الحج وتطهير الحرمين


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي جعل الإيمان أمناً وأماناً، والإسلام سلماً وسلاماً، وأحكام الشريعة صلاحاً وأماناً، والخروج عنها ضنكاً وضيقاً، نحمده سبحانه وتعالى شرع الحج إلى بيته الحرام، وألزم بتطهيره من الذنوب والمعاصي والآثام، نحمده سبحانه وتعالى حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ويرضى، ونحمده على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبدُ الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، ختم به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وأرسله إلى الناس كافةً أجمعين، وبعثه رحمةً للعالمين، وأشهد أنه -عليه الصلاة والسلام- قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته.

صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فيا أيها الإخوة المؤمنون!

ها نحن نستقبل أيام شهر ذي الحجة، ونلج إلى موسم فضل عظيم، وأجر عميم، وفريضة جليلة، وأنوار وفضائل وبركات وخيرات عظيمة، أفاضها الحق سبحانه وتعالى علينا، وخصنا -معشر أمة الإسلام- بها، وجعل فيها من الأجور ومضاعفة الحسنات، ومن التكثير ومحو السيئات، ومن الجمع والاجتماع وظهور الخيرات ما لا يكون في غيرها من الأيام والليالي.

أيام عظيمة وموسم كريم أظهر الحق سبحانه وتعالى صوراً كثيرة من فضيلته وأجره وأهميته ونفعه، فأقسم سبحانه وتعالى للتعظيم وبيان الأهمية لهذه الأيام بها، فقال جل وعلا: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2]، وهي عشر ذي الحجة على ما ذهب إليه جمهور العلماء.

وفي ذلك روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العشر عشر ذي الحجة، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر) رواه الإمام أحمد والطبراني والبزار والحاكم وصححه.

وفي الحديث العظيم من رواية الصحابي الجليل ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر. قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء)رواه البخاري وغيره.

فما أعظم هذا الأسلوب النبوي البليغ الذي يهيج النفوس إلى الطاعة، ويبعث القلوب ويعلقها باغتنام هذه الأوقات الفاضلة والمواسم الخيرة (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر) صيغة التفضيل المطلقة، صيغة تدل على عظمة كبيرة ومحبة جليلة من الرب الخالق المالك سبحانه وتعالى لمزيد العبادة له وشديد الحرص على التقرب إليه في أيام هي من أيام الله سبحانه وتعالى وموسم هو من مواسم فرائض الله جل وعلا، وفي مكان وزمان تشهد فيه جموع غفيرة من أمة الإسلام أداء المناسك في أفضل بقاع الأرض كلها، في الحرمين الشريفين والمناسك المقدسة، ويزيدنا ذلك في آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أهميتها وفضيلتها.

قال ابن حجر : فيها اجتماع فضيلة الزمان والمكان بالنسبة للحجاج. ثم قال: وفيها اجتماع العبادات من الصيام والصدقة والصلة والحج والعمرة والإنفاق والنحر والأضحية ما لا يجتمع في غيرها من العبادات في سائر الأيام، وهي فضائل بعضها فوق بعض.

ومن هنا كان تصرف أسلافنا، فهذا سعيد بن جبير رحمه الله كان إذا دخلت عشر ذي الحجة اجتهد في العبادة حتى ما يكاد يقدر عليه، وكان يقول: لا تطفئوا سرجكم في ليالي العشر.

وقد وردت أحاديث فيها إشارة إلى صيام هذه الأيام، وبرز في هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومها، والتاسع من هذه الأيام ثابت بالحديث الصحيح صيامه لغير الحاج.

وكذلكم نجد في فضيلة هذه الأيام ما اختصت به من الذكر والتهليل والتكبير لعموم المسلمين، والتلبية للحجاج والمعتمرين، مما ينبغي أن ينشغل به المسلمون في مثل هذه المواسم العظيمة.

في تلك الأيام تفد الوفود وتلبي النداء جموع من المسلمين من كل بقاع الأرض، إنهم ليسوا من بلد واحد، بل من بلاد شتى، ولا من عرق واحد، بل من أعراق مختلفة، ولا من لغة واحدة، بل من لغات متباينة، إنهم يأتون من كل حدب وصوب، أي شيء يقصدون؟ يقصدون وجه الله، ويتوجهون إلى بيت الله، ويؤدون فريضة الله، لم يأتوا إلى مكة لجمالها أو لخضرتها، لم يأتوا إلى تلك الديار ليأكلوا من طعامها أو شرابها، أو ليسكنوا في دورها وبيوتها، ليس لهم مقصد حرك قلوبهم وهممهم وأضناهم في مشقتهم وسيرهم وسفرهم، وبذلوا في ذلك من أموالهم ومن عرق جبينهم إلا غرض واحد فقط، وهو تعظيم بيت الله وأداء فريضة الله.

