تفسير سورة القلم [8]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، ثم سواه ونفخ فيه من روحه، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون.

خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين، ثم إنكم بعد ذلك لميتون، ثم إنكم يوم القيامة تبعثون.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وهو مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء وحسبما أراد.

فاللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك.

وأشهد أن نبينا ورسولنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

ثم أما بعد:

فنواصل رحلتنا مع الحقوق التي بدأناها، ونستكمل موضوع حسن الخلق، قال الله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4] يعني: وإنك لعلى دين عظيم، فمن زاد في الخلق زاد في الدين.

وموضوعنا اليوم: حق الزوج على زوجته، تحدثنا في اللقاء السابق عن حق الزوجة على الزوج، وقلنا: إن كل واحد منا لا بد أن يراجع نفسه، وينظر هل أدى الحقوق التي ألزمه الله بها؟ وهي لأنها حقوق وواجبات، سيسألك رب العالمين عنها يوم القيامة، وحتى نربط بين الموضوعين، ذكرنا أن حقوق الزوجة سبعة:

أولاً: الصداق.

ثانياً:حسن المعاشرة.

ثالثاً: النفقة.

رابعاً: الاعتدال في الغيرة.

خامساً: أن يعلمها أمور دينها.

سادساً: حق الفراش والوطء.

سابعاً: العدل بين الزوجات إن تعددن.

نذكر الآن حق الزوج.

حسن الطاعة

أول حق للزوج على زوجته: حسن الطاعة، وقد دل صلى الله عليه وسلم وبين في أكثر من حديث أن المرأة ينبغي عليها أن تطيع زوجها طاعة مقيدة وليست مطلقة، مقيدة بطاعة الله؛ لأن الطاعة لا تكون إلا في معروف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف)، واسمع إلى ما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، قيل لها يوم القيامة: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت)، فطاعة الزوج مهمة، ولذلك في الحديث الآخر: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها)، وهذا الحديث فيه ضعف عند البعض وحسنه البعض.

فإن أمر الزوج زوجته بأمر مشروع فلا ينبغي لها أبداً أن نعصيه، أما إن أمرها بأن تخلع حجابها، أو أن تختلط بالرجال، أو أن تخرج إلى الملاهي العامة ليفتخر بها، فلا؛ لأن بعض الناس الآن ليس عنده كرامة، ديوث لا يغار على عرضه، يفتخر عند خروجه مع زوجته أنها تكشف الوجه والذراع، وتكشف اليد، وتكشف القدم، ويفتخر على الناس بجمالها، وأقسم بالله! لو كان من الأنعام لغار، فذكور الأنعام تغار على إناثها، لكن من الناس الآن من يقدم لحمه للذئاب البشرية لتنهش فيه وهو يستمتع، وإلا بالله عليك ما تقول في رجل يدفع زوجته إلى شاطئ تلبس لا شيء، وهو يجلس متكئاً والناس جميعاً ينظرون إلى عورته؟ فهل هذا عنده غيرة؟ وهل فقد أسباب الغيرة؟ هذا لم يفقد الغيرة فقط، بل فقد الحياء.

فعلى المرأة حسن الطاعة، فإن أمركِ الزوج بأمر فقولي: سمعاً وطاعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه لا بد أن تطيع المرأة الزوج، ولو كانت على ظهر بعير طالما أن الأمر ليس فيه معصية.

وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَّر رجلاً على جيش، وقال: من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله) فالأمير انطلق بالجيش، وإذا به يصدر الأوامر، فأمرهم بجمع الحطب فقالوا: سمعاً وطاعة طاعتك من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أوقدوا في الحطب ناراً، فأوقدوا فيه ناراً، ثم قال: ألقوا أنفسكم في النار، فتوقفوا وقالوا: ما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم إلا لننجو من النار، أنطيعك في هذا؟! فوصل الأمر إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).

