تفسير سورة النساء [127-134]


الحلقة مفرغة

قال تعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا [النساء:127]. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية وهي قوله: فِي يَتَامَى النِّسَاءِ ، قال: (كان الرجل في الجاهلية تكون عنده اليتيمة فيلقي عليها ثوبه، فإذا فعل ذلك لم يقدر أحد أن يتزوجها أبداً، فإن كانت جميلة وهويها تزوجها وأكل مالها، وإن كانت دميمة منعها الرجال أبداً حتى تموت، فإذا ماتت ورثها، فحرم الله ذلك ونهى عنه). هذا فيما يتعلق بقوله تبارك وتعالى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ [النساء:127]). قوله: ((ويستفتونك في النساء)) أي: يطلبون منك الفتوى في شأن النساء عامة، فبين تعالى أن ما لم ينزل حكمه ويبين فسيأتي فيما بعد: (( قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ )) يعني: ويفتيكم أيضاً فيما قد سبق تبيينه من الأحكام. (( فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ )) من المهر أو الميراث. (( وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ )) وترغبون عن أن تنكحوهن. ثم قال تعالى: (( وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ )) هذا عطف على يتامى النساء، إذا قلنا: إنه عطف على يتامى النساء يكون المعنى صحيحاً، ( وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء ) وما يتلى عليكم أيضاً في حق المستضعفين من الولدان، وهو قوله تبارك وتعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ... [النساء:11] إلى آخره، وقد كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء، فكما كانوا يحرمون النساء من الميراث كانوا أيضاً يحرمون المستضعفين من الولدان، وإنما يورثون الرجال القوام. قال ابن عباس في الآية: (كانوا في الجاهلية لا يورثون الصغار ولا البنات، وذلك قوله تعالى: (( لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ ))، فنهى الله عن ذلك، وبين لكل ذي سهم سهمه، فقال عز وجل: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]). أتت صفة الذكر والأنثى عامة، يعني: سواء كان الولد ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً، فللذكر عموماً صغيراً أو كبيراً مثل حظ الأنثيين. وكذا قال سعيد بن جبير. فهذا معنى قوله: ( والمستضعفين من الولدان ) يعني: وما يتلى عليكم في المستضعفين من الولدان. وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ ، (وأن تقوموا لليتامى) بالجر عطف على ما قبله، يعني: وما يتلى في حق هؤلاء اليتامى كما في قوله تعالى: وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء:2]، فهذا هو ما يتلى علينا في شأن اليتامى، وأمرنا أن نقوم بحقهم بالقسط، ونحو ذلك مما لا يكاد يحصر في الأمر برعاية حق اليتامى. قال سعيد بن جبير : كما أنها إذا كانت ذات جمال ومال نكحتها واستأثرت بها، كذلك إذا لم تكن ذات مال وجمال فانكحها واستأثر بها. والخطاب هنا للولاة أو للأولياء.

الأحكام المستنبطة من قوله تعالى: (ويستفتونك في النساء..)

واستنبط من هذه الآية أحكام منها: جواز نكاح الصغيرة؛ لأن اليتيم هو الصغير الذي لم يبلغ. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتم بعد احتلام)، رواه أبو داود . وعن الأصم أراد البوالغ قبل التزوج، يعني: ذهب الأصم إلى أن تسمية المرأة باليتيمة باعتبار ما كان، وأن المقصود باليتيمة البالغة وليست الصغيرة؛ وذلك لقوله تبارك وتعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]. المقصود باليتامى هنا: الذين كانوا يتامى إلى عهد قريب، لكن لشدة قرب العهد باليتم بقي عليهم وصف اليتامى، فسماهن باليتم لقرب عهدهن باليتم. والأول أظهر؛ لأنه الحقيقة. وقالوا أيضاً: مما يدل على أن المقصود باليتيمة البالغة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها)، رواه أهل السنن. قالوا: والاستئمار لا يكون إلا من البالغة. وقد ورد قول الشاعر: إن القبور تنكح الأيامى النسوة الأرامل اليتامى يعني: هذه شواهد تدل على أن كلمة اليتامى قد تطلق على النساء الكبار البوالغ. فسمى البالغات يتامى لانفرادهن عن الأزواج، وكل شيء منفرد لا نظير له يقال له: يتيم، كما تقول: الدرة اليتيمة يعني: التي لا ثانية لها، وهذه المسألة فيها أقوال للعلماء ونكتفي بما أشرنا إليه.

واستنبط من هذه الآية أحكام منها: جواز نكاح الصغيرة؛ لأن اليتيم هو الصغير الذي لم يبلغ. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يتم بعد احتلام)، رواه أبو داود . وعن الأصم أراد البوالغ قبل التزوج، يعني: ذهب الأصم إلى أن تسمية المرأة باليتيمة باعتبار ما كان، وأن المقصود باليتيمة البالغة وليست الصغيرة؛ وذلك لقوله تبارك وتعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]. المقصود باليتامى هنا: الذين كانوا يتامى إلى عهد قريب، لكن لشدة قرب العهد باليتم بقي عليهم وصف اليتامى، فسماهن باليتم لقرب عهدهن باليتم. والأول أظهر؛ لأنه الحقيقة. وقالوا أيضاً: مما يدل على أن المقصود باليتيمة البالغة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت فلا جواز عليها)، رواه أهل السنن. قالوا: والاستئمار لا يكون إلا من البالغة. وقد ورد قول الشاعر: إن القبور تنكح الأيامى النسوة الأرامل اليتامى يعني: هذه شواهد تدل على أن كلمة اليتامى قد تطلق على النساء الكبار البوالغ. فسمى البالغات يتامى لانفرادهن عن الأزواج، وكل شيء منفرد لا نظير له يقال له: يتيم، كما تقول: الدرة اليتيمة يعني: التي لا ثانية لها، وهذه المسألة فيها أقوال للعلماء ونكتفي بما أشرنا إليه.

