خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/239"> الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/239?sub=62913"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الصفحة الجديدة
الحلقة مفرغة
الحمد لله، الحمد لله الأول بلا ابتداء، الآخر بلا انتهاء، ليس قبله شيء ولا بعده، وكل شيء هالك إلا وجهه، أنزل كتبه، وأرسل رسله؛ ليوضح منهجه، وليهدي خلقه، أحمده سبحانه وتعالى هو أهل الحمد والثناء، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آنٍ، نحمده جل وعلا على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، حمداً كما يحب ربنا ويرضى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى.
وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، اختاره الله جل وعلا ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وبعثه كافة للناس أجمعين، وأرسله رحمة للعالمين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ما من خير إلا وأرشدنا إليه، وما من شر إلا وحذرنا منه، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون! الصفحة الجديدة موضوع مناسب لهذا المقام مع ختام العام، وكثيراً ما نسمع البداية الجديدة التي يتنادى لها الناس في أحوال حياتهم المعتادة كلما عرض لهم عارض أو جد في حياتهم جديد.
فالطالب في بداية عامه يبدأ صفحة جديدة فيها منهج جديد يتلقاه على أيدي معلمين أكفاء، ثم يجتهد ويبذل وسعه وطاقته، ثم يتعاون في تحصيل العلم مع زملائه وأقرانه، ثم يخوض غمار الامتحان، ويوم الامتحان يكرم المرء أو يهان.
والتاجر في نهاية عامه المالي ينظر فيما سلف ومضى، ثم يبدأ صفحة جديدة يتلافى فيها أخطاء الماضي، ويزيد من إيجابياته، ويشق طرقاً جديدة، ويفتتح آفاقاً وأعمالاً عديدة، وهو في ذلك أيضاً يختط لنفسه منهجاً، ويضع لنفسه قانوناً، ثم إنه يحاول أن يستفيد من خبرة غيره، وأن يدرس ما سلف من المشروعات التي مرت بغيره، ثم بعد ذلك يبذل جهده من عقله وفكره ومن وقته وراحته ومن تخطيطه وتدبيره حتى ينجح، ويتعاون بعد ذلك مع غيره؛ لأن مبنى الحياة على التعاون، ثم بعد ذلك يأتي في آخر عامه لينظر في حصيلته من الربح والخسارة.
وهكذا إذا كان بين بعض الناس خصام، وجاءت الفرصة للصلح والوئام قالوا: نفتح صفحة جديدة ننسى فيها الماضي، ونبدأ بداية تقوم على أسس صحيحة، وهذا نجده في حياة الناس في كل يوم وكل ظرف، ونجد عندهم في كل مرحلة عزماً جديداً وتوجها يبغون به المضي نحو الأفضل والأكمل والأحسن، وتحصيل ما يعود عليهم بالراحة والطمأنينة والسكينة، وهذا الأمر في الرحلة الكبرى، رحلة الحياة الدنيا، رحلة العبد المؤمن على هذه الأرض وهو يمضي إلى الله، وهو يمضي إلى أخراه، وهو يمضي إلى موقفه بين يدي الله، فينبغي أن يجدد كثيراً، وأن يعاهد مراراً وتكراراً، وأن يجدد صفحة حياته مرة بعد مرة، وكرة بعد كرة.
ومن رحمة الله جل وعلا أن هذه الصفحة الجديدة تأتي في آخر العام بعد موسم عظيم من مواسم المغفرة لحجاج بيت الله الحرام، ولغيرهم أيضاً بالفضائل التي ساقها الله جل وعلا لمن يعمل الخير ويبذل فيه في تلك الأيام المباركة، فكأن الفرصة مواتية لبدء هذه الصفحة الجديدة.
فلن ننسى ما مضى، ولكننا نتعظ ونعتبر به، ونحمد الله جل وعلا أن محا عنا الذنوب والخطايا، وحط عنا السيئات والرزايا، وهيأنا بقلوب مطمئنة وصدور منشرحة ونفوس راضية وعزائم ماضية، لنمضي إلى طاعته ورضوانه وقد استشعرنا خفة الحمل الذي كان يرزح فوق كواهلنا من المعاصي والذنوب والخطايا والآثام، وشعرنا بذلك الندم الذي يكون له في القلوب وخز وفي النفوس ندم وفي العيون بكاء؛ حتى نهيئ أنفسنا لنقبل على الطاعة ولنسابق إلى الخيرات.
