{وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} - عبد اللطيف بن هاجس الغامدي
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:فإن الصلاة والصيام والصدقة من أعظم الطاعات، وأكرم العبادات، وأجل القربات، وفضلها لا يخفى على ذي لبٍّ أو قلبٍ، ولكن ما الدرجة التي هي أفضل من الصلاة والصيام والصدقة؟!
إنه سؤال كبير يبحث عن أجر كثير!
ولكي نعرف الجواب الصواب على مثل هذا السؤال، لا بد أن نرجع للمنهل العذب، وللمعين الصافي، وللمورد النقي من كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ففيها الكفاية لمن أراد الله به الهداية، فهلمَّ يا باغي الخير.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألَا أُخبِرُكم بأفضَلَ مِن درجةِ الصِّيامِ والقيامِ؟».
قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ قال: «إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ، وفسادُ ذاتِ البَيْنِ هي الحالقةُ» (سنن أبي داود؛ برقم: [4919]).
فهذه هي الدرجة السامقة والمرتبة السامية التي ينالها من أكرمه مولاه بالإصلاح بين الناس، وتأليف قلوبهم، وجمع شملهم، ودفع غوائل العداوات بينهم، ومنع أسباب الفرقة والقطيعة عنهم.
قال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [ النساء من الآية:128].
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات من الآية:10].
والإصلاح بين المتخاصمين ليعودوا إخوة متحابين من أعظم الصدقات التي يحبها الله، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله رسول الله عليه وسلم: «أَلا أدُّلُكَ على صدقةٍ يُحبُّ اللهُ موضعَها؟ تُصلحْ بين الناسِ، فإنَّها صدقةٌ يُحبُّ اللهُ موضعَها» (السلسلة الصحيحة؛ برقم: [2644]).
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضلُ الصَّدَقَةِ إِصْلاحُ ذَاتِ البَيْنِ» (السلسلة الصحيحة؛ برقم: [2639]).
وهي التجارة الرابحة، والسلعة الغالية، التي من فاز بها نال أعلى الدرجات، وأغلى المكاسب، وأغنى مراتب الربح والغنيمة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي أيوب رضي الله عنه: «ألا أدُلُّك على تجارةٍ؟».
قال: بلى.
قال: «صِلْ بين الناسِ إذا تفاسدوا، وقرِّبْ بينهم إذا تباعَدوا» (صحيح الترغيب والترهيب؛ برقم: [2818]).
وهي من أعظم الأعمال، وأكرم الأفعال، وأجمل الأقوال.
قال تعالى: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء من الآية:114].
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عملَ ابنُ آدمَ شيئًا أفضلَ من الصلاةِ، وصلاحِ ذاتِ البَيْنِ، وخُلُقٍ حَسَنٍ» (السلسلة الصحيحة؛ برقم: [1448]).
فقم بدورك المبارك في الإصلاح بين المتخاصمين، ورأب الصدع بين المتقاطعين، وتأليف القلوب بين المتنافرين، ليكونوا كما أمرهم مولاهم كالبنيان المرصوص، والجسد الواحد، والكيان المترابط المتكاتف المتآلف، رعاك مولاك، وسدّد على الخير قولك وفعلك وخطاك!