أحكام ومناسك الحج


الحلقة مفرغة

هذا لقاء طيب مبارك في أيام فاضلة، وليالي مباركة، نجتمع فيه للتذكير والتعريف بهذه الشعيرة العظيمة والفريضة الجليلة لنتحدث عن فقه الحج.

الحج في اللغة: القصد، وعن الخليل من علماء العربية: الحج كثرة القصد إلى من تعظمه، ومعنى أن تحج إلى مكان: أن تقصده تعظيماً له.

وفي المعنى الفقهي ومن الناحية الشرعية: هو قصد مكة والمناسك لأداء مناسك مخصصة في زمن مخصوص، فالقصد والتوجه والنية إلى بيت الله الحرام للنسك حجاً كان أو عمرة على الصفة المعروفة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزمان المخصص لهذه الفريضة من أيام الحج.

وأما الحج فهو أحد أركان الإسلام الخمسة التي بني عليها الإسلام، ومشروعيته واضحة ثبتت بأدلة القرآن الكريم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة، فالحق جل وعلا يقول: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:97].

وفي وجوبه من سنة النبي عليه الصلاة والسلام ورد حديث ابن عمر المشهور: (بني الإسلام على خمس -وذكر منها:- وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً)، وكذلك حديث أبي هريرة الذي أخبر فيه عن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: (يا أيها الناس! إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال عليه الصلاة والسلام: لو قلت: نعم، لوجبت ولما استطعتم).

وأما الإجماع: فقد انعقد إجماع الأمة قاطبة على وجوب الحج وفرضيته على المستطيع في العمر مرة واحدة.

لابد للحاج قبل أن يشرع في حجه من الاستعداد والتهيئة، وهذه أمور ومسائل مهمة في الاستعداد قبل الحج.

أولاً: النفقة الطيبة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)، وقد ورد في بعض الآثار: أن النفقة المحرمة في الحج يكون عليه بها وزر، وكلنا يعلم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن: (ثم ذكر الرجل يمد يديه إلى السماء يقول: يا رب! يا رب! وملبسه حرام، ومطعمه حرام، وغذي بالحرام؛ فأنى يستجاب له)، فلابد أن يتحرى الحاج لنفقة حجه المال الطيب الحلال الذي ليس فيه كسب حرام ولا مشتبه به.

ثانياً: الوصية العامة: أن يوصي أهله ومن وراءه بتقوى الله عز وجل، وتوحيده، وعبادته، وأن يوصيهم بما يحتاج إليه من الوصية، كأن يذكر لهم ديونه أو الحقوق التي عليه، أو أن يذكر لهم ما له عند الآخرين، أو ما يريد أن يوصي به؛ إذ أنه يسافر وقد يكتب له الله عودة وقد يتوفاه الله، والوصية أمر مشروع مسنون ثابت ينبغي للمسلم أن يحرص عليه في كل وقت وآن.

ثالثاً: التوبة الخالصة: فإن الحاج مقدم على فريضة أعظم، وأجرها تكفير الذنوب والخطايا، ورجوعه كيوم ولدته أمه، والمقبل على إنسان من الناس ليكون ضيفه لا شك أنه يختار أحسن الثياب ويتجمل بها، ويختار أفضل أنواع العطور ويتطيب بها؛ حتى يكون إقباله على من يضيفه إقبالاً حسناً، والمقبل على الله في هذه الفريضة ينبغي أن يكون قد أعلن توبته، ورد المظالم والحقوق، وطلب السماح ممن أخطأ في حقهم؛ حتى يكون متعرضاً لرحمة الله تعرضاً مناسباً وملائماً لقدومه على ربه في بيته وفي حرمه لأداء فرضه وحج بيته.

رابعاًً: الصحبة الصالحة: فإن هذه الفريضة طاعة من الطاعات، وأهل الخير يذكرونك إذا نسيت، ويعينونك إذا ذكرت، ويعلمونك إذا جهلت، فتنتفع بهم، ولا يكون حالك كحال من يكون صحبته غير صالحة، فما يزالون في لغو ولهو وقول باطل، وربما جهل تؤدى به الفريضة على غير وجهها، فلا تكون كاملة فيذهب الجهد والعناء والتعب بلا فائدة.

خامساً: العفة عن المحرمات: قبل الحج، وفي أثنائه، وأثناء المسير إليه، فلا يترخص في شيء من المحرمات مطلقاً.

