أبواب الديات


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المصنف رحمه الله: [ أبواب الديات.

باب التغليظ في قتل مسلم ظلماً.

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير و علي بن محمد و محمد بن بشار قالوا: حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ).

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سن القتل ).

حدثنا سعيد بن يحيى بن الأزهر الواسطي قال: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ).

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الرحمن بن عائذ عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من لقي الله لا يشرك به شيئاً، لم يتندّ بدم حرام، دخل الجنة ).

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا مروان بن جناح عن أبي الجهم الجوزجاني عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق ).

حدثنا عمرو بن رافع قال: حدثنا مروان بن معاوية قال: حدثنا يزيد بن زياد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة، لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب هل لقاتل مؤمن توبة.

حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال: ( سئل ابن عباس عمن قتل مؤمناً متعمداً ثم تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى؟ قال: ويحه، وأنى له الهدى؟ سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم وهو يقول: يجيء القاتل والمقتول يوم القيامة متعلق برأس صاحبه، يقول: رب سل هذا لم قتلني؟ والله لقد أنزلها الله عز وجل على نبيكم، ثم ما نسخها بعدما أنزلها ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أنبأنا همام بن يحيى عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ألا أخبركم بما سمعت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ سمعته أذناي ووعاه قلبي: ( إن عبداً قتل تسعة وتسعين نفساً، ثم عرضت له التوبة، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل فأتاه فقال: إني قتلت تسعة وتسعين نفساً، فهل لي من توبة؟ قال: بعد تسعة وتسعين نفساً! قال: فانتضى سيفه فقتله فأكمل به المائة، ثم عرضت له التوبة، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل فأتاه، فقال: إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ فقال: ويحك، ومن يحول بينك وبين التوبة؟

اخرج من القرية الخبيثة التي أنت بها، إلى القرية الصالحة قرية كذا وكذا، فاعبد ربك فيها، فخرج يريد القرية الصالحة، فعرض له أجله في الطريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قال إبليس: أنا أولى به، إنه لم يعصني ساعة قط. قال: فقالت ملائكة الرحمة: إنه خرج تائباً ).

قال همام: فحدثني حميد الطويل عن بكر بن عبد الله عن أبي رافع رضي الله عنه قال: ( فبعث الله عز وجل ملكاً، فاختصموا إليه ثم رجعوا. فقال: انظروا أي القريتين كانت أقرب، فألحقوه بأهلها ).

قال قتادة: فحدثنا الحسن قال: ( لما حضره الموت احتفز بنفسه فقرب من القرية الصالحة، وباعد منه القرية الخبيثة، فألحقوه بأهل القرية الصالحة ).

حدثنا أبو العباس بن عبد الله بن إسماعيل البغدادي قال: حدثنا عفان قال: حدثنا همام، فذكر نحوه ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب من قتل عمداً فرضي بالدية.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر: ( عن زيد بن ضميرة حدثني أبي وعمي، وكانا شهدا حنيناً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، ثم جلس تحت شجرة، فقام إليه الأقرع بن حابس- وهو سيد خندف- يرد عن دم محلم بن جثامة، وقام عيينة بن حصن يطلب بدم عامر بن الأضبط وكان أشجعيا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: تقبلون الدية؟ فأبوا، فقام رجل من بني ليث يقال له مكيتل فقال: يا رسول الله! والله ما شبّهت هذا القتيل في غرة الإسلام، إلا كغنم وردت فرميت فنفر آخرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم خمسون في سفرنا، وخمسون إذا رجعنا, فقبلوا الدية ).

حدثنا محمد بن خالد الدمشقي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل عمداً دفع إلى أولياء القتيل، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وذلك ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وذلك عقل العمد، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك تشديد العقل ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب دية شبه العمد مغلظة.

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة عن أيوب قال: سمعت القاسم بن ربيعة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( قتيل الخطأ شبه العمد، قتيل السوط والعصا، مائة من الإبل، أربعون منها في بطونها أولادها ).

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا سليمان بن حرب قال: حدثنا حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

حدثنا عبد الله بن محمد الزهري قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن جدعان أنه سمعه من القاسم بن ربيعة عن ابن عمر رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم فتح مكة، وهو على درج الكعبة، فحمد الله وأثنى عليه فقال: الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبدهن وهزم الأحزاب وحده، ألا إن قتيل الخطأ قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل، منها أربعون خلفة في بطونها أولادها، ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية ودم تحت قدمي هاتين، إلا ما كان من سدانة البيت وسقاية الحاج، ألا إني قد أمضيتهما لأهلهما كما كانا ).

