أبواب الرهون


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المصنف رحمه الله: [ الرهون.

باب.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن إبراهيم قال: حدثني الأسود عن عائشة: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً إلى أجل، وأرهنه درعه ).

وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي, وفي هذا جواز التعامل في البيع مع اليهود أهل العهد والذمة, وكذلك أيضاً التعامل مع من يتعامل بالحرام إذا تعاملت معه بحلال, ومعلوم أن اليهود يتعاملون بالربا, ويأخذون الرشوة, وغير ذلك من الأمور المحرمة, فإذا كان العقد بينك وبين من يتعامل بالحرام حلالاً, فإن المنظور إليه هو ما بينكما.

وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تعامل مع اليهودي مع أن كثيراً من أصحابه من أصحاب القدرة واليسار والغنى والسعة, ومع ذلك تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع يهودي, وهذا أيضاً فيه إشارة إلى السعة في هذا الباب, وفي معنى آخر أراه, وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما تنكب التعامل مع أصحابه إلى غيرهم, خشية أن يبخسوا أنفسهم, لمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوسهم، وذلك أن الإنسان إذا اشترى منه أحد يعظمه ويجله فإنه يبخس حقه تعظيماً له.

ولهذا نقول: إن الإنسان إذا عظم منزلة فينبغي له ألا يتعامل مع من يستحي منه, وأن يتعامل مع غيره حتى ينصفه من جهة سلعته وحقه, وألا يضع له لأجل منزلته, وهذا من رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفقه بأصحابه, وهذا ما ينبغي أن يكون عليه الصالح والعالم والداعية والمصلح أيًّا كان, ألا يبيع من جاهه ودينه وعلمه في أمور السلع, حتى توضع له من قيمها, فيتعامل في التعامل لصلاحه أو لدينه, أو لعلمه أو لدعوته, أو لمنصبه, سواء كان والياً أو أميراً أو قاضياً أو غير ذلك من أنواع الولايات, فهذا يشتري بولايته وبعلمه، ولهذا ينبغي لأصحاب الولايات والجاه ألا يتعاملوا مع أحد يبخس حقه لأجلهم.

ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام تعامل في مثل هذا مع اليهود لأن اليهود لا يجاملون في أمور المال, لا يجاملون أنفسهم ولا أقرب الناس إليهم لعظم المال في نفوسهم.

قال: [ حدثنا نصر بن علي الجهضمي قال: حدثني أبي قال: حدثنا هشام عن قتادة عن أنس قال: ( لقد رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعه عند يهودي بالمدينة، فأخذ لأهله منه شعيراً ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بطعام ).

حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي قال: حدثنا ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ودرعه رهن عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الرهن مركوب ومحلوب.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن زكريا عن الشعبي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الظهر يركب إذا كان مرهوناً، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهوناً، وعلى الذي يركب ويشرب نفقته ) ].

وهذا لا خلاف فيه, وهو أن الرهن إذا كان ينتفع منه, كالمركوب كالذي يرهن مثلاً سيارة, أو يرهن دابة أو شاة, أو بقرة أو نحو ذلك فعليه النفقة ولا حرج عليه من الانتفاع بالمعروف ويضمن، وذلك لانتفاعه منه.

قال المصنف رحمه الله: [ باب لا يغلق الرهن.

حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا إبراهيم بن المختار عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن سعيد بن المسيب

عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يغلق الرهن ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب أجر الأجراء.

حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا يحيى بن سليم عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره ) ].

ومما لا يختلف فيه عند السلف الصالح في الصدر الأول هو مسألة الضمان في الرهن، فالضمان في الرهن هو الذي عليه عمل الصحابة عليهم رضوان الله, كما حكى ذلك أبو بكر الجصاص.

قال: [ حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي قال: حدثنا وهب بن سعيد بن عطية السلمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) ].

