تفسير سورة الفاتحة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فنحن في هذا المجلس بإذن الله تعالى نتكلم على شيء من تفسير سورة الفاتحة أو السبع المثاني، وهذه السورة هي من عظائم السور التي امتن الله عز وجل بها على نبيه وعلى هذه الأمة.

هذه السورة الكريمة فيها من جليل المعاني، ومن الأمور المهمة والمقدمات الجليلة التي ينبغي أن نقدمها في صدر الكلام على تفسير هذه السورة:

فأقول: ينبغي لكل طالب علم أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل وحيين على رسوله صلى الله عليه وسلم متلازمين من جهة الحجة وقيامها على هذه الأمة، أولهما: كتابه سبحانه وتعالى القرآن العظيم، ثانيهما: سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي وحي من الله عز وجل كما أوحى الله عز وجل القرآن على رسوله، نزل بهذه السنة جبريل عليه السلام على رسوله كما نزل بالقرآن، ولهذا يقول حسان بن عطية كما روى الخطيب، قال: نزل جبريل بالسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نزل بالقرآن.

وكذلك أيضاً فإن سنة النبي عليه الصلاة والسلام موصوفة بالكتاب، فإذا أطلق كتاب الله فيراد به القرآن ويراد به السنة، وهذا استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما موضع من كلامه عليه الصلاة والسلام، وربما يفترقان فيسمى القرآن: بالكتاب، وتسمى السنة: بالحكمة؛ ولهذا يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة:269]، والحكمة: هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم على قول غير واحد من المفسرين، والكتاب: هو القرآن: وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [آل عمران:48]، فالكتاب: القرآن، والحكمة: هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما فسر ذلك غير واحد: كـابن عباس وابن مسعود وغيرهم من المفسرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والسنة موصوفة بالتلاوة كالقرآن كما قال الشافعي رحمه الله: السنة وحي يتلى، وقاله ابن حزم رحمه الله أيضاً، يتعبد الإنسان بتلاوتها كما يتعبد بالقرآن، إلا أن الله عز وجل قد جعل للقرآن مزيد خصائص وفضل من جهة الأجور ومن جهة اختصاصه بمواضع من حال الإنسان وعبادته كالقراءة في الصلاة وغير ذلك، فكان لكلام الله عز وجل جملة من الخصائص باعتبار أن حروفه ومعانيه من الله جل وعلا، وأما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فالمعاني من الله والحروف هي من رسول الله صلى الله عليه وسلم غالباً توصل مراد الله بالمعنى الذي يفهمه الناس، وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فتدبرها وتأملها والعناية بها من الأمور المتحتمة على طالب العلم.

وقرنها بكلام الله جل وعلا من جهة معرفة البيان ومعرفة التفسير، ومعرفة العام والخاص والمطلق والمقيد والناسخ من المنسوخ، ومعلوم أن سنة النبي عليه الصلاة والسلام لها أثر في القرآن أكثر من العكس وكلها وحي؛ وذلك أن سنة النبي عليه الصلاة والسلام مفسرة لما أجمل من القرآن ومبينة له ومقيدة لما أطلق وناسخة لما نسخ منه؛ ولهذا السنة تنسخ القرآن أكثر من أن ينسخ القرآن السنة.

ولهذا فمعرفة المعاني في كلام الله عز وجل لا بد لها من معرفة كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم المقترن بها، حتى يصبح الإنسان عالماً بكلام الله عز وجل كما يريد الله لا كما يريد الإنسان؛ لأن في القرآن من الإطلاقات والعمومات ما لا تحمل على ظاهرها؛ ولهذا يقول العلماء عليهم رحمة الله: إن القرآن غائي، والمراد بالغائي، يعني: معانيه تطلق إلى مرتبة الغاية، بخلاف السنة: السنة تفصيلية فتفصل الأحكام وتبينها ولا يراد من ذلك الغاية؛ ولهذا تجد في كلام الله جل وعلا من معاني الصلاة أشياء متنوعة: منها العبادة، ومنها غيرها، وغالباً في كلام النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة المراد بها الصلاة المعروفة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم.

