح؛ لأن الراجح في التيمم أنه رافع للحدث وليس مبيحاً لما تجب له الطهارة.

مثال ذلك: تيمم لسنة صلاة الظهر فهل يجوز له أن يمس المصحف بهذا التيمم؟

القول الراجح عند الحنابلة: أنه إن تيمم لعبادة فلا يجوز أن يفعل ما فوقها، أما ما دونها فيجوز، وما فوق النافلة هو الفرض، أما مس المصحف فهو أدنى، والعلماء اختلفوا في مس المصحف بوضوء أو غير وضوء، والنافلة ما اختلف أحد فيها، فمسه للمصحف يجوز في هذه الحالة عند هؤلاء وعند هؤلاء.

ونحن نقول: الرأي الراجح: أنه إذا تيمم للظهر والعلة لا زالت قائمة وهي: عدم وجود الماء، فإنه يصلي بهذا التيمم ما شاء، فلو تيمم لسنة الظهر فإنه يصلي بها فرض الظهر، ويصلي بها العصر، ويصلي بها المغرب، ويصلي بها العشاء طالما لا تزال العلة قائمة، ويصلي بها ما نسي من الصلوات، ويقضي بها النوافل؛ لأن التيمم بديل تام عن الوضوء، ورافع للحدث عند عدم وجود الماء.

ما يمنع منه الحيض

ننتقل إلى باب الحيض:

الحيض عند الحنابلة يمنع عشرة أشياء:

1- فعل الصلاة.

2- وجوب الصلاة ومعنى هذا: أن الصلاة ترفع عن الحائض، ويرفع عنها القضاء.

3- فعل الصيام، أما وجوب الصيام فلا يرفع؛ لأنها مأمورة بقضاء الصيام بعد انتهاء الحيض، فوجوب الصيام لم يرفع، والدليل في صحيح البخاري في كتاب الحيض، يقول البخاري : باب تقضي الحائض الصيام؛ لأن البخاري فقيه ومحدث، وفقهه يظهر من الترجمة، يقول: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في فطر أو أضحى، يعني: في عيد فطر أو عيد أضحى، والشك من الراوي، فبعد أن وعظ الرجال -أي: خطب الرجال- ذهب إلى النساء! وقال: يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الصدقة فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: يا رسول الله! ما بالنا أكثر أهل النار؟ قال: تكفرن -فقلن: نكفر بالله؟- قال: لا. بل تكفرن العشير، وتكثرن اللعن، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان عقلها ودينها يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل؟ - قلن: بلى- قال: أليس إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي؟).

فهذا معناه أن الصلاة والصيام ترفع عن الحائض في حال حيضها.

لذلك قال هنا: ويمنع الحيض عشرة أشياء:

1- فعل الصلاة.

2- وجوبها.

3- فعل الصيام.

4- والطواف.

5- وقراءة القرآن.

6- ومس المصحف.

7- واللبث في المسجد.

8- والوطء في الفرج -جماع-.

9- وسنة الطلاق.

10- والاعتداد بالأشهر.

ونأتي الآن إلى تفصيل العشرة وقد بينا الصلاة والصيام، وأما قوله: الطواف بالبيت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير)، ويمكن أن يقول قائل: إن هذا الحديث غير واضح في الدلالة، خذ الواضح: في البخاري في كتاب الحيض في الطواف: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة عائشة في ذي الحليفة في حجة الوداع فوجدها تبكي، فقال: ما يبكيك يا عائشة أنفست؟)، انظروا إخواني إلى حرص عائشة رضي الله عنها على الطاعة، فهي تبكي حزناً على فوات الطاعة.