يعني أنه يعطى الحق في نهاية العمل ولا يؤجل بعد ذلك, وفي هذا بيان لموضع إعطاء الحق وهو في نهاية العمل لا قبله ولا يسوف بعده، إلا إذا كان ثمة مصالحة على أن يكون الحق في ذلك بعد انقضاء العمل بشهر أو بشهرين أو ثلاثة أو نحو ذلك، فحينئذ لا حرج بتأجيله.

قال المصنف رحمه الله: [ باب إجارة الأجير على طعام بطنه.

حدثنا محمد بن المصفى الحمصي قال: حدثنا بقية بن الوليد عن مسلمة بن علي عن سعيد بن أبي أيوب عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح قال: سمعت عتبة بن الندر يقول: ( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ: طسم[القصص:1]، حتى إذا بلغ قصة موسى قال: إن موسى أجر نفسه ثماني سنين، أو عشراً، على عفة فرجه وطعام بطنه ).

حدثنا أبو عمر حفص بن عمرو قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سليم بن حيان قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لـابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أحطب لهم إذا نزلوا، وأحدو لهم إذا ركبوا، فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الرجل يستقي كل دلو بتمرة ويشترط جلدة.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس قال: ( أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم خصاصة، فبلغ ذلك علياً، فخرج يلتمس عملاً يصيب فيه شيئاً ليغيث به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى بستاناً لرجل من اليهود، فاستقى له سبعة عشر دلواً كل دلو بتمرة، فخيره اليهودي من تمره سبع عشرة عجوة، فجاء بها إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ).

حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي حية عن علي قال: كنت أدلو الدلو بتمرة، وأشترط أنها جلدة.

حدثنا علي بن المنذر قال: حدثنا محمد بن فضيل قال: حدثنا عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة قال: ( جاء رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله! ما لي أرى لونك منكفئاً؟ قال: الخمص, فانطلق الأنصاري إلى رحله، فلم يجد في رحله شيئاً، فخرج يطلب، فإذا هو بيهودي يسقي نخلاً، فقال الأنصاري لليهودي: أسقي نخلك؟ قال: نعم، قال: كل دلو بتمرة، واشترط الأنصاري ألا يأخذ خدرة ولا تارزة ولا حشفة، ولا يأخذ إلا جلدة، فاستقى بنحو من صاعين، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب المزارعة بالثلث والربع.

حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبو الأحوص عن طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة. وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرعها، ورجل منح أرضاً فهو يزرع ما منح, ورجل استكرى أرضاً بذهب أو فضة ).

حدثنا هشام بن عمار ومحمد بن الصباح قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال: ( سمعت ابن عمر يقول: كنا نخابر فلا نرى بذلك بأساً، حتى سمعنا رافع بن خديج يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، فتركناه لقوله ).

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني عطاء، قال: ( سمعت جابر بن عبد الله يقول: كانت لرجال منا فضول أرضين يؤاجرونها على الثلث والربع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت له فضول أرض فليزرعها، أو ليزرعها أخاه، فإن أبى فليمسك أرضه ) ].

وأشهر التعاملات على الأرض هي المزارعة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أشهر تعاملات الصحابة فيما بينهم، وكذلك تعاملات النبي عليه الصلاة والسلام مع اليهود وغيرهم، ولهذا يقول ابن تيمية رحمه الله: هي سنة رسول الله, وإجماع أصحابه, يعني من جهة العمل واستفاضتها من جهة الاسترزاق من الأرض.

قال: [ حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من كانت له أرض فليزرعها، أو ليمنحها أخاه، فإن أبى، فليمسك أرضه ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب كراء الأرض.

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبدة بن سليمان وأبو أسامة ومحمد بن عبيد عن عبيد الله- أو قال: عن عبد الله بن عمر- عن نافع: ( عن ابن عمر أنه كان يكري أرضاً له مزارع، فأتاه إنسان فأخبره عن رافع بن خديج: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع، فذهب ابن عمر وذهبت معه، حتى أتاه بالبلاط، فسأله عن ذلك، فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع، فترك عبد الله كراءها ).

حدثنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب عن مطر عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها، ولا يؤاجرها ).

حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا مطرف بن عبد الله قال: حدثنا مالك عن داود بن الحصين عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد أنه أخبره, أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة ).

والمحاقلة: استكراء الأرض ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب الرخصة في كراء الأرض البيضاء بالذهب والفضة.

حدثنا محمد بن رمح قال: أخبرنا الليث بن سعد عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن عمرو بن دينار عن طاوس: ( عن ابن عباس أنه لما سمع إكثار الناس في كراء الأرض، قال: سبحان الله، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا منحها أحدكم أخاه. ولم ينه عن كرائها ).

حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لأن يمنح أحدكم أخاه أرضه، خير له من أن يأخذ عليها كذا وكذا, لشيء معلوم ).

فقال ابن عباس: هو الحقل، وهو بلسان الأنصار المحاقلة.

حدثنا محمد بن الصباح قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن حنظلة بن قيس قال: سألت رافع بن خديج قال: ( كنا نكري الأرض على أن لك ما أخرجت هذه، ولي ما أخرجت هذه، فنهينا أن نكريها بما أخرجت، ولم ننه أن نكري الأرض بالورق ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما يكره من المزارعة.

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني أبو النجاشي أنه سمع رافع بن خديج يحدث عن عمه ظهير قال: ( نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا رافقاً، فقلت: ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصنعون بمحاقلكم؟ قلنا: نؤاجرها على الثلث والربع والأوسق من التبن والشعير. فقال: فلا تفعلوا، ازرعوها أو أزرعوها ).

حدثنا محمد بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا الثوري عن منصور عن مجاهد عن أسيد بن ظهير ابن أخي رافع بن خديج عن رافع بن خديج قال: ( كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أعطاها بالثلث والربع والنصف، ويشترط ثلاث جداول، والقصارة وما سقى الربيع، وكان العيش إذ ذاك شديداً، وكان يعمل فيها بالحديد وبما شاء الله، ويصيب فيها منفعة، فأتانا رافع بن خديج فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاكم عن أمر كان لكم نافعاً، وطاعة الله وطاعة رسوله أنفع لكم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن الحقل، ويقول: من استغنى عن أرضه فليمنحها أخاه، أو ليدع ) ].

وفي هذا تفقد رسول الله صلى الله عليه وسلم للأرض, وكذلك حث أصحابه على عدم إبقائها على ما هي عليه, وأهمية الانتفاع بها, فهي إما أن تزرع أو تزارع أو تمنح، وألا تبقى على حالها، ولهذا تعطليها في ذلك تفويت لحق الفقير والمحتاج, وكذلك التاجر والآكل, فإنهم ينتفعون بذلك، وربما يكون صاحب الأرض غنياً عنها, ولا ينظر إلى حاجة الناس في ذلك ممن يريد الانتفاع، وهذا أيضاً من حق الناس على الحاكم أن يتفقد مواضع الأرض التي لا ينتفع منها, وخاصةً ما يتعلق بالزراعة، أن يحث أصحابها على زرعها، أو مزارعتها, أو منحها, ولو إلى آجال قريبة, لمن ينتفع منها بدلاً من تركها على ما هي عليه.

قال: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا إسماعيل بن علية قال: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق قال: حدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر عن الوليد بن أبي الوليد عن عروة بن الزبير قال: ( قال زيد بن ثابت: يغفر الله لـرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه، إنما أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم وقد اقتتلا، فقال: إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع. فسمع رافع قوله: فلا تكروا المزارع ) ].


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
أبواب الأذان والسنة فيها 2552 استماع
أبواب التجارات [1] 2410 استماع
أبواب الوصايا 2394 استماع
أبواب الطهارة وسننها [3] 2383 استماع
أبواب الأحكام 2345 استماع
أبواب الجنائز [2] 2273 استماع
أبواب الحدود 2231 استماع
أبواب الزكاة 2226 استماع
أبواب المساجد والجماعات 2218 استماع
أبواب الكفارات 2140 استماع