فإذا أمركِ الزوج أن تكشفي الوجه، فلا سمع ولا طاعة، وإذا أمرك الزوج أن تخالطي الرجال فلا سمع ولا طاعة، وإذا أمرك الزوج أن تتركي الصلاة فلا سمع ولا طاعة، وإذا أمرك الزوج أن تخرجي متعطرة فلا سمع ولا طاعة، إنما الطاعة فيما شرع الله سبحانه.

شكر فضل الزوج وإحسانه

الحق الثاني للزوج على زوجته: أن تشكر فضله وإحسانه، وهذا موضوع هام؛ لأن كفران العشير من صفات غالب النساء، أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان: باب كفران العشير، وكفر دون كفر، ثم ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أريت النار فوجدت أكثر أهلها النساء، قلنا: يا رسول الله! يكفرن بالله؟ قال: لا، بل يكفرن العشير والإحسان، إن أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً تقول: والله! ما رأيت منك خيراً قط)، يعني: أن على الزوجة أن تذكر فضل الزوج، وأن تذكر إحسانه، وأن تشكره، ولكن الغالب من النساء لا يفعلن ذلك، ففي حديث أم زرع الذي رواه البخاري في صحيحه: أنه جلست إحدى عشرة امرأة يذكرن ما لأزواجهن وما عليهن، فثمان منهن ذكرن المصائب، وثلاث فقط ذكرن المزايا، فهذا يبين لك أن الغالب لا يعترفن بالإحسان وبالفضل، قالت إحداهن: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يبسط الكف؛ ليعرف البث.

والمقصود أنها تقول: زوجي إذا أكل يأتي على الطعام ولا يبقي منه شيئاً، فهو أكول، وإذا شرب يأتي على الماء فلا يبقي منه شيئاً، وإذا نام التف، أي: يلتف في لحافه ولا يسأل عنها، ولا يبسط يده ليطمئن على حال زوجته، وهذا ذكر مساوئ.

والثانية ذكرت المساوئ أيضاً فقالت: زوجي إن دخل فهد، أي: أنه إذا دخل البيت فهد، وإن خرج أسد، أي: وفي الخارج أسد، لكنه لا يسأل عما عهد، يعني: لا شأن له بحال البيت.

وقالت الثالثة: زوجي العشنق، يعني: لا عقل له، إن أسكت أعلق، وإن أنطق أطلق، أي: إن سكتُّ يعلقني لا طلاق ولا إبقاء، وإن نطقت طلقني.

انظروا إلى ذكر المساوئ، فينبغي على الزوجة أن تذكر محاسن الزوج، وأن تغض الطرف عن عيوبه، هذا هو الأصل، ولذلك قال العلماء: أن تذكر فضله وإحسانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذرهن من ذلك.

عدم منع الزوجة نفسها عن زوجها إلا لسبب شرعي

الحق الثالث: ألا تمنعه نفسها إلا لسبب شرعي، ولو كانت على ظهر بعير؛ لأن الرجل ينبغي عليه أن يحصن فرجه بزوجته، فإن أبت الزوجة وتمنعت فماذا يصنع؟ اسمعوا إلى حديث رسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة دعاها زوجها إلى فراشه فتمنعت عليه باتت تلعنها الملائكة).

وفي الحديث الآخر: (باتت والذي في السماء ساخط عليها)، فلا تمنعه نفسها إلا لعذر شرعي، حيض، أو نفاس، أو مرض شديد، أما ما سوى ذلك فلا ينبغي أن تأبى على زوجها، فله حق الفراش قولاً واحداً.

عدم الخروج من بيت الزوج إلا بإذنه

الحق الرابع: ألا تخرج من بيته إلا بإذنه، وجاء ذكر البيت في القرآن في مواضع، منها: قوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33].

وقال تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1]، فنسب البيوت هنا إلى المرأة رغم أن البيت ملك للزوج، قال العلماء: هي ملكية مصاحبة؛ لأن المرأة تكون في بيتها ملاصقة به، فما ينبغي أن تخرج من بيتها أبداً، إلا للضرورة الشرعية، فإياكِ إياكِ أيتها المرأة أن تكوني خراجة، ولاجة، كالتي تخرج من بيتها ليل نهار؛ فالمرأة بيتها حجابها، وبيتها خمارها، وبيتها سترها، وبيتها عفافها، وحينما أخرجوا المرأة إلى الأندية وإلى الفنادق وإلى المنتزهات العامة انظروا ماذا حدث يا عباد الله؟

قال عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، فلا تخرجي من بيتك.