سادساً: الإخلاص لله: وهذه مسألة مهمة: فإن بعض إخواننا القادمين من بلاد إسلامية كثيرة في أحوال بلادهم بعض العادات التي قد تشوش على الإخلاص، فإذا خرجوا، خرجوا مودعين لهم في زهو واحتفاء واحتفال كبير، وإذا رجعوا غيروا ألوان بيوتهم، أو ضربوا عليها بعض الطلاء الأبيض، أو كتبوا لوحات.. أو نحو ذلك مما يعلم بما كانوا فيه من عبادة، وهذا قد يجعل الإنسان حريصاً على أن يلقب بالحاج، أو أن يلقب بكذا؛ فينقص ذلك من أجره، أو يشوش على نيته ويخلط فيها، فينبغي أن نترك ما هو معتاد مما ليس فيه شيء مشروع، وليس فيه مصلحة، ولا بأس أن يفرح الإنسان إذا رجع من الحج، ويدعو قرابته إلى وليمة؛ إذ ليس في هذا حرمة، ولكن لا يكون على سبيل المفاخرة والمباهاة التي قد تنقص من أجره. نسأل الله عز وجل السلامة.

سابعاً: العلم بالأحكام الفقهية الخاصة بهذه الفريضة؛ فبعض الناس يذهب إلى الحج، وفي أثناء أدائه يقول: فعلت كذا وكذا. هل هذا صحيح أو لا؟ بعد أن قطعت المسافات الطوال، وأنفقت الأموال تأتي لتسأل بعد أن أخطأت وربما قد فسد حجك، لابد أن تتعلم أحكام أمر تحتاج إليه، عند الحج تتعلم الحج، إذا وجبت عليك الزكاة تعلمت أحكام الزكاة، وإذا أردت أن تقوم بعمل تجاري تعلمت أحكامه. وهكذا.

أيضاً: البر والإحسان مهم، وهو من الأمور الطيبة، سواء قبل الحج أو في أثنائه، فالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل أن ييسر له الحج، ويتقبله منه، ويعينه، فإن الإنسان بدون عون من الله عز وجل لا تقضى له أموره ولا حوائجه.

ثامناً: العزم على الاتباع والاقتداء برسول الهدى صلى الله عليه وسلم الذي قال: (خذوا عني مناسككم).

أعمال الحج وأركانه:

عندما ينوي ويتوجه إلى المواقيت يحرم من ميقاته.

تعريف الإحرام

تعريف الإحرام، هو: نية الدخول في الحج أو العمرة أو فيهما معاً، يعني: الوقت الذي ينوي فيه الدخول في النسك حجاً كان أو عمرة.

لماذا سمي إحراماً؟ لأن به -أي: بسبب الإحرام وبسبب أداء النسك -يحرم عليه ما كان عليه حلالاً، كأن يحرم عليه تغطية الرأس، ونحوها من محظورات الإحرام المعروفة.

واجبات الإحرام

واجبات الإحرام التي لابد منها تتخلص فيه اثنين بالنسبة للرجال، وواحد عند النساء:

الأول: الإحرام من الميقات: والإحرام من الميقات له حكم، وهو أمر تعبدي شرعه لنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وهو لون من ألوان الاستعداد، أنت تقبل على بيت الله الحرام، والإحرام من مسافة طويلة أو بعيدة، كأنما يقول لك: انتبه! فأنت قادم إلى أقدس البقاع وأطهرها وأشرفها وأعظمها حرمة عند الله، تهيأ لذلك: اغتسل له، البس إحرامك؛ حتى تكون مستحضراً لعظمة وحرمة البيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، هذا جانب.

والجانب الآخر: فيه بيان عظمة هذه الفريضة، وأنها ليست بمجرد وصولك إلى الحرم بل هي قبل ذلك.