قال تبارك وتعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:128]. ( وإن امرأة ) امرأة اسم مرفوع بفعل يفسره قوله تعالى: ( خافت ) يعني: إن خافت امرأة. ( وإن امرأة خافت ) يعني: توقعت. ( من بعلها ) يعني: من زوجها. ( نشوزاً ) يعني: ترفعاً عليها بترك مضاجعتها، والتقصير في نفقتها؛ لبغضها وطموح عينه إلى أجمل منها. ( أو إعراضاً ) أي: أو إعراضاً عنها بوجهه. ( فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً ) وفي قراءة ( أن يصّالحا بينهما صلحاً ) وأصلها أن يتصالحا، فأدغمت التاء في الصاد وشددت فصارت (أن يصّالحا بينهما صلحاً). ( بينهما صلحاً ) في القسم والنفقة، يعني: في المبيت وفي النفقة. هذا الصلح يكون فيه نوع من التنازل من جانب المرأة كي تبقى زوجة له، وتضحي ببعض حقوقها عليه كي لا يطلقها ويعدل إلى غيرها. فتترك له شيئاً طلباً لبقاء الصحبة، فإن رضيت بذلك وإلا فعلى الزوج أن يوفيها حقها أو يفارقها. إما أنها ترضى بهذا الصلح الذي فيه التنازل عن بعض حقوقها، فإن لم ترض بذلك فعليه أن يوفيها حقها كاملاً أو يفارقها. ( والصلح خير ) (خير) هنا أفعل تفضيل، يعني: والصلح خير من الفرقة والنشوز والإعراض. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز. قال تعالى في بيان ما جبل عليه الإنسان: وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ، يعني: شدة البخل، فهي جبلت عليه فكأنها حاضرة لا تغيب عنه، وكأن الشح صفة لازمة للإنسان أو للنفس البشرية، فهذا تعبير عن شدة لصوق هذه الصفة بالإنسان. والمعنى: أن المرأة لا تكاد تسمح بنصيبها من زوجها بسبب وجود هذا الشح، فلا تكاد أبداً تسمح بنصيبها من زوجها، كذلك الرجل لا يكاد يسمح لها بنفسه إذا أحب غيرها. ( وإن تحسنوا ) أي: عشرة النساء. ( وتتقوا ) أي: تتقوا الجور عليهن. ( فإن الله كان بما تعملون خبيراً ) يعني: فيجازيكم به.

أقوال المفسرين في تفسير النشوز والإعراض والصلح بين الزوجين

يقول القاسمي رحمه الله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا أي: زوجها. ( نشوزاً ) أي: تجافياً عنها وترفعاً عن صحبتها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها. ( أو إعراضاً ) أي: إعراضاً عنها بوجهه، أو أن يقل محادثتها ومجالستها كراهة لها، أو لطموح عينه إلى أجمل منها. ( فلا جناح عليهما ) يعني: حينئذ لا حرج عليهما. (أن يصلحا بينهما صلحاً) يعني: أن يحصل نوع من الصلح بينهما بحط شيء من المهر أو النفقة، فتحط هي عنه إن كان لها مؤخر صداق، وتصالحه على أنها تخفف له أو تسامحه بقدر منه، أو تعفو عنه في قدر من المهر أو النفقة، أو تهبه شيئاً من مالها من أجل الإصلاح، أو تضحي ببعض الوقت المخصص لها طلباً لبقاء الصحبة، لكن بشرط أن يكون ذلك عن رضاً وطواعية منها، وإلا إن لم يكن رضاً فعلى الزوج أن يوفيها حقها إذا استبقاها، أو يفارقها إذا لم تقبل ذلك الصلح. قال في الإكليل: الآية أصل في هبة الزوجة حقها من القسم وغيره. استدل به من أجاز لها بيع ذلك. ( والصلح خير ) أي: من الفرقة والنشوز والإعراض. وعامة الناس يستدلون على كراهة الطلاق بالحديث الضعيف المشهور: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويغني عنه ما في القرآن من مواطن يستنبط منها كراهة الطلاق كهذه الآية: (( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )) الصلح خير من النشوز وخير من الإعراض وخير من الطلاق وخير من الفرقة، فهذا يفيد ضمناً كراهة الطلاق، كذلك مما يفيد كراهة الطلاق قوله تعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، هذا حث على إمساكها وعدم طلاقها. قال ابن كثير : بل الطلاق بغيض إليه سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وسبق أن أشرنا إلى ضعف هذا الحديث. وفي هذه الآية حث الزوج على الصبر على الزوجة حتى لو كره صحبتها، وأن الأفضل له أن يصبر والصلح خير من الفرقة، وخير من سوء العشرة، وخير من الخصومة، أو خير من الطلاق والفرقة، وقد كان من كرم أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يكرم صواحب خديجة بعد موتها، فانظر إلى حسن العشرة كيف يمتد إلى ما بعد وفات أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وكان عليه الصلاة والسلام يكرم كل من كانت تحب خديجة أو تقربه منها، حتى إن صواحبها من النساء كان عليه الصلاة والسلام يكرمهن بعد موتها رضي الله تعالى عنها. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وقد هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها). (هلكت) بمعنى: ماتت. قال عز وجل: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ [غافر:34]، أي: حتى إذا مات، وقال تعالى: امْرُؤٌ هَلَكَ [النساء:176]، أي: مات. فـعائشة رضي الله تعالى عنها لما كانت تسمع النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم يذكر خديجة بعد موتها كانت تغار هذه الغيرة من كثرة ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكرها بالخير ويثني عليها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في صدائق خديجة وصواحب خديجة رضي الله تعالى عنها من الشاة قدراً يكفيهن وينفعهن. وعنها أيضاً رضي الله عنها قالت: (ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، قالت: وتزوجني بعدها بثلاث سنين، وأمره ربه عز وجل أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها)، مع أنها لم ترها لكن كانت تغار منها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له في بعض الأحيان: (كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها الولد)، فيذكر مناقبها فيقول: كانت كذا وكانت كذا وكانت كذا، وكان لي منها الولد. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه)، وهذا فيه لزوم وثبات على الإحسان لمن كان له أدنى صلة ممن يحبه من أب أو زوج أو غير ذلك، وفي هذا ما لا يحصر من المحاسن والفضائل. والصلح فيه من أنواع الترغيب، ففي الحديث: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً). واستدل بعموم الآية من أجاز الصلح على الإنكار. قوله تعالى: ( وأحضرت الأنفس الشح ) فيه بيان لما جبل عليه الإنسان، أي: جعلت حاضرة له مطبوعة عليه لا تنفك عنه أبداً. كأن الشح ختم على النفوس. فلا تكاد المرأة تسمح بالنشوز والإعراض وحقوقها من الرجل، ولا الرجل يسمح أيضاً بإمساكها مع القيام بحقوقها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحب غيرها. وقوله تعالى: ( والصلح خير ) هذا للترغيب في المصالحة. وقوله تعالى: ( وأحضرت الأنفس الشح ) لتمييز العذر في المشاحة والحث على الصلح؛ لأنها تعطي الإنسان عذراً إذا حصل أثناء المفاوضات لهذا الصلح نوع من الخصومة والاختلاف، فإذا تلا قوله تعالى: ( والصلح خير ) رغب في الصلح، فإذا حصل أثناء الصلح مشاحة واختلاف منهم في الاتفاق، ثم تذكر قوله تعالى: ( وأحضرت الأنفس الشح ) فيكون فيها نوع من المواساة للطرف الذي يلقى الخصومة من الآخر. يقول: فإن شح نفس الرجل وعدم ميلها عن حالتها الجبلية بغير استمالة مما يحمل المرأة على بذل بعض حقوقها إليه لاستمالته، وكذا شح نفسها بحقوقها مما يحمل الرجل على أن يقتنع من قبلها بشيء يسير، ولا يكلفها بذل الكثير، فيتحقق بذلك الصلح. قوله تعالى: ( وإن تحسنوا ) أي: في العشرة. ( وتتقوا ) النشوز والإعراض، ونقض الحق. ( فإن الله كان بما تعملون ) من تحمل المشاق في ذلك. ( خبيراً ) فيجازيكم ويثيبكم. ويلاحظ هنا أن خطاب الأزواج أتى بطريق الالتفات، يقول عز وجل: (( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ))، فهذا كلام يقال للغائب، ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب فقال: (( وَإِنْ تُحْسِنُوا )) وهذا فيه تنبيه، ففي خطاب الأزواج بطريق الالتفات، وقوله: (وإن تحسنوا) عبر عن رعاية حقوقهن بالإحسان. ( وتتقوا ) ولفظ التقوى المنبئ عن كون النشوز والإعراض مما يتوقى منه، وتتقوا النشوز وتتقوا الإعراض عنهن، وترتيب الوعد الكريم عليه في قوله: (فإن الله كان بما تعملون خبيراً) هذا فيه الاستمالة والترغيب في حسن المعاملة. وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها في هذه الآية قالت: (الرجل تكون عنده المرأة المسنة ليس بمستكثر منها، يريد أن يفارقها بعد ما أسنت فتقول: أجعلك من شأني في حل، فنزلت هذه الآية في ذلك). فتبقى زوجة له ويمسكها على أن تتسامح عن بعض حقوقها أو عن حقوقها حسبما يصطلحان). وروى ابن أبي حاتم عن خالد بن عرعرة قال: (جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فسأله عن قول الله عز وجل: (( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ))، قال علي : يكون الرجل عنده المرأة فتنبو عيناه عنها من دمامتها أو كبرها أو سوء خلقها أو قذذها فتكره فراقه، فإن وضعت له من مهرها شيئاً حل له، وإن جعلت له من أيامها فلا حرج). وكذا رواه أبو داود الطيالسي وابن جرير . وروى ابن جرير أيضا عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن هذه الآية فقال: (هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها، فيتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز). وروى سعيد بن منصور عن عروة قال: (أنزل في سودة ( وإن امرأة .. ) إلى آخر الآية). وذلك أن سودة كانت امرأة قد أسنت ففرقت -يعني: خافت- أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضنت أن تخسر ارتباطها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعرفت من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ومنزلتها منه، فوهبت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعائشة ، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الحاكم عن عروة عن عائشة أنها قالت له: (يا بن أختي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم في مكثه عندنا -يعني: كان يعدل بينهن في القسم- وكان قل يوم إلا وهو يطوف على نسائه، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت، وفرقت -أي: خافت- أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! يومي هذا لـعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، قالت: فنزل في ذلك قول الله تعال

