الحسد الوقاية والعلاج [2]


الحلقة مفرغة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمعان في النار: مسلم قتل كافراً ثم سدد وقارب، ولا يجتمعان في جوف مؤمن: غبار في سبيل الله وفيح جهنم، ولا يجتمعان في قلب عبد: الإيمان والحسد) رواه الإمام أحمد في مسنده والنسائي في سننه، والحاكم في المستدرك، وصححه الألباني . قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمعان في النار) هذا خبر لمحذوف، والمقصود: شيئان لا يجتمعان، أو يكون على لغة من يقول: أكلوني البراغيث، فتقدم الضمير أولاً، ولم يسبقه الاسم الظاهر، فتقول: أكلوني البراغيث، فتقدم الفعل متصلاً بالضمير وبعده الاسم الظاهر، وكذلك هنا: (لا يجتمعان) قدم ضمير المثنى قبل ذكر هذين الأمرين: (لا يجتمعان في النار: مسلم قتل كافراً ثم سدد وقارب) فهنا لم يذكر سوى شيء واحد، ولم يذكر شيئين. فيكون المقصود: شيئان لا يجتمعان معاً في النار: مسلم قتل كافراً مع الكافر الذي قتله، فهذان لا يجتمعان في مكان واحد من العذاب وهو النار. وقوله: (ثم سدد وقارب) يعني أن المسلم الذي قتل كافراً لا يجتمع مع الكافر الذي قتله في النار، لكن هذا بشرط أن يثبت المسلم إلى الممات على الإسلام والاستقامة. وقوله: (ولا يجتمعان في جوف مؤمن: غبار في سبيل الله وفيح جهنم) أي: لا يجتمع غبار الخيل إذا خرج المجاهد في سبيل الله وفيح جهنم، في أنف المؤمن. ومعنى: (فيح جهنم) انتشارها، فالمقصود هنا في الحديث: (غبار في سبيل الله وفيح جهنم) أي: الأثر الذي يحدثه فيح جهنم من الحرارة، فهذان لا يجتمعان في جوف مؤمن. وقوله: (ولا يجتمعان في قلب عبد: الإيمان والحسد) والإيمان والحسد نقيضان لا يتواجدان معاً في مكان واحد، فإذا وجد الإيمان لا يقارنه الحسد، وإذا وجد الحسد لا يقارنه الإيمان. وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بالحسد، وبيَّن أنهما لا يجتمعان في قلب المؤمن، وهذا فيه تقبيح للحسد، وبيان أنه لا ينبغي للمؤمن أن يحسد، فإنه ليس من خلق المؤمن ولا من خصاله أن يحسد غيره، ويتمنى زوال نعمته، فالمقصود: أنه يحرم على المؤمن أن يحسد غيره. ويحتمل أن يقصد بالإيمان هنا: الإيمان الكامل، فإن الحسد ينقص الإيمان.

الحسد من أخلاق الكفار واليهود

وقد بين الله سبحانه وتعالى هذا التناقض بين خلق الحسد وبين صفة الإيمان، فبين في كثير من آيات القرآن أن الحسد من أخلاق الكفار، كما بين رسوله صلى الله عليه وسلم أن الحسد لا يجامع الإيمان، فقال سبحانه وتعالى في شأن المشركين: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109]، وقال تعالى: (( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )) إذاً: الحسد خلق من أخلاق الكفار من أهل الكتاب، حسدوا المؤمنين على أعظم نعمة وهي: نعمة الإيمان، ونعمة الإسلام، وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109].

أيضاً: الحسد من أخلاق المشركين، قال الله عز وجل: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54] قال المفسرون: المقصود بالناس هنا هذا عام أريد به خصوص النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك كما في قوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران:173].

فالمقصود بالناس في قوله: (الذين قال لهم الناس) نعيم بن مسعود فهنا كذلك: (( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ )) بل أيحسدون محمداً صلى الله عليه وسلم على ما آتاهم الله من فضله؟ أي: من نعمة الوحي والرسالة، وفي الحديث: (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين) رواه الإمام أحمد وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها.

إذاً: الحسد أيضاً من أخلاق اليهود، والحسد كذلك من أخلاق المنافقين، فقد قال الله عز وجل في شأنهم: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، وقال عز وجل: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ [التوبة:50].

