شرح ألفية ابن مالك [40]


الحلقة مفرغة

تعريف التمييز

قال المؤلف رحمه الله: [ التمييز

اسم بمعنى من مبين نكره ينصب تمييزاً بما قد فسره

كشبر ارضاً وقفيز براً ومنوين عسلاً وتمرا

وبعد ذي وشبهها اجرره إذا أضفتها كمد حنطة غذا

والنصب بعدما أضيف وجبا إن كان مثل ملء الأرض ذهباً

والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلاً كأنت أعلى منزلا

وبعد كل ما اقتضى تعجبا ميز كأكرم بأبي بكر أبا

واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد والفاعل المعنى كطب نفسا تفد

وعامل التمييز قد مطلقا والفعل ذو التصريف نزراً سبقا ]

التمييز معناه الفصل بين شيئين، يقال: ميز هذا عن هذا، أي: فصل بعضهما من بعض، ويطلق أيضاً على التبيين، يقال ميز، أي بين ووضح.

أما تعريفه عند النحويين فهو أولاً: اسم. فلا يقع فعلاً ولا يقع جملة، وقد تقدم أن الحال تأتي جملة.

ثانياً: بمعنى من، يعني متضمناً لمعنى (من)، وسبق أن الحال متضمنة لمعنى (في) وأيضاً التمييز مبين للذات أو للنسبة، والحال مبينة للهيئة، تقول: جاء الرجل راكباً. فراكباً بينت هيئة الرجل كيف جاء، أما هذا فهو مبين للنسبة أو مبين للذات.

وقولك: عندي عشرون رجلاً، هذا مبين للذات؛ لأن (عشرون) عدد مبهم، و(رجلاً) بين هذا المبهم وهذا هو تمييز الذات.

وتمييز النسبة هو المحول عن الفاعل أو المفعول ونحوه، مثل: تصبب زيد عرقاً، (عرقاً) هذه تمييز مبين للنسبة، أي: نسبة التصبب إلى العرق، وأصل (تصبب زيدٌ عرقاً): تصبب عرقُ زيدٍ.

وكذلك : فجرنا الأرض عيوناً، (عيوناً) هذه تمييز، وأصله: فجرنا عيون الأرض.

فالأول محول عن فاعل، والثاني عن مفعول.

قوله: (بمعنى من) صفة لاسم.

(مبين) صفة ثانية.

(نكرة) صفة ثالثة.

(ينصب) الجملة خبر (اسم).

(تمييزاً): حال، أي: ينصب حال كونه تمييزاً.

( بما قد فسره)، أي أن عامله نفس المفسَّر الذي فسره هذا التمييز، فمثل: عندي عشرون رجلاً، الناصب للرجل هو (عشرون).

عندي صاع براً، الذي نصب (براً) هو صاع.

عندي كيلو أرضاً. الذي نصب (أرضاً) هو كيلو.

ولهذا قال: (ينصب تمييزاً بما قد فسره)، ثم ضرب له أمثلة فقال: (كشبرٍ ارضاً)، يعني تقول: لي شبرٌ أرضاً.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض) فأتى بـ(من)، ولو حذف (من) لكانت تمييزاً، أي من اقتطع شبراً أرضاً.

عندي شبرٌ أرضاً:

عندي: ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم.

شبرٌ: مبتدأ مؤخر.

أرضاً: تمييز لشبر منصوب به وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره. وهذا في المسافة.

قوله: (وقفيزٍ براً) القفيز ستة عشر صاعاً.

اشتريت قفيزاً براً:

اشتريت: فعل وفاعل.

قفيزاً: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

براً: تمييز لقفيز منصوب به وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره.

قوله: (ومنوين عسلاً)، يعني: وكمنوين عسلاً وتمراً، أي: منوين من العسل والتمر.

المن مقدار بالوزن، والقفيز بالكيل، والشبر بالمساحة.

عسلاً: تمييز بمنوين. وتمراً معطوف عليه.

مثاله: اشتريت منَّاً تمراً:

اشتريت: فعل وفاعل.

ومنَّاً: مفعول به منصوب.