وانظر معي -أخي المسلم- إلى التاريخ القرآني تذكره لنا آيات ناطقة شاهدة وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ [الحج:26].

ذكر أهل التفسير أن هذا الأمر لإبراهيم الخليل عليه السلام فيه دلالة عظيمة على اختصاص هذه البقاع بتوحيد الله سبحانه وتعالى، ونفي الشرك، والأمر بالطهارة العامة، بحيث لا يكون هناك شيء لغير الله، ولا معصية لله، ولا حكم لغير حكم الله، تطهير شامل لهذه البقاع المقدسة والبلاد الطاهرة، فيأتي المسلم من بلاد الإسلام وقد وقع فيها ما وقع من أمور كثيرة واختلالات عظيمة وانحرافات كبيرة يأتي إلى هذه البلاد فيرى قبلة الإسلام ورمز التوحيد، وجموع المسلمين وهي تلبي: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك) ثم يرى في هذه البقاع المقدسة شعائر الإسلام الظاهرة، فقبل أن يؤذن المؤذن تغلق المتاجر أبوابها؛ ليتوجهوا لأداء صلاتهم وفريضة ربهم، فهذا الذي ينبغي أن يراه في هذه البلاد من إعلاء وإعلان شريعة الله التي أمر بها إبراهيم الخليل عليه السلام، وجددها محمد صلى الله عليه وسلم في سلسلة بينهما من رسل الله وأنبيائه، وتأمل الآيات فإن فيها كثيراً من الدلالات وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ [الحج:26]، وفي الآيات: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج:27-28].

قال أهل التفسير: أي: من منافع الآخرة والدنيا، يأتون ليغسلوا قلوبهم، ويتطهروا من ذنوبهم، ويجددوا إيمانهم، ويؤكدوا عهدهم وعقدهم على التزام دين ربهم وإعلاء شريعته والتزام أوامره واقتفاء سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

وفي الآيات: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30].

قال أهل التفسير: ومن يعظم حرمات الله أي: يعظم ما حرم الله فيستعظم ارتكابه، ويجعل في نفسه من الخوف من ذلك والورع عنه والبعد ما يجعله أبعد ما يكون عن مقارفة الإثم أو الإقرار به، أو ارتكاب المعصية أو المخالفة، فضلاً عن المطالبة بشيء مخالف لشرع الله، أو إقامة وإقرار شيء مناقض لشرع الله عز وجل، وذلك ما ينبغي أن يكون خصيصةً لهذه البلاد التي يفد الناس إليها، يريدون أن يروا فيها الإسلام الكامل الذي قد تنتقص بعض صوره في أحوالهم وبيئاتهم.

إننا ينبغي علينا أن ندرك أن قلوب المسلمين قد تعلقت بهذه البلاد، بالحرمين الشريفين، وبصبغة الإسلام الظاهرة، وراية شريعته المعلنة، وإلا فهل تظن أن الذين يقيمون في هذه البلاد لا يريدون إلا رزقها وأجرها؟ إن بعضاً منهم -وهم كثر ليسوا قلة- من أصحاب الشهادات العالية، وبعضهم كانوا يعملون أطباء ومهندسين في بلاد الشرق والغرب في أحسن وأرقى المستويات المعيشية، تركوا ذلك كله خلف ظهورهم، واسأل أحدهم: لم جئت إلى هذه البلاد؟

إنه يريد أن يتنفس هواءً نقياً طاهراً غير ملطخ برجس الآثام والمعاصي، وليس مضللاً بتشريع يناقض شريعة الله، إنهم يقولون لك: قد كبر أبناؤنا وبناتنا، ولا نريد أن يدخلوا في جحيم الاختلاط والتبرج والفسق والفجور. إنهم يقولون: نريد أن نفيء إلى ظلال نسمع فيها صوت الأذان يدوي خمس مرات ويهرع الناس ويتركون وراءهم دنياهم، ويتركون أعمالهم رسمية وأهلية ليعلنوا مظاهر الإسلام، وهم يرون في بعض بلادهم أن الجمعة تقام وإلى جوار أبواب المساجد من يشربون الدخان، ومن يسمرون ويلعبون ويضحكون، كأنه لا خطيب يسمعون صوته، ولا فريضة يؤدون واجبها، ولذلك نجد أن المسألة في هذا المعنى مهمة جداً.

