تفسير سورة الحاقة [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، القائل: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:7-9]، والقائل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3]، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:14-16].

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيفما شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، واللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك، وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.

أما بعد:

فلا زلنا في تفسير سورة الحاقة، مع القرآن في شهر القرآن، لاسيما أننا على مقربة من العشر الأواخر، (كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان شد مئزره -إشارة إلى اعتزاله النساء-، وأيقظ أهله، وأحيا ليله)؛ التماساً لليلة القدر، فالمحروم من حرم خير هذه الليلة، ومن ثم أورد البخاري في صحيحه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوائل من رمضان وخرج من المسجد، فنزل عليه جبريل قائلاً له: إن الذي تتطلب أمامك، وكان يطلب ليلة القدر، فعاد هو والصحابة فاعتكف العشر الأواسط منه، فنزل جبريل وقال: إن الذي تطلب أمامك، فنادى منادٍ: من كان قد اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليعد فإنها في العشر الأواخر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: التمسوها في العشر الأواخر من رمضان)، انظر إلى التعبير اللطيف (التمسوها)، أي: ترقبوها، وتحفزوا لها، وابحثوا عنها.

والمتأمل في حال الأمة يجد أن الأمور قد تحولت، فهمة عالية في أول الشهر، وفتور وكسل في آخره، وهذا ليس من صنيع عاقل أبداً، وإنما لا بد في هذه الأيام المباركة من أن تضاعف العبادة، فقد كان السلف يختمون القرآن في رمضان في كل ثلاث، فإذا جاءت العشر الأواخر ختموا كل يوم ختمة، همة تضاعفت، والعكس هو الموجود الآن بين إخواننا.

يقول ربنا سبحانه: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ [الحاقة:19-37].

يخبر ربنا سبحانه في هذا الآيات عن حال السعداء وعن حال الأشقياء، والسعادة ليست هنا في الدنيا أبداً، وإنما هي سعادة وقتية، والسعادة الحقيقية هناك: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، أي: أن الفوز الحقيقي، والنجاة الحقيقة، والسعادة الخالدة أن تبعث يوم القيامة وقد أخذت كتابك بيمينك، فتنظر إليه فإذا بالسيئات قد بدلها الله حسنات؛ لأن الله قال: فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان:70].

وفي الصحيح من حديث ابن عمر : (إن الله يدني عبده -أي: يقربه ويستره ولا يفضحه- فينظر في صحيفته فيقر بسيئاته -أي: التي فعلها- فيقول له ربه: لقد سترتها عليك في الدنيا، واليوم أبدلها لك حسنات)، عند ذاك يفتخر ويرفع الصحيفة بيده اليمنى، ويقول: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19]، فهو يفتخر بها افتخاراً واعتزازاً، وعزة ما بعدها عزة، لأن الصحيفة مشرفة، فيها قيام ليل، صلاة في جماعة، قراءة قرآن، صيام، صلة رحم، التزام بشرع الله، فحق له أن يفتخر، وحق له أن يرفعها عالياً: هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19].

قال تعالى: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20]، والظن هنا بمعنى: اليقين، والظن له معان عدة في القرآن فلننتبه، وهذه يسميها العلماء باللفظ المشترك في القرآن، والمقصود أنه قد يكون هناك لفظ واحد له عدة معان مختلفة، كلفظ: ( أمة ) جاء بأكثر من معنى في القرآن الكريم، يقول الله عز وجل: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120]، أي: إماماً، ويؤيد ذلك قوله تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا [البقرة:124].

وفي سورة يوسف يقول الله تعالى في حق أحد صاحبي يوسف الذي خرج من السجن: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف:45]، أي: تذكر بعد فترة زمنية، فأمة هنا بمعنى: فترة زمنية، وليس بمعنى الإمام.

ويقول الله عز وجل: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92]، وفي سورة القصص: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً [القصص:23]، يعني: جماعة من الرجال، فاللفظ واحد لكن معناه متعدد.

