أرشيف المقالات

مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي المكي المدني الكوفي أمير المؤمنين ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واسم أبي طالب عبد مناف هذا هو المشهور وقيل كنيته، واسم أم علي رضي الله عنها فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي أول هاشمية ولدت هاشمياً، أسلمت وهاجرت إلى المدينة، وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم  وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم  ونزل في قبرها.
كنيته (رضي الله عنه):
كنية علي رضي الله عنه أبو الحسن وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم  أبا تراب فكان أحب ما ينادى به إليه، وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالمؤاخاة، وصهره على فاطمة سيدة نساء العالمين وأبو السبطين، وأول هاشمي ولد بين هاشميين، وأول خليفة من بني هاشم، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم  بالجنَّة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم  وهو عنهم راضٍ، وأحـد الخلفاء الراشـدين، وأحد العلماء الربانيين والشجعان المشهورين والزهاد المذكورين، وأحد السابقين إلى الإسلام.
أول من أسلم من الأمة:
وقد اختلف العلماء في أول من أسلم من الأمة فقيل: خديجة، وقيل: أبو بكر، وقيل: علي رضي الله عنهم، والصحيح خديجة ثم أبو بكر ثم علي.
ونقل الثعلبي إجماع العلماء على أنَّ أول من أسلم خديجة وإنَّما الخلاف في الأول بعدها. وقال بريدة: أولهم إسلاماً خديجة ثم علي. وحكي مثله عن أبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري والحسن البصري وغيرهم.
هجرته (رضي الله عنه):
وهاجر علي رضي الله عنه إلى المدينة، واستخلفه النبي  صلى الله عليه وسلم  حين هاجر من مكة إلى المدينة أن يقيم بعده بمكة أياماً حتى يؤدي عنه أمانته والودائع والوصايا التي كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم  ثم يلحقه بأهله ففعل ذلك.
شهوده (رضي الله عنه) المشاهد:
شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  بدراً وأحداً والخندق وبيعة الرضوان وخيبر والفتح وحنيناً والطائف وسائر المشاهد إلا تبوك فإن النبي صلى الله عليه وسلم  استخلفه على المدينة وله في جميع المشاهد آثار مشهورة.
قالوا: وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم  اللواء في مواطن كثيرة.
وقال سعيد بن المسيب: أصابت علياً يوم أحد ست عشرة ضربة. وثبت في الصحيحين أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  أعطاه الراية يوم خيبر وأخبر أنَّ الفتح يكون على يديه، وأحواله في الشجاعة وآثاره في الحروب مشهورة.
خلافته (رضي الله عنه):
ولي الخلافة رضي الله عنه خمس سنين وقيل خمس سنين إلا شهراً، وبويع بالخلافة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم  بعد قتل عثمان رضي الله عنه، وذلك في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.
صفته (رضي الله عنه):
كان آدم اللون أصلع ربعة أبيض الرأس واللحية وربما خضب لحيته وكانت كثـة طويلة حسن الوجه ضحوك السن، ورثاه الناس فأكثروا فيه المراثي ودفن بالكوفة.
ولده (رضي الله عنه):
قال ابن قتيبة: ولعلي رضي الله عنه من الولد الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى كلهم من فاطمة، ومحمد بن الحنفية وعبيد الله وأبو بكر وعمر ورقية ويحيى وأمهم أسماء بنت عميس[1].
علمه (رضي الله عنه):
وأمَّا علمه فكان من العلوم بالمحل العالي.
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  خمسمئة وستة وثمانين حديثاً اتفق البخاري ومسلم منها على عشرين، وانفرد البخاري بتسعة ومسلم بخمسة عشر.
ونقلوا عن ابن مسعود قوله: كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي. وقال ابن المسيب: ما كان أحد يقول سلوني غير علي، وقال ابن عباس: أعطي علي تسعة أعشار العلم ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي. قال: وإذا ثبت لنا الشيء عن علي، لم نعدل إلى غيره. وسؤال كبار الصحابة له ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهور.