الثاني: التجرد من المخيط بالنسبة للرجال: بأن ينزع ملابسه ويلبس إزاراً ورداءً أبيضين نظيفين، كما وردت بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وها هنا مسائل كثيرة منها مسألة المواقيت: فبعض الناس يتجاوزون الميقات ولا يحرمون، ويقولون: نأتي إلى جدة ونقيم بها ثلاثة أيام فنصبح بذلك مقيمين ومن ثم نحرم. وهذا ليس بصحيح، والمقيم لا يصبح مقيماً ولو أقام ثلاثاً أو شهراً أو ثلاثة أشهر حتى يكون مستوطناً بالبلد، بمعنى: أن يكون له عمل وهو مقيم بها، أو عنده زوجة، أو له والدان، وعنده بيت يقيم به، فهذا هو المقيم في جدة أو في غير جدة، أما القادم من خارج المواقيت لدخول الحرم بنية النسك حجاً أو عمرة فيجب عليه أن يحرم من الميقات، فإن تجاوزه فلابد أن يرجع إليه، وإن أحرم بعد الميقات فيلزمه الدم، وتكون عليه فدية.

سنن الإحرام

سنن الإحرام هي: الاغتسال والتطيب؛ لأن الإحرام إقبال على عبادة، والطهارة في العبادات كلها وفي الصلوات أمر مطلوب، فيغتسل لذلك ويتطيب، قالت عائشة رضي الله عنها: (طيبت الرسول صلى الله عليه وسلم بالغالية)، وهو نوع من أغلى وأطيب وأحسن أنواع الطيب، وكانت تقول: (لكأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم).

متى يتطيب؟ قبل أن يدخل في الإحرام، عندما يغتسل فلا بأس أن يحرم ويتطيب، فإذا أعلن نيته ولبى أصبح محظوراً عليه، وينبغي له أن يبتعد عن وضع الطيب فيما يستدام؛ فلا يضع الطيب في نفس الإحرام، فيبقى حينئذٍ متطيباً وقتاً طويلاً، لا، بل يتطيب في بدنه أو شعره.

الإحرام يكون في رداء وإزارين أبيضين نظيفين.

ويسن له أيضاً: تقليم الأظافر، وقص الشعر، ونتف الإبط، وحلق العانة، ومس الطيب؛ لأنه سيصبح ذلك كله محرماً عليه بعد دخوله في الإحرام.

مسألة: ورد حديث في الأضحية: (من أراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئاً حتى يضحي)، وبعض الناس ينوي الأضحية وهو لم يقلم أظافره، ولم يحلق شعره بعد، ثم يأتي في يوم الحج في اليوم الثامن وعنده التزام؛ لأنه يريد أن يضحي؛ فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً.

وهاهنا سنة في أنه يقلم أظافره، والذي ذكره أهل العلم من المعاصرين كما ذكر سماحة المفتي العام: أنه يبقى على أصل ما أراد من الأضحية؛ لأنها في حقه سنة، لكن الأولى له أن يتنبه، ولو كان قد قصر وقلم أظافره قبل دخول اليوم الأول من الحج لأصبح ذلك كاملاً في حقه.

-تكرار التلبية: عندما يلبي فيقول: لبيك اللهم حجاً أو عمرة، ويحسن بالحاج أن يكثر من التلبية منذ إحرامه إلى أن ينتهي من موطن التلبية عند رمي جمرة العقبة في يوم العيد.

محظورات الإحرام

أولاً: تغطية الرأس، وهذا خاص بالرجال، وتغطية الرأس المقصود به: بمباشر وملامس، كأن يضع الطاقية أو شيئاً يغطي به رأسه، لكن هذا السقف ليس بغطاء، وكذا سقف السيارة والخيمة ليسا بغطاء أيضاً، وإلا كان ذلك مما يشق على الناس.

ثانياً: لبس المخيط: وهو أيضاً الخاص بالرجال، والمقصود به: كل نوع من القماش يفصل على مقاس العضو ويخاط، لكن غير ذلك ليس كذلك.

المعنى: أن الحزام الذي فيه خياطة هل هو أولاً مفصل على عضو معين؟ لا، الحذاء إذا كان فيه خياطة ليس داخلاً كذلك، إنما المقصود به الملابس.

ولبس النقاب والقفازين خاص بالنساء، أي: لا تلبس المرأة القفازين ولا تنتقب، كما ورد بذلك الحديث الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم، ويجمع بينه وبين حديث عائشة : (كنا إذا مررنا بالرجال أسدلنا على وجوهنا) يعني: يكون لها غطاء لكنه لا يكون مثل النقاب الملاصق للوجه.