تمراً: تمييز بمنٍّ منصوب به وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره.

جر التمييز عند الإضافة

قال:

(وبعد ذي وشبهها اجرره إذا أضفتها كمد حنطة غذا)

(بعد ذي) يعني: والتمييز الواقع بعد هذه، أي: آخر مثال، (وشبهها) كالمثالين قبله (اجرره) إذا أضفتها إليه، ثم مثل بقوله: (مد حنطة).

ومثال ذلك أن تقول أيضاً: اشتريت منَّ تمرٍ، اشتريت قفيز برٍ، ملكت شبرَ أرضٍ، فصار الآن ما وقع بعد مساحة أو كيل أو وزن لنا في إعرابه وجهان: الوجه الأول: أن ننون المساحة أو المكيال أو المثقال، وإذا نوناها نصبنا ما بعدها على التمييز.

الوجه الثاني: أن نضيفها، فإذا أضفناه جررناه بالإضافة، فمثلاً تقول: اشتريت شبرَ أرضٍ، ويجوز: شبراً أرضاً.

طحنت قفيز برٍ، ويجوز: قفيزاً براً.

اشتريت منَّ عسلٍ، ويجوز: مناً عسلاً.

قوله: (والنصب بعدما أضيف وجبا)

يتعين نصب التمييز إذا أضيف المميز لتعذر الإضافة حينئذ.

تقول: اشتريت مثقال درهمٍ عسلاً، ولا يجوز أن أقول: اشتريت مثقال درهمٍ عسلٍ!

ومثاله أيضاً من القرآن: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ [آل عمران:91].

ملء: مقدار بالكيل، وعلى هذا نقول: ملءُ الأرض ذهباً، يتعين فيها النصب لتعذر الإضافة.

نصب الفاعل في المعنى تمييزاً بعد أفعل التفضيل

قوله: (والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلاً كأنت أعلى منزلا)

الفاعل المعنى: مفعول لانصبن مقدم. يعني: الفاعل في المعنى.

انصبن: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة.

وقوله: (انصبن بأفعلا مفضلاً) يعني: قاصداً التفضيل؛ إما تفضيل زيد على زيد، أو تفضيل حاله على حاله وما أشبه ذلك.

والمعنى أنه إذا وقع التمييز بعد اسم التفضيل وهو فاعل في المعنى فانصبن.

فقوله: (أنت أعلى منزلا) أصله: أنت علا منزلك، فتجد أن (أعلى) يقوم مقامه (علا)، و(منزلاً) يقوم مقامه الفاعل، فمنزل إذاً فاعل في المعنى.

أما نحو: زيد أفضل رجل، فلا نقول إن (رجل) هذا ينصب على التمييز؛ لأنه ليس فاعلاً في المعنى.

والحاصل أن كل اسم يقع بعد أفعل التفضيل فإن كان فاعلاً في المعنى نصب تمييزاً، وإلا وجب جره بالإضافة.

تقول مثلاً: أنا أكثر منك مالاً، أي: كثر مالي على مالك. وأعز نفراً: عز نفري على نفرك.

إذا قلت: فلان أكرم رجل، فليس رجل فاعلاً في المعنى، لأنه لا يصلح أن نقول: فلان كرُم رجل، إذاً يجب جره بالإضافة فتقول: أكرمُ رجلٍ.

وتقول: المؤذنون أطول الناس أعناقاً، أعناقاً: تمييز؛ لأن أصله: طالت أعناقهم، فإذاً هو فاعل في المعنى.

تقول مثلاً: فلان أسلمُ قلباً، قلباً: تمييز، والمعنى: سلم قلبه، وتقول: قلب فلانٌ أسلم قلبٍ، ولا يصلح أن نقول: قلب فلانٌ أسلمُ قلباً؛ لأن القلب هو القلب، إذاً: فيجب جره بالإضافة.

والحاصل من هذا البيت أنه إذا وقع بعد اسم التفضيل اسم محول عن الفاعل في المعنى وجب نصبه على التمييز، وإن لم يكن فاعلاً في المعنى وجب جره بالإضافة، والله أعلم.

التمييز بعد صيغ التعجب

قوله: (وبعد كل ما اقتضى تعجباً ميز).

