البريد الأدبي
مدة
قراءة المادة :
8 دقائق
.
نعت الاسم المجموع بفعل (جمع أفعل وفعلاء):
قرأت في العدد (712) من رسالتكم تعليقاً لحبر اللغويين في بلاد الشام الأستاذ الكبير محمد إسعاف النشاشيبي على نعت الاسم المجموع بفعلاء وقد أجاز ذلك - حفظه الله - وأشار في أثناء التعليق إلى قول لي وقول للأستاذ الرافعي رحمه الله في النعت المذكور، وقدم محصول رأيه بقوله: (نعتوا الاسم المجموع بفعلاء وفعل وليس في كلام المبرد في الكامل ما يدل على منع النعت بالمفرد). وإني أرى في كلامه ما يدل على المنع، قال (فإن أردت نعتاً محضاً يتبع المنعوت قلت: مررت بثياب سود وبخيل دهم، وكل ما أشبه هذا فهذا مجراه).
أراد به النعت الغالب الذي دخل في الاسمية والنعت المحض، وكرر تقرير القاعدة في موضع آخر، فمنع نعت الجمع بفعلاء مستفاد من قوله: (وكل ما أشبه هذا فهذا مجراه) مريداً (أفعل) الذي هو اسم و (أفعل) الذي هو نعت، ومن قوله (نعتاً محضاً يتبع المنعوت) مريداً (أفعل) الثاني، لأن التمثيل يغني عن التفصيل، ويجوز في هذا الفن تعليل حكمين بعلة واحدة، والإيمان من مسالك العلة.
أعني أن في قول المبرد إيماء إلى وجوب جمع النعت المحض بعد المنعوت المجموع وإن كان ظاهر مراده تكسير الصفة دل على ذلك تمثيله بـ (ثياب سود)، ومفرد الثياب مذكر وبـ (خيل دهم) ولابد من تأنيث الخيل، فقد جمع بين المذكر والمؤنث في التمثيل، ولو لم يرد تلك النكتة النعتية لا تقصر على المثال الأول، ثم إن تركه الإتيان بمنعوت عاقل مجموع مثل (نساء دعج ورجال شوس) دليل على إن لا فرق بين العاقل وغيره في هذا النعت. ويجب أيضاً طرد الحكم في هذه المسألة فيقال (يجب جمع الخبر بأفعل وفعلاء إذا كان المبتدأ جمعاً أو دالاً على الجمع مثل (ثيابهم سود وخيلهم دهم)، ويجب الجمع في الحال أيضاً، وعليه قول المتأخر: بأنا نورد الرايات بيضاً ...
ونصدرهن حمراً قد روينا ولولا أن قوله - تعالى - (ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً) خاص بالعاقل لاستشهدت به، على أن نعت الاسم المجموع بفعل لغة القرآن الكريم كقوله تعالى (عليهم ثياب سندس خضر) (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) وسبع سنبلات خضر). وكيفما كاد الأمر فإن القاعدة ثابتة باستقراء كلام الله تعالى وكلام العرب، وهو عندي أقوى الأدلة، أما الجملتان اللتان استدل بهما الأستاذ الكبير العالم على جواز نعت الاسم المجموع (لغير العاقل) بفعلاء وفعل فقد عراهما تحريف في النعت نفسه، فالأولى (وترى جراد البقول والرياحين وديدانها خضراء.
) والأصل (خضراً) جمع خضراء، إلا أن الناسخ زاد بعد الألف همزة وغير صورتها، وحرف جمعها، والثانية (فنراها كلها سوداء) والأصل (سوداً) بالنصب والجمع ولكن الناسخ الماسخ فعل بها ما قد فعل بخضراً.
وقد جرى كثير من هذا التصحيف في (فعل) المنكرة المنصوبة، دون المرفوعة والمجرورة، ومن ذلك ما ورد في رسم (لوب) من مختار الصحاح، ونصه: (اللوبة والنوبة بوزن الكوفة فيهما: الحرة الملبسة حجارة سوداء) والأصل - وهو الصواب - حجارة سوداً.
ألا تراه قد قال في رسم (حر) من الكتاب نفسه (والحرة أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار).
وفي الصحاح من طبعة العجم (قال أبو عبيدة لوبة ونوبة للحرة وهي أرض ألبستها حجارة سود (كذا).
فهذا القول على تحريف فيه جمع فيه النعت لما لم يكن إلى النصب المحرف إلى الأفراد سبيل، وفي نهاية المجد أبن الأثير (اللابة: الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود التي قد ألبستها لكثرتها).
وجاء في المغرب للمطرزي (اللابة واللوبة: الحرة وهي الأرض ذات الحجارة السود).