فهذا كله يؤيد هذا المعنى الذي ورد في آخر الحديث: (ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد)، فيوجد الحسد لكن مع الكفر، سواء كفر المشركين أو كفر أهل الكتاب أو كفر المنافقين والعياذ بالله، أما المؤمن فليس من خلقه أن يحسد عباد الله سبحانه وتعالى، بتعبير آخر نستطيع أن نقول: المؤمن الكامل لا يحسد، فمن وقع منه الحسد فقد وقع في محرم حرمه الله سبحانه وتعالى عليه.

قيل للحسن البصري : يا أبا سعيد ! هل يحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك بني يعقوب لا أبا لك! حيث حسدوا يوسف، ولكن غم الحسد في صدرك، فإنه لا يضرك ما لم يعدو لسانك، وتعمل به يدك.

يعني: إذا وجد الإنسان شيئاً من هذا فليجاهد نفسه، فإنه ليس محرماً عليه في هذه الحالة، فإن هذا من جهاد النفس، إذا راودته نفسه على الحسد، وتمني زوال النعمة عن أخيه المؤمن، فعليه ألا يستسلم لذلك، ولا يسترسل ويجاهد نفسه، فيقع في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه). قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وتأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله: (( إِذَا حَسَدَ )) والآن نحن دخلنا من الحديث في تفسير الآية الأخيرة من سورة الفلق، بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:2] * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3] * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5] هذا هو المستعاذ به الأخير في هذه السورة، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5].

فقيد الله سبحانه وتعالى شر الحاسد بقوله: (( إِذَا حَسَدَ ))؛ لأن الحاسد قبل توجهه إلى المحسود بالحسد لا يتأتى منه شر، فلا محل للاستعاذة منه، لكن يستعاذ منه متى؟ (( إِذَا حَسَدَ ))؛ لأنه ربما يكون إنساناً متصفاً بهذه الصفة، لكنها كامنة فيه فلا تخرج، ولا يصدر منه هذا الحسد إلا إذا توجه نحو المحسود، فيقع حينئذ الحسد، ومن ثم قال الله تعالى: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5] يعني: حال حسده لغيره.

ولهذا أيضاً: نفس العقد لم يقل الله سبحانه وتعالى: (ومن شر ساحر إذا سحر)، لكن قال: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4]؛ لأن النفث في العقد هو عين السحر، ونفس ممارسة السحر يكون بالنفث في العقد، فتكون الاستعاذة واقعة موقعها عند سحره الواقع منه بنفثه الحاسد منه في العقد، أما في الحسد فقال: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5].

فالرجل قد يكون عنده حسد، ولكنه يخفيه، ولا يرتب عليه أذى بوجه ما لا بقلبه ولا بلسانه، ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئاً من ذلك، قد يجد في قلبه تمني زوال نعمة الغير، لكنه لا يسترسل مع هذا التمني، ولا يعامل أخاه المسلم بما لا يحبه الله، فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا من عصمه الله سبحانه وتعالى، فالقوة الكامنة في قلبه قد تنبعث إذا نشطها واسترسل معها.

لكن إذا وجدت هذه القوة بأي نوع من الشرور في قلب الإنسان، فإنها تمنيه لأي شيء من الحرام، لكنه لا يسترسل معها، وإنما يجاهد نفسه ويحبسها، ولا يطيعها ولا يأتمر لها، بل يعصي هواه طاعة لله، وخوفاً وحياءً من الله، وإجلالاً له سبحانه وتعالى أن يفرغ نعمه على عباده، فيرى ذلك مخالفة لله، يرى أنه لو وقع في حسد أخيه فهذه معصية ومخالفة لله، وبغض لما يحبه الله، ومحبة لما يبغضه الله، فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك، ويلزمها بالدعاء للمحسود، وتمني زيادة الخير له، بخلاف إذا حقق ذلك وحسد، فرتب على حسده مقتضاه من الأذى بالقلب واللسان والجوارح، فهذا هو الحسد المذموم، وهذا كله حسد تمني الزوال.

