رسائل تنديد وصواعق تهديد


الحلقة مفرغة

الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، لا يعز من عاداه، ولا يذل من والاه، أحمده سبحانه وتعالى وهو الذي بيده كل شيء، وتنفذ مشيئته في كل شيء، ولا يعجزه في الأرض ولا في السماء شيء، له الحمد سبحانه وتعالى كما يحب ويرضى، على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده سبحانه وتعالى، وأشهد أن نبينا وسيدنا وقائدنا وقدوتنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أرسله إلى الناس كافة أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين، فهدى به من الضلالة، وأرشد به من الغواية، وفتح به قلوباً غلفاً، وأسمع به آذاناً صماً، وكثرنا به من بعد قلة، وأعزنا من بعد ذلة، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون! رسائل تنديد، وصواعق تهديد، عزمت أن أرسلها منذ الجمعة الماضية إلى كل من يصد عن دين الله، ويحارب دين الله، ويؤذي عباد الله، وينتهك حرمات الله، ويعتدي على محارم الله؛ فإنه لا شك معرض نفسه في دنياه قبل أخراه لأوخم النتائج، وأعظم المصائب، وشر ما ينتظر المرء في دنيا أو في أخرى؛ ذلك أن أوضاع أمتنا اليوم قد صار فيها كثير من أبناء جلدتنا، وممن لهم الأمر في أمتنا، يقومون تحت حجة محاربة الإرهاب بمحاربة الإسلام، وزاد الطين بلة تلك الجرائم المتزايدة، والفظائع المتعاظمة، والإرهاب المتواصل الذي تجددت أحداثه في أرض العراق على أيدي المحتلين الأمريكيين المجرمين، حتى أصبح المرء لا يدري عن أي شيء يتحدث!

هل سمعتم غضبة عمرية أو صيحة مضرية؟!

إنني لم أسمع من الدول الإسلامية والعربية حتى التنديد الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، والأمم المتحدة، والعصب المفترقة، لم يكن لها حتى مجرد وقفة لتقول: إن هذا لا يتفق مع ما تقول به من حقوق الإنسان أو الحيوان.

وإن الإنسان ليعجب وهو يرى هذه الأحوال في ظل هذا الإجرام المتعاظم، والقصف المتواصل للناس في بيوتهم وفي أرضهم وديارهم، النساء تقتل، وأرواح الأطفال تزهق، والأمم المتحدة غضبى لما يجري على أرض السودان من تطهير عرقي كما تزعم.

حول في البصر أو عمى في البصيرة أو هو كما قال القائل:

ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود

إن الأحوال التي تمر بأمتنا اليوم هي في أوضح صور شدتها وقسوتها وفظاعتها، وهي في الوقت نفسه تعري كل متستر بستار يستر به نفسه زوراً وبهتاناً، فلم يعد اليوم أحد يشك فيمن يحارب دين الله عز وجل، ولم تعد تنطلي على أحد -حتى الحمقى والأغبياء- حيل من تلك الأقاويل والأراجيف التي نسمعها صباح مساء، تروجها وسائل الإعلام، وتصم بها آذاننا أقوال الساسة والمسئولين في شرق الأرض وغربها، من أبناء ملتنا ومن غيرهم.

ومن ذا الذي يستطيع أن يندد بهذا؟! وماذا نملك حتى نهدد تلك القوى العظمى، والأمم المجتمعة على الباطل، الراضية بشريعة الغاب: البقاء للأقوى؟! هل أملك أنا أو أنتم أن نندد بذلك؟ وماذا في أيدينا حتى نهدد؟ وبأي شيء نستطيع أن نواجه مرة أخرى وثانية وثالثة؟

حتمية المواجهة لأعداء الله

ينبغي أن نوقن أننا على أرض صلبة قوية، وأننا على يقين وإيمان راسخ ثابت، وأننا على وعد وأمل صادق لا يتخلف متى كنا مؤمنين بالله، مسلمين حقاً، ملتزمين أمر الله، متبعين لسنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سنندد ونهدد بآيات الله، وبأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن على يقين من أمرنا، وعلى بينة من نهجنا، وعلى ثقة من وعد ربنا، نرى حقائق الأمور ببصيرة الإيمان، ونبصر في ظلمات الشبهات أنوار القرآن، ينبغي أن نرجع إلى تلك المنهجية التي لا زلنا نكرر أهميتها.

