خطب ومحاضرات
تفسير سورة القلم [10]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالةٍ من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وهو مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد، فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلونا على دينك، واللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك.
وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! نعود إلى سورة القلم؛ لنستكمل الرحلة مع آيات ربنا سبحانه، لقد توقفنا طويلاً عند قول الله سبحانه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
يقول ابن عباس : خلق بمعنى: دين، فمن زاد عنك في الخلق زاد عنك في الدين: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، فدين بلا خلق لا ثمرة منه، وخلق بغير دين عبث ، ومن ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم هدف الرسالة في قوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ونستقبل الحديث مع آيات ربنا سبحانه، يقول ربنا: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [القلم:5-16].
هذه الآيات تتحدث عن رجل من المشركين، وقبل أن نتحدث عن صفاته يقول رب العالمين: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ [القلم:5]، أي: فستعلم ويعلمون، فستخبر ويخبرون، بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ [القلم:6]، أي الفريقين هو المجنون؟ أي الفريقين على هدى أو ضلال؟ لأن المشركين -وهذا دأب أهل الباطل- قاموس البذاءات المعروف عندهم: مجنون، ساحر، يعلمه بشر، كل ذلك عن سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، فيا أصحاب دعوة الحق! اعلموا دائماً وأبداً أن أصحاب الباطل يسخرون من أصحاب دعوة الحق: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ [المطففين:29-30]، إرهابي، رجعي، أصولي، متحجر، يريد أن يعود بنا إلى عصور الظلام، فقهاء التقليد الأعمى، فأهل الباطل يحملون مصطلحات البذاءة المعروفة في قاموس البذاءات؛ ولذلك ربنا يقول عن نوح: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ [هود:38]، فسلاح السخرية سلاح قديم، وعلامة وجودك على الطريق أن يسخر منك أصحاب الباطل، فإن لم يسخروا فاعلم أنك قد ضللت الطريق، يقول ربنا رداً على المشركين الذين قالوا عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: إنه مجنون: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ [القلم:5-6]، والمفتون: هو من حاد عن الحق وتلبس بالباطل إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ [القلم:7-8]، أنعم الله عليك يا رسول الله! بهذا الشرع القويم وهذا الخلق العظيم؛ من أجل ذلك لا تطع المكذبين، ولا تركن إليهم ولا إلى آلهتهم ولا تمل إليهم ميلاً قليلاً.
ثم قال سبحانه: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ [القلم:9] (وَدُّوا): تمنوا، وقد تحدثنا قبل ذلك أن الإمام البخاري في جامعه الصحيح قد أفرد للتمني كتاباً، وسماه: كتاب التمني، فمن الناس من يتمنى أن يكون مسئولاً، ومن الناس من يتمنى أن يكون غنياً، لكن المسلم يتمنى ما تمناه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (وددت -أي: تمنيت- لو أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل) يتمنى أن يقتل أكثر من مرة في سبيل الله؛ لما للشهيد من كرامة عند الله عز وجل؛ ولذلك (وَدُّوا): تمنوا، (لَوْ تُدْهِنُ) المداهنة: أن تضحي بالدين لأجل الدنيا، أما المداراة: أن تضحي بالدنيا لأجل الدين، والفرق بين المداهنة والمداراة لابد أن يكون واضحاً بيناً.
قال تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ [القلم:10]، صفات لرجل من المشركين اختلف المفسرون في اسمه، والاسم لا يقدم ولا يؤخر عندنا.
فقوله: (حَلَّافٍ): كثير الحلف، وهي صفة من صفات المنافقين، ومن صفات الضعفاء: أنهم يتخذون أيمانهم جنة أي وقاية؛ والضعيف يكثر الحلف بالحق والباطل.
يقسم العلماء اليمين إلى ثلاثة أقسام: يمين لغو، ويمين منعقدة، ويمين غموس.
أما اليمين اللغو فقال الله فيه: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ [البقرة:225] كقولك: والله لتأكلن، والله لتشربن، فهذه أيمان لغو لا يؤاخذ عليها العبد، أما اليمين المنعقدة: هو ما عقده المرء بقلبه ونطق به اللسان على أن يفعل شيئاً أو يفعل، فإذا حلف بالله سبحانه وأراد أن يحنث في يمينه عليه أن يكفر بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات عند الأحناف، كما عند الجمهور أن الأولى هو التتابع.
أما اليمين الغموس: فهو اليمين الذي يغمس صاحبه في نار جهنم؛ لأنه يحلف بالله كاذباً ويوقن بأنه كاذب.
ومن صفات المنافقين في القرآن الكريم أنهم: اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً [المجادلة:16]، أي: بسبب ضعفه يجعل الحلف وقاية له.
فقوله: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ [القلم:10] أي: ضعيف، هَمَّازٍ [القلم:11]، والهمز كما قال ابن عباس: هو الغيبة، يذكر الناس في عدم حضورهم بلسانه بسوء، واللماز: هو الذي يشير إليه بأفعاله فاللمز بالفعل والهمز باللسان؛ لذلك يقول ربنا: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة:1]، وكم من المسلمين اليوم لا يحلو لهم كلام إلا إذا تمضمضوا بأعراض إخوانهم، فإياك إياك والغيبة، فمن أكبر الكبائر، بل من أشد الأمراض على القلوب أن تذكر أخاك بما يكره، قال: (يا رسول الله! إن كان فيه ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته).
