خطب ومحاضرات
صفات عباد الرحمن
الحلقة مفرغة
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، اللهم لك الحمد بالإسلام، اللهم لك الحمد بالإيمان، اللهم لك الحمد بالقرآن، اللهم لك الحمد على ما أنعمت به من أخوة الإيمان ومحبة التقوى، ولك الحمد على ما جمعت به وله هذه الوجوه الخيرة الطيبة، ولك الحمد أولاً وآخراً، ولك الحمد حتى ترضى ولك الحمد بعد الرضا، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك، وصفوتك وخيرتك من خلقك محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، الذين فرضوا وسنوا سنة الأخوَّة في الله، والتآخي في ذات الله، والمحبة والتزاور في جلال الله تبارك وتعالى، فكانوا خير أمة أخرجت للناس، فصلِّ اللهم وسلم وبارك عليهم، واجعلنا ممن يقتفي أثرهم، وينتهج نهجهم، ويسير على خطاهم، إنك على كل شيء قدير.
أما بعــد:
شيوخنا العلماء، وآبائي شيوخ القبائل الكرام، وإخواني الكرام أجمعين -الصغير منهم والكبير في هذه القبيلة الطيبة بني كنانة، وفي هذه المنطقة عامة- إن اللسان ليعجز عن التعبير، وإن البيان ليتلعثم ويتردد عندما يكون الموقف مثل هذا الموقف، ماذا نقول لهؤلاء الآباء والإخوة الكرام، الذين أنزلونا منزلةً لا نستحقها، ولكن هكذا أرادوا وهكذا دفعتهم محبتهم وليس في إمكاننا إلا أن نقول: اللهم اغفر لنا ما لا يعلمون واجعلنا خيراً مما يظنون.
نعم. إنّ اللقاء في الله، والمحبة فيه، والاجتماع لذكره هو خير ما يسعى له العبد المؤمن، فاغتفرنا -من أجل ذلك وفي سبيله- كل ما يقال وكل ما لا نرضى، ولو أُقررنا أو أُخذ رأينا فإنا لا نقره.
وإنما نريد من جميع ومن الإخوان أكرمهم الله وجزاهم الله خيراً ثمرة اللقاء وخلاصته؛ وهي الدعوة بظهر الغيب لكل من يدعو إلى الله عز وجل؛ ونريد من الإخوة الكرام وفيهم الأولياء والصالحون والمتقون بإذن الله أن ينصروا دين الله تبارك وتعالى، فهو أعظم من الأشخاص وأجل منهم -وإن كان من سنة الله ألا يقوم الدين إلا بأفراد وأشخاص-.
ونريد من آبائنا وإخواننا وهم سلالة تلك النخبة الطاهرة النقية من صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلماء الأمة وخيارها، والتابعين لهم بإحسان، والمجددين في كل القرون، أن يجعلوا -بإذن الله- هذه العواطف الجياشة، وهذا الشعور الفياض؛ قوة دافعة لرفع كلمة الله، ولإعلاء دين الله، ولمؤازرة من يدعو إلى الله، ومن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في كل قرية وفي كل قبيلة وفي كل مكان من أرجاء المعمورة، وإنهم لأهل لذلك بإذن الله.
إنّ الجميع يشكرونكم -وأنا لا أعبر عن مشاعري وحدي- ويرون في وجوهكم وملامحكم مشاعر الصدق والأخوة والمحبة الخالصة، والجميع يريدون -بإذن الله تبارك وتعالى- أن نكون يداً واحدة من أجل إعلاء كلمة الله، فلا نريد دنياً ولا جاهاً ولا مالاً ولا فخراً ولا خيلاءً ولا مباهاةً.
وإنما نريد جميعاً وجه الله تبارك وتعالى، ونريد الدار الآخرة وما أعد الله تبارك وتعالى لعبادة المتقين وأوليائه الصالحين: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]... فشكر الله لكم أولاً، وشكر لكم آخراً، وجزاكم عنا كل خير، ونخص بالذكر والشكر أخانا الكريم ابن هذه القبيلة الشيخ عبد العزيز حفظه الله وجزاه عنا كل خير، فقد كان له الفضل، وقد كنت أقول لأهل هذه القبيلة عامة: إن ما قام به جزاه الله خيراً يكفي وينوب لا عن قبيلة بني كنانة خاصة بل عن زهران كافة؛ ولكن كرمكم أصر وألح إلا أن يكون له لقاء ويكون لكم لقاء، فجزاكم الله وإياه خير الجزاء.
