الاستيعاب والاقتباس في الدعوة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، نحمده سبحانه وتعالى في كل آن وعلى كل حال، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وخاتم رسل الله نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى من اتبع سنته واقتفى أثره وسار على هداه.

أما بعد:

فعنوان هذا الدرس: (الاستيعاب والاقتباس في الدعوة).

وهو موضوع من المواضيع الدعوية التي لها أهميتها فيما نحتاج إليها في الاستفادة من الدعوة، وتوسيع دائرتها، وتكثير الراغبين في التزامها وحملها والتفاعل معها، فإن أمر الدعوة إلى الله عز وجل أمر عظيم، هو وراثة النبوة والسير على هدي سلف الأمة، وهو المهمة التي جعل الله عز وجل شرف هذه الأمة مكنوزاً فيه، كما قال سبحانه وتعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110] وكما شرف الله عز وجل أصحاب الدعوة وأربابها وحملتها والناطقين بها والرافعين للوائها بقوله سبحانه وتعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] ولذا فإن تناول هذا الموضوع وغيره من الموضوعات، إنما هو لأهمية الدعوة، سيما في وقتنا المعاصر وفي بيئتنا الحاضرة، وكثير من الموضوعات المتعلقة بالدعوة هي اجتهادات قابلة للأخذ والرد، ومحتملة للصواب والخطأ، وهي في كثير مما تستخلص منه تجارب واجتهادات ناشئة عن علم وبصيرة، وعن ممارسة وتجربة، وهذا الموضوع هو عبارة عن رءوس أقلام؛ لأن التفصيل فيه يحتاج إلى تطويل، خاصة فيما يتصل بالأمثلة المتعلقة بالواقع المعاصر، وخاصة إذا استجبنا لما قد يطلبه الإخوة من إجابة على بعض التساؤلات في وقائع معينة، أو في صور ومشكلات يمرون بها ويتساءلون عنها، ولذلك سوف يكون ما نجمله إن شاء الله عز وجل معيناً على الفهم والتطبيق في أمثلة أخرى، وفي ممارسات كثيرة متعددة.

إن الحديث عن مثل هذا الموضوع على وجه الخصوص له أسباب كثيرة، من أبرزها:

السبب الأول: الانفتاح والإقبال الكبير والشديد من الأمة نحو الالتزام بالدين

إن الانفتاح والإقبال الكبير والشديد الذي تشهده الأمة الإسلامية في مجتمعاتها في شرق الأرض وغربها نحو الالتزام الإسلامي، والرغبة في خدمة هذا الدين، والحرص على العلم به والفقه فيه، والالتزام العملي بموجباته وأحكامه، فنحن نرى اليوم إقبالاً عجيباً، لا يوجد أحد ولا جهة ولا مجتمع ولا دولة يكون سبباً فيه، وإنما هي ظروف وعوامل متعددة ومختلفة ساقتها أقدار الله عز وجل وعنايته سبحانه وتعالى ورحمته، بعد أن كان هناك شرود وبعد عن دين الله عز وجل، فصارت -بحمد الله عز وجل- هناك صحوة وأوبة إلى هذا الدين العظيم.

وهذا الإقبال أصبح أكبر بكثير من الجهود التي تبذل في مجال الدعوة، فإن الصحوة قد سبقت الدعوة، فإذا بكثير من العقول تستنير وتطلب العلم والفقه والفهم، وإذا بكثير من القلوب تستضيء وتطلب النعمة والإيمان والهدى والاستقامة قبل أن تصلها جهود الدعوة بالكلمة المسموعة أو المقروءة، أو بالدعاة الذي يجوبون البلاد والديار، وهذا السبق لم يكن سبقاً عادياً أو محدوداً، بل كان سبقاً كبيراً ومنتشراً، فلذلك لابد من الحديث عن الاستيعاب لهذه الجموع الغفيرة المقبلة على الخير الراغبة في هذا الدين ونصرته وتأييده وحمل رسالته ونشر دعوته في كل مكان، ولا شك أن الناحية النظرية تقصر كثيراً عن الناحية العملية في مسألة الاستيعاب الذي سأذكر مرادنا منه والنقاط التي سأتعرض لها ضمن هذا الموضوع.