قال تعالى: مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:11]، النميمة: نقل الكلام من جهة إلى جهة بغرض الإيقاع بين الناس، ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام)، وفي صحيح البخاري : (مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين. فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله) ، وفي رواية: (لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بجريدة فشقت إلى نصفين، ووضع على كل قبر نصفاً، وقال: لعل الله يخفف بهما عنهما ما لم ييبسا)، وبعض أهل البدع يأتون بجريد ويضعونه على قبور الموتى؛ بدليل هذا الحديث، وهذا لا يجوز؛ لأن هذه خاصية للنبي صلى الله عليه وسلم للأسباب التالية:
الأول: أنه اطلع عليهما وهما يعذبان، وما أدراك أنت أن صاحب القبر يعذب؟
ثانياً: أن الله أوحى إليه أنه يخفف بهما عنهما ما لم ييبسا.
ثالثاً: هل فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل مرة أخرى؟ ما فعل، وهل نقل عن الصحابة أنهم كانوا يضعون جريداً على قبورهم؟ ما نقل، وهل نقل عن التابعين؟ ما نقل، فعلم أن المسألة خاصية للنبي صلى الله عليه وسلم.
والشاهد في الحديث: (وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة)؛ ولذلك خرج رجل إلى سوق يبيع فيه غلامه، فقال: أيها الناس! غلام جيد يحسن كذا وكذا، إلا أنه نمام ينقل الكلام، فرجل أحمق قال: النميمة ليست عيباً، طالما فيه هذه الميزات، نشتريه ولا مشكلة في ذلك، فاشترى الخادم وعاد به إلى بيته، وانظروا إلى ما صنع، في يوم جاء لسيده، وقال له: إن سيدتي تريد أن تقتلك وأنت نائم فاضطجع على الفراش وتناوم، يعني: اجعل نفسك نائماً، ثم جاء للزوجة وقال لها : سيدي يريد أن يتزوج عليك، وإن أردت ألا يفعل فخذي شعرة من شعرات لحيته وهو نائم، وادفعيها لي حتى أفعل الذي يمنعه، وأنتم تعلمون أن النساء لا يردن أن يكون لهن شريك في الرجل، فجاءت المرأة بالليل تأخذ من لحية زوجها شعرة، وبينما هي تخرج الموسى نظر الزوج إليها فتيقن من كلام غلامه النمام، فأمسك بها وجذب الموسى من يدها، وطعنها فقتلها في الحال، واجتمع أهلها عليه فقتلوه، وقامت الحرب بين العائلتين ثم بين البلدتين بسبب هذا النمام.
فمن قال لك: قال عنك فلان، وبعضنا يستهوي أن يسمع، فلا تأبه لذلك.
جاء رجل إلى عمر بن عبد العزيز وقال: فلان يقول عنك كذا، قال: أيها الرجل إن كنت صادقاً فيما تقول فأنت من الذين قال الله فيهم: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:11]، وإن كنت كاذباً فيما تقول: فأنت من الذين قال الله فيهم: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] اخرج. قال: العفو والصفح يا أمير المؤمنين.
فنحن كلما نقل إلينا كلام لابد أن نرد الناقل عن نقله، فالنقل لا يكون عدلاً بحال أبداً، بل يوغر الصدور ويسبب الأحقاد.
قال تعالى: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ [القلم:12] أي: يمنع الخير عن الناس، بل ويمنع الخير عن نفسه.
فهل رأيتم إنساناً يمنع الخير؟
نعم، آخرهم من سطر في الأسبوع الماضي في صحيفة توزع بالآلاف في بلدنا كلاماً يقول فيه: النقاب عادة وليس عبادة، وهو أستاذ مفكر إسلامي يحسب على حقل الدعوة إلى الله، ويهدر النصوص الشرعية، ولا يعتني بأقوال سلف الأمة، يتمخض فيقول: إن النقاب عادة وليس عبادة، مع أن الله سبحانه يقول لنساء الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ولزوجات المؤمنين: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]، وانظر إلى تفسير الإدناء عند ابن عباس وابن عمر وابن مسعود وغالب المفسرين، فيأتي هذا الرجل ليعدل على علماء الأمة.
ثبت في السنة أن سودة بنت زمعة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم خرجت إلى المناصع لتقضي حاجتها بجوار البقيع؛ لأنه لم يكن عندهم في البيوت مكان لقضاء الحاجة، فكن يخرجن لقضاء حاجتهن، وكانت تلبس سواداً في سواد، فقال لها عمر : عرفناك يا سودة ! لا تخفين علينا، عرفها من طولها، كذلك صفوان بن المعطل لما وجد في غزوة المريسيع السيدة عائشة قال: كنت أعرفها قبل نزول آية الحجاب؛ لأنها لم يبد منها شيء.
ويقول بعض من ينتسبون للعمل الدعوي أيضاً: النقاب خاص بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: يا قوم! أليس منكم رجل رشيد؟ إن الأمر لزوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لسائر المؤمنات، إلا إذا أتى دليل على التخصيص، حينما يقول الله: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، إذا كان ذلك أطهر لقلوب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، أفلا يكون أطهر لقلوب نسائنا؟ فالحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً، لكن القوم يبدو أنهم يريدون غير ما نريد، فالذي يحارب العفاف مناع للخير.
قال تعالى: مُعْتَدٍ أَثِيمٍ [القلم:12].
(مُعْتَدٍ): يتعدى حدود الله، (أَثِيمٍ): مذنب عاص آثم؛ لأنه يقلب الحقائق، ونسأل الله أن يثبتنا على طريق الحق.
قال تعالى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ [القلم:13]، (عُتُلٍّ): رجل عنده جفاء وغلظة، (زَنِيمٍ): إما أن يكون بمعنى دعي، يعني: ينسب إلى قوم وهو ليس منهم، وهو ابن الزنا، أو (زَنِيمٍ) بمعنى: أنه يميز بين الناس بشره، قال ابن كثير : كالشاة الزنيمة التي في أذنها علامة، فتميز بين بني جنسها، وذاك يعرف بين الناس بسوء خلقه وبكثرة معاصيه، ويعرف بين الناس أنه يدعى إلى قوم وهو ليس منهم. قال: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ [القلم:15]، أي: خرافات وكلام السابقين.
يقول ربنا سبحانه: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ [القلم:16]، يقول ابن كثير في تفسيره: سنبينه للناس فيعرفونه في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فيضرب على أنفه كما حدث له في غزوة بدر، حدثت الضربة عياناً واستمرت معه إلى أن مات، وأما في الآخرة: يبعث وهو أسود الوجه، قال تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [آل عمران:106].
قال تعالى: أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ [القلم:14]؛ لأننا أنعمنا عليه بالمال وبالبنين، فمن الناس من إذا أنعم الله عليه كفر بنعمة الله ونسي المنعم، وإذا خوله الله سلطاناً وجاهاً ظلم وتكبر وتجبر،كحال النمرود بن كنعان ، يوم أن آتاه الله الملك قال لإبراهيم: أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ [البقرة:258]، قال ذلك لأن الله آتاه الملك فتجبر، وكم من رجل يعطى الملك وينسى مالك الملك سبحانه، فماذا صنع الله به؟ يقول ابن كثير في تفسيره: جاء في بعض الروايات: أن الله سلط عليه بعوضة. والبعوضة تختلف عن الذبابة، البعوضة يعني: ناموسة، أما الذبابة فهي معروفة.
فتحة أنفه فاستقرت في قعر رأسه، فكانت تصدر صوتاً، فلا يفيق معها إلا بضرب النعال، الله أكبر! كأن الدواء حذاء يا من تحيي وتميت خذ! وهكذا حال أتاتورك الذي غيب النداء عن المساجد، وألغى اللغة العربية، ونحى الشرع جانباً، وحارب الحجاب، في آخر حياته ابتلاه الله بمرض كان يصدر بسببه صوتاً كصوت الأنعام، فيجعلون بعض السيارات تسير بجوار بيته حتى لا يسمع ذلك الصوت: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا [إبراهيم:42]، فربك ليس بغافل إنما يملي لهم، أيها الظالم في ظلمه! لا تحسب أن الله غافل عنك إنما هو استدراج، وقبل الولادة لا بد من ألم المخاض، وعند جمع الورد لا بد من أذى الشوك، وعند جني العسل لابد من أن يقرصك النحل، فالطريق واضح بين، ودولة الباطل ساعة، ودولة الحق إلى قيام الساعة: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم:55].
تتحدث الآيات بعد ذلك عن قصة أصحاب الجنة، قوم ابتلاهم الله بالنعمة، فالنعمة بلاء والفقر بلاء والمرض بلاء والسجن بلاء والولد بلاء، فالبلاءات متعددة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ [الحج:11]، ولابد من البلاء؛ لأننا خلقنا للبلاء، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2].
قال تعالى: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ [القلم:17] أي: كفار قريش، أرسلنا إليهم النعمة المسداة والرحمة المهداة، خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وجاءتهم هذه النعمة جحدوها، إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ [القلم:17]، أَصْحَابَ الْجَنَّةِ شباب ورثوا حديقة من أب صالح. قال بعض المفسرين: وكانت عنباً، والمعنى يتضح بعموم اللفظ وخصوص السبب، فلما ورثوها تعاهدوا فيما بينهم أن يمنعوا المسكين والفقير من حقه، وألا يعطوا أحداً منها شيئاً، أما علموا أن الذي رزقهم هو الله؟ أبداً، إِذْ أَقْسَمُوا [القلم:17] أي: تعاهدوا وعزموا وأصروا، لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ [القلم:17] (يصرمنها) يعني: يحصدونها في الصباح الباكر، وَلا يَسْتَثْنُونَ [القلم:18]، المعنى الأول لقوله: (لا يَسْتَثْنُونَ) لم يقولوا: إن شاء الله، والمعنى الآخر: لا يتركون منها شيئاً على الإطلاق، وناموا على تلك النية، جاء في الأثر: (أن العبد يقدر الله له رزقاً، ولا يكون بينه وبين الرزق إلا القليل، فيعصي ربه، فيحرمه الله ذلك الرزق بسبب ذنبه).
قال تعالى: فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ [القلم:19] حصدوا رماداً وتراباً بدلاً من أن يحصدوا ثمراً؛ بسبب سوء نيتهم ومعصيتهم.
فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ [القلم:20]، أي: كالليل المظلم.
