المرأة والدعوة [2]


الحلقة مفرغة

الحمد الله، نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونصلي ونسلم على خير خلق الله وخاتم رسل الله نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعلى من اتبع سنته واقتفى أثره وسار على هداه، وعلينا وعلى سائر عباد الله الصالحين من العاملين والدعاة.

أما بعد:

فحديثنا هو عن الدعوة بالنسبة للمرأة المسلمة، أي: ما يتعلق بالأسس والأهداف، وبالفوائد والعوائد، وبالمواصفات والسمات، وبالعوائق والعقبات، وبالميادين والمجالات، وبما يتعلق أيضاً بذلك من الموضوعات.

وأول هذه الأمور: أسس وأهداف، أي: الأسس والأهداف المهمة والرئيسة للدعوة بالنسبة للمرأة المسلمة.

وهذا أمر تهم معرفته، سيما للنساء الداعيات على وجه الخصوص؛ لأن تحديد الأسس والركائز والأهداف هو المنطلق الذي يمكن بعد فهمه وإدراكه تعيين الأساليب وتحديد الخطط التي توصل إلى تحقيق هذه الأهداف.

ولا شك أن الأهداف كثيرة من حيث التفريع، ولكنني أجملها في أصول تجمعها بإذن الله عز وجل.

إحياء الإيمان وتصحيح العقيدة

الأصل الأول: إحياء العقيدة والإيمان وتصحيح ما قد يكون من الانحرافات الشائعة والبدع الذائعة في صفوف المسلمات.

ولا نشك أبداً في أن ضعف الإيمان سمة قد غلبت على كثير من المسلمين ذكوراً وإناثاً، وأن ألواناً من الانحراف قد سرت إلى مجتمعات المسلمين، ولذلك يعد هذا التصحيح وهذا التحريك والزيادة للإيمان هو أهم الأهداف والأسس والمنطلقات.

ونرى في واقعنا أن هناك أموراً تفشو وتسري بين النساء أكثر من الرجال، سيما فيما يتعلق بالمعتقدات التي تتصل بالضر والنفع، فنجد بعض النساء -سيما الكبار منهن- ربما تعتقد في الحروز أو التمائم، وقد سرى -أيضاً- بين الناس أمر خطير بدأ ينتشر ويفشو، وهو ما يتعلق بالتعلق بالسحرة أو الكهنة ونحو ذلك.

وهنا -أيضاً- صور من إفراط وتفريط متعلقة بمسائل الإيمان ينبغي مراعاتها وتصحيحها، وكذلك ما يتعلق بتقوية هذا الإيمان وزيادته وإحيائه وربطه بآثاره، فإن الإيمان ليس مجرد معرفة فحسب، وليس هو العلم المجرد، بل هو مرتبط بالعمل ارتباطاً وثيقاً، وقد جعل العمل جزءاً من الإيمان، كما في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بعض وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) أي: جزء منه لا يتجزأ.

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة نفي الإيمان عمن لم يقم ببعض الأعمال، وذكر أهل العلم أن هذا النفي يعني نفي كمال الإيمان عمن لم يقم بمثل هذه الأعمال.

ومن أهم ما يمكن أن يعين على ذلك الترغيب والترهيب بالنسبة للمرأة على وجه الخصوص، فتأثيره فيها أكبر ووقعه على نفسها أعظم، وهذا ميدان رحب واسع وأساس مهم عظيم.

تقوية الصلة بالله

الأصل الثاني: تقوية الصلة بالله عز وجل من خلال العبادة مع رعاية تصحيحها وخلوها من الأخطاء، وتعلم أحكامها، وفهم مقاصدها، وكذلك طرائق استغلال الوقت فيما هو عائد على القلب والإيمان بالحياة والزيادة في الخير، وما هو عائد على الأجر بالزيادة عند الله سبحانه وتعالى.

فلابد من أن يكون هناك تذكير للنساء المسلمات بأن عندهن من الوقت والفراغ ما ليس عند الرجال بحكم طبيعة أعمال الرجال وانشغالهم وكثرة عوارضهم ومشكلاتهم، فالمرأة في بيتها أقدر -وربما أكثر وقتاً وأكثر فسحة- على أن تقوم بتلاوة القرآن، والمواظبة على الأذكار، والمحافظة على السنن الرواتب وصلاة الضحى وصلاة الليل، فإن لها من فراغها ما يعينها على ذلك بشكل أكبر.