فقالت رضي الله عنها: يرجع صويحباتي بحج وعمرة وأنا أرجع بحج -لأن الحيض سيمنعها من أداء حجة متمتعة- فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم منها ذلك قال لها: (افعلي كما يفعل الحاج إلا أن لا تطوفي بالبيت)، فلا يجوز للحائض أن تطوف، ولذلك بعد أنهت مناسك الحج ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها عبد الرحمن أن يردفها خلفه إلى التنعيم لتحرم بالعمرة بعد أن طهرت، والتنعيم عمرة التنعيم للأعذار للحيض ونحن جعلناها الآن كلما سافر أحد منا ذهب إلى التنعيم، والسؤال كما قال شيخ الإسلام ، عبد الرحمن صحابي أم لا؟ الصحابة يحرصون على الطاعة أم يضيعون الطاعات؟ لم لم يحرم مع أخته؛ لأنه ليس من أهل الأعذار؛ ولأنه ليس له عمرة لأن هذا الميقات ليس هو الخاص به، ونحن إذا سافرنا نقول: عملت عشر عمرات، رايح جاي الله أكبر! يا عبد الله! العمرة بسفرة من ميقاتك أنت، فلبي في الميقات عمرة عن أبي عمرة، عن أمي عمرة واحدة، أما أن تذهب إلى مكة تعتمر لنفسك ثم تخرج إلى التنعيم ويعتمر لأبيك ثم لأمك ثم لجدك ثم لخالتك، عمرات متتابعة، يقول شيخ الإسلام في الفتاوى: وهذا ليس عليه عمل السلف وما أثر عنهم أنهم كانوا يقومون بهذا.

ثم قال: قراءة القرآن: وهذا قول مرجوح، فقد فرق شيخ الإسلام بين الجنب والحائض في قراءة القرآن، وما ورد من نصوص في عدم جواز قراءة القرآن للحائض ضعيف، ولذلك قال: وقراءة القرآن، في الشرح، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن)، رواه أبو داود وهو منكر، يعني: أنهم استدلوا بحديث منكر، ولذلك فهذا المذهب مرجوح، بل يجوز للحائض أن تقرأ دون أن تمس المصحف؛ لأن الحيض ليس بيدها، أما الجنب فبيده أن يرفع الجنابة، أما الحائض فربما يمتد مدة الحيض إلى خمسة عشر يوماً، فهل يجوز لنا أن نحرم المرأة من قراءة القرآن طوال هذه المدة؟ فيجوز لها أن تقرأ القرآن من ذاكرتها، أو تقرأ من كتاب غير المصحف.

وهذا من اختيارات شيخ الإسلام رحمه الله تعالى التي خالف فيها المذاهب: أنه يجوز للحائض أن تقرأ القرآن وهذا هو الراجح.

ثم قال: ومس المصحف، ومس المصحف لا يجوز للحائض؛ لقوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]، وهذا الاستدلال في غير محله، مع أن مس المصحف لا يجوز، لكن هذا الدليل لا يصلح؛ لأن معنى لا يمسه إلا المطهرون المقصود بهم: الملائكة، إنما مس المصحف هناك أحاديث ضعيفة في النهي عن مس المصحف لكنها تتظافر وترتقي إلى مرتبة الحسن، وعند كثير من العلماء: أن مس المصحف للحائض لا يجوز، والمسألة تحتاج إلى بحث؛ لأن هناك من يجوز مس المصحف.

قوله: والمكث في المسجد.

أما المكث في المسجد فقد ضعف العلماء الأحاديث الواردة في النهي عن المكث في المسجد للحائض، لكن هناك حديث في البخاري ، وقد علق عليه ابن حجر وهو قول عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد يخرج لي رأسه إلى حجرتي وأنا حائض لأغسله وأرجّله، ما يمنعني من دخول المسجد إلا الحيض).

وهذا دليل واضح كما قال ابن حجر ، فلم تدخل عائشة المسجد لتغسل رأس النبي صلى الله عليه وسلم داخل المسجد؛ لأنها حائض، فالمكث في المسجد على سبيل الاستقرار لا يجوز للحائض.