ومعنى (طائف): آفة سلطها الله على الحديقة، فحصدتها فدمرتها، فحولتها إلى سواد مظلم بسبب خبث النية، أيها العاصي! أفق! انتبه! اعلم أن الله يعلم السر وأخفى.
وقاموا في الصباح فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ [القلم:21] أي: نادى بعضهم على بعض: هيا بنا! قبل أن يستيقظ أحد، وقبل أن يراكم أحد، فقوله: أَنِ اغْدُوا [القلم:22]، من الغدو، عَلَى حَرْثِكُمْ [القلم:22] أي: على زرعكم، إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ [القلم:22] أي: إن كنتم قد نويتم وعزمتم على أن تحصدوها، فَلَمَّا رَأَوْهَا [القلم:26]، أي: وصلوا إلى الحديقة، الطريق هو هو، نظروا إليها بالليل خضراء مزهرة يانعة يافعة، وفي الصباح أصبحت رماداً، ما الذي حدث؟ فلما نظروا إليها: قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ [القلم:26] أي: لقد ضللنا الطريق، لم ندخل في الطريق الصحيح، تحققوا أنها هي قالوا: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ [القلم:27] أي: لقد حرمنا النعمة بسبب كفرنا: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، فيا من تكفر بنعمة الله! إن تحولت النعمة إلى نقمة فذلك بسبب معصيتك.
يقول ربنا سبحانه: قَالَ أَوْسَطُهُمْ [القلم:28] أي: أعدلهم وخيرهم وأفضلهم، أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا [القلم:28-29] بعد فوات الأوان، ندم بعد مصيبة، وتوبة بعد فوات وقتها.
وفي الآيات درس مهم، وهو إن أمرتَ بمعروف أو نهيت عن منكر ولم يمتثل من تأمره لابد أن تنتهي أنت عن المنكر، فهذا الرجل أوسطهم نصح، ولكنه بعد أن نصح شارك فما قيمة النصيحة؟ قال لهم: (لولا تسبحون) بعد ذلك وقبل ذلك، لكنه سار معهم في الطريق، فالمنكر إما أن تغيره وإما أن تنتهي أنت عنه؛ ولذلك إخوتي الكرام! كانت النتيجة عامة: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ [القلم:30]، وهكذا المعصية صاحبها يلوم نفسه بعد وقوعها: قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ [القلم:30-31]، تابوا إلى ربهم وأنابوا إليه، وعلموا أن شكر النعمة هو الذي يبقيها.
أيها الإخوة الكرام الأحباب! ونحن في هذا الشهر المبارك شهر شعبان، وقد ورد فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بل أحاديث بعضها ضعيف وبعضها حسن وبعضها صحيح، وأصح ما ورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم عنه: (ذاك شهر بين رجب ورمضان يغفل عنه كثير من الناس، ترفع فيه الأعمال إلى الله، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) فكان صلى الله عليه وسلم يصوم أكثر شعبان، وعندما تريد أن تصلي الفريضة تصلي نافلة تأهباً لدخول الفريضة، هكذا شعبان يؤهبك لدخول رمضان، وبلوغ رمضان نعمة على العبد لابد أن يشكر الله عليها، فإن انتقلنا إلى القبور وسألناهم: ماذا ترغبون أو تتمنون؟ لقالوا: نتمنى أن نخرج لنصوم معكم رمضان.
فرمضان شهر رب العالمين، خصه بصفات وسمات، وجعله محلاً لنزول القرآن ومحلاً للصيام ومحلاً لليلة القدر ومحلاً للعتق من النار، ومحلاً للأعمال الفاضلة، حدث ولا حرج عما في رمضان، وها نحن الآن نستعد لاستقبال هذا الشهر، كان سلفنا إذا صاموا رمضان يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم صيامه، وستة أشهر أن يبلغهم رمضان القادم، وكانوا إذا دخل رمضان أغلقوا كتب العلم وقالوا: جاء شهر القرآن، وقد أثر عن الشافعي رحمه الله تعالى أنه كان يختم القرآن في كل ثلاثة أيام في رمضان، فإذا جاءت العشر الأواخر كان يختمه في كل يوم مرة فإن قال قائل: كيف هذا؟! هذا عسير وصعب أقول له: يسر على من يسره الله عليه؛ ولذلك صحح بعض العلماء أثراً عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه دخل إلى حجر الكعبة وكبر تكبيرة الإحرام، وما ركع حتى أتم قراءات القرآن، قد يقول قائل: كيف؟ أقول لك: هذا توفيق من الله، وتوفيق الله لا تسل عن حاله.
يقول سعيد بن المسيب: مكثت أربعين سنة لا أرى خلف مصل يعني: في الصف الأول دائماً.
ثم يقول: ومكثت أربعين سنة أصلي الفجر بوضوء العشاء. إن قلت: كيف؟ أقول لك: هذا توفيق من الله، وتوفيق الله لا تسل عن حاله؛ ولذلك لما حاصروا بيت عثمان وقتلوه وهو صائم والمصحف بين يديه، وسال دمه على مصحفه قالت زوجته: قتلتموه وإنه ليصلي الليل بالقرآن كاملاً، وفيه أنزل الله: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ ربه [الزمر:9].
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه.