ولا شك أن ركيزة العبادة من أهم الركائز، ولها آثارها السلوكية في حياة الفرد وفي حياة المرأة على وجه الخصوص، فالله عز وجل قد ذكر أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

وقال في شأن الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].

وقال في شأن الحج: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197].

وقال عز وجل في شأن الأضحية والفدية في الحج: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37].

وذكر في شأن الصيام أنه مفض إلى التقوى ومحقق لها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

فالعبادة تهذيب للنفس وتطهير لها من أوضارها، وغرس للفضائل فيها، وانعكاس لكثير من الخيرات والفضائل على سائر الجوارح من نظر وسمع ونطق، وممارسة بكل جارحة من الجوارح.

الحث على فضائل الأخلاق

الأصل الثالث: الحث والتشجيع على فضائل الأخلاق المتصلة بالمرأة المسلمة على وجه الخصوص.

وهذا ميدان مهم وأساس ركين فيما يتعلق بالدعوة في صفوف المسلمات، ولابد من أن يكون هناك جهد لرسم الصورة المشرقة للمرأة في المنهج الإسلامي، وبيان أنها درة مصونة محفوظة لها شخصيتها المستقلة ومشاركتها المنضبطة وحقوقها المحفوظة ورأيها المعتبر، وكل ذلك ينبغي أن يحاط بشأن الأخلاق من الحجاب والبعد عن الاختلاط والترفع عن كل ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه بعداً واجتناباً وحيطة وحذراً، فإن هذا الجانب الأخلاقي يعد من أهم الركائز أيضاً.

تقويم طرائق التفكير وترتيب سلم الأولويات

الأصل الرابع: تعديل وتقويم طرائق التفكير، وترتيب سلم الأولويات، وتوضيح المهمات وغير المهمات.

فإن الفكر والتوجه العقلي هو الذي ينبني عليه كثير من الأعمال، ونحن نعلم أن المرأة بفطرتها وطبيعتها قد تغلب عليها عاطفتها، ثم نعلم كذلك أن هناك غزواً مكثفاً لأفكار المرأة ينشأ عن هذا الغزو تلك الأنماط من الانحرافات السلوكية.

فإذا كان هناك تركيز في الدعوة النسائية على تعديل طرائق التفكير وترتيب سلم الأولويات ومعرفة المهم وغير المهم فلا شك أن صياغة هذه العقلية وتشكيلها في ضوء منهج الإسلام ومن خلال ضرب الأمثلة من سير الصحابيات والمسلمات الصالحات في تاريخ الأمة المسلمة، لا شك أن هذا سيكون له أثر كبير في التوجه النفسي، فضلاً عن أثره العظيم فيما يتعلق بالممارسة السلوكية.

ولا شك أن هذا أمر مهم جداً لابد فيه من التركيز على ضرورة تميز المرأة المسلمة ولفت نظرها إلى أن ما يشاع حولها من قضايا حرية المرأة أو شخصيتها أنه في الحقيقة مسخ لتفكيرها، فإن ما يشاع اليوم وما يمنح ويقدم للمرأة المسلمة عبر مجلات ثقافية أو نواد أدبية معظمه الأكبر يتعلق بأمور تافهة، فهو يجعل المرأة لا هم لها إلا أدوات التجميل وخطوط الموضة والأزياء، وما يتعلق بالأمور الطبية من عيادات التجميل أو شد الوجه أو غير ذلك.

وليس هذا أمراً تتميز به المرأة في عقلها وتفكيرها، بل ينبغي أن يرقى تفكيرها إلى أمور أهم، ولذلك فإن صياغة هذا الجانب من الأمور المهمة أيضاً.

التعريف بالأحكام الشرعية

الأصل الخامس: التعليم والتعريف بالأحكام الشرعية المتعلقة بالنساء على وجه الخصوص، ومعرفة دقائقها ومنافعها، والتوعية بقضايا المرأة التي تنتشر في مجتمعات المسلمين، كقضية تحديد النسل، وتأخير الزواج، وتعارض الدراسة مع الزواج، والتنبيه على موقع الأسرة في بناء المجتمع المسلم وأهميتها.

هذا التعليم والتثقيف بهذه الأحكام هو من أعظم أسس الدعوة في مجال المرأة المسلمة؛ لأنه في الوقت نفسه من أعظم أسباب غزوها وتشكيكها في دينها أو ضعف صلتها بمنهج ربها.

فلابد من رعاية هذا الجانب والتعليم لهذه الأحكام التفصيلية في نواح شتى ليس هذا مجال ذكرها.