إن بلاد الحرمين الشريفين لها خصائص عظيمة هذه الخصائص متعلقة بوجود الحرمين الشريفين ووجود هذه الفريضة، هل يحج الناس إلى مكان آخر؟ فهل يحج المسلمون إلى بلد آخر؟ هل يقصدون موطناً آخر؟ هل في الدنيا كعبة غير التي في مكة؟ وهل هناك مثوىً لرسول الله صلى الله عليه وسلم غير الذي في المدينة؟ وهل هناك بلاد من بلاد الإسلام ينبغي أن تكون أعظم صورة وأقرب صورة إلى الامتثال الكامل للإسلام من هذه البلاد؟

إن الناس قد فقدوا ذلك في بعض بلاد الإسلام والمسلمين، وكلنا يعلم ذلك، بل إن من بلاد المسلمين بلاداً فيها أحسن وأشهر مصانع الخمور في العالم، وإن من بلاد الإسلام بلاداً فيها تصاريح رسمية للبغاء والفسق والفجور، وتدفع فيها الضرائب للدولة، وإن في بلاد الإسلام والعرب بلاداً تمنع الحجاب للمرأة المسلمة في المدارس والمعاهد والكليات، بل في الشوارع والطرقات، أفليس من حق المسلمين على أقل تقدير أن يجدوا بلاداً هي موطن الإسلام طاهرةً خالصةً من تلك الأرجاس والأنجاس؟ أفليس هذا أمراً بدهياً؟ أفلا ترى معقل النصرانية في الفاتيكان خالصاً لها ولنوع الكنيسة التي تتبناها لا يشاركها فيها غيرها؟ وغير ذلك كثير.

إننا -ونحن نتحدث عن هذه الأيام العظيمة، وعن هذه المناسك الجليلة- لا شك نشعر أنه حديث مؤلم محزن، فهذه المزايا العظيمة وهذه الخصائص المهمة التي هي مهوى أفئدة قلوب المسلمين من القادمين المرتحلين حجاجاً ومعتمرين، ومن المقيمين الذين - وإن ضاقت معايشهم وإن تعسرت أحوالهم- لا يزالون مرابطين يريدون أن يتنفسوا -كما قلت- هواءً نقياً، يريدون أن يروا كلمة الإسلام العالية.

وليس حديثنا حديث مزايدة ورفع أصوات، وليس حديث مبالغة وتهويل، بل هو الأمر الحقيقي الذي إن لم ندرك خطورته يوشك أن نعض أصابع الندم في وقت لا ينفع فيه الندم، أفتبقى بلاد الإسلام الوحيدة على ما فيها من خير عظيم هدفاً لنقض هذا الخير ولنزع هذه الخصوصية، وللنداء المتكرر بأنه لا ينبغي لها أن تكون شاذةً عن العالم كله، ولا أن تكون مقيدةً -كما يزعمون- بهذه الأحكام الشرعية، وكلنا سمع الأنباء والأخبار التي تعلقت بشأن المرأة وحجابها ومشاركتها واختلاطها، وأهميتها -كما يقولون- في التنمية وغير ذلك.

وكلنا عرف بعض هذه الأمور التي أرادوا منها -كما يصرح أصحابها- أن ينقضوا تلك الخصوصية، وأن يخترقوا تلك المعاقل المحصنة بحصون الإسلام المتينة، حتى وقع ما وقع من أمور فيها إظهار للمخالفة السافرة لهذه الأحكام الشرعية الظاهرة، ليس في دائرة ما قد يكون مختلفاً فيه عند الفقهاء اختلافاً معتبراً، بل فيما هو مجمع عليه أنه محرم ولا شك في حرمته من السفور بظهور الشعور وغيرها، ولذلك هذه المسائل ربما يقال: إن الوقوف عندها إنما هو مبالغة ليست في محلها.