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا معاذ بن هانئ قال: حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الدية اثني عشر ألفاً ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب دية الخطأ.

حدثنا إسحاق بن منصور المروزي قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أنبأنا محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل خطأً فديته من الإبل ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون حقة وعشر بني لبون.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقومها على أهل القرى أربع مائة دينار، أو عدلها من الورق، ويقومها على أزمان الإبل إذا غلت رفع في ثمنها، وإذا هانت نقص من ثمنها على نحو الزمان ما كان، فبلغ قيمتها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الأربع مائة دينار إلى ثمان مائة دينار، أو عدلها من الورق ثمانية آلاف درهم، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من كان عقله في البقر، على أهل البقر مائتي بقرة، ومن كان عقله في الشاء، على أهل الشاء ألفي شاة ).

حدثنا عبد السلام بن عاصم قال: حدثنا الصباح بن محارب قال: حدثنا حجاج بن أرطاة قال: حدثنا زيد بن جبير عن خشف بن مالك الطائي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( في دية الخطأ عشرين حقة، وعشرين جذعة، وعشرين بنت مخاض، وعشرين بنت لبون، وعشرين بني مخاض ذكور ).

حدثنا العباس بن جعفر قال: حدثنا محمد بن سنان قال: حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الدية اثني عشر ألفاً قال: وذلك قوله: (( وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ))[التوبة: 74]. قال: بأخذهم الدية ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الدية على العاقلة فإن لم تكن له عاقلة ففي بيت المال.

حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا أبي عن منصور عن إبراهيم عن عبيد بن نضيلة عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: ( قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة ).

حدثنا يحيى بن درست قال: حدثنا حماد بن زيد عن بديل بن ميسرة عن علي بن أبي طلحة عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عن المقدام الشامي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا وارث من لا وارث له، أعقل عنه وأرثه، والخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه ) ].

والدية تكون على العاقلة تيسير وتشديد، تيسير على الإنسان, وذلك ألا يتحمل ما لا يطيق, وتشديد عليه من باب الردع والتأديب, أن تكلف العاقلة وهي قرابة الإنسان وذوي أرحامه بدفع الدية, حتى يكون حرّ الدم يتحمله الأقربون من الإنسان, سواء من أهله وذويه وأرحامه وقراباته, حتى يكون له زاجراً إلا يعود إلى مثلها.

قال المصنف رحمه الله: [ باب من حال بين ولي المقتول، وبين القود أو الدية.

حدثنا محمد بن معمر قال: حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا سليمان بن كثير عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل في عمّيّة أو عصبيّة بحجر أو سوط أو عصاً، فعليه عقل الخطأ، ومن قتل عمداً فهو قود، ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما لا قود فيه.

حدثنا عمار بن خالد الواسطي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن دهثم بن قران قال: حدثني نمران بن جارية عن أبيه: ( أن رجلاً ضرب رجلاً على ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل، فاستعدى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر له بالدية. فقال: يا رسول الله! إني أريد القصاص، فقال: خذ الدية، بارك الله لك فيها، ولم يقض له بالقصاص ).

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن معاذ بن محمد الأنصاري عن ابن صهبان عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا قود في المأمومة ولا الجائفة ولا المنقّلة ) ].

باعتبار أن القصاص فيها ربما يجحف الإنسان ويؤذيه, وذلك إذا كان الكسر من غير مفصل, فربما تضاعف ذلك وأدى إلى إزهاق نفسه، ولكن إذا أمكن في الطب الحديث أن يكون القصاص من غير أذية, فالأصل فيها القود، فيجرى على الأصل، وإنما انتفي ذلك في الصدر الأول لعدم إمكانه, فإذا أمكن ذلك فيقال به.

قال المصنف رحمه الله: [ باب الجارح يفتدى بالقود.

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقاً، فلاجّه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود يا رسول الله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم كذا وكذا, فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا. فرضوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم؟ قالوا: نعم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا، أرضيتم؟ قالوا: لا، فهم بهم المهاجرون، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفوا فكفوا، ثم دعاهم فزادهم قال: أرضيتم؟ قالوا: نعم، قال: إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم, قالوا: نعم، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: أرضيتم؟ قالوا: نعم ).

قال ابن ماجه: سمعت محمد بن يحيى يقول: تفرد بهذا معمر، لا أعلم رواه غيره ].

ومما لا يقاد الوالد بولده, وهذا من المسائل التي لا خلاف فيها, وقد ذكر النووي عليه رحمة الله أن هذا اتفاق الصحابة.