فنقول: إن هذا التهديد والوعيد وإن كنا نخص به أعداء الله أولاً، والمرجفين والظالمين والطغاة والبغاة من أبناء ملتنا ثانياً، فإننا لا نستثني منه أنفسنا، فقد جاءنا من آيات الله، ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يواجه تقصيرنا وتفريطنا، وغض أبصارنا عن الظلم، ورضا قلوبنا ونفوسنا بالانحراف ووقوع المنكرات، فكل ذاك المفرط والمختلف عن أمر الله، والذي لا يقوم بالواجب في حقه إزاء دين الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ * فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:32-35].

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى) وإن حشدوا القوات والطائرات والجيوش المتحالفة، والقوى المتعاظمة (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) ستدور الدائرة عليهم يقيناً لا شك فيه، وسيحيق المكر السيئ بأهله صدقاً لا كذباً ولا مراء فيه، وسيحبط الله أعمالهم، ونحن نؤمن بما يقول الله جل وعلا، ولا نؤمن بما يقوله الكذبة من الساسة والمنافقين من غير المسلمين ومن المتمسلمين.

ثم يلتفت النداء القرآني إليكم معاشر المؤمنين، كيف تواجهون ذلك؟

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) لا قدرة لكم على المواجهة، ولا أمل لكم في القدرة على المغالبة إلا بالاستمداد من الله.. إلا باتباع هدي رسول الله.. إلا بالعمل على سنة الله.. إلا بالتحقق والتحقيق لوعد الله؛ وإلا فإن أعمالكم هباء، وإن جهودكم ليس فيها غناء، وإن أقوالكم حجج عليكم وليست لكم، كم سمعنا من الأقوال! كم سمعنا من البيانات! كم رأينا من المؤتمرات تأتلف أو لا تأتلف، تجتمع أو لا تجتمع! كلها لا قيمة لها؛ لأنها ليست على منهج الله.

ثم يخبرنا الحق جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ).

ومرة أخرى يقول الحق جل وعلا في آياته: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، استمعوا إلى هذه النداءات القرآنية، والتوجيهات الربانية!

(وسيحبط أعمالهم) قال السعدي : أي: مساعيهم التي بذلوها في نصر الباطل، بألا تثمر لهم إلا الخيبة والخسران. ألم يقولوا في كثير من مواجهاتهم: إنها أوقات قصيرة، وإنها معارك هزيلة؟ ما زال الحر من نارها، والشرر من رجالها يحرقهم، يقذف الرعب في قلوبهم، ويفرق صفوفهم، وسيحبط الله جل وعلا أعمالهم.

(فَلا تَهِنُوا) قال ابن كثير : لا تضعفوا عن الأعداء.

(وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) أي: المهادنة والمسالمة. قال السعدي: لا تضعفوا عن قتال عدوكم، ويستولي عليكم الخوف؛ بل اصبروا واثبتوا، ووطنوا أنفسكم على القتال والجلاد؛ طلباً لمرضاة ربكم، ونصحاً للإسلام، وإغضاباً للشيطان، ولا تدعوا إلى المسالمة بينكم وبين أعدائكم طلباً للراحة، والحال أنكم أنتم الأعلون.

ثم ذكر الله عز وجل أموراً ثلاثة من تمسك بها لا يخشى قوى الأرض مجتمعة، ولا يتراجع قيد أنملة إلى الوراء، ولا يستطيع أحد أن يوصل إلى قلبه خوفاً أو إلى نفسه يأساً: (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، أنتم الأعلون بالاستعلاء بالإيمان ومنهج الإسلام، وأنتم الأعلون بما توفرون من أسباب القوة والقدرة على مواجهة أعدائكم، (وَاللَّهُ مَعَكُمْ) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160]، إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12]، ألم يقع ذلك في بدر؟ ألم يحصل مثله في الأحزاب؟ ألم نره عبر تاريخ أمة الإسلام في كل المواقع والمعارك والمواجهات؟

هل صار المسلمون اليوم في شك من دينهم، وفي ضعف إيمان بآيات ربهم الكثيرة في كل من يصد عن دين الله، ويحارب دين الله؟

(وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، لن ينقص أجوركم وثوابكم حتى ولو لم تتحقق النتائج على أيديكم، (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) أي: لن يجعلها حابطة كغيرها، بل ستثمر اليوم أو غداً أو بعد غد؛ لأن الله عز وجل وعد كل عامل بالخير ومحقق لوعده أن ينجز له سبحانه وتعالى ما وعد.