وقوله: والوطء في الفرج، يحرم عليك أن تجامع الحائض؛ لأن الله قال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222]، وفي قراءة ورش : يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرّن ، ليس يطهرن وإنما: يطهّرن ، بتشديد الطاء، ويتطهّرن بمعنى: يغتسلن.

وجمهور العلماء على أنه لابد من الاغتسال للمرأة الحائض إذا طهرت وأراد زوجها أن يجامعها، والأحناف يقولون: يكفي أن ينقطع الدم، وهذا قول مرجوح بل لا بد من الاغتسال؛ لأن قراءة ورش تبيّن المعنى، فلا بد للمرأة أن تغتسل قبل أن يجامعها زوجها، فيحرم مجامعة المرأة وهي حائض.

يقول الإمام النووي في شرح مسلم : من جامع امرأته وهي حائض مستحلاً فقد كفر كفراً يخرج من الملة؛ لأنه أحل ما حرم الله، وهذا بعد إقامة الحجة عليه ونفي الشبهة عنه.

لذلك أقول: من المسلمين اليوم من يجهل هذا الحكم، وقد يعرفه ويتعدى حدود الله، لكن يجوز للزوج أن يأمر الزوجة فتلبس إزاراً تأتزر به، تلبس إزاراً ويباشرها وهي حائض، دون أن يطأ الفرج أو يقترب من الدبر، والمباشرة معناها: جماع دون أن يقترب من الفرج، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ليشرّع لنا.

و البخاري بوّب باباً على هذا، باب: مباشرة الحائض، والحديث عن عائشة وعن كثير من زوجات نبينا عليه الصلاة والسلام.

قوله: وسنة الطلاق، ومعنى سنة الطلاق أي: أنه لا يطلق المرأة وهي حائض؛ لأنه تعدٍ لحدود الله، والحديث عن ابن عمر لما طلق زوجه وهي حائض، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (مره فليراجعها ويمسك حتى تحيض ثم تطهر، ثم تحيض، ثم تستقبل الطهر الثاني فإن شاء طلق وإن شاء أمسك)، والمقصود: أن تكون المرأة طاهرة شهراً كاملاً تقريباً، وهو لا يمسها، وهذا وهو يبغضها تماماً، وقد عزم على الطلاق بالفعل، ولكن إن طلق وهي حائض فإن النفس تعاف المرأة الحائض، أو يطلقها بعد جماع فهذا طلاق بدعي، وربنا يقول: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، أي: مستقبلات العدة.

والطلاق السني أن يطلقها من طهر لم يجامعها فيه، أما الطلاق البدعي فهو أن يطلقها في حيض أو يطلقها في طهر جامعها فيه.

وهنا مسألة وهي: هل يقع الطلاق البدعي؟

المسألة خلافية: فجمهور العلماء على وقوعه، وقد خالفهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وابن كثير والشيخ: أحمد محمد شاكر رحمهم الله تعالى، ويرون عدم وقوع الطلاق البدعي.

وقد بوب البخاري في الصحيح: باب إذا طلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق، لأن ابن عمر قال: وحسبت علي طلقة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لـابن عمر : فليراجعها والمراجعة لا تكون إلا من طلاق، وهذا رأي جمهور العلماء، والذي عليه أهل العلم والله تعالى أعلم.

وآخر شيء يمنعه الحيض هو: أن تعتد بالأشهر، وإنما تعتد بالحيض، لأنه طالما أن المرأة حاضت إذاً عدتها ثلاث حيض وليس ثلاثة أشهر، وفرق كبير إن كانت يائسة من المحيض أو لم تحض فعدتها ثلاثة أشهر، فإن حاضت أصبح واجباً عليها أن تعتد بالحيض، فالحيض يمنع الاعتداد بالأشهر، وربما يسأل سائل: وهل هناك فرق؟ يقول الشافعي رحمه الله: رأيت جدة في مصر بلغت إحدى وعشرين عاماً، حاضت وهي بنت تسع سنين، فتزوجت ثم أنجبت بنتاً بعد السنة العاشرة، أنجبت بنتاً فحاضت ابنتها وهي بنت تسع فتزوجت ثم أنجبت بنتاً، فأصبحت جدة وعمرها إحدى وعشرين سنة، وهذا في زماننا يسمى لغزاً ويحتاج إلى حل.

اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعوة لا يستجاب لها.

ننتقل إلى باب الحيض:

الحيض عند الحنابلة يمنع عشرة أشياء:

1- فعل الصلاة.

2- وجوب الصلاة ومعنى هذا: أن الصلاة ترفع عن الحائض، ويرفع عنها القضاء.

3- فعل الصيام، أما وجوب الصيام فلا يرفع؛ لأنها مأمورة بقضاء الصيام بعد انتهاء الحيض، فوجوب الصيام لم يرفع، والدليل في صحيح البخاري في كتاب الحيض، يقول البخاري : باب تقضي الحائض الصيام؛ لأن البخاري فقيه ومحدث، وفقهه يظهر من الترجمة، يقول: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في فطر أو أضحى، يعني: في عيد فطر أو عيد أضحى، والشك من الراوي، فبعد أن وعظ الرجال -أي: خطب الرجال- ذهب إلى النساء! وقال: يا معشر النساء تصدقن وأكثرن من الصدقة فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: يا رسول الله! ما بالنا أكثر أهل النار؟ قال: تكفرن -فقلن: نكفر بالله؟- قال: لا. بل تكفرن العشير، وتكثرن اللعن، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، قلن: وما نقصان عقلها ودينها يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل؟ - قلن: بلى- قال: أليس إذا حاضت لا تصوم ولا تصلي؟).

فهذا معناه أن الصلاة والصيام ترفع عن الحائض في حال حيضها.

لذلك قال هنا: ويمنع الحيض عشرة أشياء:

1- فعل الصلاة.

2- وجوبها.

3- فعل الصيام.

4- والطواف.

5- وقراءة القرآن.

6- ومس المصحف.

7- واللبث في المسجد.

8- والوطء في الفرج -جماع-.

9- وسنة الطلاق.

10- والاعتداد بالأشهر.

ونأتي الآن إلى تفصيل العشرة وقد بينا الصلاة والصيام، وأما قوله: الطواف بالبيت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير)، ويمكن أن يقول قائل: إن هذا الحديث غير واضح في الدلالة، خذ الواضح: في البخاري في كتاب الحيض في الطواف: (دخل النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة عائشة في ذي الحليفة في حجة الوداع فوجدها تبكي، فقال: ما يبكيك يا عائشة أنفست؟)، انظروا إخواني إلى حرص عائشة رضي الله عنها على الطاعة، فهي تبكي حزناً على فوات الطاعة.

فقالت رضي الله عنها: يرجع صويحباتي بحج وعمرة وأنا أرجع بحج -لأن الحيض سيمنعها من أداء حجة متمتعة- فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم منها ذلك قال لها: (افعلي كما يفعل الحاج إلا أن لا تطوفي بالبيت)، فلا يجوز للحائض أن تطوف، ولذلك بعد أنهت مناسك الحج ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها عبد الرحمن أن يردفها خلفه إلى التنعيم لتحرم بالعمرة بعد أن طهرت، والتنعيم عمرة التنعيم للأعذار للحيض ونحن جعلناها الآن كلما سافر أحد منا ذهب إلى التنعيم، والسؤال كما قال شيخ الإسلام ، عبد الرحمن صحابي أم لا؟ الصحابة يحرصون على الطاعة أم يضيعون الطاعات؟ لم لم يحرم مع أخته؛ لأنه ليس من أهل الأعذار؛ ولأنه ليس له عمرة لأن هذا الميقات ليس هو الخاص به، ونحن إذا سافرنا نقول: عملت عشر عمرات، رايح جاي الله أكبر! يا عبد الله! العمرة بسفرة من ميقاتك أنت، فلبي في الميقات عمرة عن أبي عمرة، عن أمي عمرة واحدة، أما أن تذهب إلى مكة تعتمر لنفسك ثم تخرج إلى التنعيم ويعتمر لأبيك ثم لأمك ثم لجدك ثم لخالتك، عمرات متتابعة، يقول شيخ الإسلام في الفتاوى: وهذا ليس عليه عمل السلف وما أثر عنهم أنهم كانوا يقومون بهذا.