ولكني أقف قبل أن أسترسل وقفةً مع غيظة إيمانية نحمد الله عز وجل على بقائها ونسأله دوامها، وهي فيما كان من موقف المفتي العام الذي نبه وأنكر وشدد وحذر من الانفلات الذي يراد أن يمرر بسياسة الأمر الواقع في شأن المرأة المسلمة ونزع حجابها وإقرار اختلاطها، وزعمهم أن ذلك ليس فيه شيء من معارضة الإسلام، وكان مما ذكره حفظه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا أمرٌ يتعلق بحديثنا هذا، حيث قال:

وإني إذ أنكر هذا الأمر أشد الإنكار وأبين حرمته وأحذر من عواقبه الوخيمة ليزداد ألمي من صدور مثل هذا التصرف المشين في بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية التي دأب ولاة الأمر فيها على القيام بالشرع لا يخافون في الله لومة لائم، وعلى حمل الرعية على ذلك، وهم -ولله الحمد- لا يزالون يسيرون على هذا الطريق المستقيم. ثم يستشهد بكلمة للملك الراحل عبد العزيز يقول فيها: أقبح ما هنالك من الأخلاق ما حصل من الفساد في أمر اختلاط النساء بدعوى تهذيبهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها. ويزيد المفتي العام كلمة رائعة من كلام ابن القيم ينقلها، وهي قوله: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد الأمور العامة والخاصة.

ووقفة هنا نذكر فيها من أرجف في هذه المسألة بقول أو فعل أو دفاع، ولست أنقل هنا آيات وأحاديث في شأن الحجاب وغيره من الأدلة، فنحن في غنية عن ذلك؛ لأن الأدلة الظاهرة الواضحة لا تحتاج إلى مثل هذا التفصيل، ودائرة الاختلاف الفقهي المعتبر واضحة معلومة، وما وراءها من المحرمات التي لا يشك في تحريمها ظاهرة، ولكني أنقل لك بلسان أعجمي غير مبين، ومن كلام أهل الكفر الذين ربما جعل بعضنا بعضهم قدوة لهم، وفي المسألة ذاتها.

فهذا كاتب أمريكي شهير يكتب مقالة يقول فيها: على حائط مكتبي صورتان: الأولى: صورة امرأة مسلمة تلبس البرقع، وبجانبها صورة متسابقة جمال أمريكية لا تلبس شيئاً سوى ما يستر العورة المغلظة.

ثم بدأ يتحدث عن الصورتين -حتى لا نشك في أنه مسلم أو أنه تأثر وتسمم فكره بما عند المسلمين من هذه الأفكار- يقول: لست خبيراً في شئون النساء المسلمات، وأحب الجمال النسائي كثيراً، مما لا يدعوني للدفاع عن البرقع هنا، لكني أدافع عن بعض من القيم التي يمثلها البرقع لي. يقول: بالنسبة لي يمثل البرقع تكريس المرأة نفسها لزوجها وعائلتها، هم فقط يرونها، وذلك تأكيد لخصوصيتها.

تركيز المرأة ذات الصورة منصب على بيتها وعشها حيث يولد أطفالها وتتم تربيتهم، فهي الصانعة المحلية، هي الجذر الذي يبقي على الحياة، وروح العائلة، فهي تربي وتدرب أطفالها وتمد يد العون لزوجها، وتكون ملجأً له.

إنه يرى في هذا بعضاً من وجوه الإيجابية في نظره، ويصرح بها، والعقلاء من أهل الإسلام يعرفون حقيقتها.

يقول: إن هذا يمثل خصوصية العائلة، يمثل رعاية الزوج، يمثل تربية الأبناء.

ويزداد الأمر إيضاحاً عندما ينتقل إلى الصورة الأخرى من بنت بلده وبنات جنسه اللائي يراهن صباح مساء في واقعه.

يقول عن الأخرى: تختال عارية تقريباً أمام الملايين على شاشات التلفاز، وهي ملك للعامة، تسوق جسمها إلى المزايد الأعلى سعراً، وتبيع نفسها في المزاد العلني كل يوم.

في أمريكا المقياس الثقافي لقيمة المرأة هو جاذبيتها، هي تشغل نفسها وتهلك بظهورها، تتعلم لتكون محبوبةً إذا مارست الجنس، تحرير المرأة خدعة من خدع النظام العالمي الجديد، خدعة قاسية أغوت النساء الأمريكيات، وخربت الحضارة الغربية.

لو قال هذا مثلي أو مثلك -أخي القارئ- لوصف بأنه متحجر الفكر، إرهابي النظرة، ضيق الأفق، سقيم العقل، فكيف وهذا كاتب مشهور اسمه هنري ماكود .

