خطب ومحاضرات
أنسام الإيمان ونفحات الرحمن
الحلقة مفرغة
الحمد لله، الحمد لله الذي جعل الحج ركناً من أركان الإسلام، وعملاً تغفر به الذنوب والآثام، وطريقاً موصلاً إلى الجنة دار السلام، ومذكراً بحقيقة الدنيا وما فيها من الزينة والحطام، ومعلقاً القلوب بالآخرة، ومذكراً بيوم الحشر والزحام.
أحمده سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، حمداً يليق بجلاله وعظيم سلطانه، هو جل وعلا أهل الحمد والثناء، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، نحمده جل وعلا على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، نحمده جل وعلا حمداً على كل حال وفي كل آن، فله الحمد في الأولى والآخرة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، اختاره الله جل وعلا ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وبعثه رحمة للعالمين، وأرسله كافة للناس أجمعين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله عنا خير ما جازى نبياً عن أمته، ورزقنا وإياكم اتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون! هذه أنسام الإيمان ونفحات الرحمن تأتيكم في هذه الأيام المباركة ونحن نستقبل فريضة الحج العظيمة الركن الخامس من أركان الإسلام، ووقفتنا مع إيجاز القول في: حكم وأحكام الحج؛ عل ذلك أن يكون مبصراً ومذكراً ومعلماً لنا ومعيناً على أداء فرضنا.
إخلاص النية
أولاً: النية الخالصة:
فجرد نيتك لله عز وجل، وخلص قصدك لمرضاته سبحانه وتعالى، ونق قلبك من شوائب الإرادات الأخرى والنوايا التي لا تكون خالصة لله عز وجل؛ فإنه سبحانه وتعالى يحب من الأعمال ما كان خالصاً، وكما ورد في الحديث القدسي عن رب العزة والجلال: (من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)، فجرد نيتك وخلصها لله سبحانه وتعالى.
الوصية النافعة لأهله وذويه
عليك أن توصي أهلك وذوي قرابتك ومن تخلفهم وراءك في بيتك ومع أهلك بالطاعة وتقوى الله سبحانه وتعالى، والإقلاع عن المعاصي.
وأن توصي أيضاً بما يلزمك من إثبات الديون والتعريف بالحقوق ونحو ذلك مما يحسن بالمرء المسلم أن يكون موصياً به في كل وقت، ولاسيما عند السفر أو عند الذهاب إلى مكان بعيد، أو نحو ذلك مما يعرض للناس، فإن الوصية قد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليها وأوصى بسرعة كتابتها.
وهذه الوصية التي توصي بها أهلك مهمة جداً، فإنه من غير المنسجم مع التكامل المطلوب أن تكون ملبياً في عرفات، ورامياً للجمار لحرب الشيطان في منى، وأن تكون مضحياً لله سبحانه وتعالى في المشاعر المقدسة، وأنت تخلف في بيتك منكرات ومحرمات، ربما يلحقك بعض إثمها وشيء من وزرها؛ لأنها تقع في أهلك، وأنت الولي عليهم، والمكلف بهم والمسئول عنهم، فإن المسلم ينبغي أن يكون عمله منسجماً متكاملاً، فطاعة هنا ينبغي أن تقابلها طاعة هناك، وينبغي أن يحرص على كل الأمور المعينة على قبول الحج وتمامه، ومن ذلك أن يغير ويمنع كل المنكرات التي باستطاعته أن يمنعها، ومن آكد ذلك ما هو في بيته وفي أهله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلم مسئول عن رعيته).