السبب الثاني: التنوع والاختلاف

وذلك الإقبال الكبير يشمل أنماطاً مختلفة من البشر، وأنواعاً متباينة من التفكير، وأناساً أتوا من بيئات مختلفة، ومن أنماط من التربية أو التعليم متباينة، فهذا التنوع والاختلاف لابد من أن يثير عندنا التساؤل الذي نطلب له إجابة عملية قبل أن تكون نظرية، وهو: كيف نتعامل مع هذا التنوع؟ فنحن اليوم نشهد إقبالاً من الأعاجم والعرب، ومن الأميين والمتعلمين، ومن أصحاب المهن العلمية وكذلك أصحاب التخصصات الأدبية أو العلوم الإنسانية، نشهد إقبالاً في صفوف الرجال والنساء، في صفوف الصغار والكبار، لم تعد القضية محدودة في فئة معينة يمكن أن يرسم لها برنامج محدد، وأن تصاغ لها لغة تناسبها، بل صار الأمر -بحمد الله عز وجل- أوسع وأشمل، وأكثر تنوعاً واختلافاً، مما يستدعي أن يكون هناك مجال وحاجة ملحة للتفكير في هذا الاستيعاب.

السبب الثالث: المنافسة بين الدعوة الإسلامية والدعوة الشيطانية

إن المنافسة في الساحة الاجتماعية في ديار المسلمين ليست بين إسلام وإسلام، وإنما التنافس بين الدعوة الإسلامية والدعوة غير الإسلامية، فهناك دعوة العلمنة التي تريد منك أن تحافظ على مكتسباتها التي كابدت وخسرت من أجلها خلال عقود من السنوات طويلة، وهناك دعوات التغريب التي تريد أن تلحق المجتمعات الإسلامية بالمجتمعات الغربية، وتجعل طبيعة حياتها وتفكيرها يسير في هذا الاتجاه، وكل صاحب فكرة أو دعوة يسعى بكل جهده من الجهد العقلي والجهد الفكري والجهد الإعلامي والجهد المادي ليسحب البساط من التيار الخـيِّر الذي سرى -بحمد الله عز وجل- في الأمة الإسلامية اليوم، وهو تيار الأوبة الإسلامية والصحوة الإيمانية بحمد الله سبحانه وتعالى.

ولذلك لا يمكن لأرباب الدعوة الإسلامية أن يتألفوا القلوب، وأن يرشدوا العقول دون أن يطوروا أساليبهم، ودون أن يفكروا في اجتهاداتهم، وأن يراجعوا حساباتهم؛ ليستطيعوا أن يكونوا أكثر قرباً من المسلمين والمجتمعات الإسلامية من أولئك الأشرار، وليكونوا أيضاً أكثر إقناعاً للناس وترغيباً لهم في هذا الحق والخير الذي تخفق به قلوبهم وتطمئن إليه نفوسهم، ولذلك لابد لنا من أن نتحدث عن الاستيعاب والاقتباس في الدعوة، عل هذا الحديث يثير تفكيراً متواصلاً وتجارب متتابعة تزيد من قوة الدعوة وقدرتها على كسب مزيد من المسلمين إلى صفوفها وإلى رحابها الواسعة الخيرة.

إن الانفتاح والإقبال الكبير والشديد الذي تشهده الأمة الإسلامية في مجتمعاتها في شرق الأرض وغربها نحو الالتزام الإسلامي، والرغبة في خدمة هذا الدين، والحرص على العلم به والفقه فيه، والالتزام العملي بموجباته وأحكامه، فنحن نرى اليوم إقبالاً عجيباً، لا يوجد أحد ولا جهة ولا مجتمع ولا دولة يكون سبباً فيه، وإنما هي ظروف وعوامل متعددة ومختلفة ساقتها أقدار الله عز وجل وعنايته سبحانه وتعالى ورحمته، بعد أن كان هناك شرود وبعد عن دين الله عز وجل، فصارت -بحمد الله عز وجل- هناك صحوة وأوبة إلى هذا الدين العظيم.