ويقول آخر في تحقيق أجراه في بعض مناطق السعودية في صحيفة سائرة شهيرة، جاء وعنده خلفياته عن الحجاب، وعن المرأة المكبلة الغبية التي تكون في البيت أدنى من الخادمة وأحقر من الحيوان كما يصور له ذلك الإعلام في بلده، جاء ليقول: لغز الحجاب الذي يثير حفيظة الغرب غير مطروح التساؤل هنا في السعودية، الحجاب لم يقف حائلاً أمام تطور المرأة هنا، فالسعوديات مؤهلات للتعامل مع أحدث برامج الحاسوب والإدارة ونظريات التعليم، بل إن القطاع الواسع من النساء السعوديات المتعلمات يدافعن عن الحجاب كمنظومة تحكم علاقة المرأة بالرجل في إطار أوسع.

ثم يقول وتأمل معي كلام من ليس على ديننا- يقول: وبالرغم من انفصال التعليم بين الطلاب والطالبات فإن تعليم البنات يخرج آلاف الطالبات الحاصلات على شهادات جامعية، بل إن بعض النساء يدرن أعمالهن الخاصة بأنفسهن.

ثم في تحقيقه يسأل امرأة أمريكية عاشت هنا عقداً طويلاً من الزمان، فتقول له: إن النظرة الغربية والتأطير السلبي الذي يحيط بحجاب المرأة المسلمة غير صحيح، أعتقد أن المرأة هنا تأخذ دورها الطبيعي، ودون ضجة أو تغييرات حادة شبيهة بتلك التي تحدث في الدول الغربية وأمريكا.

ثم يسأل في تحقيقه بعض النساء المتعلمات المتحضرات من بنات بلدنا فتقول: نحن نعتقد أننا نعرف عنكم وعن الأخلاق المتفشية بينكم إلى الحد الذي يجعلني أقول: لو سألتني: هل أريد هذه الحرية الغربية فإن إجابتي ستكون في ثلاث كلمات: لا ثم لا ثم لا.

إن الدين هو الذي يملي، هو الذي يضبط، وهو الذي يحكم تصرف الإنسان، ومن كان مخلصاً في دينه التزم الضبط الذي يحرك مساره.

ثم يقول الكاتب بعد خلاصة تحقيقه: النساء هنا يشعرن أن النظام الأخلاقي الإسلامي يحفظ للمرأة كرامتها من التعرض للمشاهد التي تخدش الحياء.

وينقل عن سيدة متعلمة قولها هنا: لا مظاهر فاحشة، ولا اختلاط بين المرأة الأجنبية والرجل إلا في أضيق نطاق، نحن سعيدات بهذا بلا شك.

وهذا -كما قلت- نحن في غنىً عنه، لكنا نرسله لمن يقولون بغير هذا، ويوم أن تحدثت امرأة حاسرة عن شعرها أمام مجمع من الرجال وصف خطابها وكلامها بأنه خطاب تاريخي، ولست أدري أين هي العقول التي يقولون: إنها كبيرة؟! هل هذه التي تجعل كلمات من امرأة في حدث عارض هامشي خطاباً تاريخياً أو غير ذلك؟!

وانظر -أيضاً- إلى خلاصة لكاتب كتب يقول: (كل مولود يولد على الفطرة. أي: والفطرة هي السليقة بطبيعتها، فلو ذهبت إلى الغابة ورأيت الحيوانات لرأيت الاختلاط فطرة طبيعية فيما بينها، ليس هناك غابة للإناث وغابة للذكور.

ثم ينتقل ليقول: إن الإنسان كرمه الله عز وجل بالعقل: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، فيختلف الإنسان عن الحيوان في أن الفطرة واحدة في الاختلاط، ولكن عقل الإنسان يجعله منضبطاً؛ لأن الإنسان حيوان بهيمي بطبيعته، فهو لذلك على الفطرة ينبغي أن يكون مختلطاً رجاله ونساؤه، ثم العقل بعد ذلك يضبط هذه الغرائز ويحكمها.

وهذا القائل دكتور أكاديمي وأستاذ جامعي.

ثم يقولون عنكم -معاشر المحبين للدين الملتزمين به الناطقين بحججه من الآيات والقرآن-: إن عقولكم صغيرة وإن حججكم واهية.