وكذلك كلفظ (النكاح)، وعدم فهم مدلول اللفظ يوقع صاحبه في مشكلة في الفهم، وهذا ما صنعه منكر الشفاعة يوم أن خرج علينا بدين جديد، إذ يقول: إن الإسلام لا يعرف حد الرجم؛ لأن القرآن ما جاء بالرجم وإنما جاء بالجلد، ثم استدل بآية في سورة النساء بشأن الأمة -أي: المملوكة-، فاستدل بقوله تعالى: فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ [النساء:25]، فقال الجهبذ : والرجم لا ينصف؛ فإذاً لم يجئ الإسلام بالرجم فهذا لأنه فهم فهماً خطأً لمعنى كلمة: (أحصن)، إذ فسرها بمعنى تزوجن، ولهذا كان فهم المدلول اللفظي للكلمة مهماً جداً، فمثلاً: كلمة ( النكاح ) تأتي في القرآن بمعان عدة، يقول ربنا سبحانه: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:22]، يعني: نكاح زوجة الأب، لكن متى تحرم؟ هل بالدخول أم بالعقد؟

بمجرد أن يعقد الأب على امرأة دون أن يدخل بها تصبح محرمة على ولده حرمة أبدية؛ فإن تزوجها كان فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:22].

يقول ابن كثير : فنكاح زوجة الأب أشد حرمة عند الله من الزنا؛ لأنه قال في حق الزنا: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، وهنا قال: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا [النساء:22]، فالنكاح هنا بمعنى العقد.

والنكاح في سورة البقرة جاء بمعنى الدخول، قال تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا [البقرة:230]، أي: الطلقة الثالثة، فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، ما المقصود بالنكاح هنا؟ البناء، فلا بد أن (يذوق عسيلتها وتذوق عسيلته)، يعني: لا بد من الجماع والعقد لا يكفي.

وجاء لفظ النكاح في سورة النساء بمعنى بلوغ الرشد: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، أي: بلغوا الرشد.

إذاً: معرفة اللفظ المشترك المتعدد المعاني في القرآن الكريم مهم جداً، وهنا يقول ربنا: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20]، فالظن هنا بمعنى اليقين.

مراتب العلم

مراتب العلم ستة: علم، جهل مركب، جهل بسيط، ظن، وهم، شك.

مثال: سأل سائل فقال: متى كانت غزوة بدر؟ فأجاب آخر: غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، فهذا نسميه: علماً؛ لأنه أدرك الشيء على حقيقته.

وقال آخر: غزوة بدر كانت في السنة الثالثة للهجرة، فهذا نسميه: جهلاً مركباً ؛ لأنه أدرك الشيء على غير حقيقته، وما أكثر الجهل المركب في زماننا هذا، فتجد من يأتي بفتوى ليس لها أصل في الشرع ولا في دين الله، ويصدرها للناس، والآن نحن في سوق مفتوح للفتوى، يقول من شاء ما شاء بغير ضابط ولا رابط، حتى قال أحدهم لمن يصلون التراويح: يكفيكم أن تقرءوا التشهد في الصلاة إلى (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، ثم تسلمون في كل الركعات.

يا هذا أتريد للمصلين أن يصلوا إحدى عشرة ركعة ولا يصلون فيها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟! لصالح من هذا؟

يقول ابن قدامة في العدة: ومن ترك واجباً من واجبات الصلاة متعمداً فقد بطلت صلاته، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة؛ لأن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

وآخر يخرج علينا في زمان الفتن والمحن، في زمان وسد فيه الأمر إلى غير أهله، يخرج في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة فيقول: لا بأس بفوائد البنوك، ويجوز أن تعمر بها المساجد. إن المشركين كان عندهم ورع قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، فقد تعاهدوا على ألا يدخلوا في بيت الله مالاً من حرام، ونحن الآن نجد من يفتي بجواز دخول المال الحرام إلى بيوت الله!! ماذا بعد يا قوم؟ وماذا ننتظر بعد ذلك؟

إذاً: الجهل المركب هو: إدراك الشيء على غير حقيقته، وهذا شأن الملأ الذين كانوا مع العزيز في سورة يوسف: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف:43]، أتدري ما قال الملأ؟ لقد أجابوه لكن بجهل مركب، فقالوا: أَضْغَاثُ أَحْلامٍ [يوسف:44]، أي: هذه ليست رؤيا وإنما حلم من الشيطان، فأجابوا خطأً، وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ [يوسف:44]، ولو قالوا له: لا ندري لأفتوه.

وقال آخر: غزوة بدر لا أدري متى وقعت، فهذا نسميه: جهلاً بسيطاً، وثلث العلم (لا أدري)، يقول عمر رضي الله عنه: العلم ثلاثة: آية محكمة، سنة ماضية، لا أدري.