قال الألوسي : الحسد الغريزي الجبلي إذا لم يعمل بمقتضاه من الأذى مطلقاً، بل عامل المتصف به أخاه بما يحب الله تعالى مجاهداً نفسه، لا إثم فيه، بل يثاب صاحبه على جهاد نفسه، وحب معاملته أخاه ثواباً عظيماً؛ لما في ذلك من مشقة مخالفة الطبع كما لا يخفى، أيضاً: هذا هو المقصود، أنه إذا وجد الإنسان شيئاً من ذلك، فلا يطيع هواه، ولكن يجاهد نفسه.

هذا هو الحد الذي يمكن أن يقع من المؤمن، لكنه يطرده من قلبه، ويشفق لأخيه، ولا يقع في تمني زوال نعمة الله سبحانه وتعالى عليه.

إذاً بينا أن الحسد حرام على المؤمن كما ستأتي الأدلة أيضاً مفصلة على ذلك، بل من العلماء من عده من كبائر القلب، وكبائر القلب أشد وأخطر وأعظم من كبائر الجوارح، فلماذا يحرم الحسد على المؤمن؟ لأننا كما نرى هنا نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان الكامل عن الذي يحسد، فقال: (ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد).

فهذا مما يدل على وجوب تنقية المؤمن قلبه من أن يجامع إيمانه الحسد.

وقد بين الله سبحانه وتعالى هذا التناقض بين خلق الحسد وبين صفة الإيمان، فبين في كثير من آيات القرآن أن الحسد من أخلاق الكفار، كما بين رسوله صلى الله عليه وسلم أن الحسد لا يجامع الإيمان، فقال سبحانه وتعالى في شأن المشركين: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109]، وقال تعالى: (( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ )) إذاً: الحسد خلق من أخلاق الكفار من أهل الكتاب، حسدوا المؤمنين على أعظم نعمة وهي: نعمة الإيمان، ونعمة الإسلام، وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109].

أيضاً: الحسد من أخلاق المشركين، قال الله عز وجل: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54] قال المفسرون: المقصود بالناس هنا هذا عام أريد به خصوص النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك كما في قوله تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران:173].

فالمقصود بالناس في قوله: (الذين قال لهم الناس) نعيم بن مسعود فهنا كذلك: (( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ )) بل أيحسدون محمداً صلى الله عليه وسلم على ما آتاهم الله من فضله؟ أي: من نعمة الوحي والرسالة، وفي الحديث: (ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين) رواه الإمام أحمد وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها.

إذاً: الحسد أيضاً من أخلاق اليهود، والحسد كذلك من أخلاق المنافقين، فقد قال الله عز وجل في شأنهم: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً [النساء:89]، وقال عز وجل: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ [التوبة:50].

فهذا كله يؤيد هذا المعنى الذي ورد في آخر الحديث: (ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد)، فيوجد الحسد لكن مع الكفر، سواء كفر المشركين أو كفر أهل الكتاب أو كفر المنافقين والعياذ بالله، أما المؤمن فليس من خلقه أن يحسد عباد الله سبحانه وتعالى، بتعبير آخر نستطيع أن نقول: المؤمن الكامل لا يحسد، فمن وقع منه الحسد فقد وقع في محرم حرمه الله سبحانه وتعالى عليه.

قيل للحسن البصري : يا أبا سعيد ! هل يحسد المؤمن؟ قال: ما أنساك بني يعقوب لا أبا لك! حيث حسدوا يوسف، ولكن غم الحسد في صدرك، فإنه لا يضرك ما لم يعدو لسانك، وتعمل به يدك.

يعني: إذا وجد الإنسان شيئاً من هذا فليجاهد نفسه، فإنه ليس محرماً عليه في هذه الحالة، فإن هذا من جهاد النفس، إذا راودته نفسه على الحسد، وتمني زوال النعمة عن أخيه المؤمن، فعليه ألا يستسلم لذلك، ولا يسترسل ويجاهد نفسه، فيقع في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه). قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وتأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله: (( إِذَا حَسَدَ )) والآن نحن دخلنا من الحديث في تفسير الآية الأخيرة من سورة الفلق، بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:2] * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3] * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5] هذا هو المستعاذ به الأخير في هذه السورة، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5].