ثانياً: حلق الشعر وقصه أو قطعه: وينبغي للإنسان أن ينتبه لذلك، وبعض الناس يكثر منه عادة نتف شعر لحيته أو رأسه، وفي الإحرام لابد أن ينتبه لهذا؛ لأنه إذا باشر ذلك بفعل مباشر منه؛ فإنه إذا قطع ثلاث شعرات وجبت عليه الفدية. أما إذا نام ووجد على مخدته شيئاً من الشعر فلا شيء عليه؛ لأنه لم يباشره بنفسه.

رابعاً: تقليم الأظافر، ومس الطيب: وهنا مسألة: ما حكم ما يستخدم مما فيه طيب ظاهر؟

الجواب: ينبغي اجتنابه، مثل بعض أدوات التنظيف من الصابون وغيره التي تكون مطيبة بروائح عطرية واضحة فيستخدم غيرها؛ لأن من حكم الإحرام: أن يظهر الإنسان وهو أشعث أغبر قد تجرد من زينته أياماً معدودات، ويظهر تضرعه وافتقاره إلى الله سبحانه وتعالى.

خامساً: قتل الصيد: والآن هذا قليل، لكن في السابق كان الناس وهم قادمون قد يرون الصيد ويحتاجونه.

سادساً: الخطبة للزواج، وعقد النكاح، ومقدمات الجماع، والجماع، وهذه كلها حلقة واحدة متسلسلة.

كفارة من فعل شيئاً من محظورات الإحرام

بعض المحظورات فيها الكفارة صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، فهذه في تغطية الرأس، ومس الطيب، والأظافر، ونحو ذلك.

ومنها ما يقابله قيمته، مثل قتل الصيد، بأن يدفع قيمته بما يقابله.

ومنها ما يقع فيه فساد الحج، وهو أمر الجماع ونحوه.

إذاً: لبس المخيط، وتغطية الرأس، وحلق الشعر، والطيب. هذه كلها الحاج مخير فيها في الفدية بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة. أما الصيد ففيه قيمة ما يقابله. أما عقد النكاح أو الخطبة فحرام ولا فدية فيه، والخلاف عند العلماء قائم: هل يصح هذا العقد أم ينبغي أن يجدد عقداً آخر غيره؟ وليس هذا موضوعنا.

أما ما يلابسه الإنسان ويقارفه من أداء الشهوة أو من الأخذ بالشهوة مع أهله دون الإيلاج. فهذا إذا وقع به إنزال فعليه هدي بدنة، وإن لم ينزل فعليه دم شاة وهو مرتكب لمحرم؛ لأن الله عز وجل قال: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، قالوا: والرفث هو الجماع ومقدماته من القول والفعل.

أما الوطء ووقوع المرء في جماع مع أهله، فهذا على ضربين: إن كان قبل التحلل الأول، أي: قبل يوم العيد وقبل انتهائه من طواف الإفاضة، فهذا فيه أربعة أمور:

1- بطل حجه وفسد.

2- وعليه إكماله إلى نهايته.

3- ويجب عليه القضاء.

4- وتجب عليه الفدية شاة.

وأما إن كان بعد التحلل الأول، فهذا فيه فدية بدنة، فإن لم يجد فعليهما -أي: الزوج والزوجة- صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعوا.

يحرم مرة أخرى من التنعيم ليطوف منعماً؛ لأنه أفسد حجه، فيحرم مرة أخرى لغرض تجديد إحرامه، فإذاً ينتبه الإنسان إلى هذا.

أنواع النسك في الحج

عندما يحرم الحاج فهو مخير بين أنواع من النسك في أداء فريضة الحج، هذه هي الأنواع الثلاثة المشهورة:

النوع الأول: التمتع: وهو أن يحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج، ويؤدي عمرة كاملة، ويقول: لبيك عمرة، ثم يتحلل ويرجع حلالاً يلبس ثيابه، ويعاشر أهله؛ فإذا جاء يوم التروية أو اليوم التاسع أو اليوم السابع وأحرم بحج أصبحت عمرة وحجاً وبينهما تحلل وتمتع، وهذا يجب عليه الهدي في مقابل التمتع.

وبعض أهل العلم يقولون: هذا أفضل النسك للآفاقي الذي يأتي من خارج المواقيت؛ لأنه سيأتي في وقت مبكر، ولابد أن يحرم من الميقات، وإذا بقي على إحرامه يشق عليه، فقالوا: وهذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء مع أصحابه، قال: (من لم يسق الهدي فليجعلها عمرة، وليتحلل بها إلى الحج) فأحل من لم يكن ساق الهدي، وجاءوا بعمرة وتحللوا.