وعند البخاري في كتاب الأذان قال صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذنكم النساء للصلاة فأذنوا لهن)، والحديث بين، قال النووي : إن للزوج ألا يأذن لها بالخروج للصلاة؛ لأن الإذن معناه قبول أو رفض، فتستأذن قبل أن تخرج، فإن أذن لها تخرج وإن لم يأذن لا تخرج، فهل هذا يوجد بيننا الآن؟ وهل يوجد من لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه؟

عدم الاستطالة عليه بلسانها

الحق الخامس: ألا تستطيل عليه بلسانها، وأن تحفظه بعد موته وحال حياته، لذلك الإسلام جعل العدة للمرأة التي مات عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام لا تخرج فيها من بيتها، ولا تكتحل إلا لمرض، ولا تلبس معصفراً، ولا تتعطر في بيتها؛ لحق الزوج الذي مات، وفاءً له، دخلت أم الدرداء على أبي الدرداء وهو يحتضر فقالت له: لقد خطبتني من أهلي في الدنيا، وأنا أخطبك إن شاء الله يوم القيامة، وأريد أن أكون لك زوجة في الجنة، قال: إن أردت ذلك فاعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المرأة لآخر أزواجها في الدنيا)، فجاء معاوية يخطبها لنفسه، فأخبرته بما قال أبو الدرداء ، فقال لها: صومي حتى تكوني له في الجنة.

والنبي عليه الصلاة والسلام تزوج خديجة ، وما أدراك ما خديجة ؟ المرأة التي وقفت بجوار النبي عليه الصلاة والسلام في حال بعثته حين تخلى عنه الجميع، ولذلك جاء جبريل من السماء يقول: (يا رسول الله! إني رسول الله إليك أخبرك أن الله يقرئ خديجة السلام، فأخبرها أن الله يقرئها السلام، وأخبرها أن لها بيتاً في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا وصب)، لذلك ذكر النبي عليه الصلاة والسلام يوماً خديجة فغارت عائشة وقالت: (يا رسول الله! لا تزال تشكر عجوزاً من عجائز قريش -يعني: كان عمرها أربعين سنة يوم أن تزوجتها- فقال: والله! ما أبدلني الله خيراً منها، لقد أعطتني حين حرمني الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، ورزقني الله منها الولد)، وكان يقول عن بعض النسوة حينما يأتين إليه في المدينة: (كانت تأتينا أيام خديجة)، وفاءً لزوجته رضي الله عنها.

فعلى المرأة أن تذكر فضله وإحسانه، وأن تستر عليه بعد موته، فلا تكشف سره، ولا تفضح أمره.

التزين للزوج كل ليلة

الحق السادس: أن تتزين له في كل ليلة، وأن تعرض نفسها عليه، فهل من نسائنا من يفعل ذلك؟ فهذه امرأة تسمى أمامة بنت الحارث كانت في زمن الجاهلية قبل بعثة النبي عليه الصلاة والسلام توصي ابنتها في ليلة زفافها بعشر وصايا، تقدم لها فيها كيف تمارس عملها؟ وكيف تعامل الزوج في بيته؟ وسنذكر هذه الوصية بعد قليل إن شاء الله.