وهذا الإقبال أصبح أكبر بكثير من الجهود التي تبذل في مجال الدعوة، فإن الصحوة قد سبقت الدعوة، فإذا بكثير من العقول تستنير وتطلب العلم والفقه والفهم، وإذا بكثير من القلوب تستضيء وتطلب النعمة والإيمان والهدى والاستقامة قبل أن تصلها جهود الدعوة بالكلمة المسموعة أو المقروءة، أو بالدعاة الذي يجوبون البلاد والديار، وهذا السبق لم يكن سبقاً عادياً أو محدوداً، بل كان سبقاً كبيراً ومنتشراً، فلذلك لابد من الحديث عن الاستيعاب لهذه الجموع الغفيرة المقبلة على الخير الراغبة في هذا الدين ونصرته وتأييده وحمل رسالته ونشر دعوته في كل مكان، ولا شك أن الناحية النظرية تقصر كثيراً عن الناحية العملية في مسألة الاستيعاب الذي سأذكر مرادنا منه والنقاط التي سأتعرض لها ضمن هذا الموضوع.

وذلك الإقبال الكبير يشمل أنماطاً مختلفة من البشر، وأنواعاً متباينة من التفكير، وأناساً أتوا من بيئات مختلفة، ومن أنماط من التربية أو التعليم متباينة، فهذا التنوع والاختلاف لابد من أن يثير عندنا التساؤل الذي نطلب له إجابة عملية قبل أن تكون نظرية، وهو: كيف نتعامل مع هذا التنوع؟ فنحن اليوم نشهد إقبالاً من الأعاجم والعرب، ومن الأميين والمتعلمين، ومن أصحاب المهن العلمية وكذلك أصحاب التخصصات الأدبية أو العلوم الإنسانية، نشهد إقبالاً في صفوف الرجال والنساء، في صفوف الصغار والكبار، لم تعد القضية محدودة في فئة معينة يمكن أن يرسم لها برنامج محدد، وأن تصاغ لها لغة تناسبها، بل صار الأمر -بحمد الله عز وجل- أوسع وأشمل، وأكثر تنوعاً واختلافاً، مما يستدعي أن يكون هناك مجال وحاجة ملحة للتفكير في هذا الاستيعاب.

إن المنافسة في الساحة الاجتماعية في ديار المسلمين ليست بين إسلام وإسلام، وإنما التنافس بين الدعوة الإسلامية والدعوة غير الإسلامية، فهناك دعوة العلمنة التي تريد منك أن تحافظ على مكتسباتها التي كابدت وخسرت من أجلها خلال عقود من السنوات طويلة، وهناك دعوات التغريب التي تريد أن تلحق المجتمعات الإسلامية بالمجتمعات الغربية، وتجعل طبيعة حياتها وتفكيرها يسير في هذا الاتجاه، وكل صاحب فكرة أو دعوة يسعى بكل جهده من الجهد العقلي والجهد الفكري والجهد الإعلامي والجهد المادي ليسحب البساط من التيار الخـيِّر الذي سرى -بحمد الله عز وجل- في الأمة الإسلامية اليوم، وهو تيار الأوبة الإسلامية والصحوة الإيمانية بحمد الله سبحانه وتعالى.

ولذلك لا يمكن لأرباب الدعوة الإسلامية أن يتألفوا القلوب، وأن يرشدوا العقول دون أن يطوروا أساليبهم، ودون أن يفكروا في اجتهاداتهم، وأن يراجعوا حساباتهم؛ ليستطيعوا أن يكونوا أكثر قرباً من المسلمين والمجتمعات الإسلامية من أولئك الأشرار، وليكونوا أيضاً أكثر إقناعاً للناس وترغيباً لهم في هذا الحق والخير الذي تخفق به قلوبهم وتطمئن إليه نفوسهم، ولذلك لابد لنا من أن نتحدث عن الاستيعاب والاقتباس في الدعوة، عل هذا الحديث يثير تفكيراً متواصلاً وتجارب متتابعة تزيد من قوة الدعوة وقدرتها على كسب مزيد من المسلمين إلى صفوفها وإلى رحابها الواسعة الخيرة.

الاستيعاب: هو القدرة على اجتذاب الناس واستمالتهم للدعوة والخير. ولابد من أن نعلم أن المسلم مهما شرد وغرق في أوحال المعصية، ومهما تلوث عقله بكثير من الشبهات فإن بذرة الخير في قلبه ما تزال موجودة وإن كانت مخبوءة، ولذلك ليس من مهمتنا أن نئد هذه البذرة، وأن نطمس قليل الضوء الذي فيها، بل مهمتنا أن نزيل الركام من حولها، وأن نوسع الطريق لها لتشق بضيائها القليل طريقها نحو القلب والنفس، فتملأ الجوانح بنور الإيمان بإذن الله عز وجل.