النوع الثاني: القران: وهو أن يقرن بالحج عمرة، أو يحرم بالحج والعمرة معاً، يقول: لبيك اللهم حجاً وعمرة، وليس بينهما تحلل، بل يعتمر ويبقى في الحج، والحقيقة أن صفة العمل في نسك القران لا يختلف عن نسك الإفراد إلا في أمرين: النية وسوق الهدي ووجوبه؛ لأن القارن الأصل أنه ساق الهدي معه، والناس الآن لا يسوقون الهدي، لكن الذي منع بعض الصحابة من أن يعتمروا ويحلوا في حجة الوداع مع النبي عليه الصلاة والسلام: أنهم ساقوا الهدي، قال: من ساق الهدي يبقى على ما هو عليه، ويبقى قارناً بين حجه وعمرته، ومن لم يسق الهدي يجعلها عمرة ثم يتحلل. فبالنسبة للقران هو كالإفراد، ليس هناك اختلاف في الفعل؛ لكن في النية ووجوب الهدي.

النوع الثالث: الإفراد: وهو أن يحرم بالحج وحده في أشهر الحج، ويقول: لبيك اللهم حجاً، وليس عليه هدي، وإذا أراد أن يعتمر بعد الحج فلا بأس، باعتبار أنه جاء من سفر بعيد حج حج إفراد وليس عليه هدي، ثم أراد أن يعتمر فلا بأس، ويخرج إلى التنعيم ويحرم ويعتمر، وقد وقع ذلك لـعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لما حاضت ثم ولم يستطع أن تعتمر قبل الحج، فحجت ثم قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحج، فأمر النبي عليه السلام عبد الرحمن بن أبي بكر أخاها فخرج بها إلى التنعيم، فاعتمرت وطافت وسعت رضي الله عنها).

إذاً: هذه أنواع النسك الثلاثة.

نحن حتى الآن لم نذكر من أركان الحج إلا ركن واحد وهو الإحرام، وفصلنا فيه؛ لأنه المدخل، وسيأتينا أيضاً ما يتعلق بالمواقيت المكانية والزمانية، من أين يحرم؟ ومتى يحرم؟

المواقيت

المواقيت المكانية تحيط بمكة المكرمة من كل جانب، والبحر من جانب آخر، وأول هذه المواقيت: ذو الحليفة، والجحفة، وذات عرق وهي ميقات القادمين من وسط الجزيرة، وقرن المنازل، ويلملم للقادمين من اليمن وغيرها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، فمن جاء وهو من أهل الشام ولكنه جاء من جهة اليمن، فميقاته حيث يمر من اليمن، ومن جاء من جهة المدينة ذو الحليفة... إلخ.

وبالنسبة للطائرات فالبموازاة، فإذا حاذوا هذا المكان أو المسافة المقاربة له أحرم الحاج من هذه المواقيت المكانية.

أما المواقيت الزمانية فهي: شهر شوال، وشهر ذي القعدة، وأوائل شهر ذي الحجة حتى الدخول في النسك في يوم عرفة، وإلى آخر ليلة عرفة كما هو معلوم؛ لذلك هذه المواقيت متى عقد فيها نية الحج وأتى بعمرة وتحلل منها، أصبح داخلاً في أشهر الحج.

تعريف الإحرام، هو: نية الدخول في الحج أو العمرة أو فيهما معاً، يعني: الوقت الذي ينوي فيه الدخول في النسك حجاً كان أو عمرة.

لماذا سمي إحراماً؟ لأن به -أي: بسبب الإحرام وبسبب أداء النسك -يحرم عليه ما كان عليه حلالاً، كأن يحرم عليه تغطية الرأس، ونحوها من محظورات الإحرام المعروفة.

واجبات الإحرام التي لابد منها تتخلص فيه اثنين بالنسبة للرجال، وواحد عند النساء:

الأول: الإحرام من الميقات: والإحرام من الميقات له حكم، وهو أمر تعبدي شرعه لنا رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وهو لون من ألوان الاستعداد، أنت تقبل على بيت الله الحرام، والإحرام من مسافة طويلة أو بعيدة، كأنما يقول لك: انتبه! فأنت قادم إلى أقدس البقاع وأطهرها وأشرفها وأعظمها حرمة عند الله، تهيأ لذلك: اغتسل له، البس إحرامك؛ حتى تكون مستحضراً لعظمة وحرمة البيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، هذا جانب.

