تفسير الربع الأول من سورة إبراهيم
مدة
قراءة المادة :
16 دقائق
.
سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1] تفسير الربع الأول من سورة إبراهيم
الآية 1، والآية 2، والآية 3: ﴿ الر ﴾: سَبَقَ الكلام عن الحروف المُقطَّعة في أول سورة البقرة.
♦ إنَّ هذا القرآن هو ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ لِتُخْرِجَ ﴾ به ﴿ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ أي من ظُلُمات الجهل والضلال إلى نور الهدى والإيمان ﴿ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ﴾ وتوفيقه لهم ﴿ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ ﴾: يعني إلى الإسلام، الذي هو طريقُ اللهِ العزيز (والعزيز هو الغالب الذي لا يَمنعه شيء مِن فِعل ما يريد)، ﴿ الْحَمِيدِ ﴾ الذي يَستحق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على جميع مخلوقاته.
♦ فالإسلام هو طريقُ ﴿ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ - خلقًا وتصرُّفًا وإحاطة - ولذلك فهو الذي يجب أن تكون العبادة له وحده، ﴿ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ يوم القيامة، (واعلم أنّ كلمة: "وَيْل" هي كلمة تهديد ووعيد، وتأتي أيضاً بمعنى "هلاك").
♦ وهؤلاء الكافرون هم ﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ ﴾: أي يَختارون الحياة الدنيا الفانية، ويَتركون الآخرة الباقية، ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ أي يَمنعون الناس عن اتِّباع دين الله ﴿ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ﴾ أي: ويريدون هذه السبيل (وهي الإسلام) أن تكونَ معوجّة لِتُوافِق أهواءهم، ﴿ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ عن الحق وعن كل أسباب الهداية.
الآية 4: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ ﴾ مِن قبلك أيها النبي ﴿ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ يعني إلا بِلُغَة قومه ﴿ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾: أي لِيُوَضِّح لهم شريعة اللهِ تعالى ﴿ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ بعدله وحِكمته ﴿ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ بفضله ورحمته ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ الذي - مِن عِزَّتِه سبحانه - أنه انفرَدَ بالهداية والإضلال، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ الذي يَضع الأمور في مَواضعها، فلذلك يَهدي مَن طلب الهداية بصِدق وسَعَى في تحصيل أسبابها، ويُضِلُّ مَن رغب في الضلال، وسعى إليه وفَضَّلَهُ على الهدى.
♦ واعلم أنه لا حُجَّة لغير العرب في هذه الآية: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾، لأنّ كُلُّ مَن تُرجِمَ له الإسلام بِلُغَته، وَجَبَ عليه الدخول فيه والعمل بشرائعه، لِيَسعد في الدنيا والآخرة.
الآية 5: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى ﴾ إلى بني إسرائيل ﴿ بِآَيَاتِنَا ﴾: أي بالمُعجزات الدالة على صِدقه، وأمَرناه ﴿ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ أي من الضلال إلى الهدى، ﴿ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ﴾ العظيمة التي نَجَّى اللهُ فيها عباده المؤمنين، وأهلَكَ فيها العُصاة والطاغين (كيَوْم عاشوراء الذي نَجَّاكم اللهُ فيه من الغرق، وأغرق فرعون وجنوده) ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾: يعني إنّ في هذا التذكير لَدلالاتٍ يُستدَلّ بها على فضل اللهِ تعالى على عباده المحسنين، وانتقامه من أعدائه الجاحدين.
♦ وقولُهُ تعالى: ﴿ لِكُلِّ صَبَّارٍ ﴾ أي كثير الصبر على طاعة الله، وعن مَعاصِيه، وعلى أقداره، ﴿ شَكُورٍ ﴾ أي قائم بحقوق اللهِ تعالى، فيَشكره على نِعَمِه (وقد خَصَّ اللهُ الصابرينَ الشاكرينَ بالذِكر؛ لأنهم هم الذين يَعتبرون بآياته ولا يَغْفُلون عنها).