ومن ترك (لا أدري) أصيبت مقاتله، لذلك جاء في سيرة الإمام مالك أنه جاءه رجل من أقصى البلاد يحمل مسائل في جعبته، فسأل الإمام عن أربعين مسألة فأجاب عن أربع، وعن البقية بلا أدري.

وهذا محمد بن واسع من علماء المالكية كان إذا سئل عن الطلاق قال: لا أدري، اذهب إلى غيري، فقيل له: لمَ؟ قال: يا قوم! أخطئ في الفتوى، فيستمتع الرجل بزوجته على الفراش، وأنا أقذف بها في نار جهنم.

فهؤلاء قوم عندهم ورع، فما جعلوا أجسادهم معبراً إلى نار جهنم، أما الآن فنحن نعيش فوضى البعد عن كتاب الله وعدم التأصيل العلمي المنهجي.

والظن أن يقول قائل: غزوة بدر كانت في السنة الثانية للهجرة، واحتمال أن تكون في السنة الثالثة للهجرة، فهو أدرك وقدم الاحتمال الراجح، وأخر الاحتمال المرجوح.

والوهم أن يقول: غزوة بدر كانت في السنة الثالثة للهجرة، واحتمال أن تكون في السنة الثانية للهجرة، فأخر الراجح وقدم المرجوح.

والشك أن يقول: لا أدري، احتمال أن تكون في السنة الثانية أو الثالثة للهجرة، فاستوى عنده الأمران.

مراقبة المؤمنين لربهم عز وجل في كل أمورهم

قال تعالى: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20] أي: أيقنت، ولأنه أيقن عمل للآخرة، ولأنه أيقن عينه هناك إلى الآخرة ليست هنا، كل عمل يقوم به ينظر إليه في الآخرة ما جزاؤه عند الله عز وجل؟ وما هو الذي سأحصده من وراء هذا العمل؟ لذلك راقب ربك يا عبد الله! في كل أعمالك، واعلم أنه لا قيمة لصلاتك وقيامك وصيامك وتلاوتك للقرآن إن لم يتقبلها الله، وجزاء ذلك: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].

وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47].

لذلك المؤمن يفعل الطاعة ويخشى عدم القبول من الله عز وجل، وقلبه وجل من عدم القبول من الله، ويسعى في الإخلاص، لأن الإخلاص طريق الخلاص، فيبتعد عن أعين الناس وينفرد بنفسه، حتى يخفي العبادة، فقد كان رجل من السلف يصوم الدهر ولا تعلم زوجته بحاله، وهي أقرب الناس إليه، فيأخذ الطعام في الصباح عند خروجه إلى عمله فيتصدق به في الطريق على الفقراء والمساكين، ويعود بالليل فيتناول مع أولاده طعام العشاء، ولا أحد يدري بحاله، لأنه يطلب الأجر من الله عز وجل.

بينما نحن الآن ربما قد يكون المرء صائماً صيام نافلة، ثم يذهب إلى أخ له، وقبل أن يجلس يقول له: لا تأتي بشيء فإني صائم، فهل هو قال لك: سآتي بشيء؟! ولماذا هذه العجلة؟!

يا عبد الله! اجعل عبادتك بينك وبين ربك، (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، وانظر إلى الإخلاص، فاليد اليسرى لا تعلم ما تفعل اليد اليمنى، وهذا يشير إلى أن يخفي العمل بينه وبين ربه عز وجل.

وهكذا كان حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (تحسست الفراش في ليلة فلم أجد النبي صلى الله عليه وسلم بجواري، فأخذت أبحث عنه بالحجرة) -لأن الحجرة كانت مظلمة، ولو أنه نور كما يقولون لأضاء الحجرة، لكن هو نور معنوي يضيء للأمة الطريق، أما الذين يقولون: إنه نور حسي فيناقضون النصوص الثابتة.

ثم تقول: (فوجدته ساجداً بين يدي ربه، وقد ابتلت الأرض من دموعه، وهو يناجي ربه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).

مراتب العلم ستة: علم، جهل مركب، جهل بسيط، ظن، وهم، شك.

مثال: سأل سائل فقال: متى كانت غزوة بدر؟ فأجاب آخر: غزوة بدر في السنة الثانية للهجرة، فهذا نسميه: علماً؛ لأنه أدرك الشيء على حقيقته.