فقيد الله سبحانه وتعالى شر الحاسد بقوله: (( إِذَا حَسَدَ ))؛ لأن الحاسد قبل توجهه إلى المحسود بالحسد لا يتأتى منه شر، فلا محل للاستعاذة منه، لكن يستعاذ منه متى؟ (( إِذَا حَسَدَ ))؛ لأنه ربما يكون إنساناً متصفاً بهذه الصفة، لكنها كامنة فيه فلا تخرج، ولا يصدر منه هذا الحسد إلا إذا توجه نحو المحسود، فيقع حينئذ الحسد، ومن ثم قال الله تعالى: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5] يعني: حال حسده لغيره.

ولهذا أيضاً: نفس العقد لم يقل الله سبحانه وتعالى: (ومن شر ساحر إذا سحر)، لكن قال: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4]؛ لأن النفث في العقد هو عين السحر، ونفس ممارسة السحر يكون بالنفث في العقد، فتكون الاستعاذة واقعة موقعها عند سحره الواقع منه بنفثه الحاسد منه في العقد، أما في الحسد فقال: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5].

فالرجل قد يكون عنده حسد، ولكنه يخفيه، ولا يرتب عليه أذى بوجه ما لا بقلبه ولا بلسانه، ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئاً من ذلك، قد يجد في قلبه تمني زوال نعمة الغير، لكنه لا يسترسل مع هذا التمني، ولا يعامل أخاه المسلم بما لا يحبه الله، فهذا لا يكاد يخلو منه أحد إلا من عصمه الله سبحانه وتعالى، فالقوة الكامنة في قلبه قد تنبعث إذا نشطها واسترسل معها.

لكن إذا وجدت هذه القوة بأي نوع من الشرور في قلب الإنسان، فإنها تمنيه لأي شيء من الحرام، لكنه لا يسترسل معها، وإنما يجاهد نفسه ويحبسها، ولا يطيعها ولا يأتمر لها، بل يعصي هواه طاعة لله، وخوفاً وحياءً من الله، وإجلالاً له سبحانه وتعالى أن يفرغ نعمه على عباده، فيرى ذلك مخالفة لله، يرى أنه لو وقع في حسد أخيه فهذه معصية ومخالفة لله، وبغض لما يحبه الله، ومحبة لما يبغضه الله، فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك، ويلزمها بالدعاء للمحسود، وتمني زيادة الخير له، بخلاف إذا حقق ذلك وحسد، فرتب على حسده مقتضاه من الأذى بالقلب واللسان والجوارح، فهذا هو الحسد المذموم، وهذا كله حسد تمني الزوال.

قال الألوسي : الحسد الغريزي الجبلي إذا لم يعمل بمقتضاه من الأذى مطلقاً، بل عامل المتصف به أخاه بما يحب الله تعالى مجاهداً نفسه، لا إثم فيه، بل يثاب صاحبه على جهاد نفسه، وحب معاملته أخاه ثواباً عظيماً؛ لما في ذلك من مشقة مخالفة الطبع كما لا يخفى، أيضاً: هذا هو المقصود، أنه إذا وجد الإنسان شيئاً من ذلك، فلا يطيع هواه، ولكن يجاهد نفسه.

هذا هو الحد الذي يمكن أن يقع من المؤمن، لكنه يطرده من قلبه، ويشفق لأخيه، ولا يقع في تمني زوال نعمة الله سبحانه وتعالى عليه.

إذاً بينا أن الحسد حرام على المؤمن كما ستأتي الأدلة أيضاً مفصلة على ذلك، بل من العلماء من عده من كبائر القلب، وكبائر القلب أشد وأخطر وأعظم من كبائر الجوارح، فلماذا يحرم الحسد على المؤمن؟ لأننا كما نرى هنا نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان الكامل عن الذي يحسد، فقال: (ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد).

فهذا مما يدل على وجوب تنقية المؤمن قلبه من أن يجامع إيمانه الحسد.