والجانب الآخر: فيه بيان عظمة هذه الفريضة، وأنها ليست بمجرد وصولك إلى الحرم بل هي قبل ذلك.

الثاني: التجرد من المخيط بالنسبة للرجال: بأن ينزع ملابسه ويلبس إزاراً ورداءً أبيضين نظيفين، كما وردت بذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وها هنا مسائل كثيرة منها مسألة المواقيت: فبعض الناس يتجاوزون الميقات ولا يحرمون، ويقولون: نأتي إلى جدة ونقيم بها ثلاثة أيام فنصبح بذلك مقيمين ومن ثم نحرم. وهذا ليس بصحيح، والمقيم لا يصبح مقيماً ولو أقام ثلاثاً أو شهراً أو ثلاثة أشهر حتى يكون مستوطناً بالبلد، بمعنى: أن يكون له عمل وهو مقيم بها، أو عنده زوجة، أو له والدان، وعنده بيت يقيم به، فهذا هو المقيم في جدة أو في غير جدة، أما القادم من خارج المواقيت لدخول الحرم بنية النسك حجاً أو عمرة فيجب عليه أن يحرم من الميقات، فإن تجاوزه فلابد أن يرجع إليه، وإن أحرم بعد الميقات فيلزمه الدم، وتكون عليه فدية.

سنن الإحرام هي: الاغتسال والتطيب؛ لأن الإحرام إقبال على عبادة، والطهارة في العبادات كلها وفي الصلوات أمر مطلوب، فيغتسل لذلك ويتطيب، قالت عائشة رضي الله عنها: (طيبت الرسول صلى الله عليه وسلم بالغالية)، وهو نوع من أغلى وأطيب وأحسن أنواع الطيب، وكانت تقول: (لكأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم).

متى يتطيب؟ قبل أن يدخل في الإحرام، عندما يغتسل فلا بأس أن يحرم ويتطيب، فإذا أعلن نيته ولبى أصبح محظوراً عليه، وينبغي له أن يبتعد عن وضع الطيب فيما يستدام؛ فلا يضع الطيب في نفس الإحرام، فيبقى حينئذٍ متطيباً وقتاً طويلاً، لا، بل يتطيب في بدنه أو شعره.

الإحرام يكون في رداء وإزارين أبيضين نظيفين.

ويسن له أيضاً: تقليم الأظافر، وقص الشعر، ونتف الإبط، وحلق العانة، ومس الطيب؛ لأنه سيصبح ذلك كله محرماً عليه بعد دخوله في الإحرام.

مسألة: ورد حديث في الأضحية: (من أراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئاً حتى يضحي)، وبعض الناس ينوي الأضحية وهو لم يقلم أظافره، ولم يحلق شعره بعد، ثم يأتي في يوم الحج في اليوم الثامن وعنده التزام؛ لأنه يريد أن يضحي؛ فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً.

وهاهنا سنة في أنه يقلم أظافره، والذي ذكره أهل العلم من المعاصرين كما ذكر سماحة المفتي العام: أنه يبقى على أصل ما أراد من الأضحية؛ لأنها في حقه سنة، لكن الأولى له أن يتنبه، ولو كان قد قصر وقلم أظافره قبل دخول اليوم الأول من الحج لأصبح ذلك كاملاً في حقه.

-تكرار التلبية: عندما يلبي فيقول: لبيك اللهم حجاً أو عمرة، ويحسن بالحاج أن يكثر من التلبية منذ إحرامه إلى أن ينتهي من موطن التلبية عند رمي جمرة العقبة في يوم العيد.

أولاً: تغطية الرأس، وهذا خاص بالرجال، وتغطية الرأس المقصود به: بمباشر وملامس، كأن يضع الطاقية أو شيئاً يغطي به رأسه، لكن هذا السقف ليس بغطاء، وكذا سقف السيارة والخيمة ليسا بغطاء أيضاً، وإلا كان ذلك مما يشق على الناس.

ثانياً: لبس المخيط: وهو أيضاً الخاص بالرجال، والمقصود به: كل نوع من القماش يفصل على مقاس العضو ويخاط، لكن غير ذلك ليس كذلك.

