أسباب انهيار الأمم (ندوة)


الحلقة مفرغة

يتحدث الشيخ عبد الله المحمدي عن الأمم السابقة ويعرض لنا شيئاً من أحوال هذه الأمم من خلال كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، أما بعد:

يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه الكريم: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [الأنعام:123]، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ [الأنعام:131] ويقول تعالى أيضاً: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ [الأعراف:4] فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأعراف:5].

استدراج الله للأمم بالنعم

وقال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أيضاً: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:94-99].

إن هذه الآيات التي يبين الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فيها أنه ما أرسل من نبي في قرية إلا أخذ أهلها بالبأساء والضراء، ثم بدل مكان السيئة الحسنة، أي: أنهم أبدلت سيئاتهم وكربهم تلك بحسنات ونِعَم، ثم ماذا حصل لهم بعد ذلك؟

ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا، وقالوا: قد مس آباءنا السراء والضراء، كانوا يتكلمون مما عفى عليهم، يقولون: قد مس آباءنا في الماضي السراء والضراء، وهم منعمون وينزل عليهم من الخيرات الشيء الكثير، ماذا حصل لهم بعد ذلك؟ قال تعالى: فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف:95] فالذي ينظر إلى واقع المسلمين اليوم، وينظر إلى مثل هذه الآيات يجدها تتمثل في واقعنا وحياتنا.

كان آباؤنا وأجدادنا قد مستهم البأساء والضراء، فبدلنا مكان السيئة الحسنة، حتى تنعم كثير من المسلمين، وعندها بدأ كثير منهم لا يرعوي لنعمة الله، ولا لكلام الله، ولا لما أعطاه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من جزيل النعم في الدنيا، بل أنكر هذه النعم، وجعل يعفو عليها ويتبرم منها، ينكر هذه النعم، فلا نخشى أن تأتي المرحلة التي بعدها.. وهي: فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف:95].

فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائد الغُرِّ المحجلين وأكرم الخلق الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى غيماً أو ريحاً، أو رأى رعداً أو برقاً يصفر وجهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت تسأله عائشة رضي الله عنها: وتقول له: {يا رسول الله! إن الناس إذا رأوا السحاب ورأوا مثل هذا فرحوا واستبشروا، فقال لها: يا عائشة قد عُذب أقوام بالريح، وقد عذب أقوام بالمطر} وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [النمل:58].

فإذا كان هذا هو حال رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما هي حالنا اليوم وقد أغرقنا في الذنوب والمعاصي حتى فشت فينا كثير من الذنوب والمعاصي؟

ثم يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مبيناً أمراً آخر: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96] عندما تكذب الأمم ويكذب الناس يأخذهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا بظلم منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإنما بما كانوا يكسبون، ولذلك يقول -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- محذراً الأمة: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25] فحذرنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من ذلك في القرآن، وبيَّن لنا، وأوضح لنا الطريق، وأوضح لنا سنته في الكون، وسننه تعالى في إهلاك الأمم، وإتيان الأمم من بعدهم، فيحل قوماً مكان قوم، وهذه هي سنة الله، وما ذهب القوم الأولون إلا بما كسبوا، وما أتى القوم الآخرون إلا ليستخلفهم الله فينظر ماذا يعملون.

الأمن من مكر الله

يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ [الأعراف:97] أفأمنوا مكر الله عندما عملوا تلك المعاصي وجاهروا بها وأعلنوا الرذيلة والفاحشة في المؤمنين؟ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

يقول الله: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأعراف:98] وهم يلعبون في ناديهم، ومجتمعاتهم، وأعمالهم: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

ثم بين الله في الآية التي بعدها أمراً آخراً عظيماً ألا وهو قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ [الأعراف:101]أي: أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها، أن أمة محمد قد ورثت الأرض من بعد الأمم السابقة التي أهلكها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ [الأعراف:100] أما يخافون؟ أما اهتدوا إلى هذه النقطة المهمة العظيمة بأن الذنوب والمعاصي سبب في إهلاك الشعوب والأمم جميعاً لا فرق..! فهذا إنذار من رب العالمين: أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [الأعراف:100] نطبع على قلوبهم حتى لو رأوا الآيات والنذر فإنهم لا يؤمنون ولا يتبعون الحق؛ لأن الله قد طبع على قلوبهم: وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [الأعراف:100].