النفقة الطيبة
وأولى الأولويات في هذا أن يحرص على أن تكون النفقة في أعمال الفرائض وفي أعمال البر والإحسان من الكسب الحلال الخالص الطيب، حتى يكون ذلك مؤذناً بالقبول وألا يرد، كما ورد في الحديث الذي رواه الطبراني -وإن كان فيه ضعف- بأن الذي يحرم ويلبي وقد أخذ نفقته من كسب حرام يرد عليه: (لا لبيك ولا سعديك، نفقتك حرام، ومركبك حرام)، أو كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
الرفقة الصالحة
فإنها معينة على معرفة الأحكام، ومعينة على استحضار المعاني الإيمانية التربوية في هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة، فإن المرء ينبغي أن يحرص على كل ما ينفعه في هذه الحياة الدنيا، وأن يحرص بشكل أكبر على ما ينفعه في أمور دينه في أثناء حياته الدنيا، وأن يحرص أكثر وأكثر على ما يصح به أداء فرضه والقيام بالواجب الذي لا محيد عنه.
فينبغي أن يستعين بعد الله عز وجل بالرفقة الصالحة التي تعينه وتذكره إذا نسي، وتكون معه إذا ذكر، فتحيي معاني الإيمان في قلبه، وتشحذ عزمه وتقوي همته، وتذكره بالآخرة، وتعرفه حقيقة الدنيا، وينبغي ألا يصحب أهل اللهو والغفلة، فيكون في مواضع الذكرى وإذا بهم يسرحون به في أودية الدنيا، يكون في مواضع التذكر للآخرة وإذا به يغوص في أوحال الشهوات وفي الذكريات مع المحرمات، وغير ذلك من لغو الكلام وباطله مما ينبغي أن يتنزه عنه المسلم في كل حال وآن، وفي مثل هذه الأحوال والأوقات بشكل آكد، فهذه أمور ينبغي تذكرها.
وأول ما يذكر قبل الحج وقبل الشروع في أعماله وأنساكه:
أولاً: النية الخالصة:
فجرد نيتك لله عز وجل، وخلص قصدك لمرضاته سبحانه وتعالى، ونق قلبك من شوائب الإرادات الأخرى والنوايا التي لا تكون خالصة لله عز وجل؛ فإنه سبحانه وتعالى يحب من الأعمال ما كان خالصاً، وكما ورد في الحديث القدسي عن رب العزة والجلال: (من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)، فجرد نيتك وخلصها لله سبحانه وتعالى.
ثانياً: الوصية النافعة:
عليك أن توصي أهلك وذوي قرابتك ومن تخلفهم وراءك في بيتك ومع أهلك بالطاعة وتقوى الله سبحانه وتعالى، والإقلاع عن المعاصي.
وأن توصي أيضاً بما يلزمك من إثبات الديون والتعريف بالحقوق ونحو ذلك مما يحسن بالمرء المسلم أن يكون موصياً به في كل وقت، ولاسيما عند السفر أو عند الذهاب إلى مكان بعيد، أو نحو ذلك مما يعرض للناس، فإن الوصية قد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وحث عليها وأوصى بسرعة كتابتها.
وهذه الوصية التي توصي بها أهلك مهمة جداً، فإنه من غير المنسجم مع التكامل المطلوب أن تكون ملبياً في عرفات، ورامياً للجمار لحرب الشيطان في منى، وأن تكون مضحياً لله سبحانه وتعالى في المشاعر المقدسة، وأنت تخلف في بيتك منكرات ومحرمات، ربما يلحقك بعض إثمها وشيء من وزرها؛ لأنها تقع في أهلك، وأنت الولي عليهم، والمكلف بهم والمسئول عنهم، فإن المسلم ينبغي أن يكون عمله منسجماً متكاملاً، فطاعة هنا ينبغي أن تقابلها طاعة هناك، وينبغي أن يحرص على كل الأمور المعينة على قبول الحج وتمامه، ومن ذلك أن يغير ويمنع كل المنكرات التي باستطاعته أن يمنعها، ومن آكد ذلك ما هو في بيته وفي أهله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلم مسئول عن رعيته).
ثالثاً: النفقة الطيبة: (فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)، وإن الكسب الحلال هو الذي ينبغي أن يحرص عليه المسلم لاسيما في هذه الأعصار التي اختلط فيها الحابل بالنابل، ودخلت شوائب الحرام وكثير من الشبهات في مكاسب الناس، فأولى به أن يحرص على ذلك.