وقال آخر: غزوة بدر كانت في السنة الثالثة للهجرة، فهذا نسميه: جهلاً مركباً ؛ لأنه أدرك الشيء على غير حقيقته، وما أكثر الجهل المركب في زماننا هذا، فتجد من يأتي بفتوى ليس لها أصل في الشرع ولا في دين الله، ويصدرها للناس، والآن نحن في سوق مفتوح للفتوى، يقول من شاء ما شاء بغير ضابط ولا رابط، حتى قال أحدهم لمن يصلون التراويح: يكفيكم أن تقرءوا التشهد في الصلاة إلى (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، ثم تسلمون في كل الركعات.

يا هذا أتريد للمصلين أن يصلوا إحدى عشرة ركعة ولا يصلون فيها على النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟! لصالح من هذا؟

يقول ابن قدامة في العدة: ومن ترك واجباً من واجبات الصلاة متعمداً فقد بطلت صلاته، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة؛ لأن الله يقول: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

وآخر يخرج علينا في زمان الفتن والمحن، في زمان وسد فيه الأمر إلى غير أهله، يخرج في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة فيقول: لا بأس بفوائد البنوك، ويجوز أن تعمر بها المساجد. إن المشركين كان عندهم ورع قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام، فقد تعاهدوا على ألا يدخلوا في بيت الله مالاً من حرام، ونحن الآن نجد من يفتي بجواز دخول المال الحرام إلى بيوت الله!! ماذا بعد يا قوم؟ وماذا ننتظر بعد ذلك؟

إذاً: الجهل المركب هو: إدراك الشيء على غير حقيقته، وهذا شأن الملأ الذين كانوا مع العزيز في سورة يوسف: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف:43]، أتدري ما قال الملأ؟ لقد أجابوه لكن بجهل مركب، فقالوا: أَضْغَاثُ أَحْلامٍ [يوسف:44]، أي: هذه ليست رؤيا وإنما حلم من الشيطان، فأجابوا خطأً، وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ [يوسف:44]، ولو قالوا له: لا ندري لأفتوه.

وقال آخر: غزوة بدر لا أدري متى وقعت، فهذا نسميه: جهلاً بسيطاً، وثلث العلم (لا أدري)، يقول عمر رضي الله عنه: العلم ثلاثة: آية محكمة، سنة ماضية، لا أدري.

ومن ترك (لا أدري) أصيبت مقاتله، لذلك جاء في سيرة الإمام مالك أنه جاءه رجل من أقصى البلاد يحمل مسائل في جعبته، فسأل الإمام عن أربعين مسألة فأجاب عن أربع، وعن البقية بلا أدري.

وهذا محمد بن واسع من علماء المالكية كان إذا سئل عن الطلاق قال: لا أدري، اذهب إلى غيري، فقيل له: لمَ؟ قال: يا قوم! أخطئ في الفتوى، فيستمتع الرجل بزوجته على الفراش، وأنا أقذف بها في نار جهنم.

فهؤلاء قوم عندهم ورع، فما جعلوا أجسادهم معبراً إلى نار جهنم، أما الآن فنحن نعيش فوضى البعد عن كتاب الله وعدم التأصيل العلمي المنهجي.

والظن أن يقول قائل: غزوة بدر كانت في السنة الثانية للهجرة، واحتمال أن تكون في السنة الثالثة للهجرة، فهو أدرك وقدم الاحتمال الراجح، وأخر الاحتمال المرجوح.

والوهم أن يقول: غزوة بدر كانت في السنة الثالثة للهجرة، واحتمال أن تكون في السنة الثانية للهجرة، فأخر الراجح وقدم المرجوح.

والشك أن يقول: لا أدري، احتمال أن تكون في السنة الثانية أو الثالثة للهجرة، فاستوى عنده الأمران.

قال تعالى: إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20] أي: أيقنت، ولأنه أيقن عمل للآخرة، ولأنه أيقن عينه هناك إلى الآخرة ليست هنا، كل عمل يقوم به ينظر إليه في الآخرة ما جزاؤه عند الله عز وجل؟ وما هو الذي سأحصده من وراء هذا العمل؟ لذلك راقب ربك يا عبد الله! في كل أعمالك، واعلم أنه لا قيمة لصلاتك وقيامك وصيامك وتلاوتك للقرآن إن لم يتقبلها الله، وجزاء ذلك: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23].

وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47].