أي: أنه يأتي التمييز بعد كل عامل اقتضى التعجب.

والتعجب له صيغتان اصطلاحيتان، وله صيغ متعددة من حيث المعنى، أي أن التعجب يراد به التعجب اللفظي الذي يقع بصيغته المعينة، ويراد به التعجب المعنوي الذي دل عليه السياق.

فالصيغتان الاصطلاحيتان للتعجب هما: ما أفعله، وأفعل به. تقول: ما أحسن السماء، يقولون: إن ابنة أبي الأسود الدؤلي قالت ذات ليلة : يا أبت! ما أحسنُ السماءِ، قال: يا بنية! نجومها.

والجواب صحيح؛ لأنها الآن تستفهم عن أحسن شيء في السماء؟ فقال: نجومها.

فقالت: يا أبت! لست أريد هذا، أريد أن السماء حسنة وجميلة، فقال لها: يا بنية! ألا فتحت فاكِ وقلت: ما أحسنَ السماءَ!

فهذه صيغة من الصيغ، ومثالها قوله تعالى: فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة:175].

تقول مثلاً: ما أحسن زيداً أدباً!

أدباً: تمييز؛ لأنها أتت بعد التعجب، وكذلك أيضاً تقول: ما أجمله وجهاً، نقول أيضاً: وجهاً: تمييز لأنها أتت بعدما اقتضى التعجب.

وتقول مثلاً: أكرِم بزيدٍ ضيافة، ضيافة: تمييز؛ لأنها أتت بعد فعل التعجب.

ومن مثال المؤلف: (أكرِم بأبي بكر أباً)، يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وإعرابها: أكرم: فعل تعجب مبني على السكون وفاعله مستتر وجوباً تقديره أنت.

بأبي بكر: جار ومجرور متعلق بأكرم.

وأباً: تمييز منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره.

كذلك تقول: ما أحسن زيداً أدباً:

ما: تعجبية مبنية على السكون في محل رفع مبتدأ.

وأحسن: فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله مستتر وجوباً تقديره هو.

زيداً: مفعول به منصوب، وعامله أحسن.

أدباً: تمييز منصوب وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره.

فهذا الذي يأتي بعد التعجب بصيغتين اصطلاحيتين. كذلك الذي يأتي بعد التعجب بدون الصيغ المعروفة كقولهم: لله درُّه فارساً؛ لله: جار ومجرور خبر مقدم.

دره: در: مبتدأ مؤخر وهو مضاف إلى الهاء.

وفارساً: تمييز منصوب.

وليس بلازم أن يأتي تمييز كلما جاء للتعجب، لكن ما أتى بعد التعجب منصوباً فهو تمييز.

وصيغة (أفعل به) فيها ما ذكرنا من الإعراب، وفيها رأي آخر يقول: (أفعل) وإن كان بصيغة الأمر لكن معناه الخبر، وعلى هذا يكون (به) هو الفاعل، ويقولون: إن الباء زائدة كزيادتها في قوله تعالى: وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا [النساء:79]، ويقولون: إن الجملة هنا ليست إنشائية ولكنها خبرية: وإن (أكرم به)، معناها: ما أكرمه!

حكم جر التمييز بـ(من)

والخلاصة أن القاعدة: أنه كلما جاء الاسم منصوباً بعد ما يقتضي التعجب فإنه يكون تمييزاً.

قال المؤلف: (واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد).

اجرر: فعل أمر.

بمن: جار ومجرور متعلق به.

إن شئت: إن: شرطية، وشئت: فعل الشرط، والتاء فاعله.

غير: مفعول اجرر.

ذي: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الياء.

العدد: مضاف إليه مجرور.

وجواب الشرط فيه رأيان: رأي أنه محذوف دل عليه ما قبله والتقدير: واجرر بمن إن شئت فاجرره.

والرأي الثاني: أنه لا يحتاج في مثل هذا التركيب إلى جواب، والرأي الأخير أصح، لأنه أوضح في المعنى وأسلم في التقدير.