وأولى الأولويات في هذا أن يحرص على أن تكون النفقة في أعمال الفرائض وفي أعمال البر والإحسان من الكسب الحلال الخالص الطيب، حتى يكون ذلك مؤذناً بالقبول وألا يرد، كما ورد في الحديث الذي رواه الطبراني -وإن كان فيه ضعف- بأن الذي يحرم ويلبي وقد أخذ نفقته من كسب حرام يرد عليه: (لا لبيك ولا سعديك، نفقتك حرام، ومركبك حرام)، أو كما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: الرفقة الصالحة:
فإنها معينة على معرفة الأحكام، ومعينة على استحضار المعاني الإيمانية التربوية في هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة، فإن المرء ينبغي أن يحرص على كل ما ينفعه في هذه الحياة الدنيا، وأن يحرص بشكل أكبر على ما ينفعه في أمور دينه في أثناء حياته الدنيا، وأن يحرص أكثر وأكثر على ما يصح به أداء فرضه والقيام بالواجب الذي لا محيد عنه.
فينبغي أن يستعين بعد الله عز وجل بالرفقة الصالحة التي تعينه وتذكره إذا نسي، وتكون معه إذا ذكر، فتحيي معاني الإيمان في قلبه، وتشحذ عزمه وتقوي همته، وتذكره بالآخرة، وتعرفه حقيقة الدنيا، وينبغي ألا يصحب أهل اللهو والغفلة، فيكون في مواضع الذكرى وإذا بهم يسرحون به في أودية الدنيا، يكون في مواضع التذكر للآخرة وإذا به يغوص في أوحال الشهوات وفي الذكريات مع المحرمات، وغير ذلك من لغو الكلام وباطله مما ينبغي أن يتنزه عنه المسلم في كل حال وآن، وفي مثل هذه الأحوال والأوقات بشكل آكد، فهذه أمور ينبغي تذكرها.
وأما أعمال الحاج فهي أولاً: الإحرام: وهو الركن الأول من أركان الحج.
سنن الإحرام
منها: الاغتسال لهذا الإحرام، وكذا يسن الاغتسال للمرأة وإن كانت حائضاً أو نفساء كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عائشة رضي الله عنها، وكما أمر أسماء بنت عميس وقد ولدت أو نفست، فهذه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
السنة الثانية: التنظف بإزالة الشعر: بنتف شعر الإبط، وحلق شعر العانة، وتقليم الأظافر، ونحو ذلك من سنن الفطرة الواردة في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي سنة عنه عليه الصلاة والسلام.
السنة الثالثة: التطيب قبل الإحرام؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل إحرامه، ولحله قبل طوافه عليه الصلاة والسلام)، فإن التطيب قبل عقد النية سنة من السنن، وإن بقي أثر الطيب بعد ذلك فلا شيء فيه، فإن التطيب متى وقع قبل الإحرام فهو سنة لا حرج منه.
والأمر الرابع وهو من الواجبات: التجرد من المخيط بالنسبة للرجال، والسنة أن يلبس إزاراً ورداءً أبيضين نظيفين، فإن هذا سنة، وإن لم يجد الرداء الأبيض فيلبس ما شاء على ألا يكون مخيطاً يفصل على العضو من أعضاء الإنسان، والمرأة لا تدخل في هذا الحكم، بل تلبس المخيط ولا شيء عليها في لبس المخيط، ثم ينبغي لها أن تتنبه لما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)، أي في حال إحرامها لحجها أو عمرتها، والقفازات هي التي تفصل لتلبس في الأيادي، والنقاب هو ما يكون مفصلاً ليكون غطاءً للوجه، وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنا إذا مر بنا الرجال أسدلنا الخمار على وجوهنا) أي: أنها لا تنتقب ولكن إن اختلطت بالرجال غطت وجهها، ولا شيء عليها وإن مس هذا الخمار وجهها.
