خطب ومحاضرات
شرح الأربعين النووية - الحديث الثاني [6]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فإن الله سبحانه أوجد الحياة بعد الموت في الدنيا، وعلى أنواع وصور وأشكال وأزمان، وفي أجناس متغايرة مختلفة، من الإنسان ثم الحيوان ثم الطير، ثم الحوت، ثم الميت غير الطبيعي، وكل ذلك نماذج صارت في الحياة والناس يعاينونها وكما يقولون: نموذج، تجربة، مثال. فإذا عاينا نموذجاً ومثالاً حكمنا على بقية الأفراد بمقتضى ذلك.
قتيل بني إسرائيل
قتل قتيل في بني إسرائيل وتدافعوا في تعيين القاتل، فذهب القاتل بنفسه إلى موسى، وكان القتيل عمه قتله من أجل أن يتزوج ابنته ويأخذ ماله، فقال: عمي قُتل يا موسى، أريد أن تأخذ قاتله لتأخذ حقي، فتوجه موسى إلى ربه وناجى ربه، ثم قال: ائتوا ببقرة واذبحوها، فقاموا بتعنتهم وما كادوا يفعلون، فلما ذبحوها وفقدت الحياة.
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى [البقرة:73]، فضربوه فأحياه الله، وسألوه عمن قتله، فقال: قتلني فلان، ثم اضطجع، فكهذا الإحياء لهذا القتيل الذي شاهدتموه وسمعتم منه بآذانكم، يحيي الله موتاكم، وهذا نموذج في شخص قتيل.
وهنا نبه العلماء: إذا كانت النتيجة إحياء هذا القتيل بضربه بجزءٍ من البقرة ولماذا يذبحونها ولا يبقونها على قيد الحياة؟ قالوا: لا، إنما ضرب ببعضها بعد أن صارت ميتة مثله، لأن الميت لا يهب حياة، فلو ضربوه وهي في حياتها لقيل: عملوا له توصيلة، مثل السيارة المعدومة البطارية توصل لها من السيارة الصالحة فتوصل البطارية العاطلة بها، ويعمل لها اشتراك وتيار يتوصل إليها وتشتغل السيارة، ولكن هنا جاءت الحياة من البقرة المذبوحة إلى القتيل فردت إليه الحياة والميت لا يعطي حياة.
إذاً: إذا حيي القتيل بعد ضربه ببعض من بقرة ميتة، فمن أين جاءته الحياة؟ من الله، وقد شاهدتم ذلك، فكذلك يحيى الله الموتى!
قصة موت العزير مائة سنة
هو أول ما نشأت نفسه كيف جاء؟ لكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يريه ذلك بنفسه، قال: وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ [البقرة:259] ، وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا [البقرة:259] أو ننشرها، ننشزها.
فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ [البقرة:259]، طعام يمكث مائة عام لم يتغير، وطعام الشام فواكه، يأخذون من التين ومن العنب ونحوه، وليس هناك تحنيط وهو نائم، ولا هو محفوظ في ثلاجة! إنها قدرة الله سبحانه، فلما رأى الحمار قام والعظام تأتي تتشابك، فقال: أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259]، فهذا إنسان أماته الله ومعه حماره، وليس الإنسان فقط بل والحيوان.
إحياء الله لأهل الكهف
فلما أرسلوا أحدهم إلى المدينة ليشتري لهم طعاماً، وجد أهل المدينة عملة قديمة من أمم ماضية منذُ ثلاثمائة سنة، فسألوهم: أين كنتم؟ من أين هذه العملة؟ من أين جئتم؟ قالوا: كنا نائمين، وجئنا نأخذ طعاماً، قالوا: إن الدولة التي تحملون نقودها هذه لها مئات السنين.
فلما جاء الملك وجاء الناس إلى إخوانهم وعرفوا أن هؤلاء من تلك الأمم وبعثوا الآن ماتوا جميعاً، وعلم الأحياء قدرة الله على البعث؛ لأن الله الذي أحيا هؤلاء بعد النوم، وبعد اللبث في الكهف ثلاثمائة سنة، وجاءوا يمشون على الأرض يطلبون الطعام، فعلموا أن الله قادر على إحيائهم مرة أخرى، وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا [الكهف:21].
وكانوا سبعة وثامنهم كلبهم أو أكثر أو أقل، لكن هناك جماعات خرجوا من ديارهم حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا [البقرة:243]، فماتوا، ثُمَّ أَحْيَاهُمْ [البقرة:243].