حقيقة ما يجمعه الكفار لحرب المسلمين

قال الله عز وجل: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ [هود:19-22].

ما كان لأولئك من قوة إلا بسبب ضعفنا، (أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ) لا يعجزون الله وقدرته وقوته سبحانه وتعالى، وهو الذي أمره بين الكاف والنون، إذا قال للشيء: كن؛ فيكون.

ونحن نعلم كذلك أن هذه الوعود الربانية لا تتخلف أبداً، (وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ) مهما جاءوا بقوى من هنا أو من هناك، وحلفاء من شرق أو غرب فلن يثبت ولن يقف شيء أمام قوة الله، ولا أمام قوة المؤمنين بوعد الله، مهما عظمت قوتهم، فثقوا بدين الله، واعلموا أن كل ما يواجهوننا به إنما يتحقق فينا أثره لما أخللنا به من منهج الله عز وجل، وتخلينا به من الاستمساك بدينه سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال:36] ما هي النتيجة؟ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36] آيات قاطعة! كلمات بالحق ناطقة! ولكنها لا تضرنا إلا بأسبابنا، وبتخلينا عن نهج ربنا.

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [المجادلة:5] ، والآيات تخبرنا بصيغة المضارع المتحقق الوقوع، قال ابن عطية في معنى الكبت والمكبوت: يكون حزيناً؛ لأنه يرى ما يكره ولا يقدر على رده. سيأتيهم اليوم الذي يذوقون مثل ما يفعلون من هذه الجرائم، وهم لا يملكون دفعاً ولا نصراً بإذنه سبحانه وتعالى: وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:5] ، إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ [المجادلة:20] تلك هي الوعود الربانية، والتهديدات الإلهية.

ينبغي أن نوقن أننا على أرض صلبة قوية، وأننا على يقين وإيمان راسخ ثابت، وأننا على وعد وأمل صادق لا يتخلف متى كنا مؤمنين بالله، مسلمين حقاً، ملتزمين أمر الله، متبعين لسنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سنندد ونهدد بآيات الله، وبأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن على يقين من أمرنا، وعلى بينة من نهجنا، وعلى ثقة من وعد ربنا، نرى حقائق الأمور ببصيرة الإيمان، ونبصر في ظلمات الشبهات أنوار القرآن، ينبغي أن نرجع إلى تلك المنهجية التي لا زلنا نكرر أهميتها.

فنقول: إن هذا التهديد والوعيد وإن كنا نخص به أعداء الله أولاً، والمرجفين والظالمين والطغاة والبغاة من أبناء ملتنا ثانياً، فإننا لا نستثني منه أنفسنا، فقد جاءنا من آيات الله، ومن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يواجه تقصيرنا وتفريطنا، وغض أبصارنا عن الظلم، ورضا قلوبنا ونفوسنا بالانحراف ووقوع المنكرات، فكل ذاك المفرط والمختلف عن أمر الله، والذي لا يقوم بالواجب في حقه إزاء دين الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ * فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد:32-35].

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى) وإن حشدوا القوات والطائرات والجيوش المتحالفة، والقوى المتعاظمة (لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ) ستدور الدائرة عليهم يقيناً لا شك فيه، وسيحيق المكر السيئ بأهله صدقاً لا كذباً ولا مراء فيه، وسيحبط الله أعمالهم، ونحن نؤمن بما يقول الله جل وعلا، ولا نؤمن بما يقوله الكذبة من الساسة والمنافقين من غير المسلمين ومن المتمسلمين.

ثم يلتفت النداء القرآني إليكم معاشر المؤمنين، كيف تواجهون ذلك؟

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) لا قدرة لكم على المواجهة، ولا أمل لكم في القدرة على المغالبة إلا بالاستمداد من الله.. إلا باتباع هدي رسول الله.. إلا بالعمل على سنة الله.. إلا بالتحقق والتحقيق لوعد الله؛ وإلا فإن أعمالكم هباء، وإن جهودكم ليس فيها غناء، وإن أقوالكم حجج عليكم وليست لكم، كم سمعنا من الأقوال! كم سمعنا من البيانات! كم رأينا من المؤتمرات تأتلف أو لا تأتلف، تجتمع أو لا تجتمع! كلها لا قيمة لها؛ لأنها ليست على منهج الله.

