عنوان الفتوى : حكم صنع أهل الميت الطعام لمن يأتيهم والأكل منه
السؤال
عندنا عادة في الجزائر: إذا توفي عندنا شخص، فإن جيرانه يقومون بتقديم الطعام لأهل العزاء، ومن يحضرون لتشييع الجنازة.
وفي اليوم الموالي يقوم أهل الميت بصنع الطعام صدقة للميت، حيث يحضرون لهذه الصدقة كل شخص يقدم إلى هذا العزاء.
وفي اليوم الثالث والذي يسمى الفروق، يقوم أهل الميت ب "تقديم الطعام صدقة لنهاية العزاء" ويقومون بدعوة الناس لها، وهي عبارة عن نهاية العزاء.
السؤال المطروح هنا: ما حكم الاستجابة لهذه الدعوة لأكل الطعام خلال هذه الدعوة، سواء في اليوم الأول، أو الثاني، أو الثالث؟
وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الذي ذكرت تفصيله ليس مشروعا، فإنه إنما يشرع لجيران الميت أن يصنعوا طعاما لأهل الميت جبرا لمصابهم، ولا يشرع لأهل الميت صنع طعام لمن يأتيهم؛ إلا إن كان آتيا من مكان بعيد، ولا بد من إطعامه.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إصْلَاحُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ، يَبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ، إعَانَةً لَهُمْ، وَجَبْرًا لِقُلُوبِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ رُبَّمَا اشْتَغَلُوا بِمُصِيبَتِهِمْ، وَبِمَنْ يَأْتِي إلَيْهِمْ عَنْ إصْلَاحِ طَعَامٍ لَأَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، فِي "سُنَنِهِ"، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: لَمَّا جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا؛ فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ أَمْرٌ شَغَلَهُمْ». وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: فَمَا زَالَتْ السُّنَّةُ فِينَا، حَتَّى تَرَكَهَا مَنْ تَرَكَهَا. فَأَمَّا صُنْعُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لِلنَّاسِ، فَمَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى مُصِيبَتِهِمْ، وَشُغْلًا لَهُمْ إلَى شُغْلِهِمْ، وَتَشَبُّهًا بِصُنْعِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَرُوِيَ أَنَّ جَرِيرًا وَفَدَ عَلَى عُمَرَ، فَقَالَ: هَلْ يُنَاحُ عَلَى مَيِّتِكُمْ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَهَلْ يَجْتَمِعُونَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ، وَيَجْعَلُونَ الطَّعَامَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: ذَاكَ النَّوْحُ.
وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ جَازَ؛ فَإِنَّهُ رُبَّمَا جَاءَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مَيِّتَهُمْ مِن الْقُرَى وَالْأَمَاكِنِ الْبَعِيدَةِ، وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ، وَلَا يُمْكِنُهُمْ إلَّا أَنْ يُضَيِّفُوهُ. انتهى.
وقال ابن قاسم في حاشية الروض: ويكره الأكل مما صنع، وقال الطرطوشي: أما المآتم فممنوعة بإجماع العلماء، والمأتم هو الاجتماع على المصيبة، وهو بدعة منكرة، لم ينقل فيه شيء، وكذا ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث، والرابع والسابع، والشهر والسنة، فهو طامة، وإن كان من التركة، وفي الورثة محجور عليه، أو من لم يأذن حرم فعله، وحرم الأكل منه. انتهى.
ومن ثم فعليكم أن تنهوا عن هذه العادات، وأقل النهي ألا يحضر الشخص هذه الأطعمة، ولا يشارك في تناولها، وحضوره وأكله دائر بين الكراهة والتحريم على ما مر إيضاحه.
وعلى المسلمين أن يحرصوا على أن يرجعوا إلى ما كان عليه الأمر الأول زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلوا سنته صلوات الله عليه مقدمة على ما عداه.
والله أعلم.