وقوله: (غير ذي العدد) أي: غير تمييز ذي العدد، أي التمييز الذي ليس تمييز عدد يجوز جره بمن، وتمييز العدد لا يجر بمن.

ومعنى البيت: واجرر غير الفاعل في المعنى من التمييز إن شئت، لا إن كان تمييز عدد.

والتمييز الفاعل في المعنى هو ما تقدم في قوله: (والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلاً) فالفاعل المعنى لا يجر بمن، فلا تقول: أنا أكثر منك من مالٍ، بل تقول: أنا أكثر منك مالاً، وتقول: أنا أقوى منك جسداً، ولا تقول: أنا أقوى منك من جسد. وبقية التمييزات يجوز جرها بمن.

إذاً: القاعدة: كل تمييز فإنه يجوز جره بمن إلا اثنين، وهما: تمييز العدد، والفاعل المعنى.

ومثل المؤلف للتمييز الفاعل في المعنى بقوله: (طب نفساً)، فطب: فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت. ونفساً: تمييز محول عن الفاعل، وأصله: طابت نفسك، ولا يجوز أن تقول: طب من نفس!

وقوله: (تُفد)، أي: تعط الفائدة.

أمثلة: اشتريت شبراً أرضاً.

ويجوز: شبراً من أرض،

ويجوز وجه ثالث: شبر أرض، كما سبق في قوله: (وبعد ذي وشبهها اجرره إذا ... إلخ).

وتقول: لله درُّه فارساً.

ويجوز: لله درُّه من فارس!

وتقول: عندي عشرون كتاباً.

ولا يجوز: عندي عشرون من كتابٍ!

لكن يجوز أن تقول: عندي عشرون من الكتب، وحينئذ لا يكون تمييزاً؛ لأن تمييز العدد يكون مفرداً.

وتقول مثلاً: أكل الرجل منوين تمراً.

ويجوز: منوي تمرٍ، بالإضافة؛ لأن ذلك ليس بعدد.

تقديم عامل التمييز

ثم قال المؤلف:

(وعامل التمييز قدم مطلقاً).

عامل: مفعول مقدم. وقدِّم: هو العامل فيه.

وعامل مضاف، والتمييز: مضاف إليه.

مطلقاً: صفة لمحذوف والتقدير: تقديماً مطلقاً.

يقولون: (مطلقاً) بمعنى أنه في كل الأحوال، وإن الإطلاق يعود إلى شيء سابق أو إلى شيء لاحق، بمعنى أنه يعود إلى قيد سابق أو لاحق، فما هو القيد اللاحق؟

قال: (والفعل ذو التصريف نزراً سُبقا)

الفعل: مبتدأ.

ذو: صفة مرفوعة، وهي مضاف، والتصريف: مضاف إليه.

نزراً: ظرف منصوب، ونزراً أي: قليلاً.

سبقا: فعل ماض، والألف للإطلاق، والجملة في محل رفع خبر.

يقول المؤلف رحمه الله: إنه لا يجوز أن يتقدم التمييز على عامله، فالواجب أن يتقدم العامل عليه، فلا يجوز أن تقول: عندي رجلاً عشرونَ، أو: عندي أرضاً شبرٌ.

ويجوز أن يتقدم التمييز على عامله إذا كان العامل فعلاً متصرفاً، وذلك قليل، ولهذا قال: (نزراً سُبقا) مثاله: إذا قلت: أكرم بأبي بكر أباً، يصلح أن تقول: أباً أكرم بأبي بكر!

وقال بعض النحويين: إنه ممتنع وإن ما ورد من ذلك في اللغة العربية يحفظ ولا يقاس عليه.

قال المؤلف رحمه الله: [ التمييز

اسم بمعنى من مبين نكره ينصب تمييزاً بما قد فسره

كشبر ارضاً وقفيز براً ومنوين عسلاً وتمرا

وبعد ذي وشبهها اجرره إذا أضفتها كمد حنطة غذا

والنصب بعدما أضيف وجبا إن كان مثل ملء الأرض ذهباً

والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلاً كأنت أعلى منزلا

وبعد كل ما اقتضى تعجبا ميز كأكرم بأبي بكر أبا

واجرر بمن إن شئت غير ذي العدد والفاعل المعنى كطب نفسا تفد

وعامل التمييز قد مطلقا والفعل ذو التصريف نزراً سبقا ]

التمييز معناه الفصل بين شيئين، يقال: ميز هذا عن هذا، أي: فصل بعضهما من بعض، ويطلق أيضاً على التبيين، يقال ميز، أي بين ووضح.