وكلام الله على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: التوحيد بأنواعه الثلاثة

القسم الأول: توحيد بجميع أنواعه، سواء ما يتعلق بربوبية الله أو بألوهيته أو بأسمائه وصفاته.

القسم الثاني: أحكام الحلال والحرام

القسم الثاني: الحلال والحرام، وهي آيات الأحكام وما في كلام الله عز وجل من فروع ذلك وتفاصيله مما يدخل في أمور المستحبات من الآداب والسلوك وغير ذلك؛ فإنها داخلة في أمور الأحكام، باعتبار أن الأحكام التكليفية هي الواجب والمحرم والمندوب والمكروه والمباح فهي داخلة في دائرة ذلك، فمعرفة مواضع العقائد في القرآن من الأمور المهمة، ومعرفة مواضع الحلال والحرام من الأمور المهمة أيضاً؛ لأن أعلى مراتب الاحتجاج هي الاحتجاج بكلام الله.

فلا ينبغي لطالب علم أن يرى الحجة ظاهرة من كلام الله ثم يتنكبها إلى قول من دونها، سواء كان من السنة أو كان من الموقوف فضلاً عن أقوال العلماء.

إذا أراد الإنسان أن يدلل على وجوب الصلاة والآية ظاهرة في كلام الله عز وجل، يقول: قال الله جل وعلا: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، فالإنسان مأمور بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة بدليل ظاهر من القرآن، فيستدل بالقرآن لا يستدل بغيره، ثم بعد ذلك إن شاء أن يضيف إلى ذلك من أمور الاستدلال من غيرها من السنة والآثار والإجماع وغير ذلك فهذا من أمر السعة؛ ولهذا كان السلف الصالح إذا ظهرت لهم الحجة من كلام الله سبحانه وتعالى استدلوا بها وقدموها على غيرها إلا إذا كان في ذلك إجمال فإنهم يستدلون بما دونها من التفصيل.

ولهذا لما انتدب علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى عبد الله بن عباس ليناظر الخوارج، قال عبد الله بن عباس : إني أريد أن أناظرهم بالقرآن، فقال له علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى: لا تناظرهم بالقرآن، قال: إن القرآن في بيتنا نزل، يعني: في بيت النبوة ونحن أعلم الناس به وبتأويله، فقال علي بن أبي طالب عليه رضوان الله: إن القرآن حمال أوجه، يعني: هناك إطلاقات وعمومات مفسرة بالسنة؛ ولهذا الله عز وجل يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:19]، بيانه غالبه في كلام النبي صلى الله عليه وسلم من تفسير ومعرفة المعاني؛ ولهذا تضل الأمة إذا أخذت بجزء من الشريعة وغيبت جزءً آخر كما كان يفعل بنو إسرائيل.

وضلال بني إسرائيل على أنواع: منه أنهم أخذوا وجهاً وتركوا وجهاً آخر، أخذوا بالعموم وتركوا الخصوص، أو أخذوا بالخصوص وغيبوا العموم، أو أخذوا بالمنسوخ وتركوا الناسخ، فوقعوا في شيء من الضلال فضلاً عما وقعوا فيه من التحريف والتبديل لآية بعينها.

القسم الثالث: القصص

ثم الثالث من أقسام القرآن: القصص التي يحكيها الله عز وجل في كتابه من أحوال الأمم الغابرة من قصة آدم وخلقه وزوجه وأبنائه هابيل وقابيل وكذلك أيضاً من جاء بعدهم في نوح وقومه، وما جاء بعد ذلك من يونس وإبراهيم الخليل وذريته من بعده من الأنبياء وغير ذلك من القصص، فالقرآن هو شامل لهذه الأنواع الثلاثة.

القسم الأول: توحيد بجميع أنواعه، سواء ما يتعلق بربوبية الله أو بألوهيته أو بأسمائه وصفاته.