وبعد:
فقد دفع لي أحد الإخوة المقال الذي أشرت إليه: (النقاب عادة وليس عبادة)، وكاتب المقال كاتب ومفكر إسلامي، وهم يحسبون على الإسلام خطأً، يعني: ينسبون كلمة كاتب ومفكر إلى الإسلام من باب الخطأ. يقول: بدأت عادة النقاب تظهر بكثرة في شوارع مصر هذه الأيام، وخاصة في الأحياء الشعبية حيث يغلب الفقر والأمية. يعني: لا تنتقب إلا الفقيرة والأمية والجاهلة، أما المثقفة المتنورة لا تلبس نقاباً، لكن ترقص، هذا هو التطور في نظره، ومن المضحكات والمبكيات أنهم يسألون راقصة: لماذا ترقصين دون أن تغني؟ قالت: لأن صوت المرأة عورة. وأنت أيها الكاتب! إن لم تستح فقل ما شئت، وإن لم تستح فاكتب ما شئت؛ لأن الحياء من الإيمان، تقول: (حيث يغلب الفقر والأمية). لكن يوجد عندنا نساء لا فقر عندهن ولا أمية، وهن منتقبات والحمد لله رب العالمين، وهذا سؤال فيه إزعاج لكم: أتعرفون الممثلات التائبات؟ ألم يطرقن باب الغنى والشهرة؟ سلوهن لماذا تركن هذا الباب، إن لم يكن النقاب هو المكرمة، وهو سربال المرأة وعفافها.
ثم يقول: والنقاب عادة وليس عبادة؛ وهو تقاليد موروثة انتقلت إلينا مؤخراً من بعض البلاد الإسلامية والعربية التي ما زال المجتمع فيها يعيش بتقاليد البادية، وليس بأوامر الدين.
انظروا يا إخواني! ماذا يكتب هذا المفكر الإسلامي، ثم أخذ يتيه في المقال، ويعلق الشماعة على طالبان، وما هذا إلا لوجود مرض في قلبه؛ لأنه لا يملك قراراً على أهل بيته، فابنته مبنطلة (100%)، والعائلة أيضاً مبنطلة، ولا يملك أن يقول: يا بنت! احتجبي، فإنها ستقول له: هذه حرية، وليس لك حكم علي، فهو يريد من الجميع أن يكونوا هكذا، وأنا لا أدري: هل المعاصي انتهت عندنا حتى نتوجه إلى الحرب على النقاب.
لِمَ لا تكتب عن الفاجرات؟
لِمَ لا تكتب عن السافرات؟
لِمَ لا تكتب عن ظاهرة الزنا المقنن عندنا الآن؟
لِمَ لا تواجه هذه الظواهر؟ ضاق بك القلم حتى لم يعد إلا النقاب تسخر منه وتجرح فيه؟! لكننا لا نقول إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (هم من جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها).
حكم حضانة الأم المطلقة لطفلها
الجواب: قانون الحضانة في المحاكم الشرعية معمول به من الشريعة الإسلامية، فللولد مدة حضانة الأم له وللبنت كذلك، وبعد الحضانة يخير الولد، فيا أختي الفاضلة! تستطيعين أن ترفعي أمرك إلى القضاء، إن كان له حق فإنه سيأخذ حقه، ولا يجوز للزوج أبداً أن يأخذ منك الأبناء قبل انتهاء سن الحضانة.
حكم ميراث الزوجة التي توفيت قبل قسمة تركة زوجها
الجواب: طالما أن الزوجة الثانية كانت على قيد الحياة بعد وفاته فهي تستحق الميراث مع الأولى، فالاثنتان يأخذان الثمن، أي: يوزع الثمن على الزوجتين، ونصيب الزوجة التي ماتت يوزع على أبنائها بعد ذلك، فالمسألة تأخذ هذا الشكل، والله تعالى أعلم.
العلوم الشرعية التي يجب على كل مسلم أن يتعلمها
الجواب: أول فروض العين أن تصحح العقيدة: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]؛ لذلك من نواقض الوضوء الردة، مثال ذلك: رجل توضأ وبعد أن توضأ ارتد، فالردة من نواقض الوضوء؛ لأن الوضوء عمل، والله يقول: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، فالمشرك لا صلاة له، ولا حج له.
إذاً: أول فرض عليك أن تصحح العقيدة.
ثانياً: أن تصحح العبادة؛ لأن الله لا يقبل العبادة إلا بشرطين.
الأول: أن تكون خالصة.
الثاني: أن تكون على هدي النبي صلى الله عليه وسلم موافقةً للسنة: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه.
ثالثاً: أن تتلقى علوم الأصول، كعلم أصول الفقه، وعلوم الحديث، وعلوم القرآن، فمن حرم الأصول حرم الوصول.
رابعاً: أن تتعلم تلك العلوم على يد شيخ، فلا تأخذ العلم من مصحف، ولا القرآن من مصحفي، ومن دخل إلى العلم وحده خرج من العلم وحده، ومن كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه، ولذلك لابد أن تأخذ العلم على يد شيخ.
تعريف اللباس الشرعي وذكر شروطه وحكم لبس البنطال والقميص
الجواب: لا، أنت مخطئ في سؤالك، اللبس من العادات وليس من العبادات، فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس السراويل، ولبس الملابس التي ليست من عادات بني جنسه، فطالما أن الملابس تستوفي الشروط فلا بأس، والشروط هي:
الأول: ستر العورة.