علينا أن نحسن الدعوة وأساليبها وطرائقها لنستميل القلوب والعقول بصورة نظرية قوية، وبصورة عملية أقوى منها، وحسبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً وقدوة في هذا الشأن؛ لأن المصطفى عليه الصلاة والسلام تعامل مع الصغار والأطفال، وتعامل مع الشيوخ والكبار، وخاطب الرجال وأقنع النساء، وسلَّم له الموافق والمخالف، واستمال بحجته عقول المعرضين والمعاندين، ودمغت أدلته حجج المغالطين والمرائين وأصحاب الشبهات والمغالطات.

لقد كان في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام أنموذج الداعية الذي يستوعب كل صنف من أصناف البشر في كل حالة من حالات الحياة عبر كل ظرف من ظروف الزمان والمكان، ولذلك كان عليه الصلاة والسلام مثالاً يقتدى به، فلقد اشرأبت إليه الأعناق، وأحبته سويداء القلوب، وتعلقت به الأمة كلها، حتى إن مخالفيه شهدوا له بالحق والعدل والفضل؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان الداعية الكامل الذي ينبغي أن يحتذى ويقتدى به.

فهذا على سبيل المثال ثمامة بن أثال ، وقد كان على كفره، فأسره بعض المسلمين واقتادوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فربطه في المسجد عليه الصلاة والسلام لينظر إلى هذا المجتمع المسلم كيف يؤدي صلاته وعبادته، وكيف يسجد لربه ومولاه، وكيف يطيع رسوله وقدوته صلى الله عليه وسلم، وكيف تمتزج صفوفه وتلتحم، وكيف تأتلف قلوبهم وتعتدل، وكيف يمثل نموذجاً للمجتمعات البشرية على أرقى مستوى يمكن أن يعيشه الإنسان في هذه الأرض، وإذا بهذا البصر لذلك الكافر، وبذلك العقل لذلك المعرض، وبذلك القلب لذلك الذي حرم من نور الإيمان يفكر ويشتغل ويتدبر، ثم يخاطبه النبي عليه الصلاة والسلام فيقول له: (أما آن لك يا ثمامة أن تسلم؟) فيقول ثمامة: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تمنن تمنن على شاكر، وإن ترد المال نعطك. ثم بعد ذلك أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يقيم عليه سيفاً ليقطع رقبته، ودون أن يثير له رعباً ينخلع له قلبه، ودون أن يمارس عليه ضغطاً يرغمه على أن يقتنع بما لا يقبله عقله ولا منطقه، بل ترك له بعد هذا الأسلوب الدعويّ المؤثر الخيار، فإذا به يخرج من المسجد فيذهب إلى أقرب مكان فيغتسل، ثم يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعلن إسلامه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يتحول إلى معين ناصر للدعوة الإسلامية، ويمنع الميرة عن قريش.

وكذلك الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه وأرضاه، جاء إلى مكة وسبقت إلى أذنه الدعايات المغرضة، والحملات الإعلامية المشوهة أن لا تسمع محمداً صلى الله عليه وسلم ولا تجلس إليه؛ لأنه يفرق بين المرء وزوجه، ولأنه يسفه أدياننا وتراثنا وآباءنا وأجدادنا. وظلوا به كذلك حتى نجحوا نوعاً ما، لكنه نجاح هزيل لا يعتمد على قوة الإقناع، نجحوا إلى أن وصل نجاحهم أن أخذ كرسفاً -أي: قطناً- ووضعه في أذنيه ليصم أذنه عن سماع محمد صلى الله عليه وسلم، وكما نقول: حبل الكذب قصير. ثم إنه فكر بعقله وقال: أنا رجل من عقلاء الناس أعرف الكلام صوابه وخطأه، وأعرف الشعر نظمه ونثره، فلماذا لا أسمع فإن وجدت خيراً عرفت، وإن وجدت شراً أنكرت؟! فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فما هي إلا كلمات يسيرة حتى دخل الإيمان قلبه، وأقنعت الحجة عقله، وانقلب من فوره إلى مسلم لا يقبل بعلاقة مع زوجه ومع أبيه إلا أن تكون علاقة بمقياس هذا الدين، ووفق حقيقة التوحيد.

