عنوان الفتوى : تزاور أهل الجنة ولقاؤهم بأهلهم وأقاربهم
إخواني: دمتم في رعاية الله وعنايته.
أنا أحب خالتي كثيرا، فهي بمنزلة أمي. سؤالي هو: هل إذا دخلنا الجنة -بإذن الله- سأعرف خالتي، وأزورها، وأتكلم معها، إذا كانت في منزلتي، أو في منزلة مختلفة؟
أرجو الجواب، ولكم جزيل الشكر.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا شك في تزاور أهل الجنة، وتعارفهم، ولقائهم فيما بينهم، وهم في جنات النعيم، فهذا من تمام نعيم أهل الجنة. قال تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ * أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافات/50-61].
قال ابن كثير -رحمه الله-: يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، أَيْ: عَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَكَيْفَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا، وَمَاذَا كَانُوا يُعَانُونَ فِيهَا؟ وَذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِمْ عَلَى شَرَابِهِمْ، وَاجْتِمَاعِهِمْ فِي تُنَادِمِهِمْ وَعِشْرَتِهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ، وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى السُّرُرِ، وَالْخَدَمِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، يَسْعَوْنَ وَيَجِيئُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ عَظِيمٍ، مِنْ مَآكِلَ وَمُشَارِبَ وَمَلَابِسَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. اهـ
ويمكن للإنسان أن يعرف بعض أقاربه في الجنة. جاء في مجموع الفتاوى للشيخ ابن عثيمين في جواب: إذا دخل الإنسان الجنة هل يتعرف على أقاربه؟ نعم، يتعرف على أقاربه وغيرهم من كل ما يأتيه سرور قلبه؛ لقول الله تعالى: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
وفي فتاوى الشيخ ابن باز: أما بالنسبة للأقارب فلا ريب أن أهل الجنة لهم ما يشاؤون فيها، ومن نعيمهم أن يروا أقاربهم في الجنة من أخوات وآباء وأمهات، والله جلّ وعلا أخبر سبحانه وتعالى أنه يرفع إلى أهل الجنة ذريتهم، فهو جل وعلا يجمع بينهم وبين ذريتهم وإن كانت ذرياتهم أقل منهم عملًا، ومن تمام نعيم الوالدين أن ترفع إليهم ذرياتهم، ولهذا قال: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ[3]. اهـ
وأهل الجنة يتزاورون فيما بينهم. قال ابن القيم في حادي الأرواح: عن أبي أيوب يرفعه إن أهل الجنة يتزاورون على النجائب، وقد تقدم، فأهل الجنة يتزاورون فيها، ويستزير بعضهم بعضا، وبذلك تتم لذتهم وسرورهم. اهـ
وقال أيضا: عن أبي أمامة قال سئل رسول الله أيتزاور أهل الجنة؟ قال: يزور الأعلى الأسفل، ولا يزور الأسفل الأعلى؛ إلا الذين يتحابون في الله، يأتون منها حيث شاءوا على النوق محتقبين الحشايا. اهـ
وقال أبو نعيم في صفة الجنة: عن حميد بن هلال قال : بلغنا أن أهل الجنة يزور الأعلى الأسفل، ولا يزور الأسفل الأعلى. اهـ
والله أعلم.