عدم صيام النافلة إلا بإذن الزوج

الحق السابع: ألا تصوم صيام نافلة إلا أن يأذن لها زوجها، والمراد صيام النافلة المشروع، أما غير المشروع، فلا، والبعض يخص شهر رجب بصيام، وهذا من البدع المحدثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما ثبت عنه في فضل صيام رجب حديث صحيح، الأمر الذي دفع العلامة ابن حجر أن يكتب كتاباً سماه: (تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب) فضلاً عن أن ليلة السابع والعشرين التي يحتفلون بها بالإسراء والمعراج ليس لها أصل في الشرع ألبتة، وقد جاء عن ابن عمر أنه قال عن شهر ربيع الأول: (ذاك شهر ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث فيه، وقبض فيه، وهاجر فيه، وأسري به فيه) صححه الألباني رحمه الله تعالى، فعلم أن الإسراء كان في شهر ربيع الأول، وهذا القول هو الراجح عند علماء الأمة.

وحتى ولو كان الإسراء في ليلة السابع والعشرين من رجب فلم يثبت في فضل صيامها ولا في فضل قيامها حديث صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك الأصل في العبادة التوقف حتى يأتي الدليل، فمن عنده دليل فليأتنا به، فالمرأة لا تصوم صيام النافلة كالخميس والإثنين وأيام البيض وعاشوراء وعرفة وأيام ذي الحجة إلا أن يأذن لها الزوج.

استقبال الزوج حال قدومه وتوديعه حال خروجه

الحق الثامن: عند قدوم الزوج تقوم الزوجة وتستقبله، وعند خروجه تقوم وتودعه، وأن تكون في بيته تحفظ ماله، وتحفظ أبناءه، وإذا خرجت لعمل لها تخرج مستترة تفلة غير متعطرة، ولا تظهر عورتها، وتتقي ربها عز وجل في زوجها.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.

عدم إذنها في بيته إلا بإذنه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

وبعد:

فالحق التاسع من حقوق الزوج: ألا تأذن لأحد يكرهه أن يدخل بيته، ففي أكبر جمع عرفه الإسلام ما نسي النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أن يوصي الرجال بالنساء، وأن يوصي النساء بالرجال، فقال عليه الصلاة والسلام: (استوصوا بالنساء خيراً)، ثم قال: (ولكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه)، والمقصود: ألا تدخل المرأة البيت أحداً يكرهه الزوج؛ فإن هذا من حقه عليها.

أول حق للزوج على زوجته: حسن الطاعة، وقد دل صلى الله عليه وسلم وبين في أكثر من حديث أن المرأة ينبغي عليها أن تطيع زوجها طاعة مقيدة وليست مطلقة، مقيدة بطاعة الله؛ لأن الطاعة لا تكون إلا في معروف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إنما الطاعة في المعروف)، واسمع إلى ما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، قيل لها يوم القيامة: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت)، فطاعة الزوج مهمة، ولذلك في الحديث الآخر: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها)، وهذا الحديث فيه ضعف عند البعض وحسنه البعض.

فإن أمر الزوج زوجته بأمر مشروع فلا ينبغي لها أبداً أن نعصيه، أما إن أمرها بأن تخلع حجابها، أو أن تختلط بالرجال، أو أن تخرج إلى الملاهي العامة ليفتخر بها، فلا؛ لأن بعض الناس الآن ليس عنده كرامة، ديوث لا يغار على عرضه، يفتخر عند خروجه مع زوجته أنها تكشف الوجه والذراع، وتكشف اليد، وتكشف القدم، ويفتخر على الناس بجمالها، وأقسم بالله! لو كان من الأنعام لغار، فذكور الأنعام تغار على إناثها، لكن من الناس الآن من يقدم لحمه للذئاب البشرية لتنهش فيه وهو يستمتع، وإلا بالله عليك ما تقول في رجل يدفع زوجته إلى شاطئ تلبس لا شيء، وهو يجلس متكئاً والناس جميعاً ينظرون إلى عورته؟ فهل هذا عنده غيرة؟ وهل فقد أسباب الغيرة؟ هذا لم يفقد الغيرة فقط، بل فقد الحياء.

فعلى المرأة حسن الطاعة، فإن أمركِ الزوج بأمر فقولي: سمعاً وطاعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه لا بد أن تطيع المرأة الزوج، ولو كانت على ظهر بعير طالما أن الأمر ليس فيه معصية.