وهكذا سهيل بن عمرو الذي جاء يفاوض في صلح الحديبية بغطرسة الكفر، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي : (اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم).

فيقول سهيل: لا، ولكن اكتب: باسمك اللهم. فيغض النبي صلى الله عليه وسلم الطرف؛ لأنه يريد أن يسحب الحجج الشكلية الواهية، وأن يبتعد عن المعارك الجانبية الكاذبة ليخلص إلى جوهر الموضوع، قال سهيل اكتب: باسمك اللهم. فقال لـعلي: (اكتب: باسمك اللهم)، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد رسول الله) قال: لو كنا نعلم أنك رسول الله لما قاتلناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـعلي: (اكتب: هذا ما عاهد عليه محمد بن عبد الله).

وفي بعض الآثار أن علياً رضي الله عنه أبى أن يكتب من غيظه لتعنت المشركين، لكن النبي عليه الصلاة والسلام أصر عليه، وفي بعض الآثار والروايات أنه قال لأصحابه: (أشيروا على مكانها. فلما أشاروا إلى موضعها مسحها عليه الصلاة والسلام بيده) وهذا يمثل لنا قمة القدرة على ضبط النفس لأجل استيعاب الموقف وإقامة الحجة وإعلاء الراية.

وهكذا في مواقف شتى أختمها بحديث معاوية بن الحكم السلمي الذي نعلم من قصته لما صلى وعطس في الصلاة، ثم حمد الله وسط الصلاة، ولم يكن يعرف النهي عن الكلام في الصلاة، قال: (فجعلوا يحدون النظر إلي -يعني: الصحابة- قال: فقلت -على طبيعته وسليقته في أثناء صلاته-: واثكل أمياه! مالكم تنظرون إلي؟! قال: فجعلوا يضربون على أفخاذهم فعلمت أنهم يسكتونني فسكت، فلما قضيت الصلاة دعا بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي فوالله ما نهرني ولا كهرني ولا ضربني، ما رأيت معلماً قبله ولا بعده خيراً منه قط، إنما قال لي: إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس).

وهكذا أمثلة كثيرة جداً، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مراتب الاستيعاب عند الناس؛ لأنه ليس كل الناس يستوعبون الأمر كاملاً، ولا يأخذونه على تمامه، فقال عليه الصلاة والسلام: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله عز وجل ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله).

من أجل أن يكون هناك استيعاب صحيح -بإذن الله عز وجل- فهناك أمور مهمة وقواعد أساسية ينبغي أن يدركها العاملون في مجال الدعوة على وجه الخصوص.

القاعدة الأولى: الناس مراتب

يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: (الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)، فلم يكن كل الصحابة مثل أبي بكر وعمر ، بل كان فيهم كثيرون ليسوا على تلك المراتب، فينبغي أن نعلم أن في الناس أصحاب همم عالية ومراتب سامقة، وأن منهم من هو أضعف من ذلك، وأن منهم من هو أدنى مرتبة، وقد ذكر الله لنا أن من الناس من هو سابق في الخيرات، ومنهم مقتصد، ومنهم ظالم لنفسه، ولذلك ينبغي -لكي نستوعب كل المسلمين في إطار الدعوة- أن ننظر إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف استوعب كل المجتمع المسلم، بما فيه من أعراب أجلاف ذكر الله وصفهم في القرآن الكريم، وبما فيه من نساء عجائز ليس عندهن عقول مفكرة ولا نظرات ثاقبة، ولكن عندهن قلوب مؤمنة وعقول مسلمة، ولذلك ورد في الحديث الصحيح بروايات مختلفة في شأن نزول القرآن على سبعة أحرف (أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبريل فقال له: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف واحد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن في أمتي الرجل الكبير، والمرأة العجوز، ومن لا يفقه في دين الله -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- فنزل جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف).