إحياء الله لقوم موسى عليه السلام
فيرجع موسى إلى ربه، فيأمره بالرجوع إلى الناس ويقول موسى: رب لو شئت لأهلكتنا من قبل، وأهلكت الناس جميعاً، لكن هؤلاء تحملني جريمتهم عند الناس؛ فيرحمه الله سبحانه، ويحييهم له ويرجعون مع موسى عليه السلام.
فسواء كان فرداً أو قوماً أو ألوفاً، قتيلاً أو ميتاً ميتةً طبيعة، قد عادت الحياة إليه وهم يعاينون، وجاءنا القرآن يبين لنا ذلك، فوالله لكأننا نشاهد هذا عياناً.
إحياء الله الطيور لإبراهيم عليه السلام
إبراهيم عليه السلام لما سأل ربه، وقال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ [البقرة:260]، أي: أما عندك اليقين بالبعث يا إبراهيم؟ قال: بلى عندي، ولكن ليطمئن قلبي ويصل إلى حقيقة اليقين وعين اليقين، لا مجرد الإخبار، فقال: خذ أربعة من الطير وليس طيراً واحداً؛ لأن العملية كبيرة، فيأخذ أربعة طيور، يقول بعض علماء التفسير: ديك وطاووس وغراب ونسر، وأشياء ذكروها في كتب التفسير، ويهمنا التنويع.
قال تعالى: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا [البقرة:260]، قالوا: إنه أخذ الطيور وقطعها أجزاءً ثمانية أجنحة، وأربعة رءوس وثمانية أرجل، فمزقها وخلطها حتى اختلطت الدماء بعضها ببعض، وأخذ جناحاً من هذا ورجلاً من ذاك ورأساً لهذا وذهب به إلى الجبل، وأخذ جناحاً من ذاك وتتمة من هذا ووزع الأجنحة والأرجل والرءوس المختلفة، رأس النسر مع جناح الغراب، وجناح الديك مع رأس الطاووس، ثم قال: تعال يا نسر، تعال يا طاووس.
لما قال: تعال يا طاووس، الطاووس عنده جناح هنا، وجناح هناك، ورجل هنا ورجل هناك، عندها كل جزء من أجزاء هذا الطائر الذي دعاه يأتي إليه ويتركب بعضه مع بعض ويتكامل ويقوم طائراً بجناحيه على ساقيه.
تلك الأجزاء الممزقة كيف جاءت وتلاءمت وعرف بعضها بعضاً؟ وإذا جاءت وعرف بعضها بعضاً، كيف التحمت؟ الآن أرقى ما وصل إليه الطب زرع الكلية أو القلب لإنسان موجود، لكن هذه الأجزاء زرع عضوٍ خارجي يتحرك بكل لوازمه، لكن إلى الآن ما وصلوا إلى ذلك الالتحام.
وهذه الدماء التي ذهبت في التراب، كيف توافرت وتميزت وهو سائل ممتزج؟ كيف انفصلت كرياته الحمراء والبيضاء؟! وهنا يقال: إبراهيم عليه السلام طلب الاطلاع على الكيفية، والكيفية هي سر الصنعة، فهل المولى سبحانه أطلع إبراهيم على كيفية مجيء الجناح وكيفية التحامه وكيفية الحيوية فيه، وأطلعهُ على سر الصنعة؟
لم يطلع على كنه الإحياء؛ لأن هذا خاص بالروح، والروح من أمر الله، ولا يقوى عقل بشر على أن يطلع على ذلك أو يستوعبه، فهذه طيور إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة السلام.
حوت موسى وإعادة الحياة إليه
ليس هذا ادعاء العلم من موسى واستيعابه، ولكنه رغبةٌ في استزادة العلم، أي: إن كان هناك أحد أعلم مني أذهب إليه لأستزيد منه علماً، لا يظن أحد بأن موسى تطاول وادعى أنه أعلم الموجودين، ولكنه تطلع وتواضع من العالم في أن يطلب من هو أعلم منه ليستزيد من علماً.
فقال الله: نعم، عبدٌ من عباد الله اسمه الخضر، قال: أين مكانه؟ قال: مجمع البحرين، قال: وكيف أعرف مكانه؟
قال: خذ حوتاً يكون زاداً لك، ويكون موضع الحوت يخبرك عن مكانه، فخرج موسى عليه السلام مع فتاه، حتى إذا قال: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً [الكهف:62-63].