ثم في أمور الإحرام: النية والإعلان بها سنة في هذا المقام، أن يعلن نيته ويحدد نسكه إن كان متمتعاً أو كان قارناً أو كان مفرداً، وإن كان ذا مرض أو ذا حاجة أو نحو ذلك اشترط في نيته وقال: (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)، ثم بعد ذلك يشرع في التلبية من وقت إحرامه.
وهذه جملة من السنن وفي بعضها واجبات.
وفيما يتعلق بالإحرام الذي ينبغي أن يكون بالنسبة للقادم بنية النسك حجاً أو عمرة، فينبغي أن يكون عند المواقيت المعروفة، ولا يجوز تجاوز هذه المواقيت من غير إحرام؛ فإن تجاوزها رجع إليها، أو إن أحرم بعدها لزمه في ذلك دم ليجبر ترك إحرامه في ميقاته.
معانٍ عظيمة في الإحرام
ثم يذكره بحقيقة الدنيا وبحقيقة ما ينتهي إليه عندما يموت وينتقل إلى الحياة البرزخية، فإنه لا يخرج من هذه الدنيا إلا بكفن يقارب ويشابه ذلك الإزار أو الرداء الذي يلبسه، فليتذكر المؤمن هذه المعاني العظيمة التي تعرفه بحقيقة الدنيا، وتربطه بالآخرة، وتبين له كيف ينبغي أن يكون فيما يطلبه الله عز وجل منه من أمور يتجرد عنها، ومن تضحيات يقدمها، ومن سبل يبذلها لنيل رضوان الله سبحانه وتعالى، وتحقق أدلة عبوديته.
محظورات الإحرام
أولاً: قص أو حلق الشعر أو إزالته بأي صورة من الصور: إذا أحرم المحرم وأعلن نيته؛ فإن هذا من محظورات الإحرام.
والثاني: هو تقليم الأظافر أيضاً.
والثالث: لبس المخيط بالنسبة للرجال، والنقاب والقفازين بالنسبة للنساء.
وكذلك تغطية الرأس بملاصق يلاصق الرأس، والتطيب بعد الإحرام، وقتل الصيد، وعقد النكاح، فإن عقد النكاح للمحرم باطل، والمباشرة فيما دون الفرج، والأخير هو النكاح والجماع الذي يفسد ويبطل به الحج، فهذه محظورات الإحرام.
فإن قص الشعر أو قلم الأظافر أو تطيب أو قص الرأس أو ما يلحق بهذه، فإن عليه فدية صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما آذاه هوام رأسه فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (لعله آذاك هوام راسك؟ قال: نعم، قال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو أنسك -أي اذبح- شاة لله عز وجل).
وأما ما يتعلق بعقد النكاح أو الخطبة فإنها من محظورات الإحرام لكن لا فدية فيها، وإنما يلحق المحرم فيها الإثم، وأما المباشرة فيما دون الفرج فإنه إن أنزل وجب عليه ذبح بدنة، وإن كان دون ذلك كان عليه ذبح شاة أو بدنة أيهما وقع منه؟ وأما الجماع فإنه يبطل الحج، ويوجب عليه بدنة ويوجب عليه أن يحج مرة أخرى بدلاً من هذا الحج الذي فسد.
ثم ينبغي أن يتذكر المسلم أن هذه الأمور من المحظورات تذكره بدقة الاستجابة لله عز وجل، فإن الناس في هذه الأوقات يكثر منهم السؤال عن تغطية الرأس، أو عن الطيب الذي قد يكون موجوداً في بعض المساحيق أو نحو ذلك، ويحرصون على التوقي والتجنب لكل ما قد يجرح إحرامهم أو يقدح في حجهم، وهم على ذلك حريصون، وعنه سائلون وبه مهتمون معتنون.
لماذا؟ لو سألت أحدهم: وما في تغطية الرأس وأي شيء يضر فيها؟ لكنه يقول: إني ألتزم أمر الله، إني أحب وأحرص على ألا أخالف شيئاً من هذه الأمور، وهذا الأمر فيه تعويد وتربية على أن المؤمن ينبغي أن يستجيب لله عز وجل في دقيق الأمور وجليلها، وصغيرها وكبيرها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]، وهكذا يتعلم المسلم هذا المعنى في كل منسك من المناسك، وفي كل خطوة من الخطوات.