وعن أنس رضي الله عنه قال: (كنا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة، قال: فطلع رجل من الأنصار ينفض لحيته من وضوئه، قد علق نعليه في يده الشمال فسلم، فلما كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل، وقاله في اليوم الثالث، فطلع ذلك الرجل، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال له: إني لاحيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت). فأوهمه ربما بنوع من التعريض أنه وقع شيء بينه وبين أبيه عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأنه لأجل ذلك لا يريد أن يبيت في البيت ثلاث ليالٍ، ويريد أن يستأذنه أن يبيت عند هذا الرجل الأنصاري الذي أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه من أهل الجنة، فقال: (إني لا حيت أبي فأقسمت ألا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي الثلاث فعلت، فقال: نعم، فبات عنده ثلاث ليالٍ، فلم يره يقوم من الليل شيئاً). انظر حرص الصحابة رضي الله عنهم على التأسي والتسابق في الخيرات، فأراد أن يعرف بما استحق هذا الرجل أن يكون من أهل الجنة، وأراد أن يراقبه ربما يجتهد في العبادة اجتهاداً منقطع النظير. (فبات عنده ثلاث ليالٍ، فلم يره يقوم من الليل شيئاً، غير أنه كان إذا انقلب على فراشه ذكر الله تعالى، ولم يقم حتى يقوم لصلاة الفجر، قال: غير أني ما سمعته يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله! لم يكن بيني وبين والدي غضب ولا هجرة، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، فأردت أن أعرف عملك، فلم أرك تعمل عملاً كثيراً، فما الذي بلغ بك ذلك؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت -يعني: ليس لي عمل إلا ما رأيت- فلما وليت دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشاً ولا حسداً على خير أعطاه الله إياه، قال عبد الله : فقلت له: هي التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق). إذاً: هنا لم يحتقر عمله في هذه اللحظة، لأنه طهر قلبه من الغل والغش والحسد لإخوانه المؤمنين، ولذا قال: (فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد على أحد من المسلمين في نفسي غشاً ولا حسداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله : فقلت له: هي التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق) رواه الإمام أحمد بسند صحيح على شرط الشيخين ورواه البزار .

حديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)

كذلك من النصوص التي وردت، والتي تبين تنافي خلق الإيمان مع خلق الحسد، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

فإذاً: نفى الإيمان عن الشخص الذي لا يحب لأخيه مثلما يحب لنفسه من الخير، فما بالك بمن يحب أن يزول الخير عن أخيه المؤمن، هل هذا يكون فيه إيمان؟ إذاً: هذا ينافي صفة الإيمان (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

ربما بعض الناس يفهم أنه لا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه، أي شيء يحبه، يعني: يحب لنفسه أن يكون عنده مثلاً جهاز خبيث مثل الفيديو فيحمل الحديث (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) على هذا، كلا، ولذلك جاءت رواية أخرى تبين المقصود وهي: (من الخير)، أما هذا فشر محض، ففسر الإشكال الحديث الآخر: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير).

حديث: (لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا..)

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا) يعني: ولا تتحاسدوا، وهذا نهي عن التحاسد (وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام). رواه الإمام أحمد والشيخان وأبو داود .

حديث: (أهل الجنة ثلاثة..)

وعن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه مرفوعاً: (وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال) رواه مسلم . والشاهد منه: قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم)، فالحسد لا يمكن أن يجتمع مع الرحمة، ورقة القلب على ذوي القربى والمسلمين، وهذا أيضاً يؤكد أن الإيمان لا يجامع الحسد.

حديث: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا..)

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه) متفق عليه.

حديث: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم..)

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) متفق عليه. فهل يمكن أن يتصور أن هؤلاء المؤمنين الذين هم مثلهم كمثل البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضاً أن من أخلاقهم أن يتحاسدوا أو يتمنى أحدهم زوال نعمة الله عن أخيه؟ هذا لا يتصور أبداً بالمؤمن.

حديث: (من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا..)