المعنى: أن الحزام الذي فيه خياطة هل هو أولاً مفصل على عضو معين؟ لا، الحذاء إذا كان فيه خياطة ليس داخلاً كذلك، إنما المقصود به الملابس.

ولبس النقاب والقفازين خاص بالنساء، أي: لا تلبس المرأة القفازين ولا تنتقب، كما ورد بذلك الحديث الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم، ويجمع بينه وبين حديث عائشة : (كنا إذا مررنا بالرجال أسدلنا على وجوهنا) يعني: يكون لها غطاء لكنه لا يكون مثل النقاب الملاصق للوجه.

ثانياً: حلق الشعر وقصه أو قطعه: وينبغي للإنسان أن ينتبه لذلك، وبعض الناس يكثر منه عادة نتف شعر لحيته أو رأسه، وفي الإحرام لابد أن ينتبه لهذا؛ لأنه إذا باشر ذلك بفعل مباشر منه؛ فإنه إذا قطع ثلاث شعرات وجبت عليه الفدية. أما إذا نام ووجد على مخدته شيئاً من الشعر فلا شيء عليه؛ لأنه لم يباشره بنفسه.

رابعاً: تقليم الأظافر، ومس الطيب: وهنا مسألة: ما حكم ما يستخدم مما فيه طيب ظاهر؟

الجواب: ينبغي اجتنابه، مثل بعض أدوات التنظيف من الصابون وغيره التي تكون مطيبة بروائح عطرية واضحة فيستخدم غيرها؛ لأن من حكم الإحرام: أن يظهر الإنسان وهو أشعث أغبر قد تجرد من زينته أياماً معدودات، ويظهر تضرعه وافتقاره إلى الله سبحانه وتعالى.

خامساً: قتل الصيد: والآن هذا قليل، لكن في السابق كان الناس وهم قادمون قد يرون الصيد ويحتاجونه.

سادساً: الخطبة للزواج، وعقد النكاح، ومقدمات الجماع، والجماع، وهذه كلها حلقة واحدة متسلسلة.

بعض المحظورات فيها الكفارة صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة، فهذه في تغطية الرأس، ومس الطيب، والأظافر، ونحو ذلك.

ومنها ما يقابله قيمته، مثل قتل الصيد، بأن يدفع قيمته بما يقابله.

ومنها ما يقع فيه فساد الحج، وهو أمر الجماع ونحوه.

إذاً: لبس المخيط، وتغطية الرأس، وحلق الشعر، والطيب. هذه كلها الحاج مخير فيها في الفدية بين صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة. أما الصيد ففيه قيمة ما يقابله. أما عقد النكاح أو الخطبة فحرام ولا فدية فيه، والخلاف عند العلماء قائم: هل يصح هذا العقد أم ينبغي أن يجدد عقداً آخر غيره؟ وليس هذا موضوعنا.

أما ما يلابسه الإنسان ويقارفه من أداء الشهوة أو من الأخذ بالشهوة مع أهله دون الإيلاج. فهذا إذا وقع به إنزال فعليه هدي بدنة، وإن لم ينزل فعليه دم شاة وهو مرتكب لمحرم؛ لأن الله عز وجل قال: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197]، قالوا: والرفث هو الجماع ومقدماته من القول والفعل.

أما الوطء ووقوع المرء في جماع مع أهله، فهذا على ضربين: إن كان قبل التحلل الأول، أي: قبل يوم العيد وقبل انتهائه من طواف الإفاضة، فهذا فيه أربعة أمور:

1- بطل حجه وفسد.

2- وعليه إكماله إلى نهايته.

3- ويجب عليه القضاء.

4- وتجب عليه الفدية شاة.

وأما إن كان بعد التحلل الأول، فهذا فيه فدية بدنة، فإن لم يجد فعليهما -أي: الزوج والزوجة- صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعوا.

يحرم مرة أخرى من التنعيم ليطوف منعماً؛ لأنه أفسد حجه، فيحرم مرة أخرى لغرض تجديد إحرامه، فإذاً ينتبه الإنسان إلى هذا.