ونجد كذلك الفرصة مواتية لما في آخر العام من ذكرى هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، تلك الهجرة التي تبين لنا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم النموذج القدوة، وكيف ينبغي أن نمضي إلى طاعة الله، ورضوانه، فنتخطى في ذلك الصعاب، ونتجاوز العقبات، ونمضي ونحن على ثقة بوعد الله، وعلى ثقة بنصر الله؛ لأننا نمضي على منهج الله.
الصفحة الجديدة ينبغي ألا تغيب عن أذهاننا، وينبغي أن يجعلها كل منا نصب عينيه، ولعلنا في هذا المقام نذكر أنفسنا بما ساقه الله جل وعلا لنا؛ لنكون دائماًفي هذه الحياة الدنيا على صفحة جديدة وفي بداية حميدة إن شاء الله تعالى.
فكما قلت في شأن الطالب وفي شأن التاجر: ثمة منهج ينظر أحدهم فيه، وثمة معلم يرشد إليه، وثمة جهد يبذل في سبيله، وثمة تعاون يتعارض فيه الأقران أو الأصحاب ليحققوا ثمرته، ثم بعد ذلك ثبات واستمرار ومضي حتى يلقى المرء غاية جهده وثمرة عمله.
والله سبحانه وتعالى قد جعل لنا ما هو أعظم من ذلك في سيرنا إليه وفي مضينا إلى طلب رضوانه وفي السعي إلى نيل جنانه، فإنه جل وعلا قد جعل لنا المنهج النظري الكامل، وذلك في القرآن العظيم، القرآن الذي جعله الله سبحانه وتعالى المعجزة الخالدة للرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38].
فكل شيء من حاجة الفرد والجماعة والأمة في هذا القرآن، وكل شيء من حاجة القلب والنفس والبدن في هذا القرآن، وكل شيء من حاجة الحياة الدنيا والأخرى في هذا القرآن، لقوله جل شأنه: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، وقوله سبحانه: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، فلا شيء أكمل ولا أهدى ولا أقوم من نهج القرآن، فإنه يهدي للتي هي أقوم في أي شيء وفي أي مجال، وتبقى الآية مطلقة لتعلم المسلم أن القرآن يهدي للتي هي أقوم في شأن الدين وفي شأن العبادة وفي شأن الدنيا وفي شأن السياسة وفي شأن الاقتصاد وفي شأن الأسرة وفي شأن الحياة الاجتماعية والقضائية، وفي كل شيء من نواحي هذه الحياة، إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم في كل شيء يحتاج إليه العبد في هذه الحياة.
قال عز وجل: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:105]، ويبين الحق جل وعلا ذلك التفصيل العجيب الكامل النادر في القرآن الكريم في قوله سبحانه: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا [الأنعام:114]، أي: فيه تفصيل كل شيء، كما قال تعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل:89].
فأي فضل أعظم وأي منة أكبر على أمة الإسلام من قرآن تكفل الله بحفظه فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وذكر كماله فقال: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]؟ فلا نحتاج إلى تفكير ولا إلى تدبير، ولا نحتاج إلى مقارنة ولا إلى مقايسة، ولا نحتاج إلى اقتباس؛ فإن بين يدينا منهجاً ربانياً قرآنياً كاملاً يشمل الحياة الدنيا والحياة الأخرى وما فيهما، ويشمل كل شيء في هذا الوجود، فالله سبحانه وتعالى جعل لنا المنهج الذي نسير عليه، ونجعل سيرتنا مرتبطة به.
ولذلك أخي المسلم! الصفحة الجديدة تقتضي صلة بالقرآن وطيدة، فرطب به لسانك، أحي به قلبك، واشغل به عقلك، وليكن أنيسك في وحشتك، وليكن نورك في ظلمتك، وليكن منهجك في حيرتك، فإن هذا القرآن شفاء القلوب وجلاء الهموم والأحزان، كما قال عز وجل: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ للمؤمنين [الإسراء:82]، إنها نعمة بين أيدينا وجوهرة ثمينة غالية أهداها الله سبحانه وتعالى إلينا، فأين نحن منها؟! وأين نحن من التعلق والالتزام بها؟! والله سبحانه وتعالى قد دعانا إلى أن تكون صلتنا بالقرآن أعظم صلة، وأن نجعل الألسنة دائما تتلو القرآن، كما قال جل وعلا في أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ [النمل:92]، وكما بين في شأن أوصاف أهل الإيمان وما لهم من الثواب والإكرام والإحسان: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:29-30].