ثم قال: قراءة القرآن: وهذا قول مرجوح، فقد فرق شيخ الإسلام بين الجنب والحائض في قراءة القرآن، وما ورد من نصوص في عدم جواز قراءة القرآن للحائض ضعيف، ولذلك قال: وقراءة القرآن، في الشرح، لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن)، رواه أبو داود وهو منكر، يعني: أنهم استدلوا بحديث منكر، ولذلك فهذا المذهب مرجوح، بل يجوز للحائض أن تقرأ دون أن تمس المصحف؛ لأن الحيض ليس بيدها، أما الجنب فبيده أن يرفع الجنابة، أما الحائض فربما يمتد مدة الحيض إلى خمسة عشر يوماً، فهل يجوز لنا أن نحرم المرأة من قراءة القرآن طوال هذه المدة؟ فيجوز لها أن تقرأ القرآن من ذاكرتها، أو تقرأ من كتاب غير المصحف.

وهذا من اختيارات شيخ الإسلام رحمه الله تعالى التي خالف فيها المذاهب: أنه يجوز للحائض أن تقرأ القرآن وهذا هو الراجح.

ثم قال: ومس المصحف، ومس المصحف لا يجوز للحائض؛ لقوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]، وهذا الاستدلال في غير محله، مع أن مس المصحف لا يجوز، لكن هذا الدليل لا يصلح؛ لأن معنى لا يمسه إلا المطهرون المقصود بهم: الملائكة، إنما مس المصحف هناك أحاديث ضعيفة في النهي عن مس المصحف لكنها تتظافر وترتقي إلى مرتبة الحسن، وعند كثير من العلماء: أن مس المصحف للحائض لا يجوز، والمسألة تحتاج إلى بحث؛ لأن هناك من يجوز مس المصحف.

قوله: والمكث في المسجد.

أما المكث في المسجد فقد ضعف العلماء الأحاديث الواردة في النهي عن المكث في المسجد للحائض، لكن هناك حديث في البخاري ، وقد علق عليه ابن حجر وهو قول عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد يخرج لي رأسه إلى حجرتي وأنا حائض لأغسله وأرجّله، ما يمنعني من دخول المسجد إلا الحيض).

وهذا دليل واضح كما قال ابن حجر ، فلم تدخل عائشة المسجد لتغسل رأس النبي صلى الله عليه وسلم داخل المسجد؛ لأنها حائض، فالمكث في المسجد على سبيل الاستقرار لا يجوز للحائض.

وقوله: والوطء في الفرج، يحرم عليك أن تجامع الحائض؛ لأن الله قال: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة:222]، وفي قراءة ورش : يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرّن ، ليس يطهرن وإنما: يطهّرن ، بتشديد الطاء، ويتطهّرن بمعنى: يغتسلن.

وجمهور العلماء على أنه لابد من الاغتسال للمرأة الحائض إذا طهرت وأراد زوجها أن يجامعها، والأحناف يقولون: يكفي أن ينقطع الدم، وهذا قول مرجوح بل لا بد من الاغتسال؛ لأن قراءة ورش تبيّن المعنى، فلا بد للمرأة أن تغتسل قبل أن يجامعها زوجها، فيحرم مجامعة المرأة وهي حائض.

يقول الإمام النووي في شرح مسلم : من جامع امرأته وهي حائض مستحلاً فقد كفر كفراً يخرج من الملة؛ لأنه أحل ما حرم الله، وهذا بعد إقامة الحجة عليه ونفي الشبهة عنه.