ثم بين بعد ذلك، قال: تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا [الأعراف:101] إلى آخر الآية، وآيات أخرى.

يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98] إذاً: لما آمنوا كانت النتيجة أن الله كشف عنهم عذاب الخزي ومتعهم إلى حين، وهذه هي نتيجة طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واتباع كتابه وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

اقتراب موعد الهلاك

فإذا كثر الفساد في الأرض وانتشر الخبث في الناس، فإنه ينذر بعاقبة وخيمة...!

عندما سألت إحدى نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أونهلك يا رسول الله وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخبث} فالخبث إذا كثر في أمة من الأمم فإنه نذير بأن تهلك هذه الأمة كما ورد ذلك في القرآن؛ إما بخسف أو بمسخ أو بريح أو بعاصفة أو بفيضان أو بزلزال أو ببركان أو بطاعون أو بمرض أو بغير ذلك من جند الله التي لا يحصيها إلا رب العالمين، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] فالشرط أن تكون ظالمة، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:116-117].

فيقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ [هود:116] أما إذا أُمر بالفساد وانتشر الفساد، ولم يوجد أولو بقية من الصالحين والطائعين ينهون عن الفساد في الأرض، فإنها عند ذلك تقع الطامة، فقوله: أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ [هود:117] هؤلاء قليل، أما البقية الذين ظلموا فإنهم اتبعوا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين، مجرمين على أنفسهم، ومجتمعهم، وأسرهم، وديارهم التي كانوا يسكنون فيها، فإن العذاب لما حلَّ، حَلَّ بالجميع: قُلِبتَ الديار، وتضرر المجتمع، والأفراد، والأسرة، والدواب، والشجر، والحجر من تلك المعاصي التي كانوا يفعلونها.

فما كان ليهلكها بظلم وأهلها مصلحون، ونجزم بذلك لِماَ نُؤمن به من وعد الله ألا يهلكهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ويقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مبيناً كيف قصم الأمم التي ظلمت أنفسها وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ [الأنبياء:11-15] فما زالت تلك دعواهم، أي ما زالوا يرددون يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:14] حتى جعلناهم حصيداً خامدين، والسبب هو: أنهم من قرية كانت ظالمة فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا [الأنبياء:12] لما أحسوا بالخطر والضياع والتشريد والدمار بدأت الصيحات وإنذارات الخطر تظهر يمنة ويسرة وأماماً وخلفاً، كلهم ينذرون صيحة الخطر فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ [الأنبياء:15].

غفلة الأمم عن عذاب الله لها

ويقول: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مبيناً أن القرية التي ينذرها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- بعقاب بسيط أو بإنذار يسير لا ترجع إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن القوم تمر بهم النكبات والويلات من حولهم، ولا يعتبرون ولا يتعظون بمن حولهم، قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ [الأنبياء:95] لا يرجعون إلى الحق والصواب، وكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرام عليهم؛ فعندما يرون عذاب الله، وعندما ينذرهم الله ببعض هزات خفيفة لا تؤثر فيهم الأثر العظيم ومع ذلك يبقون على ذنوبهم ومعاصيهم، حتى يأتيهم العذاب الأليم، هذه نُذُر كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مثل المنافق مثل الحمار لا يدري فيم ربط ولا فيم أطلق} فهؤلاء حتى مع إنذارالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لهم فإنهم لا يفقهون ولا يرجعون ولا يعقلون، نسأل الله السلامة والعافية.

وكذلك يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ [الرعد:31] فهذا إنذار قارعة تصيبهم أو تحل قريباً من دارهم.

هذه آيات الله فينا تتلى، نسأل الله أن يرزقنا الخشية والإنابة والتوبة والمعرفة والصدق والإخلاص.

ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً [الطلاق:8-11] فبيَّن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مصير القرية التي عتت عن أمر ربها، وبين في الأخير الذين آمنوا به وبرسله، وبيَّن نعمته ومِنَّته على المؤمنين؛ إذ أرسل لهم رسولاً يدلهم على الخير والطريق المستقيم، ويُحذِّرهم من طريق الغواية، والآيات أكثر من ذلك وأعظم، ولكن نكتفي بهذا القدر لنتطرق إلى نقاط أخرى.

يقول الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي :

الحمد لله الذي من رحمته وفضله بيَّن أسباب النجاة ويسرها وأوضحها وجلَّاها، وبيَّن أسباب الدمار والهلاك، لنجتنبها ونتوقاها، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد المبعوث رحمةً للعالمين، أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور ومن طريق الهلكة والدمار والخراب إلى طريق النجاة والسعادة والفلاح، وسدَّ من الحقوق والطاعات، كل طريق إلى الخير والنجاة والسعادة والطمأنينة في الدنيا والآخرة إلا من طريقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعد :

لو تأملنا كتاب الله وقرأناه، هذا الكتاب المهجور إلا ممن رحم الله! لوجدنا أن موضوعاته جميعاً تنحصر في ثلاثة:

إما الأمر بالتوحيد وما يتبعه من الحقوق والطاعات مع النهي عن الشرك وما يتبعه من المعاصي والذنوب.

وإما خبر عما صار لأهل التوحيد والطاعة من النجاة والسعادة والفلاح، وخبر عما كان لأهل الشرك والمعاصي من الدمار والوبال والخسارة.

وإما حال هؤلاء، وهؤلاء عند البعث يوم القيامة.

فهذه هي موضوعات القرآن.. وكل ما في القرآن لا يخرج عن هذا.

وقال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أيضاً: وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ * ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:94-99].

إن هذه الآيات التي يبين الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فيها أنه ما أرسل من نبي في قرية إلا أخذ أهلها بالبأساء والضراء، ثم بدل مكان السيئة الحسنة، أي: أنهم أبدلت سيئاتهم وكربهم تلك بحسنات ونِعَم، ثم ماذا حصل لهم بعد ذلك؟

ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا، وقالوا: قد مس آباءنا السراء والضراء، كانوا يتكلمون مما عفى عليهم، يقولون: قد مس آباءنا في الماضي السراء والضراء، وهم منعمون وينزل عليهم من الخيرات الشيء الكثير، ماذا حصل لهم بعد ذلك؟ قال تعالى: فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف:95] فالذي ينظر إلى واقع المسلمين اليوم، وينظر إلى مثل هذه الآيات يجدها تتمثل في واقعنا وحياتنا.

كان آباؤنا وأجدادنا قد مستهم البأساء والضراء، فبدلنا مكان السيئة الحسنة، حتى تنعم كثير من المسلمين، وعندها بدأ كثير منهم لا يرعوي لنعمة الله، ولا لكلام الله، ولا لما أعطاه الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من جزيل النعم في الدنيا، بل أنكر هذه النعم، وجعل يعفو عليها ويتبرم منها، ينكر هذه النعم، فلا نخشى أن تأتي المرحلة التي بعدها.. وهي: فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [الأعراف:95].

فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائد الغُرِّ المحجلين وأكرم الخلق الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا رأى غيماً أو ريحاً، أو رأى رعداً أو برقاً يصفر وجهه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت تسأله عائشة رضي الله عنها: وتقول له: {يا رسول الله! إن الناس إذا رأوا السحاب ورأوا مثل هذا فرحوا واستبشروا، فقال لها: يا عائشة قد عُذب أقوام بالريح، وقد عذب أقوام بالمطر} وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [النمل:58].

