فضائل وأحكام عشر ذي الحجة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى قد أكرم هذه الأمة بمواسم للخيرات, وقد نوع الله جل وعلا في هذه الأيام من جهة زمنها, وكذلك من جهة مدتها, ومن جهة فضلها وتباينه, والله سبحانه وتعالى يجعل فضله كما يريد, وكما يشاء سبحانه وتعالى, وهذا الفضل الذي جعله الله جل وعلا لعشر ذي الحجة كما هو في عنوان مجلس هذا اليوم, في فضائل عشر ذي الحجة, جعل الله سبحانه وتعالى في هذه الأيام جملة من الفضائل جليلة القدر, التي لو تأملها الإنسان لوجد فضل الله سبحانه وتعالى وسعته عظيمة.

والله جل وعلا إنما غاير في هذه الأيام من جهة المدد, وكذلك التباعد فيما بينها؛ وذلك تركيباً لما يتوافق مع نفوس البشر فإن النفوس تمل؛ فلهذا نوع الله جل وعلا في هذه الأزمنة من جهة التباين, فجعلها في الأشهر وكذلك ربما في الأيام أو في الساعات.

فكان فضل الله جل وعلا ورحمته على هذه الأمة ظاهرة من هذا الوجه, وكذلك ظاهرة من وجهٍ آخر من جهة أنواع الفضل, فثمة عبادات في الصيام, وفي ذكر الله, وفي الصلاة, وفي الصدقة, والزكاة, فهي متنوعة من جهة العمل وهذا فضل الله عز وجل يجعله حيث يشاء, فجعل الله عز وجل الصلاة في الليل أفضل من النهار من جهة التطوع المطلق, وجعل الذكر في أزمنة أفضل من غيره, وجعل الصلاة أفضل من غيرها في بعض الأزمنة دون بعض.

كذلك أيضاً فيما يتعلق بالأرحام، فجعل الله عز وجل الصلة لبعضهم تتباين عن بعض, كذلك في بعض البلدان العبادة فيها أفضل من العبادة في بلد آخر وغير ذلك؛ وهذا التنوع في العبادة حتى يتوافق مع تنوع الأزمنة وتنوع النفوس وتشوفها.

فبعض النفوس تميل إلى الصلاة, وبعض النفوس تميل إلى الذكر, وبعض النفوس لديها المال فتميل إلى الإنفاق, فجعل الله جل وعلا ذلك التنوع رحمة بالناس, فمن كان يميل إلى نوع من العبادة وآتاه الله عز وجل رزقاً على نحو معين, فإنه قد فتح له باباً من أبواب الخير, وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.

ونحن في هذا المجلس نتكلم على عشر ذي الحجة من جهة ما ورد فيها في كتاب الله عز وجل, وكذلك أيضاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذا أردنا أن نتأمل النصوص الواردة في كلام الله, وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, نجد أن في ذلك قدراً كثيراً وافراً من النصوص, مما لو أراد الإنسان أن يحصيه لتعذر عليه ذلك من جهة إحصاء الفضل في المرفوع والموقوف, وكذلك أيضاً ما جاء في عمل المتعبدين, وكذلك تعظيمهم لهذه الأيام العشر.

إتمام الفضل على موسى بليالي العشر من ذي الحجة

الله سبحانه وتعالى جعل هذه العشر فاضلة وبين فضلها بجملة من الأحكام, والذي يظهر -والله أعلم- أن هذه العشر فاضلة حتى في الأمم السابقة, فقد ذكر الله جل وعلا هذه العشر في كتابه العظيم في عدة مواضع.

من هذه المواضع قول الله جل وعلا: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف:142]. فضل الله جل وعلا قد كان في هذه الأيام لموسى عليه السلام, وقد جاء تفسير ذلك عن غير واحد من المفسرين أن المراد بهذه الأربعين هي: شهر ذي القعدة وعشر من ذي الحجة, وأتم الله عز وجل على موسى ذلك الفضل في هذه العشر, وكلمه الله جل وعلا فيها.