زهده (رضي الله عنه):
وأما زهده فهو من الأمور المشهورة التي اشترك في معرفتها الخاص والعام.
جاءته أم عثمان أم ولد له رضي الله عنه وبين يديه قرنفل مكبوب في الرحبة فقالت: يا أمير المؤمنين! هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة! فقال هكذا، ونقر بيديه. وقال: «أَرِنِي درهماً جيداً فإنَّما هذا مال المسلمين وإلا فاصبري حتى يأتينا حظنا منه فنهب لابنتك منه قلادة»[2].
وخرج ذات يوم بسيفه فقال: «من يبتاع مني سيفي هذا، فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته»[3].
قتاله على تأويل القرآن (رضي الله عنه):
من محاسنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  قرن قتاله رضي الله عنه على تأويل القرآن بقتاله صلى الله عليه وسلم  على تنزيله فقال: «إنَّ منكم من يُقَاتِلُ على تأويله كما قَاتَلْتُ على تنزيله»، قال فقام أبو بكر وعمر فقال: لا، ولكنه خاصف النعل. وعلي يخصف نعله»[4].
منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم:
ومن محاسنه أنَّ منزلته من النبي صلى الله عليه وسلم  بمنزلة هارون من موسى؛ فعن مصعب بن سعد عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  خرج إلى تبوك، واستخلف علياً، فقال: أتخلِّفني في الصبيان والنساء؟ قال: «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنَّه ليس نبي بعدي» [5].
وعن ابن عمر قال آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم  بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تؤاخ بيني وبين أحد. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت أخي في الدنيا والآخرة» [6].
«رحم الله علياً: اللهم أدر الحق معه حيث دار لم يذكر له منقبة؛ لأن مناقبه معروفة جمة بل عدل إلى الدعاء له بما ذكر فكان أقضى الناس ولم يفارقه الحق في شيء من أفعاله وكأنَّه - والله أعلم - خصه بهذه الدعوة لما أعلمه الله من تأخر زمانه عن زمان الثلاثة وكثرة أعدائه وحروبه فأخبرهم بالدعاء له، أنَّ الحق معه يدور لأنَّ دعاءه صلى الله عليه وسلم  ما يردُّ فهو بمثابة الإخبار»[7].
ومن محاسنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  كان يغضب لغضبه؛ فعن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم  سرية واستعمل عليهم علياً. قال: فمضى علي في السرية فأصاب جارية، فأنكر ذلك عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم  أخبرناه بما صنع علي. قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله صلى الله عليه وسلم  فسلموا عليه ونظروا إليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلَّموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم  فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم ترَ أنَّ عليـاً صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه، ثمَّ قام آخر فقال: يا رسول الله ألم ترَ أنَّ علياً صنع كذا وكذا؟ ثمَّ قام آخر فقال: يا رسول الله ألم ترَ أنَّ علياً صنع كذا وكذا؟ فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم  والغضب يُعْرَفُ في وجهه، فقال: ما تريدون من علي؟ ثلاثاً، إنَّ علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن»[8].
ومن محاسنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  كان يدعو له ويجعل منزلته بمنزلته؛ فعن أبي الطفيل قال: قال علي: أَنْشُدُ الله كل امرئ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول يوم غدير خُمٍّ لما قام.
فقام أناس فشهدوا أنَّهم سمعوه، يقول: «ألستم تعلمون أنَّي أولى النَّاس بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «من كنت مولاه، فإنَّ هذا مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه»، فخرجت وفي نفسي من ذلك شيء، فلقيت زيد بن أرقم فذكرت ذلك له فقال: «قد سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول ذلك له»[9].
ومن محاسنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  أمر بسد الأبوب إلا باب علي[10].
ومن حبه صلى الله عليه وسلم  لعلي رضي الله عنه تروي أم عطية تقول: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم  جيشاً فيهم علي، قالت: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم  وهو رافع يديه يقول: «اللهم لا تمتني حتى تريني علياً» [11].