ثم أيها الإخوة الكرام -كما تفضل الإخوة- إنما غرض الاجتماع واللقيا هو التواصي بذكر الله: التواصي بالحق والتواصي بالصبر.
وإن الإنسان عندما يأتي إلى أمثالكم يتحير في أي موضوع يتحدث فيه، وأي وصية يريد أن يوصي بها، وأي مقال يتكلم به، ولكن كل مرة أجد نفسي لا بد أن أتكلم من وحي الوحي، من وحي كتاب الله تبارك وتعالى، فكلما تأمل الإنسان هذا الكتاب العظيم، والذكر المبين، والصراط المستقيم، الذي لا يمل منه القُرَّاء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الترداد، فإنه لن يرضى غيره بديلاً.
وعندما قرأ الإمام -حفظه الله وجزاه خيراً- هذه الآيات البينات من أواخر سورة الفرقان، ذهب كل موضوع واستجمع الذهن كله إلا أن يكون الحديث عن هذه الآيات البينات، بل عن شيءٍ ونزر يسير مما توحي إليه هذه الآيات العظيمات من كتاب الله تبارك وتعالى.
فهذا الكتاب هو الذي يجب أن يكون في أيدينا وفي قلوبنا، ملء أسماعنا وأبصارنا، نعظ به أنفسنا، وندعو الناس به وإليه؛ كما قال الله تبارك وتعالى لعبده ورسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيد [ق:45] وجاء في الآيات الأخرى في سورة إبراهيم قول الله تعالى لموسى عليه السلام: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم:5].
ومن أعظم أنواع التذكير: التذكير بالقرآن وبالآيات المشاهدة المحسوسة من أيام الله.. ومن وقائع الله تبارك وتعالى في الذين من قبلنا، وفي مصارع الأمم ومهالكها.
فمن لم يعتبر ويتعظ بالقرآن ولا بأيام الله في الذين خلوا من قبلنا كقوم نوح وعاد وثمود، والذين من بعدهم قروناً بعد ذلك كثيرة؛ فبماذا يتعظ وبماذا يعتبر؟
معنى تبارك وتعالى
فإنك لن تجد أفضل من أن تقول: تبارك الله، فهي كلمة واضحة والقلب يستشربها ويستشعرها من غير أن يفسرها، وفي قوله تعالى: تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54] وقوله: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14] وقوله: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1] وقوله: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان:1] فتبارك الله، أي: تعالى وتقدس، وهي بذاتها -كما قلت- كافية.
الرد على الكفار في إنكارهم للرحمن
والله تبارك وتعالى في هذه الآيات البينات يقول: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً [الفرقان:61] سبحان الله وتبارك! هذه الكلمة ككثير من ألفاظ القرآن، خير ما تفسرها به هي نفسها، فلو قلت: ما معنى تبارك؟
فإنك لن تجد أفضل من أن تقول: تبارك الله، فهي كلمة واضحة والقلب يستشربها ويستشعرها من غير أن يفسرها، وفي قوله تعالى: تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54] وقوله: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14] وقوله: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1] وقوله: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان:1] فتبارك الله، أي: تعالى وتقدس، وهي بذاتها -كما قلت- كافية.
إنّ الله تبارك وتعالى -في أواخر هذه الآيات العظيمة- يريد أن يرد على الكفار الذين أمروا بأن يعبدوا الله، وأنه تبارك وتعالى من أعظم وأجل أسمائه اسم الرحمن، فقال: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110] أي: اسم الله أو الرحمن، وهما أعظم أسماء الله عز وجل؛ لكن ماذا قال المشركون: قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً [الفرقان:60] وقال بعضهم: "لا نعرف رحماناً إلا رحمان اليمامة" مكراً واستهزاءً وسخرية؛ فذكر الله تبارك وتعالى في هذه الآيات العظيمة دلائل كونه الرحمن تبارك وتعالى.
والدلائل على أنه الرحمن وعلى أنه المعبود الحق تأتي على نوعين:
النوع الأول : الدلائل والآيات الكونية
ترى آيات كونية عظيمة، فالكواكب والنجوم والمنازل التي هي البروج، عجز العلماء في كل زمان ومكان -حتى في عصر المكبرات والمقربات والمراصد الضخمة- عن أن يعرفوا أبعاد ونهايات هذا الكون وهذه الكواكب والشموس؛ وهذه المجرات العظيمة، فيقولون: إنها لا نهاية لها، ونحن نعلم أن لها نهاية، غير أن كل ما لا يستطيعون إدراكه يقولون عنه: لا نهاية له، من شدة أبعاده.