فإذا كان هذا هو حال رسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما هي حالنا اليوم وقد أغرقنا في الذنوب والمعاصي حتى فشت فينا كثير من الذنوب والمعاصي؟

ثم يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مبيناً أمراً آخر: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96] عندما تكذب الأمم ويكذب الناس يأخذهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا بظلم منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإنما بما كانوا يكسبون، ولذلك يقول -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- محذراً الأمة: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال:25] فحذرنا -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من ذلك في القرآن، وبيَّن لنا، وأوضح لنا الطريق، وأوضح لنا سنته في الكون، وسننه تعالى في إهلاك الأمم، وإتيان الأمم من بعدهم، فيحل قوماً مكان قوم، وهذه هي سنة الله، وما ذهب القوم الأولون إلا بما كسبوا، وما أتى القوم الآخرون إلا ليستخلفهم الله فينظر ماذا يعملون.

يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ [الأعراف:97] أفأمنوا مكر الله عندما عملوا تلك المعاصي وجاهروا بها وأعلنوا الرذيلة والفاحشة في المؤمنين؟ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

يقول الله: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأعراف:98] وهم يلعبون في ناديهم، ومجتمعاتهم، وأعمالهم: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

ثم بين الله في الآية التي بعدها أمراً آخراً عظيماً ألا وهو قول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ [الأعراف:101]أي: أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها، أن أمة محمد قد ورثت الأرض من بعد الأمم السابقة التي أهلكها الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ [الأعراف:100] أما يخافون؟ أما اهتدوا إلى هذه النقطة المهمة العظيمة بأن الذنوب والمعاصي سبب في إهلاك الشعوب والأمم جميعاً لا فرق..! فهذا إنذار من رب العالمين: أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [الأعراف:100] نطبع على قلوبهم حتى لو رأوا الآيات والنذر فإنهم لا يؤمنون ولا يتبعون الحق؛ لأن الله قد طبع على قلوبهم: وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ [الأعراف:100].

ثم بين بعد ذلك، قال: تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا [الأعراف:101] إلى آخر الآية، وآيات أخرى.

يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ [يونس:98] إذاً: لما آمنوا كانت النتيجة أن الله كشف عنهم عذاب الخزي ومتعهم إلى حين، وهذه هي نتيجة طاعة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى واتباع كتابه وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فإذا كثر الفساد في الأرض وانتشر الخبث في الناس، فإنه ينذر بعاقبة وخيمة...!

عندما سألت إحدى نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أونهلك يا رسول الله وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخبث} فالخبث إذا كثر في أمة من الأمم فإنه نذير بأن تهلك هذه الأمة كما ورد ذلك في القرآن؛ إما بخسف أو بمسخ أو بريح أو بعاصفة أو بفيضان أو بزلزال أو ببركان أو بطاعون أو بمرض أو بغير ذلك من جند الله التي لا يحصيها إلا رب العالمين، يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102] فالشرط أن تكون ظالمة، ويقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:116-117].

فيقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ [هود:116] أما إذا أُمر بالفساد وانتشر الفساد، ولم يوجد أولو بقية من الصالحين والطائعين ينهون عن الفساد في الأرض، فإنها عند ذلك تقع الطامة، فقوله: أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ [هود:117] هؤلاء قليل، أما البقية الذين ظلموا فإنهم اتبعوا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين، مجرمين على أنفسهم، ومجتمعهم، وأسرهم، وديارهم التي كانوا يسكنون فيها، فإن العذاب لما حلَّ، حَلَّ بالجميع: قُلِبتَ الديار، وتضرر المجتمع، والأفراد، والأسرة، والدواب، والشجر، والحجر من تلك المعاصي التي كانوا يفعلونها.

فما كان ليهلكها بظلم وأهلها مصلحون، ونجزم بذلك لِماَ نُؤمن به من وعد الله ألا يهلكهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

ويقول الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- مبيناً كيف قصم الأمم التي ظلمت أنفسها وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ [الأنبياء:11-15] فما زالت تلك دعواهم، أي ما زالوا يرددون يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:14] حتى جعلناهم حصيداً خامدين، والسبب هو: أنهم من قرية كانت ظالمة فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا [الأنبياء:12] لما أحسوا بالخطر والضياع والتشريد والدمار بدأت الصيحات وإنذارات الخطر تظهر يمنة ويسرة وأماماً وخلفاً، كلهم ينذرون صيحة الخطر فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ [الأنبياء:15].