لذلك المؤمن يفعل الطاعة ويخشى عدم القبول من الله عز وجل، وقلبه وجل من عدم القبول من الله، ويسعى في الإخلاص، لأن الإخلاص طريق الخلاص، فيبتعد عن أعين الناس وينفرد بنفسه، حتى يخفي العبادة، فقد كان رجل من السلف يصوم الدهر ولا تعلم زوجته بحاله، وهي أقرب الناس إليه، فيأخذ الطعام في الصباح عند خروجه إلى عمله فيتصدق به في الطريق على الفقراء والمساكين، ويعود بالليل فيتناول مع أولاده طعام العشاء، ولا أحد يدري بحاله، لأنه يطلب الأجر من الله عز وجل.

بينما نحن الآن ربما قد يكون المرء صائماً صيام نافلة، ثم يذهب إلى أخ له، وقبل أن يجلس يقول له: لا تأتي بشيء فإني صائم، فهل هو قال لك: سآتي بشيء؟! ولماذا هذه العجلة؟!

يا عبد الله! اجعل عبادتك بينك وبين ربك، (ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)، وانظر إلى الإخلاص، فاليد اليسرى لا تعلم ما تفعل اليد اليمنى، وهذا يشير إلى أن يخفي العمل بينه وبين ربه عز وجل.

وهكذا كان حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، تقول أمنا عائشة رضي الله عنها: (تحسست الفراش في ليلة فلم أجد النبي صلى الله عليه وسلم بجواري، فأخذت أبحث عنه بالحجرة) -لأن الحجرة كانت مظلمة، ولو أنه نور كما يقولون لأضاء الحجرة، لكن هو نور معنوي يضيء للأمة الطريق، أما الذين يقولون: إنه نور حسي فيناقضون النصوص الثابتة.

ثم تقول: (فوجدته ساجداً بين يدي ربه، وقد ابتلت الأرض من دموعه، وهو يناجي ربه: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).

قال تعالى: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ [الحاقة:21]، أي: في عيشة مرضية، فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ [الحاقة:22]، جاء في الحديث (إن في الجنة مائة درجة، المسافة بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض)، جنة تشتاق إليها النفوس، وهكذا كان أمنية السلف الجنة، وما حديث المرأة السوداء في البخاري إلا دليل على ذلك: (يا رسول الله إني أصرع وأتكشف)، فهي سوداء، فماذا يحدث لو تكشفت السوداء؟ يعني: أنها غير جميلة، لكن الحرة تحفظ عورتها وتخاف على عرضها، ومع ذلك فهذه المرأة السوداء مرفوع عنها القلم؛ لأنها في حالة غياب عن الوعي، (قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: أأدعو الله لك أم تصبري ولك الجنة؟ فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: يا رسول الله أصبر على المرض، لكني لا أرضى أن أتكشف)، فاختارت أن تصبر طالما أن المقابل هو الجنة، فيا ليت أن هذا الحديث تسمع به السافرات والهابطات والمتبرجات اللائي يخرجن في نهار رمضان وفي غير رمضان، فتنة لأنفسهن وللشباب المسلمين، (فدعا النبي لها ألا تتكشف)، فأصبحت المرأة تصرع في الطرق ولا تتكشف ببركة دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الصحابة يقولون لبعضهم البعض: من أراد أن ينظر إلى امرأة من أهل الجنة فلينظر إلى هذه المرأة.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم واصفاً طريق الجنة: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)، أي: أن طريق الجنة ليس طريقاً ميسوراً، فهو طريق قيام الليل، وطريق عدم الغيبة والنميمة، وطريق دفع الشهوات والشبهات، وطريق الالتزام، وطريق البلاء، وطريق الصبر على الأذى، إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:29-30]، ولقد أعدوا مسلسلاً لـقاسم أمين حتى يمسحوا عقول الشباب، قاسم أمين محرر المرأة من الحجاب والطهارة إلى الوضاعة والخلاعة، وأرادوا منا أن نفتخر بحياته، لكن نحن نحتاج إلى أن يفهم الشباب هذا الرجل، فيا قوم اعرضوه بأمانة، حتى يتبين حاله، لكن من يسمع؟ ومن يرى؟ بل حتى صوروا أي ملتزم على أنه إرهابي، حتى زرعوا في قلوب الأطفال الصغار في قرانا وغيرها كره الرجل الملتحي ولابس الثوب والمحافظ على السنة، فإذا رآه الطفل يجري سريعاً؛ لأنهم قالوا له: إنه إرهابي! فيقول الطفل: لا أريده! فمن الذي صنع هذا الفكر؟ ومن الذي جعل في عقول الأطفال هذا الفكر؟ هم المسئولون عن ذلك: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ [المطففين:29-31].