فنقول: كل ذلك في حدود السماء الدنيا؛ فما بالك بالسماوات السبع؟!
فما بالك بالكرسي؟!
فما بالك بالعرش وهو أعظم المخلوقات؟!
وفوق العرش رب العالمين تبارك وتعالى فسبحان الله! ما أعظم الله! وما أعظم الدلائل البينة على قدرته وكماله وعلوه وقهره تبارك وتعالى! فهذه البروج هي دلائل عجيبة.
ثم ذكر الله تبارك وتعالى آيتين صغيرتين نراهما نحن كبيرتين، وهما في الحقيقة صغيرتان بالنسبة إلى الكون العظيم، وإلى خلق الله، وملك الله، وهما: الشمس والقمر، فهما آيتان عظيمتان، ولولا أن العقول البشرية إذا تكرر عليها شيء، فإنها تنساه حتى لا تكاد تذكره؛ لكان أعظم شيءٍ في هذه الدنيا هو الشمس؛ ولولا أنها تتكرر كل يوم؛ لكان الناس كل يوم يجلسون في بيوتهم ينتظرونها متى تظهر ويتعجبون منها! فقد أصبح الكثير منا لا ينظر إليها ولا يدري متى أشرقت أو متى غربت، ولا شك أن هذا من الغفلة! لكن لو تأمل الإنسان في هذه الشمس لرأى عجباً! ما هذا السراج الوهاج؟!
ما هذه الأشعة؟
ومن أين يأتي هذا الضوء من مسافات هائلة بهذه الدقة، وبهذه المواعيد؛ لتستقيم حياتنا ومعاشنا، فتنضج الثمار ويكبر الصغار، وتكون الحياة، وتكون عملية التبخر، وعملية إنشاء السحاب الثقال، والأمطار والزهور والورود.
عمليات كثيرة جداً، منها ما يتكلم عنه علماء الأحياء والطبيعة، ومنها ما لا يتكلمون عنه، ومنها ما يراها العامي، ومنها ما يدركها الفلاح، ومنها ما يدركها العالم الكبير، وتزداد الأيام والليالي توسعاً في هذا العلم عن هذه الآية العظيمة من آيات الله، ولا تنتهي أبداً فهذه الشمس وهي: فهي السراج.
أما القمر فكما قال تعالى: وَقَمَراً مُنِيراً [الفرقان:61] أي: إن للقمر نوراً، فالله تعالى قد جعل الشمس ضياءً وسراجاً، وجعل القمر نوراً، فهو ليس سراجاً أي: مشتعلاً؛ وإنما هو نور يعكس -بقدرة الله تبارك وتعالى- ضوء الشمس.
وأنت لا تدخل مكتباً من مكاتب الدنيا لموظف أو عامل إلا وأمامه تقويم من أجل المواعيد، ومعرفة الأيام؛ لأن الله تعالى يعرف حاجتنا إلى أن نعرف عدد السنين والحساب كما قال سبحانه: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [يونس:5] فقد جعل لنا هذه العلامة -القمر- تقويماً عجيباً جداً اختص به المسلمين، ولكن مع الأسف -وهذا من جملة أمور كثيرة تركناها من الأصالة وهي من الدين ومن الخير والفضيلة، ثم أخذنا نتشبه بالكفار- تركنا تقويمنا وأخذنا نحسب بأشهر الكفار.
فنقول: هذه آية عظيمة، فالإنسان إن كان عامياً أو كان فلاحاً، إن كان في البادية أو كان في أي مكان، فإنه يستطيع أ، يعرف أن هذا نصف الشهر أو آخره؛ وكذلك جعل الله تبارك وتعالى الحج، وجعل العبادات كالصيام والصلاة مرتبطة -أيضاً- بالشمس، وبهذا الذي هو تقويم في كبد السماء، واضح جلي عجيب، فهو يراه كل الناس فيعرفون نعمة الله تبارك وتعالى عليهم، كما ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه فقال: وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً [الإسراء:12] فالله سبحانه وتعالى فصّل لنا تلك الآيات، وامتن علينا بها، فالشهر كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هكذا أو هكذا} أي: إما ثلاثون يوماً أو تسعة وعشرون يوماً "بحسب النظر والرؤية للقمر لا بشيء آخر غير ذلك، فهذه من أعظم نعم الله تبارك وتعالى، ولا نطيل فيها ولا في تعدادها لأننا نريد أن ندخل في الأمر الذي نحن نحتاجه وقلوبنا ظمأى إليه.