لذلك أقول: من المسلمين اليوم من يجهل هذا الحكم، وقد يعرفه ويتعدى حدود الله، لكن يجوز للزوج أن يأمر الزوجة فتلبس إزاراً تأتزر به، تلبس إزاراً ويباشرها وهي حائض، دون أن يطأ الفرج أو يقترب من الدبر، والمباشرة معناها: جماع دون أن يقترب من الفرج، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ليشرّع لنا.

و البخاري بوّب باباً على هذا، باب: مباشرة الحائض، والحديث عن عائشة وعن كثير من زوجات نبينا عليه الصلاة والسلام.

قوله: وسنة الطلاق، ومعنى سنة الطلاق أي: أنه لا يطلق المرأة وهي حائض؛ لأنه تعدٍ لحدود الله، والحديث عن ابن عمر لما طلق زوجه وهي حائض، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (مره فليراجعها ويمسك حتى تحيض ثم تطهر، ثم تحيض، ثم تستقبل الطهر الثاني فإن شاء طلق وإن شاء أمسك)، والمقصود: أن تكون المرأة طاهرة شهراً كاملاً تقريباً، وهو لا يمسها، وهذا وهو يبغضها تماماً، وقد عزم على الطلاق بالفعل، ولكن إن طلق وهي حائض فإن النفس تعاف المرأة الحائض، أو يطلقها بعد جماع فهذا طلاق بدعي، وربنا يقول: إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1]، أي: مستقبلات العدة.

والطلاق السني أن يطلقها من طهر لم يجامعها فيه، أما الطلاق البدعي فهو أن يطلقها في حيض أو يطلقها في طهر جامعها فيه.

وهنا مسألة وهي: هل يقع الطلاق البدعي؟

المسألة خلافية: فجمهور العلماء على وقوعه، وقد خالفهم شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشوكاني وابن كثير والشيخ: أحمد محمد شاكر رحمهم الله تعالى، ويرون عدم وقوع الطلاق البدعي.

وقد بوب البخاري في الصحيح: باب إذا طلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق، لأن ابن عمر قال: وحسبت علي طلقة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لـابن عمر : فليراجعها والمراجعة لا تكون إلا من طلاق، وهذا رأي جمهور العلماء، والذي عليه أهل العلم والله تعالى أعلم.

وآخر شيء يمنعه الحيض هو: أن تعتد بالأشهر، وإنما تعتد بالحيض، لأنه طالما أن المرأة حاضت إذاً عدتها ثلاث حيض وليس ثلاثة أشهر، وفرق كبير إن كانت يائسة من المحيض أو لم تحض فعدتها ثلاثة أشهر، فإن حاضت أصبح واجباً عليها أن تعتد بالحيض، فالحيض يمنع الاعتداد بالأشهر، وربما يسأل سائل: وهل هناك فرق؟ يقول الشافعي رحمه الله: رأيت جدة في مصر بلغت إحدى وعشرين عاماً، حاضت وهي بنت تسع سنين، فتزوجت ثم أنجبت بنتاً بعد السنة العاشرة، أنجبت بنتاً فحاضت ابنتها وهي بنت تسع فتزوجت ثم أنجبت بنتاً، فأصبحت جدة وعمرها إحدى وعشرين سنة، وهذا في زماننا يسمى لغزاً ويحتاج إلى حل.

اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، اللهم إنا نعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعوة لا يستجاب لها.


استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
العدة شرح العمدة [13] 2695 استماع
العدة شرح العمدة [68] 2619 استماع
العدة شرح العمدة [26] 2594 استماع
العدة شرح العمدة [3] 2517 استماع
العدة شرح العمدة [1] 2474 استماع
العدة شرح العمدة [62] 2373 استماع
العدة شرح العمدة [19] 2336 استماع
العدة شرح العمدة [11] 2332 استماع
العدة شرح العمدة [56] 2301 استماع
العدة شرح العمدة [15] 2236 استماع