أبواب الأحكام


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال المصنف رحمه الله: [ أبواب الأحكام.

باب ذكر القضاة.

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا معلى بن منصور عن عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من جعل قاضياً بين الناس، فقد ذبح بغير سكين ) ].

يعني: لشدة الأمر عليه, الذي يذبح بسكين يرتاح, بخلاف غيره الذي يذبح بغير سكين, فإن ذلك يكون شديداً عليه, كالذي يخنق أو يكتم أو يغرق أو يدفن أو غير ذلك.

قال: [ حدثنا علي بن محمد ومحمد بن إسماعيل قالا: حدثنا وكيع قال: حدثنا إسرائيل عن عبد الأعلى عن بلال بن أبي موسى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من سأل القضاء وكل إلى نفسه، ومن جبر عليه نزل إليه ملك فسدده ) ].

وهذا ليس في القضاء فحسب, بل في كل شيء, من سأل شيئاً من أمور الوجاهات والمناصب والوزارات وغيرها فإن الإنسان يوكل إليها؛ لأنه ما سألها إلا وهو معتمد على شيء من حذقه ودرايته ومعرفته وأهليته وخبرته وغير ذلك, ولهذا يظهر الضعف لضعف التوكل في القلب, وأما إذا عرضت عليه فإن الاتكال على ذلك معدوم, باعتبار أنه ما طلبها ولا تشوف ولا استحضر حذقه وأعجبته نفسه, وإنما عرض عليه فحينئذ يجب عليه أن يستعين بالله سبحانه وتعالى إن رأى المصلحة في ذلك.

وأما إذا كان للأمة مصلحة في وجوده لفساد الناس, فإنه يتأكد في حقه بل يجب, كما سأل يوسف عليه السلام خزائن الأرض: قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف:55], وهذا يكون في وجود الضرر من بقاء أحد بعينه على ولاية, أن يطلب الإنسان تلك الولاية لإصلاح أمر الناس, وهذه أبواب ومضايق دقيقة جداً.

قال: [ حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا يعلى وأبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي قال: ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله! تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم، ولا أدري ما القضاء؟ قال: فضرب بيده في صدري ثم قال: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه, قال: فما شككت بعد في قضاء بين اثنين ) ].

وفي هذا أن العبرة في القضاء والولاية هو العلم والمعرفة, ولو كان شاباً غضاً, ما دام خبيراً عارفاً للنص, ومواضع التنزيل, فإن الأهلية في ذلك قائمة, كما ولى النبي عليه الصلاة والسلام علي وهو في أول شبابه.

قال المصنف رحمه الله: [ باب الحاكم يجتهد فيصيب الحق.

حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: حدثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر ).

قال يزيد: فحدثت به أبا بكر بن عمرو بن حزم فقال: هكذا حدثنيه أبو سلمة عن أبي هريرة ].

وهنا الذي يؤتى الأجر والأجرين لابد أن يكون مالكاً لآلة الاجتهاد, فإنه لا يسمى حاكماً إلا وهو عالم، ولهذا في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا اجتهد الحاكم ), يعني: أن الحاكم يملك آلة الاجتهاد قبل حكمه ( فأصاب فله أجران, وإذا أخطأ فله أجر واحد ), لكن إذا كان من غير اجتهاد فأخطأ فإنه يأثم, وإن أصاب فلا يؤجر, ولكن هل يأثم أم لا؟ هذا موضع نظر.

قال: [ حدثنا إسماعيل بن توبة قال: حدثنا خلف بن خليفة قال: حدثنا أبو هاشم قال: لولا حديث ابن بريدة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( القضاة ثلاثة، اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جار في الحكم فهو في النار ), لقلنا: إن القاضي إذا اجتهد فهو في الجنة ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب لا يحكم الحاكم وهو غضبان.

حدثنا هشام بن عمار ومحمد بن عبد الله بن يزيد وأحمد بن ثابت الجحدري قالوا: حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير أنه سمع عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان ).

قال هشام في حديثه: ( لا ينبغي للحاكم أن يقضي بين اثنين وهو غضبان ) ].

وفي هذا إشارة إلى أثر النفس على الحكم ولو استقر في نفس الحاكم العلم؛ لأنه عالم, يعني الغضب يؤثر على علمه, فيخرج حكماً لا يخرجه لو كان راضياً مطمئناً, وهذا يدل على أن نفوس الناس لها أثر في تحويل الحق إلى الباطل, والباطل إلى الحق، ولهذا ينبغي للإنسان ألا يقضي بين اثنين, وألا يقضي في المعاني إلا والنفس متجردة سليمة من أي ميل, أو حيف.