جاء تفسير ذلك عن غير واحد من المفسرين، كما جاء هذا عن عبد الله بن عباس فيما رواه ابن جرير الطبري من حديث عثمان عن عطاء عن عبد الله بن عباس، وكذلك جاء عن مجاهد بن جبر فيما رواه ابن أبي نجيح وليث وغيرهم عن مجاهد بن جبر أنه قال في قول الله جل وعلا: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف:142].

قال: هي ثلاثون ذي القعدة, وعشر من ذي الحجة, فكلم الله عز وجل موسى في هذه العشر, وأتمها عليه في يوم النحر وهو هذا اليوم الذي يعيد فيه الناس, ويذبحون وينحرون فيه أضاحيهم, وهذا فضل الله عز وجل على نبيه موسى وعلى بني إسرائيل.

إقسام الله بليالي العشر من ذي الحجة

وكذلك أن الله جل وعلا قد أقسم بهذه الليالي, كما جاء في سورة الفجر في قول الله جل وعلا: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:1-3].

جاء عن غير واحدٍ من المفسرين أن المراد بالعشر هنا هي: عشر ذي الحجة, كما فسره بذلك مسروق بن الأجدع فإنه قال: بأن العشر هنا هي عشر ذي الحجة, كما رواه ابن جرير الطبري عنه من حديث أبي إسحاق عن مسروق بن الأجدع أنه قال في قول الله جل وعلا: وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:2]: إن المراد بذلك هي عشر ذي الحجة, ووافقه على هذا التأويل غير واحد من المفسرين, وروي هذا عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى, فإنه جاء عنه من عدة وجوه.

عشر ذي الحجة هي الأيام المعلومات

وذكر الله عز وجل -وهذا الموضع الثالث- في كتابه العظيم عشر ذي الحجة, في قول الله جل وعلا: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28].

جاء عن غير واحدٍ من المفسرين أن المراد بهذه الأيام هي: عشر ذي الحجة, كما فسره بهذا جماعة, فقد فسره مجاهد بن جبر، وكذلك سعيد وابن جريج، وجاء عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أيضاً, كما علقه عنه البخاري في كتابه الصحيح.

إكمال الدين وإتمام النعمة على الأمة في يوم عرفة

وجاء في ذلك أيضاً في قول الله جل وعلا: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

فمعلوم أن هذا اليوم هو يوم عرفة, وهو اليوم التاسع من ذي الحجة وهو من هذه الأيام, بل هو آكدها وأشرفها وأعظمها عند الله سبحانه وتعالى, وقد جاء عن غير واحد من المفسرين أنه هو يوم الحج الأكبر, وهو أفضل أيام السنة كما يأتي بيانه بإذن الله تعالى.

الله سبحانه وتعالى جعل هذه العشر فاضلة وبين فضلها بجملة من الأحكام, والذي يظهر -والله أعلم- أن هذه العشر فاضلة حتى في الأمم السابقة, فقد ذكر الله جل وعلا هذه العشر في كتابه العظيم في عدة مواضع.

من هذه المواضع قول الله جل وعلا: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف:142]. فضل الله جل وعلا قد كان في هذه الأيام لموسى عليه السلام, وقد جاء تفسير ذلك عن غير واحد من المفسرين أن المراد بهذه الأربعين هي: شهر ذي القعدة وعشر من ذي الحجة, وأتم الله عز وجل على موسى ذلك الفضل في هذه العشر, وكلمه الله جل وعلا فيها.

جاء تفسير ذلك عن غير واحد من المفسرين، كما جاء هذا عن عبد الله بن عباس فيما رواه ابن جرير الطبري من حديث عثمان عن عطاء عن عبد الله بن عباس، وكذلك جاء عن مجاهد بن جبر فيما رواه ابن أبي نجيح وليث وغيرهم عن مجاهد بن جبر أنه قال في قول الله جل وعلا: وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف:142].