في الآية الأولى: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا [الكهف:61] السرب، والسراب: الشيء الممتد الذي تراه من لا شيء، و(سرباً في البحر) أي: اتخذ طريقاً ويشق طريقه في الماء كما لو جاء زورقاً ومشى بسرعة فإنه يترك وراءه سرباً في الماء -علامة- كي يكون سلوكه في الماء محسوساً ملموساً يشاهده الإنسان.
فهذا حوت كما يقول المفسرون: مشوي مملوح يحملونه لكي يتغدون به، قال الغلام: لا أدري عن الموضوع، ولا يدري عن السر الذي بين موسى وبين ربه، معه غلام رفيق له في الطريق ومعهما الغداء، وقال: أعطني الغداء، هذا الحوت المشوي المملوح يعيد الله إليه الحياة ويرجع إلى الماء ويسري فيه كما كان قبل أن يخرج من الماء، فمن الذي رد إليه الحياة وعاد إلى ما كان عليه؟!
كل ما سبق من الأمثلة يعد من أدلة البعث التي اشتمل عليها كتاب الله، وهي أمثلة ملموسة للأمم كلهم، وقد جاءنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بذلك، وقد التزمنا بالتصديق بما يأتي به، وذلك من لوازم (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وآمنا بالملائكة الذين جاءوا بالكتاب، والكتاب فيه البعث، وفيه تلك الأخبار كلها، ولهذا لم يعد أمر البعث مستغرباً أو مستبعداً؛ لأننا شاهدنا آثار وجوده وآحاده في الحياة.
ومن هنا كان الإيمان باليوم الآخر من أركان الإيمان، وكان هو منطلق الالتزام بالتكاليف فعلاً وتركاً، وبالله تعالى التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله سبحانه: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا [البقرة:72].
قتل قتيل في بني إسرائيل وتدافعوا في تعيين القاتل، فذهب القاتل بنفسه إلى موسى، وكان القتيل عمه قتله من أجل أن يتزوج ابنته ويأخذ ماله، فقال: عمي قُتل يا موسى، أريد أن تأخذ قاتله لتأخذ حقي، فتوجه موسى إلى ربه وناجى ربه، ثم قال: ائتوا ببقرة واذبحوها، فقاموا بتعنتهم وما كادوا يفعلون، فلما ذبحوها وفقدت الحياة.
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى [البقرة:73]، فضربوه فأحياه الله، وسألوه عمن قتله، فقال: قتلني فلان، ثم اضطجع، فكهذا الإحياء لهذا القتيل الذي شاهدتموه وسمعتم منه بآذانكم، يحيي الله موتاكم، وهذا نموذج في شخص قتيل.
وهنا نبه العلماء: إذا كانت النتيجة إحياء هذا القتيل بضربه بجزءٍ من البقرة ولماذا يذبحونها ولا يبقونها على قيد الحياة؟ قالوا: لا، إنما ضرب ببعضها بعد أن صارت ميتة مثله، لأن الميت لا يهب حياة، فلو ضربوه وهي في حياتها لقيل: عملوا له توصيلة، مثل السيارة المعدومة البطارية توصل لها من السيارة الصالحة فتوصل البطارية العاطلة بها، ويعمل لها اشتراك وتيار يتوصل إليها وتشتغل السيارة، ولكن هنا جاءت الحياة من البقرة المذبوحة إلى القتيل فردت إليه الحياة والميت لا يعطي حياة.
إذاً: إذا حيي القتيل بعد ضربه ببعض من بقرة ميتة، فمن أين جاءته الحياة؟ من الله، وقد شاهدتم ذلك، فكذلك يحيى الله الموتى!
استمع المزيد من الشيخ عطية محمد سالم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
الأربعين النووية - الحديث الثاني عشر | 3522 استماع |
الأربعين النووية - الحديث الحادي عشر [2] | 3210 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع والعشرون [3] | 3184 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الأربعون | 3133 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الرابع [1] | 3114 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن عشر | 3065 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث العاشر [1] | 3043 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الثامن [1] | 2993 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث التاسع عشر [2] | 2888 استماع |
شرح الأربعين النووية - الحديث الثالث والعشرون [1] | 2874 استماع |