ومن محاسنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم  قدمه في خطبة فاطمة رضي الله عنها؛ فعن بريدة عن أبيه، قال خطب أبو بكر وعمر فاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنَّها صغيرة»، فخطبها علي فزوجها منه» [12].
وعن علي بن أبي طالب أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم  أخذ بيد حسن وحسين فقال: «من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمَّهما كان معي في درجتي يوم القيامة » [13].
وعن علي بن أبي طالب قال: لقد عهد إليَّ النبي الأمي صلى الله عليه وسلم  أنَّه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، قال عَـدِي بن ثابت: أنا من القـرن الذين دعـا لهم النبي صلى الله عليه وسلم [14].
وعن علي رضي الله عنه قال: «كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم  أعطاني، وإذا سكتُّ ابتدأني»[15].
وعن جابر رضي الله عنه قال: «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  علياً يوم الطائف فانتجاه، فقال النَّاس: لقد طال نجوته مع ابن عمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما انتجيته ولكن الله انتجاه» ومعنى قوله: «ولكن الله انتجاه» يقول: إنَّ الله أمرني أن انتجي معه[16].
وعن حُبشي بن جُنَادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عنَّي إلا أنا أو علي» [17].
وعن ابن بريدة عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله أمرني بحب أربعة، وأخبرني أنَّه يحبهم.
قيل: يا رسول الله سمهم لنا، قال: علي منهم، يقول ذلك ثلاثاً، وأبو ذر والمقداد وسلمان، أمرني بحبهم، وأخبرني أنه يحبهم» [18].
وفاته (رضي الله عنه):
لما فرغ علي رضي الله عنه من وصيته قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثم لم يتكلم إلا بلا إله إلا الله حتى توفي ودفن في السحر وصلى عليه ابنه الحسن، وقيل كان عنده فضل من حنوط رسول الله صلى الله عليه وسلم  أوصى أن يحنط به وتوفي وهو ابن 63 سنة على الأصح وهو قول الأكثرين، وقيل 64، وقيـل 65، وقيل 58، وقيل 57»[19]، فالعلم عند الله.
 [1] تهذيب الأسماء واللغات، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا: 1/ 315 320، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.
[2] الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار لابن أبي شيبة، تحقيق: كمال يوسف الحوت: 7/ 102/ 34512، الطبعة: الأولى، 1409هـ، مكتبة الرشد - الرياض.
[3] الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار: 7/102/ 34510.
[4] أخرجه أحمد في مسنده: 17/391/11290.
[5] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة: 6/3/4416.
[6] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وله كنيتان: أبو تراب، وأبو الحسن: 6/ 80 / 3720.
[7] التنوير شرح الجامع الصغير: 6/ 230 231/ 4396.
[8] أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم  عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم، ذكر البيان بأنَّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ناصر لمن انتصر به من المسلمين بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم : 15 / 373/ 6929.
[9] أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم  عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم، ذكر دعاء المصطفى صلى الله عليه وسلم  بالولاية لمن والى علياً، والمعاداة لمن عاداه: 15/ 375/ 6931.
[10] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 6/90/ 3732.
[11] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 6/94/ 3737.
[12] أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب إخباره صلى الله عليه وسلم  عن مناقب الصحابة رجالهم ونسائهم، ذكر الإخبار عما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم  لأبي بكر وعمر عند خطبتهما إليه ابنته فاطمة عند إعراضه عنهما فيه: 15/399/6948.
[13] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 6/90/3733.
[14] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 6/93/3736.
[15] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 6/87/3729.
[16] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 6/85/3726.
[17] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 6/79/ 3719
[18] أخرجه البخاري في سننه، أبواب المناقب، باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه: 6/ 79/ 3718
[19] تهذيب الأسماء واللغات للنووي: 1/ 349.
__________________________________________
 
د.
حمدي طنطاوي محمد

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