يقول القاسمي رحمه الله تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا أي: زوجها. ( نشوزاً ) أي: تجافياً عنها وترفعاً عن صحبتها بترك مضاجعتها والتقصير في نفقتها. ( أو إعراضاً ) أي: إعراضاً عنها بوجهه، أو أن يقل محادثتها ومجالستها كراهة لها، أو لطموح عينه إلى أجمل منها. ( فلا جناح عليهما ) يعني: حينئذ لا حرج عليهما. (أن يصلحا بينهما صلحاً) يعني: أن يحصل نوع من الصلح بينهما بحط شيء من المهر أو النفقة، فتحط هي عنه إن كان لها مؤخر صداق، وتصالحه على أنها تخفف له أو تسامحه بقدر منه، أو تعفو عنه في قدر من المهر أو النفقة، أو تهبه شيئاً من مالها من أجل الإصلاح، أو تضحي ببعض الوقت المخصص لها طلباً لبقاء الصحبة، لكن بشرط أن يكون ذلك عن رضاً وطواعية منها، وإلا إن لم يكن رضاً فعلى الزوج أن يوفيها حقها إذا استبقاها، أو يفارقها إذا لم تقبل ذلك الصلح. قال في الإكليل: الآية أصل في هبة الزوجة حقها من القسم وغيره. استدل به من أجاز لها بيع ذلك. ( والصلح خير ) أي: من الفرقة والنشوز والإعراض. وعامة الناس يستدلون على كراهة الطلاق بالحديث الضعيف المشهور: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وهذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويغني عنه ما في القرآن من مواطن يستنبط منها كراهة الطلاق كهذه الآية: (( فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ )) الصلح خير من النشوز وخير من الإعراض وخير من الطلاق وخير من الفرقة، فهذا يفيد ضمناً كراهة الطلاق، كذلك مما يفيد كراهة الطلاق قوله تعالى: فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء:19]، هذا حث على إمساكها وعدم طلاقها. قال ابن كثير : بل الطلاق بغيض إليه سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، وسبق أن أشرنا إلى ضعف هذا الحديث. وفي هذه الآية حث الزوج على الصبر على الزوجة حتى لو كره صحبتها، وأن الأفضل له أن يصبر والصلح خير من الفرقة، وخير من سوء العشرة، وخير من الخصومة، أو خير من الطلاق والفرقة، وقد كان من كرم أخلاقه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يكرم صواحب خديجة بعد موتها، فانظر إلى حسن العشرة كيف يمتد إلى ما بعد وفات أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وكان عليه الصلاة والسلام يكرم كل من كانت تحب خديجة أو تقربه منها، حتى إن صواحبها من النساء كان عليه الصلاة والسلام يكرمهن بعد موتها رضي الله تعالى عنها. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وقد هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها). (هلكت) بمعنى: ماتت. قال عز وجل: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ [غافر:34]، أي: حتى إذا مات، وقال تعالى: امْرُؤٌ هَلَكَ [النساء:176]، أي: مات. فـعائشة رضي الله تعالى عنها لما كانت تسمع النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم يذكر خديجة بعد موتها كانت تغار هذه الغيرة من كثرة ما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكرها بالخير ويثني عليها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في صدائق خديجة وصواحب خديجة رضي الله تعالى عنها من الشاة قدراً يكفيهن وينفعهن. وعنها أيضاً رضي الله عنها قالت: (ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها، قالت: وتزوجني بعدها بثلاث سنين، وأمره ربه عز وجل أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة وما رأيتها)، مع أنها لم ترها لكن كانت تغار منها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له في بعض الأحيان: (كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول: إنها كانت وكانت وكان لي منها الولد)، فيذكر مناقبها فيقول: كانت كذا وكانت كذا وكانت كذا، وكان لي منها الولد. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه)، وهذا فيه لزوم وثبات على الإحسان لمن كان له أدنى صلة ممن يحبه من أب أو زوج أو غير ذلك، وفي هذا ما لا يحصر من المحاسن والفضائل. والصلح فيه من أنواع الترغيب، ففي الحديث: (الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً). واستدل بعموم الآية من أجاز الصلح على الإنكار. قوله تعالى: ( وأحضرت الأنفس الشح ) فيه بيان لما جبل عليه الإنسان، أي: جعلت حاضرة له مطبوعة عليه لا تنفك عنه أبداً. كأن الشح ختم على النفوس. فلا تكاد المرأة تسمح بالنشوز والإعراض وحقوقها من الرجل، ولا الرجل يسمح أيضاً بإمساكها مع القيام بحقوقها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحب غيرها. وقوله تعالى: ( والصلح خير ) هذا للترغيب في المصالحة. وقوله تعالى: ( وأحضرت الأنفس الشح ) لتمييز العذر في المشاحة والحث على الصلح؛ لأنها تعطي الإنسان عذراً إذا حصل أثناء المفاوضات لهذا الصلح نوع من الخصومة والاختلاف، فإذا تلا قوله تعالى: ( والصلح خير ) رغب في الصلح، فإذا حصل أثناء الصلح مشاحة واختلاف منهم في الاتفاق، ثم تذكر قوله تعالى: ( وأحضرت الأنفس الشح ) فيكون فيها نوع من المواساة للطرف الذي يلقى الخصومة من الآخر. يقول: فإن شح نفس الرجل وعدم ميلها عن حالتها الجبلية بغير استمالة مما يحمل المرأة على بذل بعض حقوقها إليه لاستمالته، وكذا شح نفسها بحقوقها مما يحمل الرجل على أن يقتنع من قبلها بشيء يسير، ولا يكلفها بذل الكثير، فيتحقق بذلك الصلح. قوله تعالى: ( وإن تحسنوا ) أي: في العشرة. ( وتتقوا ) النشوز والإعراض، ونقض الحق. ( فإن الله كان بما تعملون ) من تحمل المشاق في ذلك. ( خبيراً ) فيجازيكم ويثيبكم. ويلاحظ هنا أن خطاب الأزواج أتى بطريق الالتفات، يقول عز وجل: (( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ ))، فهذا كلام يقال للغائب، ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب فقال: (( وَإِنْ تُحْسِنُوا )) وهذا فيه تنبيه، ففي خطاب الأزواج بطريق الالتفات، وقوله: (وإن تحسنوا) عبر عن رعاية حقوقهن بالإحسان. ( وتتقوا ) ولفظ التقوى المنبئ عن كون النشوز والإعراض مما يتوقى منه، وتتقوا النشوز وتتقوا الإعراض عنهن، وترتيب الوعد الكريم عليه في قوله: (فإن الله كان بما تعملون خبيراً) هذا فيه الاستمالة والترغيب في حسن المعاملة. وفي البخاري عن عائشة رضي الله عنها في هذه الآية قالت: (الرجل تكون عنده المرأة المسنة ليس بمستكثر منها، يريد أن يفارقها بعد ما أسنت فتقول: أجعلك من شأني في حل، فنزلت هذه الآية في ذلك). فتبقى زوجة له ويمسكها على أن تتسامح عن بعض حقوقها أو عن حقوقها حسبما يصطلحان). وروى ابن أبي حاتم عن خالد بن عرعرة قال: (جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فسأله عن قول الله عز وجل: (( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ))، قال علي : يكون الرجل عنده المرأة فتنبو عيناه عنها من دمامتها أو كبرها أو سوء خلقها أو قذذها فتكره فراقه، فإن وضعت له من مهرها شيئاً حل له، وإن جعلت له من أيامها فلا حرج). وكذا رواه أبو داود الطيالسي وابن جرير . وروى ابن جرير أيضا عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه سئل عن هذه الآية فقال: (هذه المرأة تكون عند الرجل قد خلا من سنها، فيتزوج المرأة الشابة يلتمس ولدها، فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز). وروى سعيد بن منصور عن عروة قال: (أنزل في سودة ( وإن امرأة .. ) إلى آخر الآية). وذلك أن سودة كانت امرأة قد أسنت ففرقت -يعني: خافت- أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضنت أن تخسر ارتباطها بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعرفت من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ومنزلتها منه، فوهبت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لـعائشة ، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى الحاكم عن عروة عن عائشة أنها قالت له: (يا بن أختي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم في مكثه عندنا -يعني: كان يعدل بينهن في القسم- وكان قل يوم إلا وهو يطوف على نسائه، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى من هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت، وفرقت -أي: خافت- أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! يومي هذا لـعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، قالت: فنزل في ذلك قول الله تعال

قال تبارك وتعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:129]. يقول السيوطي رحمه الله تعالى: ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا ) تسووا. ( بين النساء ) في المحبة. ( ولو حرصتم ) على ذلك. ( فلا تميلوا كل الميل ) إلى التي تحبونها في القسم والنفقة. ( فتذروها ) أي: تتركوا الممال عنها. ( كالمعلقة ) التي لا هي أيم، ولا هي ذات بعل. يعني: لا هي مزوجة ولا هي مطلقة. ( وإن تصلحوا ) بالعدل في القسم. ( وتتقوا ) الجور. ( فإن الله كان غفوراً ) لما في قلبكم من الميل. ( رحيماً ) بكم في ذلك.

شبهات وردود حول تعدد الزوجات

كتب القاضي كنعان في الحاشية عن قوله تعالى: (( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ))، يقول: الإنسان لا يستطيع أن يعدل بين زوجاته في محبة القلب، وهذا شيء لا خلاف فيه، ولكن لا عذر له في عدم العدل في البيتوتة والنفقة بجميع أنواعها. يعني: يجب عليه أن يعدل في هذه الحقوق، وهي القسم الذي هو المبيت، والنفقة، فإذا أتى مثلاً بهدية لواحدة فيعطي الجميع. ثم يقول: فعدم المساواة بينهن في ذلك ظلم -يعني: من الظلم ألا يعدل بينهن في النفقة وفي القسم- والظلم ظلمات يوم القيامة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان الأسوة الحسنة للزوج العادل المحسن إلى أهله، وبه يجب أن يأتسي المسلمون، فقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، وأحسب أن هذا الحديث ضعيف، والله تعالى أعلم. وإذا صح فيكون معناه: ما أملك وهو النفقة والقسم فسأعدل أما غير ذلك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك وهو ميل القلب ومحبته، وقد حذر صلى الله عليه وسلم من عدم العدل بين الزوجات فقال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط)، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم. ولقد أباح الله تعالى للمسلم القادر أن يجمع في عصمته أربع زوجات، بعد أن كان التعدد في الجاهلية مطلقاً لا حد له، ونبه إلى وجوب الاكتفاء بواحدة، أو بملك اليمين عند الخوف من عدم العدل بينهن، فقال تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا [النساء:3]. أما الذين لم تعجبهم إباحة التعدد فإنهم رفضوا الحلال وأباحوا لأنفسهم وللناس الحرام، فشرعوا للناس قوانين تمنع التعدد وتعاقب عليه، وتبيح الزنا ولا تعاقب عليه إذا حصل برضا الطرفين، وعامة القوانين تعبر بالاغتصاب عن فعل الفاحشة بدون تراض، أما إذا كان الزنا بالتراضي فليس بجريمة، فالله المستعان! وفي تونس حوكم بعض الناس بتهمة أنه ارتكب جريمة الزواج من امرأة ثانية، فالمحامي كما يقولون كان حاذقاً واستطاع بحذقه كما يزعم الناس أن يخرجه من هذه الجريمة مثل الشعرة من العجين، إذ أثبت المحامي أنها عاشقة وليست زوجة، وخليلة وليست حليلة، والله المستعان! ويجب على النساء اللائي فيهن نوع من الأنانية أن يفهمن أن الذي ينتفع بتعدد الزوجات هو قسم كبير جداً من النساء وليس فقط الرجال، مع