أما تعريفه عند النحويين فهو أولاً: اسم. فلا يقع فعلاً ولا يقع جملة، وقد تقدم أن الحال تأتي جملة.

ثانياً: بمعنى من، يعني متضمناً لمعنى (من)، وسبق أن الحال متضمنة لمعنى (في) وأيضاً التمييز مبين للذات أو للنسبة، والحال مبينة للهيئة، تقول: جاء الرجل راكباً. فراكباً بينت هيئة الرجل كيف جاء، أما هذا فهو مبين للنسبة أو مبين للذات.

وقولك: عندي عشرون رجلاً، هذا مبين للذات؛ لأن (عشرون) عدد مبهم، و(رجلاً) بين هذا المبهم وهذا هو تمييز الذات.

وتمييز النسبة هو المحول عن الفاعل أو المفعول ونحوه، مثل: تصبب زيد عرقاً، (عرقاً) هذه تمييز مبين للنسبة، أي: نسبة التصبب إلى العرق، وأصل (تصبب زيدٌ عرقاً): تصبب عرقُ زيدٍ.

وكذلك : فجرنا الأرض عيوناً، (عيوناً) هذه تمييز، وأصله: فجرنا عيون الأرض.

فالأول محول عن فاعل، والثاني عن مفعول.

قوله: (بمعنى من) صفة لاسم.

(مبين) صفة ثانية.

(نكرة) صفة ثالثة.

(ينصب) الجملة خبر (اسم).

(تمييزاً): حال، أي: ينصب حال كونه تمييزاً.

( بما قد فسره)، أي أن عامله نفس المفسَّر الذي فسره هذا التمييز، فمثل: عندي عشرون رجلاً، الناصب للرجل هو (عشرون).

عندي صاع براً، الذي نصب (براً) هو صاع.

عندي كيلو أرضاً. الذي نصب (أرضاً) هو كيلو.

ولهذا قال: (ينصب تمييزاً بما قد فسره)، ثم ضرب له أمثلة فقال: (كشبرٍ ارضاً)، يعني تقول: لي شبرٌ أرضاً.

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع شبراً من الأرض) فأتى بـ(من)، ولو حذف (من) لكانت تمييزاً، أي من اقتطع شبراً أرضاً.

عندي شبرٌ أرضاً:

عندي: ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر مقدم.

شبرٌ: مبتدأ مؤخر.

أرضاً: تمييز لشبر منصوب به وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره. وهذا في المسافة.

قوله: (وقفيزٍ براً) القفيز ستة عشر صاعاً.

اشتريت قفيزاً براً:

اشتريت: فعل وفاعل.

قفيزاً: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.

براً: تمييز لقفيز منصوب به وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة في آخره.

قوله: (ومنوين عسلاً)، يعني: وكمنوين عسلاً وتمراً، أي: منوين من العسل والتمر.

المن مقدار بالوزن، والقفيز بالكيل، والشبر بالمساحة.

عسلاً: تمييز بمنوين. وتمراً معطوف عليه.

مثاله: اشتريت منَّاً تمراً:

اشتريت: فعل وفاعل.

ومنَّاً: مفعول به منصوب.

تمراً: تمييز بمنٍّ منصوب به وعلامة نصبه فتحة ظاهرة في آخره.

قال:

(وبعد ذي وشبهها اجرره إذا أضفتها كمد حنطة غذا)

(بعد ذي) يعني: والتمييز الواقع بعد هذه، أي: آخر مثال، (وشبهها) كالمثالين قبله (اجرره) إذا أضفتها إليه، ثم مثل بقوله: (مد حنطة).