تعرية المنكرات وبيان مفاسدها

الأصل السادس: تعرية المنكرات وبيان مفاسدها الاجتماعية وآثارها السلبية على المرأة نفسها.

فإنه لابد من أن توجه الأضواء لكشف المعايب على المنكرات التي فشت في مجتمعات المسلمين، وإظهار أن لها آثاراً سلبية تنتقص من شخصية المرأة ومن قيمتها ومن كرامتها، إضافة إلى ما يترتب عليها بعد ذلك من آثار مادية وحسية تنال من راحتها وهدوئها، بل تنال من شرفها وعفتها، بل تنال من حياتها وأمنها.

ونحن نعلم ما تلقاه المرأة التي أعرضت عن أمر الله عز وجل، سواء في مجتمعات كافرة -غربية كانت أم شرقية- أو في مجتمعات إسلامية أعرضت عن أمر الله عز وجل نرى فيها كيف كثر الاعتداء على النساء، وكيف كثرت الجرائم.

فهذه التعرية والتوعية من أهم ركائز وأسس الدعوة في صفوف النساء، ويستعان في ذلك بالإحصاءات وأحوال المجتمعات الغربية، ويركز على قضايا التبرج والاختلاط والسفر إلى الخارج، ونحو ذلك من هذه الموضوعات.

كشف مخططات الأعداء في المكر بالمرأة

الأصل السابع: كشف مخططات الأعداء واستهدافهم للمرأة المسلمة وتوفير جهودهم وتكثيفها للمكر بها.

وهذا جانب مهم، وعندما يثار من خلال دعوة النساء يكون له أثره المحمود، فإن بعض النساء تمارس كثيراً من الأخطاء وهي لا تدرك أنها تحقق مخططات الأعداء.

ولذلك -أيضاً- مجال واسع في نصوص كثيرة، وفي تجارب عملية يمكن للمرأة الداعية أن تضرب بها الأمثلة، وأن تذكر الصور الحية التي حلت ووقعت في مجتمعات المسلمين لتنبه المرأة إلى هذه المخططات.

إحياء روح المشاركة والاهتمام بأحوال المسلمين

الأصل الثامن: إحياء روح المشاركة والاهتمام بأحوال المسلمين وأوضاعهم، واستشعار الواجب نحو النصرة لهم والإصلاح لمجتمعاتهم، ومعرفة ضرورة العمل وإيجابيته وعموم متطلباته للرجل والمرأة.

فلابد من أن يكون هناك ربط للمرأة بهموم مجتمعها وأمتها المسلمة، وإذا ترسخ هذا الاهتمام فإنه بالمقابل تضمر الاهتمامات التافهة السخيفة التي ليست جديرة بأن تكون مشغلة لوقت المرأة ولا مضيعة لجهدها أو مالها.

فإن هذا الجانب عندما يسلط الضوء عليه، وعندما تذكر حقائقه، وعندما تتابع أخباره، وعندما تتجسد من خلاله المأساة المتعلقة بأحوال المسلمين وما يلقون من المعاناة والأذى والإجرام وتسلط الأعداء عليهم، ثم من خلال بيان ما وقع في هذه المجتمعات من مخالفات لشرع الله عز وجل، وتنكب عن الصراط المستقيم، وإعراض عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه الصورة تجسد عند المرأة المسلمة توجهاً نحو المشاركة، وأن تدرك أن عليها واجباً، وأنه لا يكتفى في هذه الأمور بدور الرجل وحده، بل لابد للمرأة من أن يكون لها دورها في صفوف بنات جنسها.

التركيز على رسالة المرأة في تربية الأبناء

الأصل التاسع: التركيز على الرسالة الكبرى للمرأة في بيتها وتربية أبنائها وصيانة أسرتها ورعاية زوجها.

وهذا وإن كان قد يندرج في بعض ما مضى إلا أنه مستقل بذاته؛ لأنه يشكل الركيزة المهمة لتلافي كثير من الأخطاء في المجتمع المسلم، والإعداد لتغيير إيجابي جذري مستمر في مستقبل الأمة المسلمة، كما أنه هو الركيزة التي استهدفها الأعداء واستطاعوا من خلال إخراج المرأة ومن خلال قضايا تحديد النسل وغيرها أن يزعزعوا هذا البنيان وهذه اللبنة والوحدة الأساسية، فتزعزعت كثير من أركان المجتمع.

ولذلك لابد من أن نعرف أن الأسرة ركن أساسي من أهم أهداف الدعوة في صفوف النساء.