أنه معروف أن المرأة جبلت على الغيرة الشديدة، لكن هذا أصلح وأنسب وأفضل للمرأة. فإذاً: هناك قسم كبير من النساء يكون التعدد أنسب لظروفهن، وأفضل لهن من أن تبقى بلا زوج. فالقضية ليست قضية القومية النسائية كما يحاولون أن يصوروا أن الرجال في جانب والنساء في جانب، قوم الرجال ضد قوم النساء، والحقيقة أن هذا التعدد فيه مصلحة حتى للنساء، بل إن كثيراً من المجتمعات الإسلامية الآن لم يعد لها مخرج على الإطلاق من الفتن التي تموج بها إلا بتعدد الزوجات. وحصل هذا حتى في بعض المجتمعات الكافرة حيث أباحوا تعدد الزوجات باعتباره مخرجاً من الضياع الذي صارت فيه هذه المجتمعات، ولاشك أن القضية حساسة تحتاج أن نتناولها من كل جوانبها، ونرجو فيما بعد أن تكون هناك فرصة للتفصيل إن شاء الله. يقول القاضي كنعان: فشرعوا للناس قوانين تمنع التعدد وتعاقب عليه، وتبيح الزنا ولا تعاقب عليه إذا حصل برضا الطرفين، فأي الحكمين خير للمرأة: أن تكون زوجة شريفة، أم أن تكون خليلة، ثم إن الإسلام لم يفرض التعدد. يعني: التعدد ليس بواجب بل مجرد حكم مشروع لم يفرض فرضاً؛ لأن بعض الناس وخاصة أعداء الإسلام في الخارج يحاولون التشنيع على الإسلام، فإذا تكلمت مع أي واحد منهم عن رأيه أو فكرته عن الإسلام فتراه ما يعرف عن الإسلام سوى أن الإسلام يوجب على المسلم أن يتزوج بأربع نساء. ولهم كثير من الافتراءات في هذا ومنها: أن الرجل المسلم لا يضع العصا عن عاتقه، وأنه يجب عليه أن يضرب زوجته في الصباح وفي المساء كل يوم كما يزعمون ويفترون، وهم يقولون هذا للتنفير عن دين الله سبحانه وتعالى والصد عن سبيل الله عز وجل. حتى إن تعدد الزوجات في مجتمعاتنا نادر جداً، والذي يحيي هذه الشريعة نادر جداً في المجتمع، حيث إن ظروف الناس حالت دونها، بل تجد أحياناً الشباب لا يتزوج حتى واحدة إلا بعد الأربعين أو الخامسة والثلاثين. إذاً: أين مشكلة تعدد الزوجات؟! هي كلها عبارة عن أزمات مصطنعة وليست طبيعية؛ لترويج الفواحش في المجتمع، حيث يضيقون على الناس من جهة ثم يفتحون النوافذ إلى الحرام من جهة أخرى، فالله المستعان!! يقول: والإباحة معلق بإرادة الرجل والمرأة، فلماذا تقبل المرأة أن تكون ضرة لمرأة أخرى؟ فإذا كان التعدد غير لائق كما يزعمون ويزعمن فإن بإمكان النساء وحدهن منعه؛ وذلك بامتناعهن عن القبول بزوج متزوج، وهذا ما لا يفعلنه. إذاً: التعدد ليس فريضة بل مجرد شيء مشروع للرجل له أن يفعله أو لا يفعله، وكذلك المرأة لها أن تفعله أو لا تفعله، فإذا كانت القومية النسائية متفقه كلها على إنكار موضوع التعدد، فالنساء يستطعن أن يمنعن التعدد تماماً؛ وذلك بأن يرفضن الزواج من الرجل المتزوج. معلوم أن التعدد فيه مصلحة لطائفة كثيرة جداً من النساء، ويكون أنسب لهن وأفضل لظروفهن. وهذه الآية مما يشغب به كثير من الذين يحرفون كلام الله عن مواضعه حينما يقولون: القرآن جمع بين المتناقضات والعياذ بالله، وبعض الناس يتكلفون فيقولون: إن الله سبحانه وتعالى علق إباحة التعدد على القيام بالعدل، وقالوا: إن هذا الشرط المذكور في هذه الآية يستحيل أن يتحقق، فهو علق على شرط لا يتحقق وغير مستطاع وهو العدل، واستدلوا بهذه الآية: (( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ))، بينما في الحقيقة العدل في الآية الأولى غير العدل في هذه الآية. فقوله تبارك وتعالى في صدر سورة النساء: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3]، العدل هنا هو الذي يملكه الإنسان، كالعدل في المبيت وفي النفقة، هذه الأشياء الرجل لا عذر له إذا أخل بها، أما العدل هنا في قوله عز وجل: (( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا )) فالمقصود به: الميل القلبي الذي لا يملكه الإنسان. كان عليه الصلاة والسلام يقول في عائشة : (إن الله رزقني حبها)، فإذا كانت المحبة رزقاً فالله يبسط الرزق لمن شاء ويقدر. فهذا الأمر ليس من كسبه وهو فوق طاقته، لكنه مأمور بالعدل الذي يستطيعه وهو العدل في النفقة وفي القسم، أما العدل في الميل القلبي فهذا يعذر الإنسان فيه، (( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ )) أي: تسووا بينهن في جميع الوجوه، بحيث لا يقع ميل ما إلى جانب إحداهن في شأن من الشئون، فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع، كما قاله ابن عباس وغيره. ( ولو حرصتم ) يعني: ولو حرصتم على إقامة العدل وبالغتم في ذلك لن تستطيعوا؛ لأن الميل القلبي يقع بلا اختيار. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، يعني: لا تلمني في ميل القلب، رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وذكرنا أنه ضعيف. ( فلا تميلوا كل الميل ) يعني: إذا ملتم إلى واحدة منهن، فلا تبالغوا في الميل إليها. ولا تتمادوا في ذلك، ولكن ثبتوا أنفسكم فلا تميلوا كل الميل؛ لأنك إذا ملت كل الميل ستضيع العدل الواجب الذي تملكه وتستطيعه وهو القسم. (فتذروها) أي: تذروا التي ملتم عنها. (كالمعلقة) أي: بين السماء والأرض، لا تكون في إحدى الجهتين، فهي لا ذات زوج ولا مطلقة. وروى أبو داود الطيالسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شدقيه ساقط)، هذه الرواية هنا بلفظ: (شدقيه) لكن الأصح والله أعلم أنها (شقيه) أي: جانبه. (وإن تصلحوا) أي: نفوسكم بالتسوية والقسمة بالعدل فيما تملكون. (وتتقوا) أي: الحيف والجور. (فإن الله كان غفوراً رحيماً) فيغفر لكم ما سلف من ميلكم.