النوع الثاني: الاستدلال بعباد الرحمن
إن العاقل البصير يستطيع أن يستدل على أي ملكٍ أو مالكٍ لشيءٍ من الأشياء، ومن كان له صحبة أو فئة أو جماعة أو أتباع؛ بأتباعه وصحبته أو بمن ينتمي وينتسب إليه.
ولذلك عندما نعلم أن أفضل الخلق هم الصحابة بعد الأنبياء، وعندما نرى سيرة صحابي واحد من الصحابة؛ فإننا نجد أحدهم آية من آيات الله تتحرك على الأرض، ثم كيف بمجموع الصحابة، ومن الذي رباهم؟!
فنستدل بذلك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه أفضل الخلق أجمعين، وأفضل المربين، والمعلمين، كما قال معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه: (بأبي هو وأمي ما رأيت قبله ولا بعده معلماً أفضل منه ) أي: لا يمكن أن يكون هناك معلمٌ للخير أفضل أو مثل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فكذلك أيها الكفار المكذبون بالرحمن، انظروا إلى عباد الرحمن! وانظروا إلى من ينتسب إلى عبودية الرحمن وانظروا ما هي صفاتهم، لتعلموا أنه الرحمن حقاً!
وهي آيات عظيمة باهرة عجيبة! قال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ [الواقعة:75-76] فنجد آيات عجيبة في هذا الكون الممدود أمامنا! ولذلك عندما تتأمل في أي شيء يرتد إليك البصر خاسئاً وهو حسير.. فانظر إلى الآفاق أمامك! وانظر إلى الجبال! وانظر إلى السحاب والسماء! ماذا ترى من آيات الله تبارك وتعالى!
ترى آيات كونية عظيمة، فالكواكب والنجوم والمنازل التي هي البروج، عجز العلماء في كل زمان ومكان -حتى في عصر المكبرات والمقربات والمراصد الضخمة- عن أن يعرفوا أبعاد ونهايات هذا الكون وهذه الكواكب والشموس؛ وهذه المجرات العظيمة، فيقولون: إنها لا نهاية لها، ونحن نعلم أن لها نهاية، غير أن كل ما لا يستطيعون إدراكه يقولون عنه: لا نهاية له، من شدة أبعاده.
فنقول: كل ذلك في حدود السماء الدنيا؛ فما بالك بالسماوات السبع؟!
فما بالك بالكرسي؟!
فما بالك بالعرش وهو أعظم المخلوقات؟!
وفوق العرش رب العالمين تبارك وتعالى فسبحان الله! ما أعظم الله! وما أعظم الدلائل البينة على قدرته وكماله وعلوه وقهره تبارك وتعالى! فهذه البروج هي دلائل عجيبة.
ثم ذكر الله تبارك وتعالى آيتين صغيرتين نراهما نحن كبيرتين، وهما في الحقيقة صغيرتان بالنسبة إلى الكون العظيم، وإلى خلق الله، وملك الله، وهما: الشمس والقمر، فهما آيتان عظيمتان، ولولا أن العقول البشرية إذا تكرر عليها شيء، فإنها تنساه حتى لا تكاد تذكره؛ لكان أعظم شيءٍ في هذه الدنيا هو الشمس؛ ولولا أنها تتكرر كل يوم؛ لكان الناس كل يوم يجلسون في بيوتهم ينتظرونها متى تظهر ويتعجبون منها! فقد أصبح الكثير منا لا ينظر إليها ولا يدري متى أشرقت أو متى غربت، ولا شك أن هذا من الغفلة! لكن لو تأمل الإنسان في هذه الشمس لرأى عجباً! ما هذا السراج الوهاج؟!
ما هذه الأشعة؟
ومن أين يأتي هذا الضوء من مسافات هائلة بهذه الدقة، وبهذه المواعيد؛ لتستقيم حياتنا ومعاشنا، فتنضج الثمار ويكبر الصغار، وتكون الحياة، وتكون عملية التبخر، وعملية إنشاء السحاب الثقال، والأمطار والزهور والورود.
عمليات كثيرة جداً، منها ما يتكلم عنه علماء الأحياء والطبيعة، ومنها ما لا يتكلمون عنه، ومنها ما يراها العامي، ومنها ما يدركها الفلاح، ومنها ما يدركها العالم الكبير، وتزداد الأيام والليالي توسعاً في هذا العلم عن هذه الآية العظيمة من آيات الله، ولا تنتهي أبداً فهذه الشمس وهي: فهي السراج.