قال: هي ثلاثون ذي القعدة, وعشر من ذي الحجة, فكلم الله عز وجل موسى في هذه العشر, وأتمها عليه في يوم النحر وهو هذا اليوم الذي يعيد فيه الناس, ويذبحون وينحرون فيه أضاحيهم, وهذا فضل الله عز وجل على نبيه موسى وعلى بني إسرائيل.

وكذلك أن الله جل وعلا قد أقسم بهذه الليالي, كما جاء في سورة الفجر في قول الله جل وعلا: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:1-3].

جاء عن غير واحدٍ من المفسرين أن المراد بالعشر هنا هي: عشر ذي الحجة, كما فسره بذلك مسروق بن الأجدع فإنه قال: بأن العشر هنا هي عشر ذي الحجة, كما رواه ابن جرير الطبري عنه من حديث أبي إسحاق عن مسروق بن الأجدع أنه قال في قول الله جل وعلا: وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:2]: إن المراد بذلك هي عشر ذي الحجة, ووافقه على هذا التأويل غير واحد من المفسرين, وروي هذا عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى, فإنه جاء عنه من عدة وجوه.

وذكر الله عز وجل -وهذا الموضع الثالث- في كتابه العظيم عشر ذي الحجة, في قول الله جل وعلا: وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28].

جاء عن غير واحدٍ من المفسرين أن المراد بهذه الأيام هي: عشر ذي الحجة, كما فسره بهذا جماعة, فقد فسره مجاهد بن جبر، وكذلك سعيد وابن جريج، وجاء عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى أيضاً, كما علقه عنه البخاري في كتابه الصحيح.

وجاء في ذلك أيضاً في قول الله جل وعلا: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

فمعلوم أن هذا اليوم هو يوم عرفة, وهو اليوم التاسع من ذي الحجة وهو من هذه الأيام, بل هو آكدها وأشرفها وأعظمها عند الله سبحانه وتعالى, وقد جاء عن غير واحد من المفسرين أنه هو يوم الحج الأكبر, وهو أفضل أيام السنة كما يأتي بيانه بإذن الله تعالى.

ومن فضائل هذه الأيام: أن العمل فيها أحب إلى الله من العمل في غيرها، كما جاء في حديث عبد الله بن عباس كما في الصحيح قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام يعني: أيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله, إلا رجلاً خرج بماله ونفسه ولم يرجع من ذلك بشيء ).

وهذا أصح شيء جاء في هذا الباب عن النبي عليه الصلاة والسلام في فضل هذه الأيام العشر.

وينبغي أن نعلم أن من علامات التفضيل: ما كان فضلاً لسائر الأمم, أو كان فضلاً لنبي ثم كان لنبي بعده, فإذا جاء الفضل متكرراً فإن هذا من أمارات الفضل, وأن الفضل إذا جاء عاماً آكد من الفضل إذا جاء خاصاً لأمة من الأمم؛ ولهذا جعل الله عز وجل جملة من الأيام الفاضلة كيوم عرفة, وكذلك يوم النحر, وكذلك عشر ذي الحجة وغير ذلك على سبيل العموم, جعلها الله عز وجل فاضلة لكثير من الأنبياء.

إقامة الحج في عشر ذي الحجة

وقد جاءت عشر ذي الحجة في شهر حرام من أشهر الحج, فشرع فيها جملة من العبادات, لا تكون في غيرها من الأيام, فشرع الله عز وجل فيها النسك وهو الحج، وهو ركن من أركان الإسلام؛ فإن الله عز وجل أمر عباده بالحج, والحج -كما لا يخفى- له أيام, وله مواقيت زمنية, وهذه المواقيت الزمنية هي أشهر الحج آخرها عشر ذي الحجة وأيام التشريق, فجعل الله سبحانه وتعالى خاتمة أعمال الحج الكبرى هو يوم النحر, وهو آخر أيام عشر ذي الحجة, وهذه من أمارات فضلها.