ومثال ذلك أن تقول أيضاً: اشتريت منَّ تمرٍ، اشتريت قفيز برٍ، ملكت شبرَ أرضٍ، فصار الآن ما وقع بعد مساحة أو كيل أو وزن لنا في إعرابه وجهان: الوجه الأول: أن ننون المساحة أو المكيال أو المثقال، وإذا نوناها نصبنا ما بعدها على التمييز.

الوجه الثاني: أن نضيفها، فإذا أضفناه جررناه بالإضافة، فمثلاً تقول: اشتريت شبرَ أرضٍ، ويجوز: شبراً أرضاً.

طحنت قفيز برٍ، ويجوز: قفيزاً براً.

اشتريت منَّ عسلٍ، ويجوز: مناً عسلاً.

قوله: (والنصب بعدما أضيف وجبا)

يتعين نصب التمييز إذا أضيف المميز لتعذر الإضافة حينئذ.

تقول: اشتريت مثقال درهمٍ عسلاً، ولا يجوز أن أقول: اشتريت مثقال درهمٍ عسلٍ!

ومثاله أيضاً من القرآن: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ [آل عمران:91].

ملء: مقدار بالكيل، وعلى هذا نقول: ملءُ الأرض ذهباً، يتعين فيها النصب لتعذر الإضافة.

قوله: (والفاعل المعنى انصبن بأفعلا مفضلاً كأنت أعلى منزلا)

الفاعل المعنى: مفعول لانصبن مقدم. يعني: الفاعل في المعنى.

انصبن: فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الخفيفة.

وقوله: (انصبن بأفعلا مفضلاً) يعني: قاصداً التفضيل؛ إما تفضيل زيد على زيد، أو تفضيل حاله على حاله وما أشبه ذلك.

والمعنى أنه إذا وقع التمييز بعد اسم التفضيل وهو فاعل في المعنى فانصبن.

فقوله: (أنت أعلى منزلا) أصله: أنت علا منزلك، فتجد أن (أعلى) يقوم مقامه (علا)، و(منزلاً) يقوم مقامه الفاعل، فمنزل إذاً فاعل في المعنى.

أما نحو: زيد أفضل رجل، فلا نقول إن (رجل) هذا ينصب على التمييز؛ لأنه ليس فاعلاً في المعنى.

والحاصل أن كل اسم يقع بعد أفعل التفضيل فإن كان فاعلاً في المعنى نصب تمييزاً، وإلا وجب جره بالإضافة.

تقول مثلاً: أنا أكثر منك مالاً، أي: كثر مالي على مالك. وأعز نفراً: عز نفري على نفرك.

إذا قلت: فلان أكرم رجل، فليس رجل فاعلاً في المعنى، لأنه لا يصلح أن نقول: فلان كرُم رجل، إذاً يجب جره بالإضافة فتقول: أكرمُ رجلٍ.

وتقول: المؤذنون أطول الناس أعناقاً، أعناقاً: تمييز؛ لأن أصله: طالت أعناقهم، فإذاً هو فاعل في المعنى.

تقول مثلاً: فلان أسلمُ قلباً، قلباً: تمييز، والمعنى: سلم قلبه، وتقول: قلب فلانٌ أسلم قلبٍ، ولا يصلح أن نقول: قلب فلانٌ أسلمُ قلباً؛ لأن القلب هو القلب، إذاً: فيجب جره بالإضافة.

والحاصل من هذا البيت أنه إذا وقع بعد اسم التفضيل اسم محول عن الفاعل في المعنى وجب نصبه على التمييز، وإن لم يكن فاعلاً في المعنى وجب جره بالإضافة، والله أعلم.




استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح ألفية ابن مالك [68] 3429 استماع
شرح ألفية ابن مالك [2] 3263 استماع
شرح ألفية ابن مالك [15] 3124 استماع
شرح ألفية ابن مالك[65] 2987 استماع
شرح ألفية ابن مالك[55] 2948 استماع
شرح ألفية ابن مالك [67] 2918 استماع
شرح ألفية ابن مالك [7] 2914 استماع
شرح ألفية ابن مالك [24] 2906 استماع
شرح ألفية ابن مالك [9] 2824 استماع
شرح ألفية ابن مالك [66] 2808 استماع