أراجيف حول المرأة في صحفنا المحلية والرد عليها

أنتقل إلى ذكر كلمات محزنة مؤلمة منشورة في صحافتنا المحلية آنياً وقبل فترات مختلفة، وأذكر بأن لا ننسى ما قاله الأمريكان أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعور الشقراء.

يقول أحدهم في صحافتنا المحلية:

علينا -إذاً- تحرير المرأة من كثير من القيود والعادات، وكثير منها ليس لها أصل شرعي.

وكثير من هؤلاء صاروا من مفتي الديار، وأحدهم ربما لا يحسن تلاوة آيتين أو ثلاث من القرآن.

ثم يقول: هل يجوز أن تبقى المرأة تابعة للرجل بعد أن حررها الإسلام من قيود الجاهلية، وأعطاها حق تطليق نفسها، وبذلك تكون العصمة في يدها؟ وهذا فقه حديث أظنه يضاف إلى ما سبق من فقه الأئمة الأربعة.

ويقول آخر: التوسع في مجالات عمل المرأة يقتضي تغيير القيم الاجتماعية البائدة التي تسيطر على بعض العقول، وتغيير هذا يستدعي المجابهة والمواجهة.

ويقول: إن الحساسية في التعامل مع المرأة في المجتمع السعودي لا يكون إلا بالمواجهة.

أحسب أن في مثل هذه الكلمات ما يدلنا على خلل في الفهم، وعلى شهوة في النفوس، وعلى أمور كثيرة يحتاج هؤلاء فيها إلى مراجعة أنفسهم، ونحن قد تعودنا أن لا نستخدم الصراخ ورفع الصوت؛ فإن القضايا تحكم بميزان الشرع، وينظر إليها العقلاء بما هي عليه من واقعها وخطورتها.

ثم أيضاً لسنا في مقام الاتهام لهذا أو ذاك، لا رمياً له بكفر والعياذ بالله، ولا وصفاً له بفسق دائم أو فجور عام، ولكننا نقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن فعلتم ما يخالفها قلنا لكم: ارتكبتم محرماً واقترفتم إثماً وتعديتم على دين الله عز وجل -وهو أعظم شيء عند كل مسلم ومؤمن- واعتديتم على نظام هذه البلاد وخصوصيتها التي قد فقدت في كثير من بلاد الإسلام، حتى أصبح في كثير من بلاد الإسلام المنكر معروفاً والمعروف منكراً، فهل يراد أن نسير خلف هذه المسيرة التي قد أوقعت أصحابها في مهاو كثيرة وشرور عظيمة في بلاد الغرب وفي بلاد الإسلام كذلك؟!

ثم نقول: إن هذا يناقض قول الأغلبية كلها، ولإن قلتم بالديمقراطية فخذوا رأي الناس، وخذوا رأي النساء المسلمات في هذه البلاد، كم ستجدون من هذه الأصوات؟ ستجدونها شاذة ناعقة تغرد في غير سربها، وتأتي بلحن نشاز يفسد ما عليه الغالبية العظمى من نساء الإسلام في هذه البلاد، نسأل الله عز وجل أن يحفظها ويسلمها، فلماذا تتركون الديمقراطية في هذا الشأن وتجعلون لآحاد من الناس أن يقولوا: إن هذا هو المطلوب وهذا هو المرغوب؟!

إذاً لا بد أن ننتبه إلى أن هذه القضايا قد وقعت في بلاد أخرى بدأت بمثل ذلك أو أقل من ذلك، وانتهت إلى ما تعلمون وترون وتشاهدون وتعرفون بأنفسكم، سواءٌ أكان ذلك في ديار ترجعون إليها أم في بلاد تزورونها.

نسأل الله عز وجل أن يجعل بلاد المسلمين طاهرةً مطهرةً مقدسةً خالصةً للإسلام وأهله، ليس فيها ما يناقض شرعه، لا في حكم ولا في نظام ولا في واقع ولا في طبيعة اجتماعية، ولا في أي جانب من جوانب الحياة.

ونسأل الله عز وجل أن يحفظ بلاد الحرمين، وأن يجعلها مهوى أفئدة المؤمنين، وأن يحفظ ولاة أمرها لإقامة شرع الله عز وجل فيها، وأن يسخرهم للوقوف في وجه كل من يعارض ذلك أو يناقضه.

أنتقل إلى ذكر كلمات محزنة مؤلمة منشورة في صحافتنا المحلية آنياً وقبل فترات مختلفة، وأذكر بأن لا ننسى ما قاله الأمريكان أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرقاء والشعور الشقراء.

