أبواب الطهارة وسننها [3]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في المسح على الخفين.

حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، قال: ( بال جرير بن عبد الله ثم توضأ ومسح على خفيه, فقيل له: أتفعل هذا؟ قال: وما يمنعني وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله؟ ).

قال إبراهيم: كان يعجبهم حديث جرير؛ لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة.

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، وعلي بن محمد، قالا: حدثنا وكيع (ح)

وحدثنا أبو همام الوليد بن شجاع بن الوليد، قال: حدثنا أبي، وابن عيينة، وابن أبي زائدة؛ جميعاً عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه ).

حدثنا محمد بن رمح، قال: أخبرنا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير، عن عروة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه المغيرة بن شعبة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنه خرج لحاجته، فاتبعه المغيرة بإداوة فيها ماء, حتى فرغ من حاجته فتوضأ ومسح على الخفين ) ].

وثمة مسألتان: المسألة الأولى: المسح على الخفين, والخف يكون من الجلد, حكي إجماع الصحابة عليهم رحمة الله ورضوانه على هذا, وقد حكاه الحسن البصري, قال: أجمع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم على أن من لم يرى أن المسح يجزئه وأنه ينزع الخف ثم يقوم بنزع قدميه، أن صلاته لا تجزئه ولو صلى أربعين سنة.

وأما بالنسبة للجوارب فقد حكى ابن قدامة رحمه الله في كتابه المغني إجماع الصحابة عليهم رضوان الله على المسح على الجوارب.

قال: [ حدثنا عمران بن موسى الليثي، قال: حدثنا محمد بن سواء، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: ( أنه رأى سعد بن مالك وهو يمسح على الخفين, فقال: إنكم لتفعلون ذلك؟ فاجتمعا عند عمر، فقال سعد لـعمر: أفت ابن أخي في المسح على الخفين, فقال عمر: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نمسح على خفافنا لا نرى بذلك بأساً, فقال ابن عمر: وإن جاء من الغائط؟ قال: نعم ).

حدثنا أبو مصعب المدني، قال: حدثنا عبد المهيمن بن العباس بن سهل الساعدي، عن أبيه، عن جده: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين، وأمرنا بالمسح على الخفين ).

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، قال: حدثنا عمر بن عبيد الله الطنافسي، قال: حدثنا عمر بن المثنى، عن عطاء الخراساني، عن أنس بن مالك، قال: ( كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: هل من ماء؟ فتوضأ ومسح على خفيه، ثم لحق بالجيش فأمهم ).

حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا دلهم بن صالح الكندي، عن حجير بن عبد الله الكندي، عن ابن بريدة، عن أبيه: ( أن النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين، فلبسهما ثم توضأ ومسح عليهما ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب في مسح أعلى الخف وأسفله.

حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة، عن المغيرة بن شعبة: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله ).

حدثنا محمد بن المصفى الحمصي، قال: حدثنا بقية، عن جرير بن يزيد، قال: حدثني منذر، قال: حدثني محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: ( مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يتوضأ ويغسل خفيه, فقال بيده كأنه دفعه إنما أمرت بالمسح, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده هكذا من أطراف الأصابع إلى أصل الساق وخطط بالأصابع ) ].

واستقر عمل أهل السنة والأئمة على المسح على الخفين، وإن وجد خلاف يسير في الصحابة عليهم رضوان الله، فالإجماع الذي يحكيه الحسن مدخول؛ وذلك أنه قد جاء عن بعض الصحابة عليهم رضوان الله تعالى وجوب الغسل, جاء هذا عن أبي هريرة عليه رضوان الله, ولكن استقر بعد ذلك الأمر على المسح على الخفين.

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في التوقيت في المسح للمقيم والمسافر.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال: ( سألت عائشة عن المسح على الخفين, فقالت: ائت علياً فسله، فإنه أعلم بذلك مني, فأتيت علياً فسألته عن المسح, فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نمسح للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ).

حدثنا علي بن محمد، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن أبيه، عن إبراهيم التيمي، عن عمرو بن ميمون، عن خزيمة بن ثابت، قال: ( جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثاً، ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمساً ).

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت إبراهيم التيمي، يحدث عن الحارث بن سويد، عن عمرو بن ميمون، عن خزيمة بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاثة أيام- أحسبه قال- ولياليهن للمسافر في المسح على الخفين ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وأبو كريب، قال: حدثنا زيد بن الحباب، قال: حدثنا عمر بن عبد الله بن أبي خثعم اليمامي، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ( قالوا: يا رسول الله! ما الطهور على الخفين؟ قال: للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة ).

حدثنا محمد بن بشار، وبشر بن هلال الصواف، قالا: حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد، قال: حدثنا المهاجر أبو مخلد، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه رخص للمسافر إذا توضأ ولبس خفيه ثم أحدث وضوءًا، أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوماً وليلة ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في المسح بغير توقيت.

حدثنا حرملة بن يحيى، وعمرو بن سواد المصريان، قالا: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن أيوب بن قطن، عن عبادة بن نسي: ( عن أبي بن عمارة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى في بيته القبلتين كلتيهما، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسح على الخفين؟ قال: نعم, قال: يوماً؟ قال: ويومين, قال: وثلاثاً؟ حتى بلغ سبعاً, قال له: وما بدا لك ).

حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا حيوة بن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب، عن الحكم بن عبد الله البلوي، عن علي بن رباح اللخمي: ( عن عقبة بن عامر الجهني، أنه قدم على عمر بن الخطاب من مصر فقال: منذ كم لم تنزع خفيك؟ قال: من الجمعة إلى الجمعة، قال: أصبت السنة ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في المسح على العمامة.

حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين والخمار ).

حدثنا دحيم، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا الأوزاعي (ح)

وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن مصعب، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة، عن جعفر بن عمرو، عن أبيه، قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والعمامة ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا يونس بن محمد، عن داود بن أبي الفرات، عن محمد بن زيد، عن أبي شريح، عن أبي مسلم مولى زيد بن صوحان، قال: ( كنت مع سلمان، فرأى رجلاً ينزع خفيه للوضوء، فقال له سلمان: امسح على خفيك وعلى خمارك وبناصيتك، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين والخمار ).

حدثنا أبو طاهر أحمد بن عمرو بن السرح، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: حدثنا معاوية بن صالح، عن عبد العزيز بن مسلم، عن أبي معقل، عن أنس بن مالك، قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ولم ينقض العمامة ) ].

ولا خلاف عند الصحابة عليهم رضوان الله تعالى في المسح على العمامة, وقد حكى الاتفاق على ذلك غير واحد من العلماء، كـابن تيمية رحمه الله, والخلاف عندهم معدوم, وأما بالنسبة لخمار المرأة وأن تمسح على ما على رأسها, فإذا كان مشدوداً مسحت عليه, وإذا كان مرتخياً فإنها تمسح شعرها.

قال المصنف رحمه الله: [ أبواب التيمم.

باب ما جاء في التيمم.

حدثنا محمد بن رمح، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عمار بن ياسر، أنه قال: ( سقط عقد عائشة فتخلفت لالتماسه, فانطلق أبو بكر إلى عائشة فتغيظ عليها في حبسها الناس، فأنزل الله عز وجل الرخصة في التيمم، قال: فمسحنا يومئذ إلى المناكب, فانطلق أبو بكر إلى عائشة فقال: ما علمت إنك لمباركة ).

حدثنا محمد بن أبي عمر العدني، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبيه، عن عمار، قال: ( تيممنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المناكب ).

حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم (ح)

وحدثنا أبو إسحاق الهروي، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر؛ جميعاً عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ) ].

ولا يختلف العلماء على أن التيمم يجزئ للحدث الأكبر؛ كالجنابة, كما يجزئ للحدث الأصغر, وقد حكى إجماع الصحابة أيضاً النووي عليه رحمة الله في كتابه المجموع.

قال: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه: ( عن عائشة: أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت, فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم أناساً في طلبها فأدركتهم الصلاة, فصلوا بغير وضوء, فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه, فنزلت آية التيمم، فقال أسيد بن حضير: جزاك الله خيراً، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجاً، وجعل للمسلمين فيه بركة ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب ما جاء في التيمم ضربة واحدة.

حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه: ( أن رجلاً أتى عمر بن الخطاب فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء, قال عمر: لا تصل, فقال عمار بن ياسر: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد الماء, فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فلما أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بيديه إلى الأرض ثم نفخ فيهما ومسح بهما وجهه وكفيه ).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن، عن ابن أبي ليلى: ( عن الحكم، وسلمة بن كهيل، أنهما سألا عبد الله بن أبي أوفى عن التيمم فقال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم عماراً أن يفعل هكذا، وضرب بيديه إلى الأرض ثم نفضهما ومسح على وجهه ).

قال الحكم: ( ويديه )، وقال سلمة: ( ومرفقيه) ].

والتيمم يكون لكل صلاة, فإذا كان الإنسان ليس بواجد للماء يتوضأ لكل صلاة, يتوضأ في أول الوقت فيشمل صلاة الفريضة ثم النافلة تبعاً لها, وإذا انتهى الوقت فإنه يتيمم للصلاة التي تليها, ثبت هذا عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله, ويروى أيضاً عن علي بن أبي طالب, ولا مخالف من الصحابة لـعبد الله بن عمر، كما قال ذلك البيهقي رحمه الله في كتابه السنن.

قال المصنف رحمه الله: [ باب في التيمم ضربتين.

حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح المصري، قال: حدثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرنا يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله: ( عن عمار بن ياسر حين تيمموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر المسلمين فضربوا بأكفهم التراب ولم يقبضوا من التراب شيئاً, فمسحوا بوجوههم مسحة واحدة، ثم عادوا فضربوا بأكفهم الصعيد مرة أخرى فمسحوا بأيديهم ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب في المجروح تصيبه الجنابة فيخاف على نفسه إن اغتسل.

حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين، قال: حدثنا الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، قال: ( سمعت ابن عباس يخبر: أن رجلاً أصابه جرح في رأسه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أصابه احتلام, فأمر بالاغتسال فاغتسل فكز فمات, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قتلوه قتلهم الله، أولم يكن شفاء العي السؤال ).

قال عطاء: وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لو غسل جسده وترك رأسه حيث أصابه الجراح ) ].

صح عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله المسح على الجبيرة, يقول البيهقي رحمه الله: ولا مخالف له من الصحابة, ويدخل في حكم الجبيرة ما يتعلق باللفافات الحديثة التي تكون على جسد الإنسان من الجراحات أو ما في حكمه الذي يشق على الإنسان نزعه, فحينئذ يمسح عليه ولا حرج, وهو شبيه بالإجماع عند الصحابة عليهم رضوان الله.