العمل لمواجهة التيار الغربي

الأصل العاشر: ضرورة مواجهة التيار من خلال العمل والدعوة، وتشكيل رأي عام مواجه.

فلابد من أن تدرك المرأة أن عليها واجباً في العمل والدعوة إلى الله، وأن التيار الجارف في شأن المرأة المسلمة على وجه الخصوص هو تيار تغريبي يعارض ويخالف تعاليم هذا الدين.

وتدرك المرأة ذلك من خلال ضخامة هذه الموجة، فهي تعلم أن الموجة الإعلامية عبر الإذاعة المسموعة، والصورة المنظورة، والكلمة المكتوبة، والصور المطبوعة في المجلات؛ أنها كلها تشكل تياراً عنيفاً عاصفاً قوياً متعدد الوسائل عظيم الإمكانيات، لمسخ شخصية المرأة المسلمة وإبعادها عن دينها.

هذا التيار لابد من أن تستشعر المرأة، وأن تركز أثناء دعوتها على أنه لابد من مواجهة هذا التيار، ولا تمكن مواجهة هذا التيار من خلال جهد الرجال أو دعوتهم فحسب، بل لابد من أن يكون للمرأة الدور الرائد في هذا؛ لأن لها تميزاً خاصاً في هذا الميدان تتفوق فيه من ناحية التأثير على المرأة والتغيير في أعمالها وتصوراتها أكثر من الرجل، فإنها أبصر بطبيعة بنات جنسها، ولسانها أبلغ في التأثير فيهن.

فهذه أسس وأهداف الدعوة بين النساء.

الأصل الأول: إحياء العقيدة والإيمان وتصحيح ما قد يكون من الانحرافات الشائعة والبدع الذائعة في صفوف المسلمات.

ولا نشك أبداً في أن ضعف الإيمان سمة قد غلبت على كثير من المسلمين ذكوراً وإناثاً، وأن ألواناً من الانحراف قد سرت إلى مجتمعات المسلمين، ولذلك يعد هذا التصحيح وهذا التحريك والزيادة للإيمان هو أهم الأهداف والأسس والمنطلقات.

ونرى في واقعنا أن هناك أموراً تفشو وتسري بين النساء أكثر من الرجال، سيما فيما يتعلق بالمعتقدات التي تتصل بالضر والنفع، فنجد بعض النساء -سيما الكبار منهن- ربما تعتقد في الحروز أو التمائم، وقد سرى -أيضاً- بين الناس أمر خطير بدأ ينتشر ويفشو، وهو ما يتعلق بالتعلق بالسحرة أو الكهنة ونحو ذلك.

وهنا -أيضاً- صور من إفراط وتفريط متعلقة بمسائل الإيمان ينبغي مراعاتها وتصحيحها، وكذلك ما يتعلق بتقوية هذا الإيمان وزيادته وإحيائه وربطه بآثاره، فإن الإيمان ليس مجرد معرفة فحسب، وليس هو العلم المجرد، بل هو مرتبط بالعمل ارتباطاً وثيقاً، وقد جعل العمل جزءاً من الإيمان، كما في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بعض وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى من الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) أي: جزء منه لا يتجزأ.

وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة نفي الإيمان عمن لم يقم ببعض الأعمال، وذكر أهل العلم أن هذا النفي يعني نفي كمال الإيمان عمن لم يقم بمثل هذه الأعمال.

ومن أهم ما يمكن أن يعين على ذلك الترغيب والترهيب بالنسبة للمرأة على وجه الخصوص، فتأثيره فيها أكبر ووقعه على نفسها أعظم، وهذا ميدان رحب واسع وأساس مهم عظيم.

الأصل الثاني: تقوية الصلة بالله عز وجل من خلال العبادة مع رعاية تصحيحها وخلوها من الأخطاء، وتعلم أحكامها، وفهم مقاصدها، وكذلك طرائق استغلال الوقت فيما هو عائد على القلب والإيمان بالحياة والزيادة في الخير، وما هو عائد على الأجر بالزيادة عند الله سبحانه وتعالى.

فلابد من أن يكون هناك تذكير للنساء المسلمات بأن عندهن من الوقت والفراغ ما ليس عند الرجال بحكم طبيعة أعمال الرجال وانشغالهم وكثرة عوارضهم ومشكلاتهم، فالمرأة في بيتها أقدر -وربما أكثر وقتاً وأكثر فسحة- على أن تقوم بتلاوة القرآن، والمواظبة على الأذكار، والمحافظة على السنن الرواتب وصلاة الضحى وصلاة الليل، فإن لها من فراغها ما يعينها على ذلك بشكل أكبر.