والأذن ينبغي أن تنال حظها من القرآن استماعاً وإنصاتاً؛ ليخلص إلى شغاف القلب وإلى أعماق النفس، فينفض غبار الشهوات، ويبدد ظلمات الشبهات، ويبعث النور وضيئاً في قلوب المؤمنين، قال عز وجل: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204].
والعقل ينبغي أن ينشغل به؛ لأن الله سبحانه وتعالى دعانا إلى التدبر، ونعى على غير المتدبرين فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، فينبغي لنا أن نتذكر هذا الأمر، وأن نتذكر أن الكون والوجود كله منصت لهذا القرآن؛ لأن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أن الشمس والقمر والشجر والدواب كلها تسجد لله سبحانه وتعالى، وكلها تسبح بحمده، وكلها تستجيب لأمره، والمسلم إذا مضى على منهج القرآن كان مع هذا الكون المسبح للرحمن، وإذا خالفه كان شاذاً فريداً بعيداً غريباً طريداً، ولذلك من نعمة الله على أهل الإيمان أن جعلهم الله سبحانه وتعالى مع الخلق، كما هو شأن الإنس، وكذلك هو شأن الجان، كما قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف:29]، هكذا ينبغي أن نحيي قلوبنا بالقرآن المنهج الذي نحتاجه، والحكم الذي نبحث عنه، والأدب الذي نفتش عنه، وكل شيء نريده من الناحية النظرية المنهجية موجود بين أيدينا في القرآن، تلك هي الوسيلة العظمى الأولى.
والوسيلة الثانية: المعلم القدوة رسولنا صلى الله عليه وسلم:
فهو الشارح المفسر للقرآن، وهو السورة الحية لتطبيق آداب وأحكام القرآن، إنه سيد الخلق أجمعين نبينا وحبيبنا رسول رب العالمين، قال عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21]، فنحن ندرك عظمة القرآن ولكن لا نعرف تطبيق أحكامه إلا إذا نظرنا إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتأملنا في أحاديثه وهديه العظيم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد مدحه رب العالمين فقال جل وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
وهو الذي أنزل عليه القرآن، وهو الذي بين لنا كيف يحيا المسلم وتحيا أمة الإسلام بالقرآن، فكل الطرق إلى الله عز وجل مسدودة إلا من طريق محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى).
إنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة، بل أعظم منة منَّ بها الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة هي بعثة محمد صلى الله عليه وسلم الرسول الخاتم الذي ختم الله به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين عليه الصلاة والسلام، وقد وصف صلى الله عليه وسلم رحمته بأمته وحرصه على هداية الخلق أجمعين بقوله: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، فجعلت الفراش والهوام يقعن فيها، وجعل يذبهن عنها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار)، فهو صلى الله عليه وسلم الذي جاءنا بالهدي الأكمل، وهو القدوة عليه الصلاة والسلام، قال عز وجل: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، وسعت رحمته العظيمة هذه الأمة الكريمة، وأفاض عليها عليه الصلاة والسلام من شفقته وعطفه، وبين لها -كما أخبر الصحابة- كل شيء يحتاجون إليه، فهذا سلمان الفارسي رضي الله عنه يقول: (لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما طائر يقلب جناحية في السماء إلا ذكر لنا منه علماً).
وفي سنن أبي داود عن سلمان رضي الله عنه قال: (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة) أي: حتى كيفية قضاء الحاجة، فقد عرفنا سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في يقظته ومنامه، وفي حربه وسلمه، وفي رضاه وغضبه عليه الصلاة والسلام، وعرفنا حاله مع أزواجه، وعرفنا حاله مع أصحابه، وعرفنا حاله مع أعدائه، وكل شيء جاء في هذه السيرة العطرة والسنة الشريفة المطهرة، ليكون ذلك هو التطبيق العملي لمنهج القرآن الكريم، قال صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي)، فما أعظم منة الله على هذه الأمة أن حفظ لها كتابها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم، فهذا هو المنهج النظري وهذا هو التطبيق العملي.