إذاً لابد من أن نعرف أن منازل الناس تتفاوت بتفاوت أفكارهم وهممهم وحماسهم وقوة عزائمهم، فينبغي لنا أن نسير بسير الضعيف، وكما قيل: سيروا بسير أضعفكم. وكما قيل: الضعيف أمير الركب. هذا من حيث النظرة العامة، أما عندما نطلب مهمات خاصة وأموراً ذات حساسية كبيرة وقضايا ذات أهمية خاصة فلابد من أن نطلب لها الأكفياء الذين عندهم من المؤهلات ما يناسبها، أما أن أطلب من الرجل العامي المسلم الضعيف الذي لم يتلق تعليماً عريضاً، ولم يحفظ من القرآن والسنة والفقه شيئاً كثيراً فإنني أحمله ما لا يطيق، فإذا حملته ما لم يطق أدبر وولى، وإذا لم أستوعبه خسرته، وخسرت كذلك الطاقة الدعوية الموجودة عنده التي كان ينبغي أن تستثمر وأن يستفاد منها.

ولقد كانت امرأة عجوزٌ على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم تقم الأذى من المسجد، فلما ماتت وهي امرأة عجوز ليس لها تلك المنزلة العالية غضب لها النبي عليه الصلاة والسلام حين لم يؤذنوه حتى يشهد دفنها عليه الصلاة والسلام.

القاعدة الثانية: القدرة على استثمار الطاقات ومعرفة الاحتياجات

لابد من أن يكون عند أرباب الدعوة قدرة على استثمار الطاقات ومعرفة بالاحتياجات، فليس من الحكمة بحال من الأحوال ولا من الفطنة أن نطلب من كل الناس أن يكونوا خطباء مفوهين، أو كتاباً مبدعين، أو علماء فقهاء، بل ينبغي أن نعرف أن هناك حاجات كثيرة، وأن هناك طاقات معينة لابد من أن توضع في مكانها المناسب لها، فليس من الحكمة أن آتي إلى طبيب مسلم أحب هذا الدين ورغب في نصرته فأصر عليه أن يكون خطيباً أو معلماً أو شيخاً معمماً، فإن هذا قد لا يكون مناسباً له، ولابد من أن نعرف أن الاحتياجات هي احتياجات الحياة كلها، فالأمة المسلمة تحتاج إلى الذي يجيد الخط، كما تحتاج الذي يصلح البناء، كما تحتاج الذي يكون ممن يكثر سواد الأمة فحسب، فالكل يمكن أن يؤدي دوراً، أما إذا قلنا: ليس إلا هذه الأدوار فإننا سنخسر كثيراً من الطاقات.

القاعدة الثالثة: اعتماد التدرج في السياسة الدعوية والتربوية

بعض الدعاة بمجرد أن يستشعروا عاطفة حارة من المقبلين على الخير يبدءون في إعطائهم مهمات كبيرة، وإلقاء كثير من التبعات عليهم ظناً أن هذه الطائفة تستطيع أن تتحمل التبعات وأن تقوم بالمهمات، كلا، فلابد من أن نعطي للزمن حظه، ولابد من أن نعطي للتدرج منزلته وأهميته، وأن نسير الهوينى شيئاً فشيئاً ومرتبة مرتبة، فإن الأمر الذي يأتي سريعاً يذهب سريعاً، والعاطفة المقبلة على الخير إذا زدناها اشتعالاً ربما تهب عليها ريح لا تلبث أن تطفئها، ولا يعود لها بعد ذلك اشتعال من جديد.