عندما يحرم الحاج فهو مخير بين أنواع من النسك في أداء فريضة الحج، هذه هي الأنواع الثلاثة المشهورة:

النوع الأول: التمتع: وهو أن يحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج، ويؤدي عمرة كاملة، ويقول: لبيك عمرة، ثم يتحلل ويرجع حلالاً يلبس ثيابه، ويعاشر أهله؛ فإذا جاء يوم التروية أو اليوم التاسع أو اليوم السابع وأحرم بحج أصبحت عمرة وحجاً وبينهما تحلل وتمتع، وهذا يجب عليه الهدي في مقابل التمتع.

وبعض أهل العلم يقولون: هذا أفضل النسك للآفاقي الذي يأتي من خارج المواقيت؛ لأنه سيأتي في وقت مبكر، ولابد أن يحرم من الميقات، وإذا بقي على إحرامه يشق عليه، فقالوا: وهذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام لما جاء مع أصحابه، قال: (من لم يسق الهدي فليجعلها عمرة، وليتحلل بها إلى الحج) فأحل من لم يكن ساق الهدي، وجاءوا بعمرة وتحللوا.

النوع الثاني: القران: وهو أن يقرن بالحج عمرة، أو يحرم بالحج والعمرة معاً، يقول: لبيك اللهم حجاً وعمرة، وليس بينهما تحلل، بل يعتمر ويبقى في الحج، والحقيقة أن صفة العمل في نسك القران لا يختلف عن نسك الإفراد إلا في أمرين: النية وسوق الهدي ووجوبه؛ لأن القارن الأصل أنه ساق الهدي معه، والناس الآن لا يسوقون الهدي، لكن الذي منع بعض الصحابة من أن يعتمروا ويحلوا في حجة الوداع مع النبي عليه الصلاة والسلام: أنهم ساقوا الهدي، قال: من ساق الهدي يبقى على ما هو عليه، ويبقى قارناً بين حجه وعمرته، ومن لم يسق الهدي يجعلها عمرة ثم يتحلل. فبالنسبة للقران هو كالإفراد، ليس هناك اختلاف في الفعل؛ لكن في النية ووجوب الهدي.

النوع الثالث: الإفراد: وهو أن يحرم بالحج وحده في أشهر الحج، ويقول: لبيك اللهم حجاً، وليس عليه هدي، وإذا أراد أن يعتمر بعد الحج فلا بأس، باعتبار أنه جاء من سفر بعيد حج حج إفراد وليس عليه هدي، ثم أراد أن يعتمر فلا بأس، ويخرج إلى التنعيم ويحرم ويعتمر، وقد وقع ذلك لـعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لما حاضت ثم ولم يستطع أن تعتمر قبل الحج، فحجت ثم قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحج، فأمر النبي عليه السلام عبد الرحمن بن أبي بكر أخاها فخرج بها إلى التنعيم، فاعتمرت وطافت وسعت رضي الله عنها).

إذاً: هذه أنواع النسك الثلاثة.

نحن حتى الآن لم نذكر من أركان الحج إلا ركن واحد وهو الإحرام، وفصلنا فيه؛ لأنه المدخل، وسيأتينا أيضاً ما يتعلق بالمواقيت المكانية والزمانية، من أين يحرم؟ ومتى يحرم؟

المواقيت المكانية تحيط بمكة المكرمة من كل جانب، والبحر من جانب آخر، وأول هذه المواقيت: ذو الحليفة، والجحفة، وذات عرق وهي ميقات القادمين من وسط الجزيرة، وقرن المنازل، ويلملم للقادمين من اليمن وغيرها، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، فمن جاء وهو من أهل الشام ولكنه جاء من جهة اليمن، فميقاته حيث يمر من اليمن، ومن جاء من جهة المدينة ذو الحليفة... إلخ.

وبالنسبة للطائرات فالبموازاة، فإذا حاذوا هذا المكان أو المسافة المقاربة له أحرم الحاج من هذه المواقيت المكانية.

أما المواقيت الزمانية فهي: شهر شوال، وشهر ذي القعدة، وأوائل شهر ذي الحجة حتى الدخول في النسك في يوم عرفة، وإلى آخر ليلة عرفة كما هو معلوم؛ لذلك هذه المواقيت متى عقد فيها نية الحج وأتى بعمرة وتحلل منها، أصبح داخلاً في أشهر الحج.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2907 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2730 استماع
فاطمة الزهراء 2694 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2627 استماع
المرأة والدعوة [1] 2541 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2533 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2533 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2486 استماع
خطبة عيد الفطر 2467 استماع
التوبة آثار وآفاق 2451 استماع