خاتمة العشر الأول موسم للنحر والذبح

ومن فضائلها: أنها أيام ذبح ونحر ابتغاء مرضاة الله, والذبح والنحر شرعه الله عز وجل للحاج وللمقيم في يوم النحر.

ولهذا نقول: إن آكد مواضع النحر هو يوم النحر؛ وذلك لدخوله في عشر ذي الحجة, ومن أخره بعد ذلك صح منه هذا الذبح؛ لأن الذبح يكون في أيام التشريق على الصحيح من أقوال العلماء, ومن العلماء من تجوز في ذلك وقال: يرخص بعدها, وهذا قول له وجه أيضاً, وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أيام التشريق أيام أكل وشرب ).

والمراد بذلك أنها موضع لتناول طعام الأضاحي والهدايا, فينحر الحاج هديه, وينحر المقيم أضحيته في هذه الأيام؛ ولهذا نقول إن آكد الأيام هو يوم النحر؛ لدخوله في عشر ذي الحجة, وأما إذا خرج عن ذلك فهو في الزمن المفضول, وليس في الزمن الفاضل, وإذا أراد الإنسان أن يؤخر طعام أضحيته, فإن الأفضل له أن ينحرها في اليوم الأول, ثم يؤخر تناوله لذلك الطعام بعد ذلك؛ حتى يتحقق له الفضل في هذا الأمر.

الصيام في عشر ذي الحجة

وكذلك أيضاً من فضل الله عز وجل على عباده: أن جعل هذه الأيام موضعاً للصيام، وآكد هذا الموضع في الصيام هو صيام يوم عرفة, كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأتي الكلام عليه بإذن الله.

ويشرع للإنسان أيضاً أن يصوم عشر ذي الحجة إلا يوم النحر؛ فإنه يحرم صيامه؛ لكونه عيداً, وأما الأيام الباقية اليوم التاسع وما قبله, فإنه يشرع للإنسان أن يصومها, وكان السلف يصومون ذلك.

بل إنه آكد من صيام ستة أيام من شوال, والظاهر في هذا أن العلماء لا يختلفون من الصدر الأول, وكذلك ظاهر كلام الأئمة الأربعة أنهم لا يختلفون في استحباب صيام عشر ذي الحجة إلا المحرم, وأما بالنسبة لستة أيام من شوال, فلديهم خلاف في ذلك, كما هو معلوم عن الإمام مالك رحمه الله.

كذلك أيضاً فإني لا أحفظ عن أحد من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى, أنه كان يصوم ستة أيام من شوال, وأما ما جاء في عشر ذي الحجة, فقد ثبت عن غير واحد, ثبت هذا عن عمر بن الخطاب، وجاء أيضاً عن عبد الله بن موهب، وجاء عن جماعة من الفقهاء.

التعبد في عشر ذي الحجة

وجاء في ذلك أيضاً مما يعضد هذا ويؤكده أن النبي عليه الصلاة والسلام, جعل التعبد لله في هذه العشر على الإطلاق آكد من التعبد في غيرها من الأيام, وهذا دليل عام؛ فإن مقتضى التفضيل لهذه الأيام تفضيل العمل فيها, فهي مفضلة بلحظاتها وساعاتها, وهذا معنى مقصود للشرع بتفضيل العمل فيها, كما هو ظاهر في قول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما من أيام العمل فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ).

بل إنهم حينما ذكروا الجهاد في سبيل الله فهم الصحابة عليهم رضوان الله تعالى أن النبي أراد العموم في جميع الأعمال, فذكروا له الجهاد في سبيل الله؛ ليستبينوا هل العموم مراد أو لا؟ لأنهم يحفظون جملة من الفضائل من الأعمال، فهل هي أفضل منها أم لا؟ فبين النبي عليه الصلاة والسلام أنه أراد العموم عينه.