القسم الثاني: الحلال والحرام، وهي آيات الأحكام وما في كلام الله عز وجل من فروع ذلك وتفاصيله مما يدخل في أمور المستحبات من الآداب والسلوك وغير ذلك؛ فإنها داخلة في أمور الأحكام، باعتبار أن الأحكام التكليفية هي الواجب والمحرم والمندوب والمكروه والمباح فهي داخلة في دائرة ذلك، فمعرفة مواضع العقائد في القرآن من الأمور المهمة، ومعرفة مواضع الحلال والحرام من الأمور المهمة أيضاً؛ لأن أعلى مراتب الاحتجاج هي الاحتجاج بكلام الله.

فلا ينبغي لطالب علم أن يرى الحجة ظاهرة من كلام الله ثم يتنكبها إلى قول من دونها، سواء كان من السنة أو كان من الموقوف فضلاً عن أقوال العلماء.

إذا أراد الإنسان أن يدلل على وجوب الصلاة والآية ظاهرة في كلام الله عز وجل، يقول: قال الله جل وعلا: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43]، فالإنسان مأمور بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة بدليل ظاهر من القرآن، فيستدل بالقرآن لا يستدل بغيره، ثم بعد ذلك إن شاء أن يضيف إلى ذلك من أمور الاستدلال من غيرها من السنة والآثار والإجماع وغير ذلك فهذا من أمر السعة؛ ولهذا كان السلف الصالح إذا ظهرت لهم الحجة من كلام الله سبحانه وتعالى استدلوا بها وقدموها على غيرها إلا إذا كان في ذلك إجمال فإنهم يستدلون بما دونها من التفصيل.

ولهذا لما انتدب علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى عبد الله بن عباس ليناظر الخوارج، قال عبد الله بن عباس : إني أريد أن أناظرهم بالقرآن، فقال له علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى: لا تناظرهم بالقرآن، قال: إن القرآن في بيتنا نزل، يعني: في بيت النبوة ونحن أعلم الناس به وبتأويله، فقال علي بن أبي طالب عليه رضوان الله: إن القرآن حمال أوجه، يعني: هناك إطلاقات وعمومات مفسرة بالسنة؛ ولهذا الله عز وجل يقول لنبيه عليه الصلاة والسلام: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة:19]، بيانه غالبه في كلام النبي صلى الله عليه وسلم من تفسير ومعرفة المعاني؛ ولهذا تضل الأمة إذا أخذت بجزء من الشريعة وغيبت جزءً آخر كما كان يفعل بنو إسرائيل.

وضلال بني إسرائيل على أنواع: منه أنهم أخذوا وجهاً وتركوا وجهاً آخر، أخذوا بالعموم وتركوا الخصوص، أو أخذوا بالخصوص وغيبوا العموم، أو أخذوا بالمنسوخ وتركوا الناسخ، فوقعوا في شيء من الضلال فضلاً عما وقعوا فيه من التحريف والتبديل لآية بعينها.

ثم الثالث من أقسام القرآن: القصص التي يحكيها الله عز وجل في كتابه من أحوال الأمم الغابرة من قصة آدم وخلقه وزوجه وأبنائه هابيل وقابيل وكذلك أيضاً من جاء بعدهم في نوح وقومه، وما جاء بعد ذلك من يونس وإبراهيم الخليل وذريته من بعده من الأنبياء وغير ذلك من القصص، فالقرآن هو شامل لهذه الأنواع الثلاثة.

ولا يكاد يجد الإنسان في كلام الله عز وجل ما لا يعرف معناه أو لا يعرفه أحد، وهذا أيضاً موضع خلاف عند العلماء: هل يوجد في القرآن ما لا يعرف معناه أحد من الخلق، يعني: أنه من المتشابه المطلق.

ولهذا الله سبحانه وتعالى جعل في القرآن آيات محكمات: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [آل عمران:7]، يعني: هن الأصل من الإنزال والمراد وهي الأكثر، وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]، فالمتشابه في كلام الله سبحانه وتعالى هل هو مطلق، بمعنى: أنه لا يعرفه أحد؟ نقول: إنه لا يكاد يوجد في كلام الله عز وجل متشابه مطلق إلا وله بيان، وهذا البيان يختلف من شخص إلى شخص معرفةً بمقدار علمه من الشريعة؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيحين من حديث النعمان بن بشير: ( الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشبهات لا يعلمهن كثير من الناس )، ما قال: جميع الناس، إذاً هي متشابهة عند الكثير، ولكنها ليست متشابهة عند الجميع، من الذي يعلمها؟ يعلمها أهل العلم والمعرفة الذين أكثروا أخذاً من كلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حينئذ يستطيعون تفسيره، لكنها قد تكون متشابهة عند عالم واحد أو نحو ذلك.

