رسالة إلى الشباب حول النشر في وسائل التواصل
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
رسالة إلى الشباب حولالنشر في وسائل التواصل
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فيا أيها الأحبة، لقد انتشر في هذه الأزمنة أناسٌ ينشرون الصور الفاضحة على وسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن عرضها في الطرق والمجلات، وهذه الصور لا شك في تحريمها، ولا تخفَى على أُولي الألباب والأبصار، ومن لهم فطرة سليمة، ورسولنا صلى الله عليه وسلم حذَّرنا من ذلك، فقال: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، (وذكر منهم): (نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)[1].
فانظر إلى عِظم عقاب هؤلاء النسوة اللاتي نزعن برقع الحياء، فما بالك ممن يروج لهن ويشهرهن، ورسولنا صلى الله عليه وسلم حذَّرنا من فتنة النساء، وضررهن على الرجال، فقال: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ»[2].
وينشرون أيضًا مقاطع الفيديو المصحوبة بالموسيقا، وهل يقفون على نشرها فقط؟ لا بل ينشرونها وهم يلحِّنونها، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد حرَّم النبي صلى الله عليه وسلم سماع المعازف؛ كما جاء في الحديث الصحيح الصريح، قال صلى الله عليه وسلم: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ وَالحَرِيرَ، وَالخَمْرَ وَالمَعَازِفَ»[3]، والمعازف هي الموسيقا وأدواتها من طبل وزمر وغير ذلك[4].
والله سبحانه وتعالى يقول بشأن الغناء: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6]، وأقسم بعض الصحابة أن المقصود بلهو الحديث: هو الغناء.
واعلَم هداك الله ورعاك أن من ينشر هذه المقاطع أو الصور، أو يعين عليها، أو يشاركها على التواصل الاجتماعي - فهي في ميزان سيئاته، وأيضًا في ميزان سيئات من نقلها عنه، ولا ينقص من وزر صاحبها شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ [النحل: 25].
وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم: أنّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أُجُورِهِم شَيْئًا، ومَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ، لا يَنْقُصُ ذلكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»[5].
فشتان شتان بين من ينشر الخير والصلاح، وبين من ينشر الشر والفساد، وشتان شتان بين الذين يسنون الحسنات والعبادات، وبين الذين يسنون السيئات والمنكرات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ»[6].
فلا تنشروا الفحشاء بين صفوف المسلمين، فربكم يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [النور: 19].
ألم تعلموا أن الله سبحانه وتعالى لا يحب الفساد ولا المفسدين في الأرض بعمل المعاصي؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 85]، وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].
فيا أيها الأحبة، لا تنتهكوا حرمات الله، ولا محارمه، فنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ، صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ، فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ»[7].
فاهتموا بإصلاح بطائنكم، فإن صلحت صلحت جوارحكم، ألم تعلموا أن كل شيء في هذه الدنيا مسجل عليكم سواء كان قولًا أو فعلًا، صغيرًا كان أو كبيرًا؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ﴾ [يس: 12]، وقال: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 17، 18].
فجديرٌ بكم أن تتحروا كلَّ ما تنشروا، وكلَّ ما تقولوا وتفعلوا؛ لأن كل واحدٍ منكم سيقال له يوم القيامة: ﴿ اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 14].
فاحذروا أيُّها الإخوة والأخوات، فكم من شابٍّ فُتن بهذه الصور والمقاطع، وكم من شابةٍ فُتنت بها، هل تنفعك نشر هذه الصور والمقاطع المحرمة؟ هل تدخل في ميزان الحسنات أم في ميزان السيئات؟ هل تثاب عليها أم تعاقب؟
أيها الإخوة الأفاضل، نُريد جيلًا كالصحابة، نُريد جيلًا كأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، نُريد جيلًا كابن عباس وابن مسعود وغيرهم رضوان الله عليهم.
ويا أيتها الأخوات الفضليات، نُريد جيلًا كالصحابيات، نُريد جيلًا كخديجة، وعائشة، وحفصة، وفاطمة، وأسماء وغيرهن رضوان الله عليهن، نُريد جيلًا يحمل همَّ هذه الأمة، ويرفع رايتها، ويوحد صفها، نُريد أجيالًا في شتى أركان الحياة، نريد من يقف على ثغرات المسلمين، نُريد أجيالًا معتصمين ومتمسكين بالكتاب والسنة، ويدعون بهما إليهما، نعم، نُريد كوادر من الدعاة والكتاب والناشرين.
وآخر رسالة لك أيها الشاب وأيتها الشابة، قِفْ وقفِ مع نفسك وقفةً متأملةً في حالك، وقولي لنفسك: ماذا عليَّ أن أفعل؟ وابدَأ بأول خطوة في إصلاح ذاتك، ثم في إصلاح من حولك، وبهذا تُبنى الأسر والمجتمعات والأمم والدول، ولا تُبنى الأسر والمجتمعات والأمم إلا بالاعتصام بالكتب والسنة وتطبيقهما، فاللهم أعنَّا على ذلك، وأسأل الله أن يصلح حال شباب المسلمين والمسلمات، وأسأله أن يُعينهم على ذكره وشكره وحُسن عبادته، فاللهم استعملنا ولا تستبدلنا، اللهم كنْ لنا عونًا ونصيرًا، ومؤيدًا وظهيرًا، اللهم اجمع المسلمين على كتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وأقول قولي هذا، وأستغر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، ﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [غافر: 44].
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأشهد أن محمدًا عبدك ورسولك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
[1] صحيح مسلم(2128).
[2] متفق عليه؛ أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740).
[3] صحيح البخاري (5590).
[4] (باستثناء الدُّف للنساء في الأعراس، وللجواري الصغار في الأعياد).
[5] صحيح مسلم (2674).
[6] صحيح مسلم (1017).
[7] متفق عليه: أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599).