الآية 6، والآية 7: ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ ﴾ أي اذكر - أيها الرسول - لقومك حين قال موسى لبني إسرائيل: ﴿ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ ﴾: أي اذكروا حين أنقذكم اللهُ مِن بَطش فرعون وأتْباعه، فقد كانوا ﴿ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ : أي يُذيقونكم أشدَّ العذاب، ﴿ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ ﴾ الذكور (حتى لا يأتي منهم مَن يَستولي على مُلْك فرعون)، ﴿ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ﴾: أي ويَتركون بناتكم أحياءً ذليلات للخِدمة والإهانة، ﴿ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ أي: وفي ذلك اختبارٌ لكم من ربكم، وفي إنجائكم مِنْهُ نعمة عظيمة، تستوجبُ شُكرَ اللهِ تعالى في كل عصوركم وأجيالكم.
♦ وقال لهم موسى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ﴾ أي اذكروا حين أَعْلَمَكم ربكم أنكم ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ يعني لئن شَكرتموني على نِعَمي لأَزيدنَّكم مِن فضلي، ﴿ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ يعني: ولئن جحدتم نِعَمي عليكم لأَعذبنَّكم عذابًا شديدًا.
الآية 8: ﴿ وَقَالَ مُوسَى ﴾ لهم: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ فلن تَضُرُّوا اللهَ شيئًا; ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ ﴾ عن عبادة خَلْقه، ﴿ حَمِيدٌ ﴾: أي مُستحِق للحمد والثناء في كل حال.
الآية 9: ﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ ﴾ - يا أُمَّة محمد - ﴿ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: أي خبر الأمم التي كانت قبلكم، كـ ﴿ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ ﴿ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ ﴾: أي لا يُحصِي عددهم إلا اللهُ تعالى، وقد ﴿ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي بالأدلة الواضحة على صِدقهم، ﴿ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ﴾ أي فوَضَعَ الأقوامُ أيديهم على أفواه رُسُلهم (يَطلبون منهم السكوت) ﴿ وَقَالُوا ﴾ لِرُسُلهم: ﴿ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ ﴾ أي كفرنا بما جئتمونا به ﴿ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ﴾ أي مُوقِع في الحيرة والقلق والتردد.
الآية 10: ﴿ قَالَتْ ﴾ لهم ﴿ رُسُلُهُمْ ﴾: ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ أي خالق السماوات والأرض، ومُنشِئهما من العدم على غير مثالٍ سابق؟، وهو سبحانه ﴿ يَدْعُوكُمْ ﴾ إلى توحيده وطاعته ﴿ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾ (وهي كل الذنوب التي بينكم وبين ربكم، أمّا مَظالم الناس: فرُدُّوها إليهم تُغفَر لكم)، ﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ أي آمِنوا حتى لا يُعَجِّل سبحانه بهلاككم، بل يؤَخّر بقاءكم في الدنيا إلى نهاية آجالكم.
﴿ قَالُوا ﴾ أي قال الذين كفروا لِرُسُلهم: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾: أي ما نَراكم إلا بشرًا - صفاتكم كصفاتنا - ولا فضلَ لكم علينا يُؤَهِّلكم أن تكونوا رُسُلاً، و ﴿ تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا ﴾ أي تمنعونا ﴿ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا ﴾ من الأصنام، ﴿ فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾: أي فأتونا بحُجَّة ظاهرة تَشهد على صحة ما تقولون.
