أرشيف المقالات

فضائل وفوائد الصدق في الإسلام

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
فضائل وفوائد الصدق في الإسلام


1- صدوق اللسان من أفضل الناس:
فقد أخرج ابن ماجه بسند صحيح عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال:
"قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: ((كلُّ مَخْموم القلب، صدوق اللسان))، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: ((هو التقي النقي، الذي لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد))؛ (السلسلة الصحيحة: 948).
 
2- الصدق سبيل لمحبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم:
فقد أخرج الطبراني عن عبدالرحمن بن أبي قراد السلمي رضي الله عنه قال:
"كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا بطهور، فغمس يده فتوضأ، فتبعناه فحسوناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما حملكم على ما فعلتم؟))، قلنا: حب الله ورسوله، قال: ((فإذا أحببتم أن يحبكم الله ورسوله، فأدوا إذا اؤتمنتم، واصدقوا إذا حدثتم، وأحسنوا جوار من جاوركم))؛ (صحيح الجامع: 1409).
 
3- الصدق نجاة:
فالصدق ينجي السالك، والكذب يهدي به إلى المهالك، ولا أدلَّ على ذلك من قصة "كعب بن مالك رضي الله عنه" حينما صدق النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكذب عليه، عندما تخلَّف عنه في غزوة "تبوك".
 
والحديث أخرجه البخاري عن كعب بن مالك رضي الله عنه، حيث قال:
"لم أتخلَّف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في غزوة تبوك..." الحديثَ، ثم قال: "...
فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجَّه قافلاً[1] من تبوك، حضرني بثي[2]، فطفقت[3] أتذكر الكذب، وأقول: بِمَ أخرج من سخطه غدًا؟ وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي، فلما قيل لي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظلَّ قادمًا، زاح عني الباطل، حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدًا، فأجمعت صدقه، وصبَّح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادمًا، وكان إذا قدم من سفر، بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه - وكانوا بضعة وثمانين رجلاً - فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتَهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكل سرائرهم إلى الله، حتى جئت، فلما سلمت تبسَّم تبسُّمَ المغضب، ثم قال: ((تعالَ))، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ((ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك[4]؟))، قال: قلت: يا رسول الله، إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيتُ جدلاً، ولكني والله لقد علمت لئن حدثتُك اليوم حديثَ كذبٍ ترضى به عني، ليُوشِكنَّ الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليَّ فيه[5]، إني لأرجو فيه عقبى الله، والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قطُّ أقوى ولا أيسر من حين تخلفتُ عنك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما هذا، فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك...)) الحديثَ، فكانت العاقبة أن تاب الله عليه، ونزل فيه وصاحبيه قرآنٌ يتلى إلى قيام الساعة.
 
• يقول الشيخ عبدالقادر الجيلاني رحمه الله:
"بنيت أمري على الصدق، وذلك أني خرجت من مكة إلى بغداد أطلب العلم، فأعطتني أمي أربعين دينارًا، وعاهدتني على الصدق، ولما وصلنا أرض (همْدان)، خرج علينا عرب فأخذوا القافلة، فمر واحد منهم، وقال: ما معك؟ قلت: أربعون دينارًا، فظن أني أهزأ به، فتركني، فرآني رجل آخر، فقال: ما معك؟ فأخبرته، فأخذني إلى أميرهم، فسألني، فأخبرته، فقال: ما حملك على الصدق؟ قلت: عاهدتني أمي على الصدق، فأخاف أن أخون عهدها، فصاح الأمير باكيًا، وقال: أنت تخاف أن تخون عهد أمك، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله، ثم أمر بردِّ ما أخذوه من القافلة، وقال: أنا تائب لله على يديك، فقال من معه: أنت كبيرنا في قطع الطريق، وأنت اليوم كبيرنا في التوبة؛ فتابوا جميعًا بفضل الله تعالى، ثم ببركة الصدق".
 
• وصدق الجنيد رحمه الله حيث قال: "حقيقة الصدق: أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب" (مدارج السالكين: 2/290).
 
4- الصدق سبب لنزول البركة:
ففي الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدَقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذَبا مُحِقَتْ بركة بيعهما)).
 
5- الصدق سبيل لدخول الجنة:
قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 15 - 17]، وقال تعالى على لسان عيسى عليه السلام: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 118، 119].
 
وأخرج الإمام أحمد، وابن حبان عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((اضمنوا[6] لي ستًّا من أنفسكم، أضمن لكم الجنة: اصدقوا[7] إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا إذا اؤتمنتم[8]، واحفظوا فروجكم[9]، وغضوا أبصاركم[10]، وكفوا أيديكم[11]))؛ (صحيح الجامع: 1018).
 
• وفي رواية عند البيهقي في "شعب الإيمان" وفي "مستدرك الحاكم" عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((تقبلوا لي ستًّا، أتقبل لكم الجنة: إذا حدَّث أحدكم فلا يكذب، وإذا وعد فلا يخلف، وإذا اؤتمن فلا يخن، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم))؛ (صحيح الجامع: 2978).
 
• وقد مر بنا الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرَّى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقًا...)) الحديثَ.
 
• وفي رواية عند الطبراني في "المعجم الكبير" من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصدق؛ فإنه يهدي إلى البر، وهما في الجنة، وإياكم والكذب؛ فإنه يهدي إلى الفجور، وهما في النار)).
 
وأخيرًا:
أوصيك أخي الحبيب بما وصى به أبو سليمان رحمه الله حيث قال:
"اجعل الصدق مطيتك، والحق سيفك، والله تعالى غاية طلبك".
 
وأختم بهذه الوصية الجامعة للحبيب النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ما ترك خيرًا إلا دلنا عليه، ولا شرًّا إلا حذرنا منه:
ففي حديث أخرجه الإمام أحمد، والحاكم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ إذا كن فيك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم))؛ (صحيح الجامع: 873).
 
فاللهم ارزقنا الصدق في القول والعمل، والسر والعلن



[1] قافلاً: راجعًا.


[2] البث: الحزن، والمعنى أنني حزنت.


[3] فطفقت: أي بدأت.


[4] ابتعت ظهرك: أي اشتريت دابة للحرب.


[5] تجد عليَّ فيه: أي تغضب علي بسببه.


[6] اضمنوا: أي: اضمنوا فعل ستِّ خصال بالمداومة عليها، أضمن لكم دخول الجنة مع السابقين الأولين نظير فعلها، أو من غير سبق عذاب.


[7] اصدقوا: أي: لا تكذبوا في شيء من حديثكم، إلا أن يترتب على الكذب مصلحة، كالإصلاح بين الناس.


[8] أدوا إذا اؤتمنتم: أي: أدُّوا الأمانة لمن ائتمنكم عليها، يقول الحفني: "الأمانة في مال أو وديعة، ويحتمل أن المراد: أدوا جميع المأمورات التي اؤتمنتم عليها، واجتنبوا المنهيات".


[9] احفظوا فروجكم: أي: عن فعل الحرام؛ من زنًا، ولواط، أو استمناء.


[10] غضوا أبصاركم: أي: عن النظر إلى ما لا يحل.


[11] كفوا أيديكم: أي: امنعوها من تعاطي ما لا يجوز تعاطيه شرعًا.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١