الثاني: أن يكون سميكاً لا يصف، فبعض الإخوة يلبس قميص زبدة، وهذه الزبدة تبين من تحتها العورة، فلا يجوز أبداً لبس هذا القميص.
الثالث: ألا يكون واصفاً، فقد يقال: البنطال واسع. فـأقول: البنطال كالسروال، فإن كان البنطال فضفاضاً وعليه جاكت طويل أو قميص يستر العورة فلا شيء فيه، فإن قيل: عندما يسجد تتحدد العورة. أقول: وأنت تلبس القميص عندما تسجد ستتحدد العورة، وهذا مما يصعب التحرز منه، لذلك حينما نقول: الصلاة في البنطال لا تجوز يشق ذلك على الناس، ونضيق عليهم واسعاً؛ ولذلك نقول: تجوز الصلاة في البنطال بضوابط: أن يكون فضفاضاً ساتراً للعورة.
الرابع: ألا يكون مسبلاً، يعني: لا يجاوز الكعبين، شخص يلبس بدلة صيفية فضفاضة، ويرتدي جاكت يصل إلى حد الركبة. تقول عنه: صلاته غير صحيحة، نعم، هناك بناطيل لا تجوز الصلاة فيها فعلاً، كأن يكون بنطلوناً ضيقاً جداً، وعندما يسجد تكاد العورة تقفز من البنطلون قفزاً، فهذا لا يجوز، فالأمر يحتاج إلى بيان وتفصيل.
واللباس يا أخي الفاضل! من العادات وليس من العبادات، وأنت تقول: القميص والعمامة، فلو افترضنا أن أستاذاً في الجامعة يلبس القميص والعمامة، دخل إلى الجامعة، فقيل له عند الباب: نأسف يا مولانا! الدخول ممنوع، فهل من المعقول أن يخرج من الجامعة لأجل القميص والعمامة؟! مثال آخر: رجل يعمل بهيئة الكهرباء، أو بوزارة الاقتصاد، أو أي مكان آخر، وعند ذهابه للعمل لم يلبس البدلة الخاصة بعمله، وإنما لبس بدلة صوفية طويلة، فقالوا له: محظور أن تدخل إلا بزي العمل، فهل يقول: لا، افصلوني؟!
فيا أخي الفاضل! إن يسر الله لك أن تلبس القميص والعمامة دون حرج فالحمد لله رب العالمين، ولا تلزم الناس بهذا؛ لأن اللباس من العادات وليس من العبادات، والله تعالى أعلم.
التحذير ممن ينتقصون من شأن الله وشأن رسوله صلى الله عليه وسلم بأقوال كفرية
الجواب: أنا لا أريد أن أقول كلمة فيها سوء أدب، هل يقال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان موجوداً للبس (كرفته)؟! فيا صاحب (الكرفته) من الذي صنع (الكرفته)؟ وما وظيفتها لستر العورة؟ ومن الذي صدرها لنا؟ هؤلاء يا أخي في الله! يسمون أنفسهم: الموديل الجديد، آخر صيحة لمواكبة التطور، المسرح الإسلامي، والسينما الإسلامية، والرقص الإسلامي، وحمام السباحة الإسلامي، بل هناك (مايوه) إسلامي، وكل شيء إسلامي وإسلامي، فتراه لابساً (كرفته) مشجرة، ويضع هنا منديلاً وهنا دبوساً، فأين أنت من رسول الله؟ لو كان شخصاً يمشي في الشارع ملمعاً ويلبس (الكرفته) وجواره رجل من أهل الكتاب ما الفرق بين هذا وذاك؟ هل تستطيع أن تميز؟! كلاهما سواء، فالمسلم له سمت إذا نظرت إليه عرفت أنه مسلم، والإسلام ظاهر وباطن، ولا يغني أحدهما عن الآخر.
يلبس (جاكتاً) آخر صيحة، ويستخدم منديلاً ليتنخم فيه، ويضع دبوساً و(كرفتة) مشجرة، نقول له: يا عبد الله! اتق الله في نفسك، هل كان من صحابة رسول صلى الله عليه وسلم أحد هكذا؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للصحابة: قريش اضطهدتنا وضيقت علينا الحصار، اخلعوا القميص والبسوا الجنز واحلقوا اللحى خالطوهم، لم يقل هذا رغم أن قريشاً أكثر بكثير منهم، ولم يقل لأصحابه: تحللوا من الواجبات، والذي نفسي بيده إنما كانوا يعذبون ويقولون: أحد أحد، ولم يترخصوا هذه الرخص.
وهناك كلام آخر، قال بعضهم: إن هذا الكلام منسوب إليه والله أعلم بصحته، والشيخ ابن عثيمين أجاب عليه. قال: لو أن الله نزل من السماء في الانتخابات لن يأخذ (99%)، ما هذه العبارات الكفرية يا من تنسب إلى العلم، بل يقولون عنك: إنك من أعلم أهل الأرض؟! هذه عبارات لا تقبل بحال، وقولهم: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم معنا للبس (الكرفته) والبدلة. معناها: أنه سيترخص، وهل تقبلون أن نبيكم يحاكي ويساير موضات أهل الكتاب؟! بل ما كان يراهم في شيء إلا فعل النقيض، وهذا لا يدخل في باب الإكراه، وإلا فـعمار أكرهه المشركون على أن ينطق كلمة الكفر، فباب الإكراه باب كبير لا يعرفونه، ويقول العلماء: الإكراه في القول وليس في العمل، وابن عباس يقول: الإكراه في القول، فـعمار لم يسجد لصنم ولم يأت بفعل كفري، وإنما قال بلسانه، فالإكراه يكون باللسان وليس بالفعل، يعني: لو أكرهت على أن تسجد لصنم لا تفعل، ولو أكرهت على أن تقول باللسان فقل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فإن عادوا فعد)، وقال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106] فيا إخوان! لابد أن نعرف هذه النصوص، فإنهم يحملونها ما لا تحتمل.