والإحرام له سنن ينبغي أن يتذكرها المحرم.
منها: الاغتسال لهذا الإحرام، وكذا يسن الاغتسال للمرأة وإن كانت حائضاً أو نفساء كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عائشة رضي الله عنها، وكما أمر أسماء بنت عميس وقد ولدت أو نفست، فهذه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
السنة الثانية: التنظف بإزالة الشعر: بنتف شعر الإبط، وحلق شعر العانة، وتقليم الأظافر، ونحو ذلك من سنن الفطرة الواردة في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي سنة عنه عليه الصلاة والسلام.
السنة الثالثة: التطيب قبل الإحرام؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيح: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل إحرامه، ولحله قبل طوافه عليه الصلاة والسلام)، فإن التطيب قبل عقد النية سنة من السنن، وإن بقي أثر الطيب بعد ذلك فلا شيء فيه، فإن التطيب متى وقع قبل الإحرام فهو سنة لا حرج منه.
والأمر الرابع وهو من الواجبات: التجرد من المخيط بالنسبة للرجال، والسنة أن يلبس إزاراً ورداءً أبيضين نظيفين، فإن هذا سنة، وإن لم يجد الرداء الأبيض فيلبس ما شاء على ألا يكون مخيطاً يفصل على العضو من أعضاء الإنسان، والمرأة لا تدخل في هذا الحكم، بل تلبس المخيط ولا شيء عليها في لبس المخيط، ثم ينبغي لها أن تتنبه لما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين)، أي في حال إحرامها لحجها أو عمرتها، والقفازات هي التي تفصل لتلبس في الأيادي، والنقاب هو ما يكون مفصلاً ليكون غطاءً للوجه، وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنا إذا مر بنا الرجال أسدلنا الخمار على وجوهنا) أي: أنها لا تنتقب ولكن إن اختلطت بالرجال غطت وجهها، ولا شيء عليها وإن مس هذا الخمار وجهها.
ثم في أمور الإحرام: النية والإعلان بها سنة في هذا المقام، أن يعلن نيته ويحدد نسكه إن كان متمتعاً أو كان قارناً أو كان مفرداً، وإن كان ذا مرض أو ذا حاجة أو نحو ذلك اشترط في نيته وقال: (فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني)، ثم بعد ذلك يشرع في التلبية من وقت إحرامه.
وهذه جملة من السنن وفي بعضها واجبات.
وفيما يتعلق بالإحرام الذي ينبغي أن يكون بالنسبة للقادم بنية النسك حجاً أو عمرة، فينبغي أن يكون عند المواقيت المعروفة، ولا يجوز تجاوز هذه المواقيت من غير إحرام؛ فإن تجاوزها رجع إليها، أو إن أحرم بعدها لزمه في ذلك دم ليجبر ترك إحرامه في ميقاته.
والإحرام فيه معان عظيمة ودروس جليلة، فإنه ينبغي أن يذكر المؤمن بالتجرد لله عز وجل، وينبغي أن يذكر المؤمن بما ينبغي أن تكون عليه حقيقة علاقته بأمور الدنيا وعلائقها، فإنه كما يسهل عليه أن ينزع ثوبه وأن يتجرد لله عز وجل، فكذلك ينبغي أن يكون في قلبه وفي نفسه القدرة والعزيمة على أن يتخلى عن الدنيا وقتما يشاء امتثالاً لأمر الله عز وجل، وأن الدنيا يمكن أن يتخلى عنها ما دام الأمر في مرضاة الله سبحانه وتعالى.