القاعدة الرابعة: معرفة الواقع معرفة دقيقة

إن الذي يدرك هذا الواقع ويعرف أحوال الناس وما يؤثر في بيئتهم يستطيع أن يعرف أفكارهم، ويستطيع أن يلتمس الأعذار لما قد يكون في أذهانهم من الشبهات، أو في سلوكياتهم من الأخطاء، ويستطيع أن يدرك أن هناك عللاً معينة لو تم علاجها لصلحت أحوال الناس، أما الذي يريد الكمال والتمام فإنه يفصل قوالب جاهزة إما أن يدخل الناس فيها ويحشرهم فيها حشراً ويقسرهم عليها قسراً، وإما أن تبقى هذه القوالب فارغة والناس بعيدون عن الدعوة والخير وبعيدون عنه, فصار منفراً وليس مرغباً، وهذا أمر مهم جداً، ولذلك لابد من أن نعرف أن اقتحام العقول والنفوس أصعب بكثير جداً من اقتحام المواقع والثغور.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه: (الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة)، فلم يكن كل الصحابة مثل أبي بكر وعمر ، بل كان فيهم كثيرون ليسوا على تلك المراتب، فينبغي أن نعلم أن في الناس أصحاب همم عالية ومراتب سامقة، وأن منهم من هو أضعف من ذلك، وأن منهم من هو أدنى مرتبة، وقد ذكر الله لنا أن من الناس من هو سابق في الخيرات، ومنهم مقتصد، ومنهم ظالم لنفسه، ولذلك ينبغي -لكي نستوعب كل المسلمين في إطار الدعوة- أن ننظر إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف استوعب كل المجتمع المسلم، بما فيه من أعراب أجلاف ذكر الله وصفهم في القرآن الكريم، وبما فيه من نساء عجائز ليس عندهن عقول مفكرة ولا نظرات ثاقبة، ولكن عندهن قلوب مؤمنة وعقول مسلمة، ولذلك ورد في الحديث الصحيح بروايات مختلفة في شأن نزول القرآن على سبعة أحرف (أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبريل فقال له: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف واحد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن في أمتي الرجل الكبير، والمرأة العجوز، ومن لا يفقه في دين الله -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- فنزل جبريل فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف).

إذاً لابد من أن نعرف أن منازل الناس تتفاوت بتفاوت أفكارهم وهممهم وحماسهم وقوة عزائمهم، فينبغي لنا أن نسير بسير الضعيف، وكما قيل: سيروا بسير أضعفكم. وكما قيل: الضعيف أمير الركب. هذا من حيث النظرة العامة، أما عندما نطلب مهمات خاصة وأموراً ذات حساسية كبيرة وقضايا ذات أهمية خاصة فلابد من أن نطلب لها الأكفياء الذين عندهم من المؤهلات ما يناسبها، أما أن أطلب من الرجل العامي المسلم الضعيف الذي لم يتلق تعليماً عريضاً، ولم يحفظ من القرآن والسنة والفقه شيئاً كثيراً فإنني أحمله ما لا يطيق، فإذا حملته ما لم يطق أدبر وولى، وإذا لم أستوعبه خسرته، وخسرت كذلك الطاقة الدعوية الموجودة عنده التي كان ينبغي أن تستثمر وأن يستفاد منها.

ولقد كانت امرأة عجوزٌ على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم تقم الأذى من المسجد، فلما ماتت وهي امرأة عجوز ليس لها تلك المنزلة العالية غضب لها النبي عليه الصلاة والسلام حين لم يؤذنوه حتى يشهد دفنها عليه الصلاة والسلام.

لابد من أن يكون عند أرباب الدعوة قدرة على استثمار الطاقات ومعرفة بالاحتياجات، فليس من الحكمة بحال من الأحوال ولا من الفطنة أن نطلب من كل الناس أن يكونوا خطباء مفوهين، أو كتاباً مبدعين، أو علماء فقهاء، بل ينبغي أن نعرف أن هناك حاجات كثيرة، وأن هناك طاقات معينة لابد من أن توضع في مكانها المناسب لها، فليس من الحكمة أن آتي إلى طبيب مسلم أحب هذا الدين ورغب في نصرته فأصر عليه أن يكون خطيباً أو معلماً أو شيخاً معمماً، فإن هذا قد لا يكون مناسباً له، ولابد من أن نعرف أن الاحتياجات هي احتياجات الحياة كلها، فالأمة المسلمة تحتاج إلى الذي يجيد الخط، كما تحتاج الذي يصلح البناء، كما تحتاج الذي يكون ممن يكثر سواد الأمة فحسب، فالكل يمكن أن يؤدي دوراً، أما إذا قلنا: ليس إلا هذه الأدوار فإننا سنخسر كثيراً من الطاقات.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2904 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2726 استماع
فاطمة الزهراء 2690 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2623 استماع
المرأة والدعوة [1] 2534 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2530 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2514 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2480 استماع
خطبة عيد الفطر 2460 استماع
التوبة آثار وآفاق 2445 استماع