حكم الطلاق عن طريق الهاتف
الجواب: اذهبي إلى أصحاب الإسلام الجدد ربما عندهم فتوى جديدة نسأل الله العافية، الطلاق واقع طالما أن الزوج تلفظ به ووصل إلى سمعك هاتفاً أو كتابة، فلو كتب لك الآن: أنت طالق، طلقت؛ لأنه تلفظ بالقول أو كتب، والله تعالى أعلم.
الضوابط التي يلتزم بها سائق التاكسي
الجواب: الأمر الأول: يا سائق (التاكسي) بارك الله فيك! لا تختل بامرأة لا تحل لك، وهذا كثير، إذا أشارت واحدة بمفردها احذر أن تقف لها؛ لأنها في مقام الخلوة؛ ولأنها ليس معها محرم، حتى وإن كانت منتقبة، فقد رأيت أختاً منتقبةً تركب (تاكسي) بمفردها، وهذه مصيبة، لا بد لها أن تتعلم الشرع فضلاً عن المتبرجة.
إذاً: الأمر الأول: إياك أن تختلي بامرأة لا تحل لك.
الأمر الثاني: إياك إياك وتشغيل الأشرطة الهابطة في سيارتك، استخدم أشرطة قرآن أو مواعظ فقط، وأنصحك أن تفرج كرب مكروب مضطر، فقد يركب معك رجل كبير في السن، وحالته فقيرة ليس معه إلا جنيهان، والأجرة خمسة عشر جنيهاً، فلا تقل له: أعطني خمسة عشر جنيهاً وإلا سآخذك إلى قسم الشرطة! يا أخي! تصدق.
الأمر الثالث: اجعل (للتاكسي) نصيباً في عمل الخير، فقد يكون أحد مضطراً وليس معه شيء، فقل له: اركب، ولا بأس أن تتصدق يا عبد الله!
الأمر الرابع: في أوقات الليل المتأخرة لابد أن تراعي الحذر؛ لأنك ربما تجد امرأة تقف بمفردها في الليل المظلم ولا تجد أحداً، تقول: هذه مصلحة، وهناك مفسدة، فماذا أصنع؟ نقول: لك: درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وهكذا الضوابط الشرعية بارك الله فيك.
كذلك إذا كان معك ركاب، وأذن المؤذن للصلاة، فعند أقرب مسجد قف، تقول: يا جماعة! لو سمحتم سأصلي فقط، إلا إذا كان عندهم ظروف كضرورة مريض، أو شخص يريد أن يحضر الاختبار، واختباره يبدأ من الساعة الثالثة، فإنك ستضيع عليه اختباره، إذا قلت له: فقط نصف ساعة حتى أصلي العصر، أجل الوقت؛ لأن هذا يضر به، وهناك شيء اسمه: التزاحم، فإن تيسر الوقت وليس عندهم ضرورة فلا مانع، وأما إن كان هناك ضيق في الوقت لابد أن تراعي هذا.
حكم استمناء الزوج بسبب أن امرأته لديها برود جنسي
الجواب: وأنت يرحمك الله وبارك الله فيك! أقول لك سراً: (70%) على شاكلتك يعاني من ذلك، لكنهم ساكتون، أما أنت فجريء، وغير راضٍ بقدره وساكت، أقول: قد يكون الزوج والزوجة مختلفين، هو يقول لها: لا تغسلي الأواني، ولا تأتي، يقول ذلك؛ لأنه يقصد الموضوع الآخر، فتراه يلف ويدور، وهي تقول: لا يأتي بمصروف، ويكون في صدرها شيء، فلا بد أن تتكلما بوضوح حتى نستطيع الحل، لكنهما يحومان حول الموضوع ولا يفصحان.
وهذا من عدم الفقه؛ لأننا لا ندرس الفقه بناتنا وزوجاتنا، لا ندرسهم فقه معاملة الزوج وفقه العروسين وفقه الفراش، فللفراش فقه، ولكننا نجهل هذا الفقه، والأمر الذي يدفع الزوج إلى أن يبحث أحياناً عما فقده على الفراش يكون بسبب الزوجة، فهي لا تعطيه حقه، أو هي جاهلة بحق الزوج، وهو كذلك جاهل بحقها لاسيما في فقه الفراش أو فقه المداعبة، فلابد أن تجعل بينك وبينها رسولاً قبل أن تجامع، هذا الرسول هو الكلام الطيب والمداعبة الطيبة، وهي ليست وظيفة، كما أن الكلام في هذا الباب يستحيي منه البعض، لكنه فقه، وبسبب عدم فهم هذا الفقه تخربت بيوت كثيرة.