أما القمر فكما قال تعالى: وَقَمَراً مُنِيراً [الفرقان:61] أي: إن للقمر نوراً، فالله تعالى قد جعل الشمس ضياءً وسراجاً، وجعل القمر نوراً، فهو ليس سراجاً أي: مشتعلاً؛ وإنما هو نور يعكس -بقدرة الله تبارك وتعالى- ضوء الشمس.
وأنت لا تدخل مكتباً من مكاتب الدنيا لموظف أو عامل إلا وأمامه تقويم من أجل المواعيد، ومعرفة الأيام؛ لأن الله تعالى يعرف حاجتنا إلى أن نعرف عدد السنين والحساب كما قال سبحانه: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ [يونس:5] فقد جعل لنا هذه العلامة -القمر- تقويماً عجيباً جداً اختص به المسلمين، ولكن مع الأسف -وهذا من جملة أمور كثيرة تركناها من الأصالة وهي من الدين ومن الخير والفضيلة، ثم أخذنا نتشبه بالكفار- تركنا تقويمنا وأخذنا نحسب بأشهر الكفار.
فنقول: هذه آية عظيمة، فالإنسان إن كان عامياً أو كان فلاحاً، إن كان في البادية أو كان في أي مكان، فإنه يستطيع أ، يعرف أن هذا نصف الشهر أو آخره؛ وكذلك جعل الله تبارك وتعالى الحج، وجعل العبادات كالصيام والصلاة مرتبطة -أيضاً- بالشمس، وبهذا الذي هو تقويم في كبد السماء، واضح جلي عجيب، فهو يراه كل الناس فيعرفون نعمة الله تبارك وتعالى عليهم، كما ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كتابه فقال: وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً [الإسراء:12] فالله سبحانه وتعالى فصّل لنا تلك الآيات، وامتن علينا بها، فالشهر كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {هكذا أو هكذا} أي: إما ثلاثون يوماً أو تسعة وعشرون يوماً "بحسب النظر والرؤية للقمر لا بشيء آخر غير ذلك، فهذه من أعظم نعم الله تبارك وتعالى، ولا نطيل فيها ولا في تعدادها لأننا نريد أن ندخل في الأمر الذي نحن نحتاجه وقلوبنا ظمأى إليه.
وأما الدليل الآخر غير الدلائل الكونية فهو: الاستدلال على الرحمن بعباد الرحمن، سبحان الله! كيف يكون هذا؟!
إن العاقل البصير يستطيع أن يستدل على أي ملكٍ أو مالكٍ لشيءٍ من الأشياء، ومن كان له صحبة أو فئة أو جماعة أو أتباع؛ بأتباعه وصحبته أو بمن ينتمي وينتسب إليه.
ولذلك عندما نعلم أن أفضل الخلق هم الصحابة بعد الأنبياء، وعندما نرى سيرة صحابي واحد من الصحابة؛ فإننا نجد أحدهم آية من آيات الله تتحرك على الأرض، ثم كيف بمجموع الصحابة، ومن الذي رباهم؟!
فنستدل بذلك على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه أفضل الخلق أجمعين، وأفضل المربين، والمعلمين، كما قال معاوية بن الحكم السلمي رضي الله تعالى عنه: (بأبي هو وأمي ما رأيت قبله ولا بعده معلماً أفضل منه ) أي: لا يمكن أن يكون هناك معلمٌ للخير أفضل أو مثل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فكذلك أيها الكفار المكذبون بالرحمن، انظروا إلى عباد الرحمن! وانظروا إلى من ينتسب إلى عبودية الرحمن وانظروا ما هي صفاتهم، لتعلموا أنه الرحمن حقاً!
استمع المزيد من الشيخ الدكتور سفر الحوالي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المناهج | 2599 استماع |
(قاعدة أهل السنة في معاملة الأمة) لابن تيمية | 2575 استماع |
العبر من الحروب الصليبية | 2509 استماع |
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم | 2461 استماع |
إبلاغ الأمة بكيفية محبة الرسول | 2349 استماع |
من أعمال القلوب: (الإخلاص) | 2264 استماع |
العبر من الحروب الصليبية [1، 2] | 2261 استماع |
الممتاز في شرح بيان ابن باز | 2251 استماع |
خصائص أهل السنة والجماعة | 2198 استماع |
الشباب مسئولية من؟ | 2167 استماع |