قال تعالى: قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ [الحاقة:23]، أي: ثمارها قريبة، وقد جاء في بعض الآثار أنه على سريره والفاكهة فوق رأسه، كلما اشتهى أكل؛ لأن أهل الجنة لا يتبولون، ولا يتغوطون: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

قال تعالى: كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:24]، أي: بما قدمتم لهذا اليوم.

قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ [الحاقة:25]، أي: من وراء ظهره، كتاب فيه تبرج، وعدم صلاة، وأكل ربا، وانتهاك للحرمات، وطعن في الشريعة، وإلحاد في أسماء الله وصفاته، واستهزاء بالموحدين، وطعن في السنة، وكله سيئات ومعاص، فوجهه أسود، وكتابه أسود، وجهنم سوداء، يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، ويقول الله عز وجل: فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:25-27]، فيتمنى أن يموت ولا يبعث، كلا: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء:56]، لماذا؟ لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56].

وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40].

وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ [إبراهيم:17].

لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا [طه:74]، حياة يتمنى فيها الموت.

ثم يقول الله تعالى: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ [الحاقة:28]، فيا صاحب المال! مالك عند ربك لا وزن له إن لم تتق الله فيه، هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:29]، فالكل سواء: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94]، فضاعت الألقاب، وانحسرت الألفاظ، وضاعت المنازل والرتب، وكلها سواء بين يدي الله عز وجل.

ثم ينادي الله: خُذُوهُ [الحاقة:30]، يقول الفضيل بن عياض : حينما تسمع الملائكة: خُذُوهُ [الحاقة:30]، يبتدره سبعون ألف ملك، فيجتمعون حوله، وكل واحد يريد أن يبدأ بوضع الأغلال في عنقه وبسحبه على وجهه إلى نار جهنم، خُذُوهُ فَغُلُّوهُ [الحاقة:30]، أي: ضعوا الأغلال في عنقه، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ [الحاقة:32]، تدخل من استه وتخرج من فتحة فمه، ثم قيدوه، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:49]، يا من كانت الدنيا تقوم لك أنت الآن تحت الأقدام تسحب إلى نار جهنم، فهل هناك عاقل يعي؟ وهل هناك عاقل يبصر؟ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ [الحاقة:33-34]، أي: لم يؤد حق الله، ولم يؤد حق العباد، وحق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، فما أدى ذلك الحق، وما أدى حق العباد من صلة رحم، وما تعاون على البر والتقوى، وأنفق على المساكين، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ [الحاقة:34-35]، أي: لا وساطة، ولا قرابة، ولا شفاعة، مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر:18]، فلا قريب ولا واسطة تتوسط له عند الله، فقد انتهت الوساطات، والمحسوبيات، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، (يا فاطمة اعملي فإني لن أغني عنك من الله شيئاً)، عملك هو مرتبتك ومنزلتك عند الله عز وجل.

ثم يقول الله عز وجل: وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ [الحاقة:36]، أتدري ما هو الغسلين؟ يقول المفسرون: لأهل النار وجبات في النار، منها: الغسلين، وهو القيح والدم والصديد الخارج عن أهل النار.

وفي سورة الغاشية: الضريع، وهو الشوك الذي يدخل في الحلق فلا يدخل إلى الجوف ولا يخرج.

وفي موضع آخر: الزقوم: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ [الدخان:43-44]، قال الله في حقها: إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [الصافات:64]، فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات:66].

ويستغيث فيغاث، لكن بم يغاث؟ وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:29].

وقال: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ [إبراهيم:16-17]، فمن منا يطيق هذا العذاب؟ حتى الثياب من نار: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ [الحج:19]، فيلبسونها، وحتى الأسِرّة من نار وينامون عليها.

اللهم إنا نسألك الجنة، ونعوذ بك من النار.

آمين آمين آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.


استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة القلم [2] 2214 استماع
تفسير سورة المزمل [2] 2194 استماع
تفسير سورة الحاقة [1] 2128 استماع
تفسير سورة الحاقة [2] 2047 استماع
تفسير سورة المزمل [3] 2035 استماع
تفسير سورة القلم [10] 1990 استماع
تفسير سورة القلم [3] 1909 استماع
تفسير سورة القلم [6] 1795 استماع
تفسير سورة الجن [1] 1616 استماع
تفسير سورة القلم [1] 1587 استماع