فإذا كانت الزوجة عندها برود جنسي، لابد أن تدفعها إلى طبيبة مسلمة لتحدد هذا البرود وأسبابه، ربما يكون مرضاً وله علاج، فإن كان ليس له علاج ففي هذه الحالة من حقك أيها الزوج! أن تعدد ولا حرج، بل هو الأولى في حقك، بل الواجب؛ لأنك تقول: أريد أن أستمني، وأيهما أولى الزواج أم الاستمناء؟
وإن كنت فقيراً فإن الله سيكرمك بأخت فقيرة كذلك، وليس هناك مشكلة، أخونا الشيخ صالح عبد الجواد زوج ابنه في المنصورة بثلاثة آلاف جنيه فقط، ولم يزد على ذلك، وزوجه ببنت منتقبة عمرها ست عشرة سنة، واشترى غرفة نوم قديمة بخمسمائة جنيه طلاها بلون فأصبحت جميلة، وأخذ مكسراً من مصنع البلاط ودبر حاله، وليس لديه ثلاجة، وإنما لديه جرة قديمة ويعيشان الآن عيشة سعيدة، فنحن الذين نضيق على أنفسنا، شددنا فشدد الله علينا.
فالزواج في حقك يا أخي! واجب، وإن كنت لا تستطيع الزواج فعليك بالصيام، وآخر حل أن تجامعها دون إيلاج حتى تنزل بدلاً من الاستمناء، يعني: إذا كانت الزوجة لا تحب الجماع باشر أنت من الخارج حتى تنزل، لكن حين أقول لك: استمن وأنت متزوج ما هذا يا عبد الله ؟! لا ينبغي أن يكون هذا بارك الله فيك.
حكم قراءة الإمام في صلاة فجر يوم الجمعة بأي سورة فيها سجدة تلاوة
الجواب: لا يجوز؛ فإن سورة السجدة لم تقرأ في فجر يوم الجمعة لأن فيها سجدة، إنما جاءت السجدة عرضاً، فانتبه إلى هذا المعنى، والصلاة صحيحة، لكن البدعة فيها واضحة.
إن قراءة الإمام لسورة السجدة يوم الجمعة سنة، من فعلها أثيب، ومن لم يفعلها ليس عليه شيء، بل قال ابن القيم : ومن السنة أن يتركها أحياناً؛ ليبين للناس أنها سنة.
حكم العصمة والطلاق بيد المرأة
الجواب: إن موضوع العصمة هذا موضوع مهم ومن أخطر الموضوعات الفقهية، وفيه بحوث.
نقول: نعم، يمكن أن تكون العصمة بيد الزوجة، لكن كيف؟
للزوج أن يوكل غيره في طلاق زوجته، أي: يتنازل عن حق الطلاق لأحد الناس، لكنه لا يفقد هو الحق، بل ما زال الحق معه، فله أن يوكل زوجته في طلاق نفسها، فيقول لها في القسيمة: وأمرك في يدك إذا شئت، يعني: إذا أرادت أن تطلق نفسها تقول له: طلقني، فهو يقول لها: أنت طالق ولا يستطيع أن يمتنع؛ لأنه جعل لها العصمة.
ومعنى العصمة: أن تطلب الطلاق متى تشاء، ولا يحل له أن يمنعها؛ لأنه تنازل عن حقه، لكن عندنا في الأفلام: يا محمد! اخرج أنت طالق، الزوجة تطلق زوجها، وهذا جهل منهم، الزوجة لا يمكن أن تقول للزوج: أنت طالق، إنما تقول له: سرحني، طلقني، وعليه أن يكتب هذا في القسيمة والقانون، وإن لم يكن في القسيمة مكان فليكتب في ورقة مرفقة، وقد قام بذلك دار الإفتاء والمحاكم الشرعية، وهي فتوى مجمع عليها إلا من شذ من أهل الظاهر، وهو أن يكتب ورقة يقول فيها: إنني وافقت أن أطلق زوجتي متى شاءت مرة واحدة أو مرتين أو ثلاثاً. يحدد عدد المرات، واستدل جمهور العلماء بقول الله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28]، فجعل لهن طلب الطلاق، فإن قلن: طلقنا قال الله: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ [الأحزاب:28]، والآية دليل على ذلك عند الجمهور، لكن لا يجوز للزوجة أن تقول له: أنت طالق، هذا كلام غير صحيح.
حكم التبرع بالدم للمستشفيات
الجواب: التبرع بالدم يجوز شريطة ألا يكون بمقابل، لا تأخذ مقابلاً مطلقاً، لكن يجوز أن يعطى المتبرع عصيراً أو كتباً، فهذا ليس مقابلاً، بل هذا تشجيع، يعني: إذا كان الشيء تشجيعاً رمزياً ليس مقابلاً فلا بأس، كعصير تعوض به الدم الذي خرج من جسمك، أو غذاء تتناوله، هذا ليس مقابلاً.
استمع المزيد من الشيخ أسامة سليمان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
تفسير سورة القلم [2] | 2214 استماع |
تفسير سورة المزمل [2] | 2193 استماع |
تفسير سورة الحاقة [1] | 2128 استماع |
تفسير سورة الحاقة [2] | 2047 استماع |
تفسير سورة المزمل [3] | 2035 استماع |
تفسير سورة القلم [3] | 1908 استماع |
تفسير سورة القلم [6] | 1794 استماع |
تفسير سورة الجن [1] | 1615 استماع |
تفسير سورة القلم [1] | 1587 استماع |
تفسير سورة القلم [8] | 1378 استماع |