كتب القاضي كنعان في الحاشية عن قوله تعالى: (( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ))، يقول: الإنسان لا يستطيع أن يعدل بين زوجاته في محبة القلب، وهذا شيء لا خلاف فيه، ولكن لا عذر له في عدم العدل في البيتوتة والنفقة بجميع أنواعها. يعني: يجب عليه أن يعدل في هذه الحقوق، وهي القسم الذي هو المبيت، والنفقة، فإذا أتى مثلاً بهدية لواحدة فيعطي الجميع. ثم يقول: فعدم المساواة بينهن في ذلك ظلم -يعني: من الظلم ألا يعدل بينهن في النفقة وفي القسم- والظلم ظلمات يوم القيامة، والرسول صلى الله عليه وسلم كان الأسوة الحسنة للزوج العادل المحسن إلى أهله، وبه يجب أن يأتسي المسلمون، فقد أخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل، ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، وأحسب أن هذا الحديث ضعيف، والله تعالى أعلم. وإذا صح فيكون معناه: ما أملك وهو النفقة والقسم فسأعدل أما غير ذلك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك وهو ميل القلب ومحبته، وقد حذر صلى الله عليه وسلم من عدم العدل بين الزوجات فقال: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط)، رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم. ولقد أباح الله تعالى للمسلم القادر أن يجمع في عصمته أربع زوجات، بعد أن كان التعدد في الجاهلية مطلقاً لا حد له، ونبه إلى وجوب الاكتفاء بواحدة، أو بملك اليمين عند الخوف من عدم العدل بينهن، فقال تعالى: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا [النساء:3]. أما الذين لم تعجبهم إباحة التعدد فإنهم رفضوا الحلال وأباحوا لأنفسهم وللناس الحرام، فشرعوا للناس قوانين تمنع التعدد وتعاقب عليه، وتبيح الزنا ولا تعاقب عليه إذا حصل برضا الطرفين، وعامة القوانين تعبر بالاغتصاب عن فعل الفاحشة بدون تراض، أما إذا كان الزنا بالتراضي فليس بجريمة، فالله المستعان! وفي تونس حوكم بعض الناس بتهمة أنه ارتكب جريمة الزواج من امرأة ثانية، فالمحامي كما يقولون كان حاذقاً واستطاع بحذقه كما يزعم الناس أن يخرجه من هذه الجريمة مثل الشعرة من العجين، إذ أثبت المحامي أنها عاشقة وليست زوجة، وخليلة وليست حليلة، والله المستعان! ويجب على النساء اللائي فيهن نوع من الأنانية أن يفهمن أن الذي ينتفع بتعدد الزوجات هو قسم كبير جداً من النساء وليس فقط الرجال، مع أنه معروف أن المرأة جبلت على الغيرة الشديدة، لكن هذا أصلح وأنسب وأفضل للمرأة. فإذاً: هناك قسم كبير من النساء يكون التعدد أنسب لظروفهن، وأفضل لهن من أن تبقى بلا زوج. فالقضية ليست قضية القومية النسائية كما يحاولون أن يصوروا أن الرجال في جانب والنساء في جانب، قوم الرجال ضد قوم النساء، والحقيقة أن هذا التعدد فيه مصلحة حتى للنساء، بل إن كثيراً من المجتمعات الإسلامية الآن لم يعد لها مخرج على الإطلاق من الفتن التي تموج بها إلا بتعدد الزوجات. وحصل هذا حتى في بعض المجتمعات الكافرة حيث أباحوا تعدد الزوجات باعتباره مخرجاً من الضياع الذي صارت فيه هذه المجتمعات، ولاشك أن القضية حساسة تحتاج أن نتناولها من كل جوانبها، ونرجو فيما بعد أن تكون هناك فرصة للتفصيل إن شاء الله. يقول القاضي كنعان: فشرعوا للناس قوانين تمنع التعدد وتعاقب عليه، وتبيح الزنا ولا تعاقب عليه إذا حصل برضا الطرفين، فأي الحكمين خير للمرأة: أن تكون زوجة شريفة، أم أن تكون خليلة، ثم إن الإسلام لم يفرض التعدد. يعني: التعدد ليس بواجب بل مجرد حكم مشروع لم يفرض فرضاً؛ لأن بعض الناس وخاصة أعداء الإسلام في الخارج يحاولون التشنيع على الإسلام، فإذا تكلمت مع أي واحد منهم عن رأيه أو فكرته عن الإسلام فتراه ما يعرف عن الإسلام سوى أن الإسلام يوجب على المسلم أن يتزوج بأربع نساء. ولهم كثير من الافتراءات في هذا ومنها: أن الرجل المسلم لا يضع العصا عن عاتقه، وأنه يجب عليه أن يضرب زوجته في الصباح وفي المساء كل يوم كما يزعمون ويفترون، وهم يقولون هذا للتنفير عن دين الله سبحانه وتعالى والصد عن سبيل الله عز وجل. حتى إن تعدد الزوجات في مجتمعاتنا نادر جداً، والذي يحيي هذه الشريعة نادر جداً في المجتمع، حيث إن ظروف الناس حالت دونها، بل تجد أحياناً الشباب لا يتزوج حتى واحدة إلا بعد الأربعين أو الخامسة والثلاثين. إذاً: أين مشكلة تعدد الزوجات؟! هي كلها عبارة عن أزمات مصطنعة وليست طبيعية؛ لترويج الفواحش في المجتمع، حيث يضيقون على الناس من جهة ثم يفتحون النوافذ إلى الحرام من جهة أخرى، فالله المستعان!! يقول: والإباحة معلق بإرادة الرجل والمرأة، فلماذا تقبل المرأة أن تكون ضرة لمرأة أخرى؟ فإذا كان التعدد غير لائق كما يزعمون ويزعمن فإن بإمكان النساء وحدهن منعه؛ وذلك بامتناعهن عن القبول بزوج متزوج، وهذا ما لا يفعلنه. إذاً: التعدد ليس فريضة بل مجرد شيء مشروع للرجل له أن يفعله أو لا يفعله، وكذلك المرأة لها أن تفعله أو لا تفعله، فإذا كانت القومية النسائية متفقه كلها على إنكار موضوع التعدد، فالنساء يستطعن أن يمنعن التعدد تماماً؛ وذلك بأن يرفضن الزواج من الرجل المتزوج. معلوم أن التعدد فيه مصلحة لطائفة كثيرة جداً من النساء، ويكون أنسب لهن وأفضل لظروفهن. وهذه الآية مما يشغب به كثير من الذين يحرفون كلام الله عن مواضعه حينما يقولون: القرآن جمع بين المتناقضات والعياذ بالله، وبعض الناس يتكلفون فيقولون: إن الله سبحانه وتعالى علق إباحة التعدد على القيام بالعدل، وقالوا: إن هذا الشرط المذكور في هذه الآية يستحيل أن يتحقق، فهو علق على شرط لا يتحقق وغير مستطاع وهو العدل، واستدلوا بهذه الآية: (( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ))، بينما في الحقيقة العدل في الآية الأولى غير العدل في هذه الآية. فقوله تبارك وتعالى في صدر سورة النساء: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:3]، العدل هنا هو الذي يملكه الإنسان، كالعدل في المبيت وفي النفقة، هذه الأشياء الرجل لا عذر له إذا أخل بها، أما العدل هنا في قوله عز وجل: (( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا )) فالمقصود به: الميل القلبي الذي لا يملكه الإنسان. كان عليه الصلاة والسلام يقول في عائشة : (إن الله رزقني حبها)، فإذا كانت المحبة رزقاً فالله يبسط الرزق لمن شاء ويقدر. فهذا الأمر ليس من كسبه وهو فوق طاقته، لكنه مأمور بالعدل الذي يستطيعه وهو العدل في النفقة وفي القسم، أما العدل في الميل القلبي فهذا يعذر الإنسان فيه، (( وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ )) أي: تسووا بينهن في جميع الوجوه، بحيث لا يقع ميل ما إلى جانب إحداهن في شأن من الشئون، فإنه وإن وقع القسم الصوري ليلة وليلة، فلا بد من التفاوت في المحبة والشهوة والجماع، كما قاله ابن عباس وغيره. ( ولو حرصتم ) يعني: ولو حرصتم على إقامة العدل وبالغتم في ذلك لن تستطيعوا؛ لأن الميل القلبي يقع بلا اختيار. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)، يعني: لا تلمني في ميل القلب، رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وذكرنا أنه ضعيف. ( فلا تميلوا كل الميل ) يعني: إذا ملتم إلى واحدة منهن، فلا تبالغوا في الميل إليها. ولا تتمادوا في ذلك، ولكن ثبتوا أنفسكم فلا تميلوا كل الميل؛ لأنك إذا ملت كل الميل ستضيع العدل الواجب الذي تملكه وتستطيعه وهو القسم. (فتذروها) أي: تذروا التي ملتم عنها. (كالمعلقة) أي: بين السماء والأرض، لا تكون في إحدى الجهتين، فهي لا ذات زوج ولا مطلقة. وروى أبو داود الطيالسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وأحد شدقيه ساقط)، هذه الرواية هنا بلفظ: (شدقيه) لكن الأصح والله أعلم أنها (شقيه) أي: جانبه. (وإن تصلحوا) أي: نفوسكم بالتسوية والقسمة بالعدل فيما تملكون. (وتتقوا) أي: الحيف والجور. (فإن الله كان غفوراً رحيماً) فيغفر لكم ما سلف من ميلكم.

قال تبارك وتعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً [النساء:130]. قوله: ( وإن يتفرقا ) أي: الزوجان بالطلاق. ( يغن الله كلاً ) عن صاحبه. ( من سعته ) أي: من فضله؛ بأن يرزقها زوجاً غيره، ويرزقه غيرها. وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا ، أي: لخلقه في الفضل. حَكِيمًا ، فيما دبره لهم. والمعنى: إن يتفرق الزوج والمرأة بالطلاق بأن لم يتم الصلح بينهما، فالشرع لا يقبل أن تبقى المرأة كالمعلقة، ولعلكم تلحقون ذلك بحكم الإيلاء المذكور في قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ [البقرة:226] فمن حلف أن لا يقرب المرأة ولم يحدد أجلاً فالشرع يقول: هذا الوضع الذي هو إلى الأبد دون تحديد ليس في الإسلام، لكن ينظر المولي ويمهل أربعة أشهر فَإِنْ فَاءُوا [البقرة:226]، أي: إن رجعوا وأصلحوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [البقرة:226-227]، فيقول تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا) أي: لم يتم الصلح بينهما، ففي هذه الحالة إذا اختارا الفرقة ( يغن الله كلاً ) منهما (من سعته) ويجعله مستغنياً عن الآخر. وقوله: (من سعته) أي: من غناه وجوده وقدرته، وفيه زجر لهما عن المفارقة رغماً لصاحبه، بمعنى ألا يكون هناك إرغام من أحد الطرفين للآخر، فالله سبحانه وتعالى سيعوضه بعد الطلاق، وهذه الآية فيها تعزية ومواساة وتسلية لهما. وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا [النساء:130] أي: واسع الفضل حَكِيمًا [النساء:130] أي: في جميع أفعاله وأقداره وشرعه.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة التوبة [107-110] 2819 استماع
تفسير سورة المدثر [31-56] 2621 استماع
تفسير سورة البقرة [243-252] 2584 استماع
تفسير سورة البلد 2567 استماع
تفسير سورة الطور [34-49] 2564 استماع
تفسير سورة التوبة [7-28] 2562 استماع
تفسير سورة الفتح [3-6] 2504 استماع
تفسير سورة المائدة [109-118] 2439 استماع
تفسير سورة الجمعة [6-11] 2412 استماع
تفسير سورة آل عمران [42-51] 2403 استماع