ثم يذكره بحقيقة الدنيا وبحقيقة ما ينتهي إليه عندما يموت وينتقل إلى الحياة البرزخية، فإنه لا يخرج من هذه الدنيا إلا بكفن يقارب ويشابه ذلك الإزار أو الرداء الذي يلبسه، فليتذكر المؤمن هذه المعاني العظيمة التي تعرفه بحقيقة الدنيا، وتربطه بالآخرة، وتبين له كيف ينبغي أن يكون فيما يطلبه الله عز وجل منه من أمور يتجرد عنها، ومن تضحيات يقدمها، ومن سبل يبذلها لنيل رضوان الله سبحانه وتعالى، وتحقق أدلة عبوديته.
وهنا أيضاً تذكير آخر يتعلق بمحظورات الإحرام التي ربما يكثر سؤال الناس عنها ويغفل بعضهم عنها، ومن هذه المحظورات:
أولاً: قص أو حلق الشعر أو إزالته بأي صورة من الصور: إذا أحرم المحرم وأعلن نيته؛ فإن هذا من محظورات الإحرام.
والثاني: هو تقليم الأظافر أيضاً.
والثالث: لبس المخيط بالنسبة للرجال، والنقاب والقفازين بالنسبة للنساء.
وكذلك تغطية الرأس بملاصق يلاصق الرأس، والتطيب بعد الإحرام، وقتل الصيد، وعقد النكاح، فإن عقد النكاح للمحرم باطل، والمباشرة فيما دون الفرج، والأخير هو النكاح والجماع الذي يفسد ويبطل به الحج، فهذه محظورات الإحرام.
فإن قص الشعر أو قلم الأظافر أو تطيب أو قص الرأس أو ما يلحق بهذه، فإن عليه فدية صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة لحديث كعب بن عجرة رضي الله عنه لما آذاه هوام رأسه فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (لعله آذاك هوام راسك؟ قال: نعم، قال: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو أنسك -أي اذبح- شاة لله عز وجل).
وأما ما يتعلق بعقد النكاح أو الخطبة فإنها من محظورات الإحرام لكن لا فدية فيها، وإنما يلحق المحرم فيها الإثم، وأما المباشرة فيما دون الفرج فإنه إن أنزل وجب عليه ذبح بدنة، وإن كان دون ذلك كان عليه ذبح شاة أو بدنة أيهما وقع منه؟ وأما الجماع فإنه يبطل الحج، ويوجب عليه بدنة ويوجب عليه أن يحج مرة أخرى بدلاً من هذا الحج الذي فسد.
ثم ينبغي أن يتذكر المسلم أن هذه الأمور من المحظورات تذكره بدقة الاستجابة لله عز وجل، فإن الناس في هذه الأوقات يكثر منهم السؤال عن تغطية الرأس، أو عن الطيب الذي قد يكون موجوداً في بعض المساحيق أو نحو ذلك، ويحرصون على التوقي والتجنب لكل ما قد يجرح إحرامهم أو يقدح في حجهم، وهم على ذلك حريصون، وعنه سائلون وبه مهتمون معتنون.
لماذا؟ لو سألت أحدهم: وما في تغطية الرأس وأي شيء يضر فيها؟ لكنه يقول: إني ألتزم أمر الله، إني أحب وأحرص على ألا أخالف شيئاً من هذه الأمور، وهذا الأمر فيه تعويد وتربية على أن المؤمن ينبغي أن يستجيب لله عز وجل في دقيق الأمور وجليلها، وصغيرها وكبيرها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]، وهكذا يتعلم المسلم هذا المعنى في كل منسك من المناسك، وفي كل خطوة من الخطوات.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
رمضان ضيفنا المنتظر | 2907 استماع |
المرأة بين الحرية والعبودية | 2729 استماع |
فاطمة الزهراء | 2694 استماع |
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها | 2627 استماع |
المرأة والدعوة [1] | 2541 استماع |
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم | 2533 استماع |
غزوة أحد مواقف وصور | 2533 استماع |
قراءة في دفاتر المذعورين | 2485 استماع |
خطبة عيد الفطر | 2467 استماع |
التوبة آثار وآفاق | 2449 استماع |