وبعد ذلك ينبغي أن تكون هناك وسيلة ثالثة، فإن القرآن والسنة كانا على مر العصور، ولكن كان هناك في بعض الأحوال اختلاف ومخالفة وبعد، ولذلك ينبغي أن نأخذ بالأمر الثالث وهو المجاهدة الصادقة، فعلينا أن نجاهد أنفسنا لنلتزم كتاب ربنا ونقتدي بهدي نبينا صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى قد وعد ووعده الحق فقال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، فلا يمكن أن ننال ثمرات الإيمان ولا أن ننال خيرات الإسلام ونحن نائمون كسالى عاجزون كل بضاعتنا هي الأماني والأحلام والأوهام.
إن محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام جاهدوا أنفسهم حتى هاجروا، وخلفوا الأرض والديار، وخلفوا الأموال والثمار، وخلفوا الأهل والأبناء.
إن محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه جاهدوا أنفسهم فخاضوا المعارك، وضربوا بالسيوف، وطعنوا بالرماح، وسالت منهم الدماء.
إن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه جاهدوا أنفسهم فخرجوا من الجزيرة شرقاً وغرباً لينشروا نور الله، وليبلغوا دعوة الله، وليرفعوا راية الله، وليعلنوا عزة الإسلام في كل مكان.
إن محمداً صلى الله عليه وسلم وصحبه أحيوا ليلهم قياماً لله عز وجل حتى تفطرت الأقدام، وانسكبت الدموع، وسجدت الجباه، وتحركت القلوب، ونطقت الألسن تضرعاً وتذللاً بين يدي الله سبحانه وتعالى.
إن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم أقاموا أعظم حضارة دنيوية في الدنيا؛ لأنهم أسسوها على نهج الإيمان، وأقاموها على منهج الإسلام، فينبغي أن ندرك أن هذا الدين لا يتحقق في هذه الحياة إلا بجهد وجهاد من أبناء المسلمين، وأن هذا الدين لا يهدى للكسالى والعاجزين، كما قال الشاعر:
إسلامنا لا يستقيم عموده بدعاء شيخ في زوايا المسجد
ينبغي أن ندرك أنه لا بد لنا من مجاهدة للنفس حتى نستقيم على أمر الله، ونترك الإخلاد إلى الدنيا والركون إليها والانشغال بها والتعلق والتلذذ بشهواتها وملذاتها، وينبغي أن ندرك أننا في حاجة إلى عزيمة ماضية وإيمان قوي ويقين راسخ؛ حتى نتجاوز كل هذه الجواذب كما تجاوزها النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام والعلماء والأئمة من أمة الإيمان.
أما كيف تجاوزوا ذلك؟ فتجاوزوه عندما جاهدوا أنفسهم ليهتدوا بالقرآن؛ وليقتدوا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وليجددوا سيرة الأصحاب رضوان الله عليهم، فعندما فعلوا ذلك جاءتهم الآثار، وانبسطت بين يديهم الثمار، وكانت حياتهم مثلاً عظيماً من أمثلة تطبيق الإسلام التزاماً بالقرآن واتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، فينبغي في هذه المجاهدة أن نستشعر المراقبة والمحاسبة، وينبغي أن نجدد ذلك النهج العظيم الذي كان عليه السلف الصالح، نهج يقظة الضمير والمراقبة الدائمة لرب العالمين، نهج لم يكن فيه شقاق ولا خصام ولا اعتداء ولا حاجة لتوسع القضاء وتشعب القضايا ؛ لأن الناس كانوا يراقبون ربهم، وكانوا يستشعرون قول الله جل وعلا: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، ويعلمون حقيقة قوله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:5-6].
إن المجاهدة تعني: أن نتحقق بمعنى الإحسان الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، أن نتذكر قول أحد السلف رضوان الله عليهم لما سئل: كيف الطريق إلى غض البصر؟ فقال: علمك بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما حرم عليك يردعك عن ذلك، فإن لم يردعك الخوف من الله فليردعك الحياء من الله، وكلاهما لا يكون إلا باستشعار مراقبة الله.