وبعض العلماء أو بعض الشراح يقولون: إن التفضيل المراد بذلك هو تفضيل عام, لا تفضيل على الأعيان، نقول: هذا لو كان التفضيل مطلقاً من النبي عليه الصلاة والسلام من غير سؤاله عن الجهاد لأمكن القول به, فلما سأل الصحابة عن الجهاد؛ دل على أنهم ذكروا أفضل الأعمال العملية التي يعمل بها الإنسان بعد أركان الإسلام, فيتقرب إلى الله عز وجل بها, فبين أن الأعمال في الأيام العشر أفضل منها في غيرها.

ولهذا نقول: إن العمل في هذه الأيام العشر آكد من سائر أيام السنة, والمراد بذلك هو التطوع والتنفل, وأما الواجبات فلها أعمال بأزمنة مقدرة، فليس للإنسان أن يقول: إن الصيام في هذه العشر تنفلاً آكد وأعظم من صيام رمضان في رمضان, فهذا ليس بمراد؛ لأن المراد بذلك هو في النوافل.

لهذا نأخذ من ذلك: أن قيام الليل في العشر أفضل من غيره، وأن الصيام في هذه الأيام العشر أفضل من الصيام في غيرها, فيكون أفضل من صيام الاثنين والخميس, وثلاثة أيام من كل شهر, وأفضل من الصيام الذي يصومه الإنسان, ويكثر من ذلك, سواء صيام شهر الله المحرم, أو صيام شعبان ونحو ذلك.

لهذا نقول: إن الصيام في هذه العشر أفضل من غيرها؛ لظاهر النص عن النبي صلى عليه الصلاة والسلام؛ لأنه أرد العموم لما سأله أصحابه عليهم رضوان الله تعالى.

وقد جاءت عشر ذي الحجة في شهر حرام من أشهر الحج, فشرع فيها جملة من العبادات, لا تكون في غيرها من الأيام, فشرع الله عز وجل فيها النسك وهو الحج، وهو ركن من أركان الإسلام؛ فإن الله عز وجل أمر عباده بالحج, والحج -كما لا يخفى- له أيام, وله مواقيت زمنية, وهذه المواقيت الزمنية هي أشهر الحج آخرها عشر ذي الحجة وأيام التشريق, فجعل الله سبحانه وتعالى خاتمة أعمال الحج الكبرى هو يوم النحر, وهو آخر أيام عشر ذي الحجة, وهذه من أمارات فضلها.

ومن فضائلها: أنها أيام ذبح ونحر ابتغاء مرضاة الله, والذبح والنحر شرعه الله عز وجل للحاج وللمقيم في يوم النحر.

ولهذا نقول: إن آكد مواضع النحر هو يوم النحر؛ وذلك لدخوله في عشر ذي الحجة, ومن أخره بعد ذلك صح منه هذا الذبح؛ لأن الذبح يكون في أيام التشريق على الصحيح من أقوال العلماء, ومن العلماء من تجوز في ذلك وقال: يرخص بعدها, وهذا قول له وجه أيضاً, وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أيام التشريق أيام أكل وشرب ).

والمراد بذلك أنها موضع لتناول طعام الأضاحي والهدايا, فينحر الحاج هديه, وينحر المقيم أضحيته في هذه الأيام؛ ولهذا نقول إن آكد الأيام هو يوم النحر؛ لدخوله في عشر ذي الحجة, وأما إذا خرج عن ذلك فهو في الزمن المفضول, وليس في الزمن الفاضل, وإذا أراد الإنسان أن يؤخر طعام أضحيته, فإن الأفضل له أن ينحرها في اليوم الأول, ثم يؤخر تناوله لذلك الطعام بعد ذلك؛ حتى يتحقق له الفضل في هذا الأمر.