ولهذا نقول: إنه ما من أحد إلا وهو قاض, يعني لابد أن يكون الإنسان قاضياً, سواء يقضي بين أولاده تحت ولاية, أو كذلك يقضي على عماله, حتى لو لم يكن لديه من يقضي فيهم, إذا قضى في أمر المعاني, في الجواز وعدمه, في الحل والتحريم, فهو يقضي بين هذا الأمر ربما أخذ بقوله الناس, وهو ضرب من ضروب القضاء.

فينبغي للإنسان ألا يفصل بين متنازعين, ولو كان من الأمور المعاني لا الذوات, إلا وهو مطمئن النفس راضياً, فهذا أحرى بأن يصيب, وكلما زاد فصل الإنسان بين الناس زادت عظمة أمره عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما من رجل يلي أمر ثلاثة فما فوق, إلا جاء يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه, فكه بره أو أوبقه إثمه ), يعني: الأصل فيه أنه مغلول, حتى ينظر في أمره, هذا في ولاية الثلاثة فما فوق, فكيف في ولايات عامة, يلي الإنسان فيها آلاف أو ملايين البشر.

قال المصنف رحمه الله: [ باب من ادعى ما ليس له وخاصم فيه.

حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد أبو عبيدة قال: حدثني أبي قال: حدثني أبي قال: حدثني الحسين بن ذكوان عن عبد الله بن بريدة قال: حدثني يحيى بن يعمر أن أبا الأسود الديلي حدثه عن أبي ذر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من ادعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار ).

حدثنا محمد بن ثعلبة بن سواء قال: حدثني عمي محمد بن سواء عن حسين المعلم عن مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أعان على خصومة بظلم -أو يعين على ظلم- لم يزل في سخط الله حتى ينزع ) ].

قال المصنف رحمه الله: [ باب من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مالاً.

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: حدثنا وكيع وأبو معاوية قالا: حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف على يمين، وهو فيها فاجر، يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان ).

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن كعب أنه سمع أخاه عبد الله بن كعب أن أبا أمامة الحارثي حدثه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يقتطع رجل حق امرئ مسلم بيمينه، إلا حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النار. فقال رجل من القوم: يا رسول الله! وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال: وإن كان سواكاً من أراك ) ].

وهذا يدل على أن إطلاق السواك لا يراد به عود الأراك قصداً, وإنما هو أحد أنواعه، ولهذا قال: ( سواكاً من أراك ), وجاء في لفظ: ( قضيباً من أراك ).

قال المصنف رحمه الله: [ باب اليمين عند مقاطع الحدود.

حدثنا عمرو بن رافع قال: حدثنا مروان بن معاوية (ح)

وحدثنا أحمد بن ثابت الجحدري قال: حدثنا صفوان بن عيسى قالا: حدثنا هاشم بن هاشم عن عبد الله بن نسطاس عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بيمين آثمة عند منبري هذا، فليتبوأ مقعده من النار، ولو على سواك أخضر ).

حدثنا محمد بن يحيى وزيد بن أخزم قالا: حدثنا الضحاك بن مخلد قال: حدثنا الحسن بن يزيد بن فروخ -قال محمد بن يحيى: وهو أبو يونس القوي- قال: سمعت أبا سلمة يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحلف عند هذا المنبر عبد ولا أمة على يمين آثمة، ولو على سواك رطب، إلا وجبت له النار ).

والأيمان تغلظ؛ وذلك بحسب الزمان, والمكان, واللفظ, في المكان؛ الذي يحلف عند منبر النبي عليه الصلاة والسلام, أو في حرم, فهذا أغلظ من غيره, وفي الزمان؛ الذي يحلف بعد العصر مثلاً, أو في زمن عظم الله عز وجل فيه العمل, ومما يعظم اليمين الثالث هو اللفظ, أن يتلفظ بشيء عظيم, وذلك أن يقسم بتعدد أسماء الله عز وجل, يختلف عمن يقسم باسم واحد, وذلك أغلظ عليه, أو الذي يدعو على نفسه بشيء عظيم من الموبقات أو نحو ذلك, فهذا أعظم, يرجع في ذلك إلى اللفظ وتعظيمه.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
أبواب الأذان والسنة فيها 2553 استماع
أبواب التجارات [1] 2410 استماع
أبواب الوصايا 2395 استماع
أبواب الطهارة وسننها [3] 2384 استماع
أبواب الجنائز [2] 2274 استماع
أبواب الحدود 2232 استماع
أبواب الزكاة 2227 استماع
أبواب المساجد والجماعات 2219 استماع
أبواب الرهون 2174 استماع
أبواب الكفارات 2140 استماع