قال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]، فينبغي أن نستشعر ذلك، وانظروا إلى واقعنا! لو كان الناس يراقبون ربهم لما اعتدى بعضهم على بعض، ولما وجدنا هذا الأكل للأموال بالباطل، ولما وجدنا هذا الاعتداء الغاشم الظالم، ولما وجدنا هذه المفاسد والفواحش التي استهان بها الناس كأنهم لا يراهم ربهم، وكأنهم لا يستحيون من خالقهم، وكأنهم لا يعظمون نعمة ربهم وفضله عليهم سبحانه وتعالى، وكأنهم يسيئون انتسابهم إلى هذا الدين وإلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]، فينبغي لنا أن نحقق هذه المراقبة، وأن نستشعر المحاسبة، كما قال عمر رضي الله عنه: (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيئوا للعرض الأكبر).
قال عز وجل: اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا [الإسراء:14]، وقال سبحانه: وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]، وقال عن أهل الإيمان: وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ [الرعد:21]، وقال عز وجل: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41].
فينبغي أن نحقق هذه المجاهدة، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا ثمارها، وأن يجعلنا مستقيمين ثابتين عليها، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صادق الوعد الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم دافع لإقبال العبد على مولاه، وإن من أعظم التقوى أن يكون المرء مراقباً لله، مستشعراً لعظمة الله، خائفاً من عذاب الله، فإن ذلك فيه -بإذن الله- وقاية عن معصية الله وبعد عما حرم الله.
وإن الوسيلة الرابعة المهمة هي التعاون على البر والتقوى:
قال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، والمؤمنون إخوة، والمسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، فينبغي أن نتعاون على الطاعات، وأن نتكاتف لإحياء معاني الإيمان في القلوب، وأن نتآزر لننفي عن بيئاتنا ومجتمعاتنا المنكرات والمحرمات.
إن هذه الأمة فضلت لأنها أمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فضلت لأنها أمة بعضها لبعض نصحة، والمنافقون والكافرون بعضهم لبعض غششه، قال جرير رضي الله عنه: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فزادني: والنصح لكل مسلم) أي: النصيحة الرفيقة الشفيقة، النصيحة الحكيمة الودودة، التعاون على البر والتقوى، والدعوة إلى الخير، وشعور المسلمين بأنهم جسد واحد، فإن لم يتحقق في الأسرة الواحدة وفي الحي الواحد بين الجيران فكيف تريد أن يتحقق في أمة الإسلام على اختلاف أصقاعها وتباين بيئاتها ولغاتها، قال صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم ، وفي رواية أخرى: (المسلمون كجسد واحد إذا اشتكى رأسه اشتكى كله، وإذا اشتكى عينه اشتكى كله)، فأين التراحم والتلاحم؟ وأين الذي يجد من يعظه ويذكره إذا نسي؟ ومن يزجره وينهاه إذا أخطأ، ومن يشجعه ويدعوه إذا أقبل؟ هل نتعاون في ذلك كما نتعاون في أمور الحياة الدنيا؟
ترون أهل العمارة الواحدة قد يتفقون على من يحرس لهم عمارتهم، ويتفقون كيف يؤمنون الماء إذا كانوا يحتاجون إليه، ويخصصون حصصاً مالية بينهم، لكننا لم نسمع كيف يوقظ بعضهم بعضاً لصلاة الفجر، ولا كيف يجعلون من وقتهم في أسبوعهم كله ساعة واحدة يتلون فيها كتاب الله، أو يقرءون شيئاً من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم!
إن انعدام التعاون وضعف النصيحة وخلو المجتمع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو سبب من أسباب الهلاك والدمار، ويعود على الناس جميعاً حتى الصالحين؛ لأن الصالحين إن لم يكونوا ناصحين يوشك أن يكون في صلاحهم فساد وخلل.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا في سفينة، فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا الماء صعدوا إلى من فوقهم، فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقاً فاستقينا الماء ولم نؤذ من فوقنا، فلو تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، ولو أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)، فالتعاون ينبغي أن نحرص عليه، والرفقة الصالحة فضل عزيز مهم في هذه الحياة، كما في الحديث: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، فإذا وجد بين أيدينا المنهج النظري في القرآن الكريم، والمنهج العملي في سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وجاهدنا نفوسنا، وبذلنا بصدق وإخلاص من أعماق قلوبنا وخفايا نوايانا ومن حر مالنا ومن جهد أبداننا ومن المهم من أوقاتنا لنطيع الله سبحانه وتعالى، ثم كان بيننا تعاون وتكاتف على البر والتقوى، وإحياء معاني الإيمان، وإشاعة العلم بهذا الدين، والدعوة إلى رب العالمين، وتشجيع الناس على الطاعات، ونهيهم عن المنكرات والمحرمات؛ فسنجد أننا بالفعل قد بدأنا صفحة جديدة.