♦ وهنا ينبغي أن نقولُ لمن أصابه وسوسة في إيمانه باللهِ تعالى - حتى يَزداد إيمانه ويَتخلص من هذا الوسواس -: (أخي الحبيب: إنَّ مُؤَسِّسي فِكرة الإلحاد قديماً قد اعترفوا بأنَّ العِلم الحديث قد أثبت أنه لابد مِن وجود خالق لهذا الكون الذي يَسير بهذا النظام المُتَزن، فإنّ الشمس لو ارتفعَتْ عن الأرض (سَنتِيمِتراً) واحداً: فإنّ الأرض سوف تتجمد، وإذا اقترَبَتْ من الأرض (سنتيمتراً) واحداً: فإنّ الأرض سوف تحترق، وإنه لا يمكن للصُدفة أبداً أن تُنشِئَ هذا النِظام الدَقيق، فلا يُمكن لها أن تأتي بالشمس - كل يوم - في موعدٍ مُحدد لا تتأخر عنه لحظة، وإلاَّ، فلو كان الأمرُ بالصُدفة: فإنّ الشمس كانت ستأتي في هذا الموعد مرة وتتأخر عنه مرات، ولا يمكن للصدفة أيضاً أن تأتي بقطعٍ مُبَعثَرَة من الحديد لِتُكَوِّنَ منها سيارة أو طائرة أو قطار، ولا يُمكن لها أن تُسَيِّرَ السفن في البحار والمُحيطات وحدها بدون قائدٍ يقودها، ولا يُمكن لها أن تأتي بكمية من الطوب المُبَعثَر لِتَبنِي بها مباني سكنية ذات طوابق عديدة، في كل طابق منها: أربعة منازل (مُجَهَّزَة) ومفروشة ومَدهونة بألوان مختلفة).
♦ وقالوا أيضاً: (إنه بعد تراكُم الأدلة نستطيع أن نقول: (إنَّ هناك قوة خَفِيَّة وراء هذا الكون تُسَيِّرُهُ بهذا النظام المُحكَم الذي لا يَختل ولا يَضطرب لحظة واحدة)، (وأنَّ هذه القوة قد سَخَّرَتْ جميع المخلوقات لِخِدمة الإنسان، بدليل أنَّ هذا (الجَمَل) الضخم يقوده طفل صغير، ولا يؤذيه ولا يَضُرُّه، بل يتحرك ويَنْقادُ بأمره، وأنه لابد لهذه القوة أن تُعلِنَ عن نفسها حتى تُخبِرَنا لماذا خَلَقَتْنا، وما الذي تُحِبُّ أن نفعله، وما الذي يُغضِبُها، وإنه لا يُعقَلُ أبداً أن تكون قد خَلقَتْ كل هذا الخَلق العظيم عَبَثاً ولعباً دونَ أن تأمرهم وتنهاهم).
♦ وأمّا عدم الاعتراف بهذه القوة بحُجَّة أننا لا نراها: فهذه حُجَّة باطلة، لأنَّ العِلم قد اكتشف أشياءً عديدة لم يكن يراها الإنسان القديم، كالكهرباء، (ومَوْجَات الراديو والتِلفاز)، والفيروسات، والكائنات الدقيقة التي لا تُرَى بالعين المُجَرَّدة، ورغم أننا لا نرى هذه الأشياء: إلا إننا نَتَيَقنُ أنها موجودة، إذاً فليس معنى أننا لا نرى الشيئ أنه ليس موجوداً، وإلاَّ، فإنك لا ترى عقلك، ومع ذلك فأنت على يقين بأنَّ لك عقل.
♦ فلا تَتَّبع هَواك أخي الكريم حتى لا تَضِلّ، ولكنْ تدبَّر القرآن، هذا الكتاب المُعجِز الخالد، الذي إذا رآه أيّ أحدٍ يَحترم عقله، فإنه حَتماً سيقول: (محمدٌ رسول الله، وهذه هي هي مُعجزته (القرآن الكريم)).