وفي الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمَّر رجلاً على جيش، وقال: من أطاع أميري فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله) فالأمير انطلق بالجيش، وإذا به يصدر الأوامر، فأمرهم بجمع الحطب فقالوا: سمعاً وطاعة طاعتك من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أوقدوا في الحطب ناراً، فأوقدوا فيه ناراً، ثم قال: ألقوا أنفسكم في النار، فتوقفوا وقالوا: ما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم إلا لننجو من النار، أنطيعك في هذا؟! فوصل الأمر إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).

فإذا أمركِ الزوج أن تكشفي الوجه، فلا سمع ولا طاعة، وإذا أمرك الزوج أن تخالطي الرجال فلا سمع ولا طاعة، وإذا أمرك الزوج أن تتركي الصلاة فلا سمع ولا طاعة، وإذا أمرك الزوج أن تخرجي متعطرة فلا سمع ولا طاعة، إنما الطاعة فيما شرع الله سبحانه.

الحق الثاني للزوج على زوجته: أن تشكر فضله وإحسانه، وهذا موضوع هام؛ لأن كفران العشير من صفات غالب النساء، أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان: باب كفران العشير، وكفر دون كفر، ثم ذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أريت النار فوجدت أكثر أهلها النساء، قلنا: يا رسول الله! يكفرن بالله؟ قال: لا، بل يكفرن العشير والإحسان، إن أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً تقول: والله! ما رأيت منك خيراً قط)، يعني: أن على الزوجة أن تذكر فضل الزوج، وأن تذكر إحسانه، وأن تشكره، ولكن الغالب من النساء لا يفعلن ذلك، ففي حديث أم زرع الذي رواه البخاري في صحيحه: أنه جلست إحدى عشرة امرأة يذكرن ما لأزواجهن وما عليهن، فثمان منهن ذكرن المصائب، وثلاث فقط ذكرن المزايا، فهذا يبين لك أن الغالب لا يعترفن بالإحسان وبالفضل، قالت إحداهن: زوجي إن أكل لف، وإن شرب اشتف، وإن اضطجع التف، ولا يبسط الكف؛ ليعرف البث.

والمقصود أنها تقول: زوجي إذا أكل يأتي على الطعام ولا يبقي منه شيئاً، فهو أكول، وإذا شرب يأتي على الماء فلا يبقي منه شيئاً، وإذا نام التف، أي: يلتف في لحافه ولا يسأل عنها، ولا يبسط يده ليطمئن على حال زوجته، وهذا ذكر مساوئ.

والثانية ذكرت المساوئ أيضاً فقالت: زوجي إن دخل فهد، أي: أنه إذا دخل البيت فهد، وإن خرج أسد، أي: وفي الخارج أسد، لكنه لا يسأل عما عهد، يعني: لا شأن له بحال البيت.

وقالت الثالثة: زوجي العشنق، يعني: لا عقل له، إن أسكت أعلق، وإن أنطق أطلق، أي: إن سكتُّ يعلقني لا طلاق ولا إبقاء، وإن نطقت طلقني.

انظروا إلى ذكر المساوئ، فينبغي على الزوجة أن تذكر محاسن الزوج، وأن تغض الطرف عن عيوبه، هذا هو الأصل، ولذلك قال العلماء: أن تذكر فضله وإحسانه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذرهن من ذلك.

الحق الثالث: ألا تمنعه نفسها إلا لسبب شرعي، ولو كانت على ظهر بعير؛ لأن الرجل ينبغي عليه أن يحصن فرجه بزوجته، فإن أبت الزوجة وتمنعت فماذا يصنع؟ اسمعوا إلى حديث رسول صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة دعاها زوجها إلى فراشه فتمنعت عليه باتت تلعنها الملائكة).

وفي الحديث الآخر: (باتت والذي في السماء ساخط عليها)، فلا تمنعه نفسها إلا لعذر شرعي، حيض، أو نفاس، أو مرض شديد، أما ما سوى ذلك فلا ينبغي أن تأبى على زوجها، فله حق الفراش قولاً واحداً.