فليست كلمة (صفحة جديدة) هي كلمة نرددها، أو هي أسلوب نعتاد أن نقوله كلما جاءت نهاية عام أو بداية عام، بل ينبغي أن نذكر هذه النعم والمنن التي ساقها الله إلينا، فقد كفينا أمر المنهج، وكفينا أمر تفسيره وتطبيقه، وبقي علينا جهاد نفوسنا الضعيفة المريضة، فعلينا أن نعالجها، وأن نجاهدها، وبقي علينا أن نشد من أزرنا، وأن نقوي الأواصر فيما بيننا؛ حتى نستطيع التعاون، وأن نتغلب على شهوات النفوس وعلى فساد البيئات، وأن نكون كما أراد الله سبحانه وتعالى فيما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً).
فنحن عند أن نكون في المسجد نلصق الكتف بالكتف، ونصلي مع بعضنا، لكن كثيراً منا لا يعرف الآخر، ولا يسأل عن حاله، ولا يسعى لمنفعته، ولا يسعى لدفع الضر عنه، وسبب ذلك هذه الأواصر التي ضعفت، وهذه العلائق التي انقطعت، فإنها سبب من أسباب ضعفنا في ديننا، ومن أسباب بعدنا عن هدي نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن أسباب مخالفتنا وإعراضنا عن كتاب ربنا.
نسأل الله جل وعلا أن يحيي قلوبنا بالإيمان، وأن ينور بصائرنا بالقرآن، ونسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا بكتابه مستمسكين، وعلى هدي نبيه صلى الله عليه وسلم سائرين.
اللهم اجعلنا ممن يحل حلال القرآن ويحرم حرامه ويعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه.
اللهم اجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا.
اللهم اجعلنا لرسولك صلى الله عليه وسلم متبعين، وفي محبته صادقين مخلصين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.
اللهم إنا نسألك التقى والهدى والعفاف والغنى، وأن تجعلنا هداة مهديين.
اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
اللهم إنا نسألك أن تجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا.
اللهم جدد في القلوب إيماننا، وجدد في الحياة أخلاقنا على ما يرضيك يا ربنا.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى واصرف عنا ما لا تحبه وترضاه.
اللهم ارزقنا الصالحات والخيرات، واصرف عنا الشرور والسيئات، واغفر اللهم لنا ما مضى وما هو آتٍ، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين.
اللهم مكن في الأمة لأهل الخير والرشاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، وارفع في الأمة علم الجهاد، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.
اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، وأرنا فيهم يوماً أسود قريباً يا سميع الدعاء؛ اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم فرق كلمتهم، ودمر قوتهم، واستأصل شأفتهم، واجعل بأسهم بينهم يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار؛ يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء!
اللهم إنهم قد طغوا وبغوا وتجبروا، اللهم إنهم قد أذلوا عبادك المؤمنين، وانتهكوا حرمات المسلمين، اللهم فأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا متين، اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين والأسرى والمسجونين والمرضى والثكالى والعجزى يا رب العالمين!
اللهم الطف بإخواننا المعذبين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وأجب دعوتهم، وفرج كربتهم يا حي يا قيوم؛ اللهم اجعل ما قضيت عليهم زيادة في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين.
اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عراةً فأكسهم، خائفون فأمنهم، جائعون فأطعمهم، مشردون فسكنهم يا رب العالمين، اللهم ارزقهم الصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، اللهم عجل فرجهم، وقرب نصرهم يا رب العالمين!
اللهم واجعلنا في نصرتهم عاملين، اللهم واجعلنا لنصرة دينك باذلين منفقين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم سدد رميتهم، ووحد كلمتهم، وأعل رايتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا رب العالمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولاتنا لهداك، واجعل عملهم في رضاك، وارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الحق والخير يا رب العالمين.
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
والحمد لله رب العالمين!