ولا شك أن ركيزة العبادة من أهم الركائز، ولها آثارها السلوكية في حياة الفرد وفي حياة المرأة على وجه الخصوص، فالله عز وجل قد ذكر أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

وقال في شأن الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة:103].

وقال في شأن الحج: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197].

وقال عز وجل في شأن الأضحية والفدية في الحج: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37].

وذكر في شأن الصيام أنه مفض إلى التقوى ومحقق لها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

فالعبادة تهذيب للنفس وتطهير لها من أوضارها، وغرس للفضائل فيها، وانعكاس لكثير من الخيرات والفضائل على سائر الجوارح من نظر وسمع ونطق، وممارسة بكل جارحة من الجوارح.

الأصل الثالث: الحث والتشجيع على فضائل الأخلاق المتصلة بالمرأة المسلمة على وجه الخصوص.

وهذا ميدان مهم وأساس ركين فيما يتعلق بالدعوة في صفوف المسلمات، ولابد من أن يكون هناك جهد لرسم الصورة المشرقة للمرأة في المنهج الإسلامي، وبيان أنها درة مصونة محفوظة لها شخصيتها المستقلة ومشاركتها المنضبطة وحقوقها المحفوظة ورأيها المعتبر، وكل ذلك ينبغي أن يحاط بشأن الأخلاق من الحجاب والبعد عن الاختلاط والترفع عن كل ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه بعداً واجتناباً وحيطة وحذراً، فإن هذا الجانب الأخلاقي يعد من أهم الركائز أيضاً.

الأصل الرابع: تعديل وتقويم طرائق التفكير، وترتيب سلم الأولويات، وتوضيح المهمات وغير المهمات.

فإن الفكر والتوجه العقلي هو الذي ينبني عليه كثير من الأعمال، ونحن نعلم أن المرأة بفطرتها وطبيعتها قد تغلب عليها عاطفتها، ثم نعلم كذلك أن هناك غزواً مكثفاً لأفكار المرأة ينشأ عن هذا الغزو تلك الأنماط من الانحرافات السلوكية.

فإذا كان هناك تركيز في الدعوة النسائية على تعديل طرائق التفكير وترتيب سلم الأولويات ومعرفة المهم وغير المهم فلا شك أن صياغة هذه العقلية وتشكيلها في ضوء منهج الإسلام ومن خلال ضرب الأمثلة من سير الصحابيات والمسلمات الصالحات في تاريخ الأمة المسلمة، لا شك أن هذا سيكون له أثر كبير في التوجه النفسي، فضلاً عن أثره العظيم فيما يتعلق بالممارسة السلوكية.

ولا شك أن هذا أمر مهم جداً لابد فيه من التركيز على ضرورة تميز المرأة المسلمة ولفت نظرها إلى أن ما يشاع حولها من قضايا حرية المرأة أو شخصيتها أنه في الحقيقة مسخ لتفكيرها، فإن ما يشاع اليوم وما يمنح ويقدم للمرأة المسلمة عبر مجلات ثقافية أو نواد أدبية معظمه الأكبر يتعلق بأمور تافهة، فهو يجعل المرأة لا هم لها إلا أدوات التجميل وخطوط الموضة والأزياء، وما يتعلق بالأمور الطبية من عيادات التجميل أو شد الوجه أو غير ذلك.

وليس هذا أمراً تتميز به المرأة في عقلها وتفكيرها، بل ينبغي أن يرقى تفكيرها إلى أمور أهم، ولذلك فإن صياغة هذا الجانب من الأمور المهمة أيضاً.

الأصل الخامس: التعليم والتعريف بالأحكام الشرعية المتعلقة بالنساء على وجه الخصوص، ومعرفة دقائقها ومنافعها، والتوعية بقضايا المرأة التي تنتشر في مجتمعات المسلمين، كقضية تحديد النسل، وتأخير الزواج، وتعارض الدراسة مع الزواج، والتنبيه على موقع الأسرة في بناء المجتمع المسلم وأهميتها.

هذا التعليم والتثقيف بهذه الأحكام هو من أعظم أسس الدعوة في مجال المرأة المسلمة؛ لأنه في الوقت نفسه من أعظم أسباب غزوها وتشكيكها في دينها أو ضعف صلتها بمنهج ربها.

فلابد من رعاية هذا الجانب والتعليم لهذه الأحكام التفصيلية في نواح شتى ليس هذا مجال ذكرها.