الآية 11، والآية 12: ﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ ﴾: ﴿ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ﴾ يعني: حقًاً ما نحن إلا بَشَرٌ مِثلكم كما قلتم، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ ﴾ أي يَتفضل بإنعامه ﴿ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ فيَختارهم لرسالته، فانظروا إلى ما جئناكم به، فإن كانَ حقاً فاقبلوه، وإن كانَ غير ذلك فرُدُّوه، ﴿ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ ﴾ أي مُعجِزة - كما طلبتم - ﴿ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾، فالأمر أمْره، وهو على كل شيءٍ قدير، ولِذا فوَّضنا أمورنا إليه، واعتمدنا عليه ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ (هذا أمْرٌ من الرُسُل - للمؤمنين مِن قومهم - بالاعتماد على اللهِ وحده في نَصْرهم وهزيمة أعدائهم)، وقصَدوا به أنفسهم أيضاً لأنهم أول المؤمنين، ولذلك قالوا: ﴿ وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ ﴾؟ يعني: وكيف لا نعتمد على اللهِ تعالى ﴿ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ﴾ أي: وهو الذي أرشد كل واحد مِنّا إلى طريق النجاة من عذابه (وهو توحيده واتِّباع أحكام دينه)، وعرَّفَنا سبحانه عظمته وقدرته وعزة سلطانه، فأيُّ شيءٍ يَجعلنا لا نتوكل عليه وهو القوي العزيز؟!
﴿ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا ﴾ بالكلام السيئ وغيره (مُتوكلين على اللهِ تعالى حتى يَنتقم لنا منكم) ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ والمعنى: ومَن كان مُتوكِّلاً - أي مُعتمداً - في أمْرِهِ على غير اللهِ تعالى: فليتوكل على الله وحده.
الآية 13، والآية 14: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ ﴾: ﴿ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا ﴾ ﴿ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ﴾: يعني إلاّ إذا دخلتم في ديننا، فحينئذٍ لن نُخرجكم، ﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ ﴾: أي فأوحى اللهُ إلى رُسُله أنه سيُهلك الجاحدين، ﴿ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ ﴾ - أنتم وأتْباعكم - ﴿ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ أي مِن بعد إهلاكهم، ﴿ ذَلِكَ ﴾ أي ذلك الإهلاك للكفار، وإسكان المؤمنين أرضهم هو أمْرٌ مؤكد ﴿ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي ﴾ أي لمن خافَ مِن وقوفه بين يديَّ يوم القيامة ﴿ وَخَافَ وَعِيدِ ﴾: أي وخافَ من وعيدي وعذابي.
الآية 15، والآية 16، والآية 17: ﴿ وَاسْتَفْتَحُوا ﴾ أي: ولجأ الرُسُل إلى ربهم وسألوهُ النصرَ على أعدائهم والحُكمَ بينهم، فاستجابَ سبحانه لهم وأهلَكَ أعدائهم، ﴿ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ أي: وهَلَكَ كل مُتكبر لا يَقبل الحق ولا يَنقاد له، ﴿ مِنْ وَرَائِهِ ﴾: أي سيَلقى مِن بعد هَلاكه: ﴿ جَهَنَّمُ ﴾ تنتظره ليُعذَّبَ فيها، فسيَدخلها ويَعطش فيها، ويَطلب الماء ﴿ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ﴾: أي يُسقى فيها مِن الصديد الذي يَخْرج من أجسام أهل النار ﴿ يَتَجَرَّعُهُ ﴾: أي يحاول ابتلاع هذا الصديد مرة بعد مرة، ﴿ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ ﴾: أي ولا يَستطيع أن يَبتلعه; لقذارته وحرارته ومَرارته، ﴿ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ ﴾ أي: ويأتيه العذاب الشديد من كل نوع، وفي كل عضو مِن جسده، فيتمنى الموت ليستريح من هذا العذاب ﴿ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ﴾، ﴿ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ أي: وله مِن بعد هذا العذاب: نوعٌ آخر من العذاب الشديد، الذي لا يُطاق ولا يُحتمَل، (واعلم أنّ لفظ "وراء" يُطلق على ما كان خلفاً وما كان أماماً، لأنّ كل ما وُورِيَ - أي: استُتِر - فهو وراء).
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.