يقول أحدهم في صحافتنا المحلية:

علينا -إذاً- تحرير المرأة من كثير من القيود والعادات، وكثير منها ليس لها أصل شرعي.

وكثير من هؤلاء صاروا من مفتي الديار، وأحدهم ربما لا يحسن تلاوة آيتين أو ثلاث من القرآن.

ثم يقول: هل يجوز أن تبقى المرأة تابعة للرجل بعد أن حررها الإسلام من قيود الجاهلية، وأعطاها حق تطليق نفسها، وبذلك تكون العصمة في يدها؟ وهذا فقه حديث أظنه يضاف إلى ما سبق من فقه الأئمة الأربعة.

ويقول آخر: التوسع في مجالات عمل المرأة يقتضي تغيير القيم الاجتماعية البائدة التي تسيطر على بعض العقول، وتغيير هذا يستدعي المجابهة والمواجهة.

ويقول: إن الحساسية في التعامل مع المرأة في المجتمع السعودي لا يكون إلا بالمواجهة.

أحسب أن في مثل هذه الكلمات ما يدلنا على خلل في الفهم، وعلى شهوة في النفوس، وعلى أمور كثيرة يحتاج هؤلاء فيها إلى مراجعة أنفسهم، ونحن قد تعودنا أن لا نستخدم الصراخ ورفع الصوت؛ فإن القضايا تحكم بميزان الشرع، وينظر إليها العقلاء بما هي عليه من واقعها وخطورتها.

ثم أيضاً لسنا في مقام الاتهام لهذا أو ذاك، لا رمياً له بكفر والعياذ بالله، ولا وصفاً له بفسق دائم أو فجور عام، ولكننا نقول: بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن فعلتم ما يخالفها قلنا لكم: ارتكبتم محرماً واقترفتم إثماً وتعديتم على دين الله عز وجل -وهو أعظم شيء عند كل مسلم ومؤمن- واعتديتم على نظام هذه البلاد وخصوصيتها التي قد فقدت في كثير من بلاد الإسلام، حتى أصبح في كثير من بلاد الإسلام المنكر معروفاً والمعروف منكراً، فهل يراد أن نسير خلف هذه المسيرة التي قد أوقعت أصحابها في مهاو كثيرة وشرور عظيمة في بلاد الغرب وفي بلاد الإسلام كذلك؟!

ثم نقول: إن هذا يناقض قول الأغلبية كلها، ولإن قلتم بالديمقراطية فخذوا رأي الناس، وخذوا رأي النساء المسلمات في هذه البلاد، كم ستجدون من هذه الأصوات؟ ستجدونها شاذة ناعقة تغرد في غير سربها، وتأتي بلحن نشاز يفسد ما عليه الغالبية العظمى من نساء الإسلام في هذه البلاد، نسأل الله عز وجل أن يحفظها ويسلمها، فلماذا تتركون الديمقراطية في هذا الشأن وتجعلون لآحاد من الناس أن يقولوا: إن هذا هو المطلوب وهذا هو المرغوب؟!

إذاً لا بد أن ننتبه إلى أن هذه القضايا قد وقعت في بلاد أخرى بدأت بمثل ذلك أو أقل من ذلك، وانتهت إلى ما تعلمون وترون وتشاهدون وتعرفون بأنفسكم، سواءٌ أكان ذلك في ديار ترجعون إليها أم في بلاد تزورونها.

نسأل الله عز وجل أن يجعل بلاد المسلمين طاهرةً مطهرةً مقدسةً خالصةً للإسلام وأهله، ليس فيها ما يناقض شرعه، لا في حكم ولا في نظام ولا في واقع ولا في طبيعة اجتماعية، ولا في أي جانب من جوانب الحياة.

ونسأل الله عز وجل أن يحفظ بلاد الحرمين، وأن يجعلها مهوى أفئدة المؤمنين، وأن يحفظ ولاة أمرها لإقامة شرع الله عز وجل فيها، وأن يسخرهم للوقوف في وجه كل من يعارض ذلك أو يناقضه.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2911 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2731 استماع
فاطمة الزهراء 2698 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2630 استماع
المرأة والدعوة [1] 2545 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2540 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2537 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2489 استماع
خطبة عيد الفطر 2469 استماع
التوبة آثار وآفاق 2451 استماع