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل) يعني: من مشى في داخل المساجد، أو في الأسواق التي فيها زحام المؤمنين، والنبل: هي السهام، والسهم يطلق على السهم كله، والنبل يطلق على الحديدة المدببة التي تكون في رأس السهم، قال: (من مر في شيء من مساجدنا، أو أسواقنا، ومعه نبل - أي: سهام - فليمسك أو يقبض على نصالها بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء) متفق عليه. فانظر إلى كلام الله العظيم حين قال في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]. فيأمرنا بالحرص على مصلحة المسلم، وحمايته من كل سوء، لا بتمني زوال النعمة عنه؛ لأن هذا ينافي الإيمان، وانظر إلى شدة احتياط النبي صلى الله عليه وسلم في حماية المسلمين من الأذى، وقد جاء أيضاً في الحديث الآخر: (نح الأذى عن طريق المسلمين) فهذا النصح لمجرد السهم إذا مشى الإنسان به مكشوفاً، فربما أصاب أحداً من المسلمين في الزحام في المسجد أو في السوق، ولذلك أمره أن يضع يده على نصالها حتى لا يصيب أحداً من المسلمين، فمن أراد أذية المسلمين فليس من أخلاق الإسلام في شيء، ولا من الولاء للمؤمنين في شيء، وآية ذلك ما فعله هؤلاء الروافض عليهم من الله ما يستحقون من أذية المؤمنين والمسلمين في الحرم، وتحطيم وحدة المسلمين بدعوى مظاهرة من أجل الوحدة، وهم أبغض الناس لأهل السنة، يبغضون صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وطاماتهم وضلالاتهم معروفة. وطالما حذرنا من خطر هؤلاء الذين يحملون أحقاداً متراكمة عبر قرون على أهل الإسلام، ولا يصبرون عن إظهار هذا الحقد بأي صورة من الصور. والمقصود: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتاط لحرمة المسلمين احتياطات عظيمة منها هذا الأدب الذي علمنا إياه في هذا الحديث: (من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا ومعه نبل فليمسك أو ليقبض على نصالها بكفه؛ أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء).

حديث: (من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله..)

عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم) رواه مسلم . فهو يبين حرمة المسلم، ووجوب حماية المسلم من أي أذى، خاصة المسلم الذي يستقيم، ويذكر الله غدواً وعشياً كما جاء في هذا الحديث: (من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله) أي: في أمان الله وعهده، وصلاة الصبح تستلزم المحافظة على سائر الصلوات. فالمقصود: أن الذي يحافظ على الصلوات الخمس يكون في حماية الله، وفي أمان الله، وفي عهد الله، فحذارِ من أذية من هو في جوار الله، واحذروا أن تؤذوا الشخص الذي يصلي صلاة الصبح وما عداها من الصلوات؛ فإنه في ضمان الله، وفي رعاية الله وحمايته. وقوله: (فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء) يعني: لا يؤذي أحد منكم أحداً من هؤلاء الذين هم في جوار الله وحمايته. وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه...) إلى آخر الحديث المتفق عليه.

كذلك من النصوص التي وردت، والتي تبين تنافي خلق الإيمان مع خلق الحسد، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

فإذاً: نفى الإيمان عن الشخص الذي لا يحب لأخيه مثلما يحب لنفسه من الخير، فما بالك بمن يحب أن يزول الخير عن أخيه المؤمن، هل هذا يكون فيه إيمان؟ إذاً: هذا ينافي صفة الإيمان (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

ربما بعض الناس يفهم أنه لا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه، أي شيء يحبه، يعني: يحب لنفسه أن يكون عنده مثلاً جهاز خبيث مثل الفيديو فيحمل الحديث (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) على هذا، كلا، ولذلك جاءت رواية أخرى تبين المقصود وهي: (من الخير)، أما هذا فشر محض، ففسر الإشكال الحديث الآخر: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير).

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا) يعني: ولا تتحاسدوا، وهذا نهي عن التحاسد (وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام). رواه الإمام أحمد والشيخان وأبو داود .

وعن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه مرفوعاً: (وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال) رواه مسلم . والشاهد منه: قوله صلى الله عليه وسلم: (ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم)، فالحسد لا يمكن أن يجتمع مع الرحمة، ورقة القلب على ذوي القربى والمسلمين، وهذا أيضاً يؤكد أن الإيمان لا يجامع الحسد.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
قصتنا مع اليهود 2628 استماع
دعوى الجاهلية 2564 استماع
شروط الحجاب الشرعي 2562 استماع
التجديد في الإسلام 2514 استماع
تكفير المعين وتكفير الجنس 2505 استماع
محنة فلسطين [2] 2468 استماع
انتحار أم استشهاد 2439 استماع
الموت خاتمتك أيها الإنسان 2409 استماع
تفسير آية الكرسي 2404 استماع
وإن عدتم عدنا 2397 استماع