وعلى ذلك جمهور اللغويين. فالخطأ الذي انسرب في نسخة وزارة المعارف المصرية من مختار الصحاح إنما هو من آثار النساخ السيئة، وكذلك القول في الجملتين اللتين ذكرهما الأستاذ الكبير - على ما مرت إشارتنا إليه - فلا يصح الاستشهاد بهما، وما أظن سعادته إلا عادلة منذ اليوم عن الاحتجاج بهما، وهو المرء ينتجع الحق في ساحته ويستفاد العلم من قلمه وتستعذب مساجلته لمجده وسمو خلقه. مصطفى جواد في ديوان البحتري في (الرسالة) رقم (714) عقب الأستاذ محمد النجار على بيتين للبحتري - صاحب الشعر العربي - كانا قد وردا في تعقيب للأستاذ أحمد شكري في (الرسالة) رقم (713).
فقال إن في البيتين تحريفاً كما في الديوان، فمشمش صوابها مشمس - وهو ضرب من الخمر - كما ذكر الأستاذ، وجب صوابها صب. قلت: الأستاذ الفاضل مصيب في هذا التصويب.
هذا وللديوان طبعتان، إحداهما مصرية - حيا الله مصر وأهلها - والأخرى بيروتيه، وقد جاءت الكلمتان في طبعة بيروت بصوابهما لم تفقداه، إلا أن هناك تغييراً في صورة البيت: إذا صُبَّ في الكأس مسودّه ...
فكف النديم لها محبره ففي طبعة بيروت ورد البيت هكذا: إذا صُبَّ مسودّه في الزجاج ...
فكأس النديم به محبره ولعل هذه هي الصورة الصحيحة للبيت، فإن كأس النديم أولى بأن تشبه بالمحبرة من كفه. (نابلس) فدوى عبد الفتاح طوفان رسالة الوعظ والإرشاد: مساهمة لها أثرها الفعال في نفوس الجماهير؛ تلك التي يضطلع بها - كتب الوعظ والإرشاد في ذكرى مولد الحسين - فهو بعد عدته لمحاربة تلك العلل التي تهد كيان الأمة الروحي الاجتماعي عن طريق إذاعة المحاضرات بواسطة مكبرات الصوت.
وليس في هذا من جديد يستحق النظر والتسجيل، إنما الجديد حقاً هو هذا الأسلوب الذي يصطنعونه في الطب لهذه الأدواء، فهو أسلوب جديد، جدير بالتشجيع لما له من التأثير الاجتماعي والخلقي في روح الأمة، لأنه يقوم على تناول أمراض البيئة وتصويرها في صور مؤثرة مخيفة، حتى إذا ثارت بواعث كراهيتها لتلك الأمراض، وبرزت دفائن احتقارها إياها، قدم لها العلاج الإسلامي في أبهى حلة، وساقها إياه شراباً طهوراً، فلو استطاع العلماء الذين ينهضون برسالة الوعظ في الأمة أن يدرسوا خصائص كل بيئة وعقليتها وأمراضها، ويحالوا علاج ما فيها على هذا الضوء.
لكان لرسالتهم صداها القوي؛ في الإصلاح الاجتماعي والخلقي، وما أشد حاجة الريف خصوصاً إلى أمثال هذه الجهود التي تأخذ بيده في حياته الاجتماعية والخلقية المتعثرة، فليس هناك من يستطيع انتشاله من هوته غير رجال الدين إن صح عزمهم، وقوى نشاطهم، واتسعت ثقافتهم الاجتماعية والنفسية بجانب ثقافتهم الدينية، حتى يتهيأ لهم أن يسيروا في معالجتهم تحت ضوئها، وأن يهتدوا في تأدية رسالتهم بإرشادها، فتختفي هذه الظاهرة التي كانت تملأ النفوس خزياً عندما كان الخطيب يرتقي المنبر.
ثم يحدث الجمع الريفي الجاهل الفقير عن مضار التصييف في المصايف الأوربية.
وأمثال هذه الموضوعات التي لا صلة بينها وبين من يحاول إصلاحهم، مما كان له أسوأ الأثر في تدهور الأمة اجتماعيا، وخلقيا، ولعل رجال الوعظ - وفيهم - صفوة من الشباب المثقف - يتلافون ما ورثوه عن عصور الركود والجمود والظلام، وأن يؤدوا واجبهم في عصر العلم، وفي عصف المذاهب الاجتماعية المتضاربة، وإزاء تلك الموجة الإلحادية التي ترمي إلى التخلص من الأديان، كما يجب أن ينهض به رجل الدين في عصر الثقافة والنور.