ثم يخبرنا الحق جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ).

ومرة أخرى يقول الحق جل وعلا في آياته: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، استمعوا إلى هذه النداءات القرآنية، والتوجيهات الربانية!

(وسيحبط أعمالهم) قال السعدي : أي: مساعيهم التي بذلوها في نصر الباطل، بألا تثمر لهم إلا الخيبة والخسران. ألم يقولوا في كثير من مواجهاتهم: إنها أوقات قصيرة، وإنها معارك هزيلة؟ ما زال الحر من نارها، والشرر من رجالها يحرقهم، يقذف الرعب في قلوبهم، ويفرق صفوفهم، وسيحبط الله جل وعلا أعمالهم.

(فَلا تَهِنُوا) قال ابن كثير : لا تضعفوا عن الأعداء.

(وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) أي: المهادنة والمسالمة. قال السعدي: لا تضعفوا عن قتال عدوكم، ويستولي عليكم الخوف؛ بل اصبروا واثبتوا، ووطنوا أنفسكم على القتال والجلاد؛ طلباً لمرضاة ربكم، ونصحاً للإسلام، وإغضاباً للشيطان، ولا تدعوا إلى المسالمة بينكم وبين أعدائكم طلباً للراحة، والحال أنكم أنتم الأعلون.

ثم ذكر الله عز وجل أموراً ثلاثة من تمسك بها لا يخشى قوى الأرض مجتمعة، ولا يتراجع قيد أنملة إلى الوراء، ولا يستطيع أحد أن يوصل إلى قلبه خوفاً أو إلى نفسه يأساً: (وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، أنتم الأعلون بالاستعلاء بالإيمان ومنهج الإسلام، وأنتم الأعلون بما توفرون من أسباب القوة والقدرة على مواجهة أعدائكم، (وَاللَّهُ مَعَكُمْ) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160]، إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12]، ألم يقع ذلك في بدر؟ ألم يحصل مثله في الأحزاب؟ ألم نره عبر تاريخ أمة الإسلام في كل المواقع والمعارك والمواجهات؟

هل صار المسلمون اليوم في شك من دينهم، وفي ضعف إيمان بآيات ربهم الكثيرة في كل من يصد عن دين الله، ويحارب دين الله؟

(وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)، لن ينقص أجوركم وثوابكم حتى ولو لم تتحقق النتائج على أيديكم، (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) أي: لن يجعلها حابطة كغيرها، بل ستثمر اليوم أو غداً أو بعد غد؛ لأن الله عز وجل وعد كل عامل بالخير ومحقق لوعده أن ينجز له سبحانه وتعالى ما وعد.

قال الله عز وجل: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ * لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ [هود:19-22].

ما كان لأولئك من قوة إلا بسبب ضعفنا، (أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ) لا يعجزون الله وقدرته وقوته سبحانه وتعالى، وهو الذي أمره بين الكاف والنون، إذا قال للشيء: كن؛ فيكون.

ونحن نعلم كذلك أن هذه الوعود الربانية لا تتخلف أبداً، (وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ) مهما جاءوا بقوى من هنا أو من هناك، وحلفاء من شرق أو غرب فلن يثبت ولن يقف شيء أمام قوة الله، ولا أمام قوة المؤمنين بوعد الله، مهما عظمت قوتهم، فثقوا بدين الله، واعلموا أن كل ما يواجهوننا به إنما يتحقق فينا أثره لما أخللنا به من منهج الله عز وجل، وتخلينا به من الاستمساك بدينه سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال:36] ما هي النتيجة؟ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36] آيات قاطعة! كلمات بالحق ناطقة! ولكنها لا تضرنا إلا بأسبابنا، وبتخلينا عن نهج ربنا.

إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [المجادلة:5] ، والآيات تخبرنا بصيغة المضارع المتحقق الوقوع، قال ابن عطية في معنى الكبت والمكبوت: يكون حزيناً؛ لأنه يرى ما يكره ولا يقدر على رده. سيأتيهم اليوم الذي يذوقون مثل ما يفعلون من هذه الجرائم، وهم لا يملكون دفعاً ولا نصراً بإذنه سبحانه وتعالى: وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:5] ، إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ [المجادلة:20] تلك هي الوعود الربانية، والتهديدات الإلهية.