وما من أحد من الناس إلا ولديه متشابه في كلام الله لا يعلم تأويله، فما من شيء هو من دين هذه الأمة -وإذا علمه الإنسان وجب عليه أن يؤمن به ويكون متشابهاً مطلقاً- لا يعلمه أحد؛ لأن هذا ينافي مقتضى البيان الواجب في كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة؛ لأن الله عز وجل أنزل كتابه تبياناً وما أنزله سبحانه وتعالى ليكون فيه شيء من المتشابه المطلق.

وبعض العلماء قال: يوجد متشابه مطلق، ولكنه نزر يسير وشيء قليل، وسبب وجود هذا المتشابه، قالوا: شيء من التعجيز ويحملون ذلك على بعض المواضع كالحروف المقطعة من كلام الله، قالوا: ما معناها؟ لا يستطيع أحد أن يجزم بمعنى معين من هذه الحروف: ك(حم) و(ن) و(ق) و(ص) وغير ذلك من الحروف في القرآن، ما معناها وما مراد الله عز وجل بها؟ هذا من مواضع الخلاف، فمن العلماء من يجتهد في معناها، ومنهم من يقول: هذا من المتشابه وعلمها عند الله سبحانه وتعالى.

وأما ما يتعلق بمجلسنا في هذا اليوم فهو الكلام على تفسير سورة الفاتحة، وهي تسمى: بالسبع المثاني، وقد خصها الله عز وجل بجملة من الخصائص والفضائل.

وفي مقدمة هذه السورة نشير إلى مسألة: وهي فضائل السور، هل سور القرآن تتفاضل، يعني: سورة أفضل من سورة وآية أفضل من آية؟ مع أن ذلك هو كلام الله سبحانه وتعالى كله، وله من المنزلة والمزية ما تشترك الآيات والسور فيه، فنقول: إن هذا أيضاً من مواضع الخلاف، والذي تعضده النصوص من كلام الله عز وجل وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آي القرآن وسوره تتفاضل، ولكن ليس تفاضلاً مطلقاً.

كلام الله سبحانه وتعالى من جهة مجموع خصائصه يشترك من جهة الفضل، فهو كله كلام الله سبحانه وتعالى وليس بمخلوق, وكله شفاء لهذه الأمة، ورحمة وفضل وخير وأجر، إذا قرأ الإنسان منه حرفاً فإن الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وهذا فضل الله عز وجل جعله لجميع القرآن.

لكن الخصائص التي جعلها الله عز وجل في مواضع دون مواضع هي من جهة الأصل متعلقة بأثرها على العبد؛ لوجود تباين فيها من معانيها؛ لهذا نقول: الإنسان إذا كان لديه مرض من الأمراض كالجهل فعلاجه السؤال، قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( فإنما شفاء العي السؤال )، قال: شفاء، شفاء الجهل أن تسأل، وهذا يدل على تمايز القرآن بعضه عن بعض بسبب مواضعه لا بذاته مطلقاً؛ ولهذا نقول: إن الإنسان إذا كان جاهلاً لحكم الصلاة فهل يستدل بأحكام الطهارة حتى يفهم الصلاة؟! لا، أيها أفضل له؟ الأفضل له أن يفهم أحكام الصلاة من آيات الصلاة، هذا دليل على فضل آيات الصلاة في هذا الموضع، كما أن الإنسان إذا أصبح مريضاً أو به مس أو نحو ذلك فإنه يرقى ببعض الآي، فكل شيء من القرآن في موضعه الذي يظهر منه معنى أو دل عليه دليل من سنة النبي عليه الصلاة والسلام يكون أفضل من غيره، وغيره يشترك معه بمجموع الفضائل.

لهذا نقول: إن آيات الصفات شفاء لعي الجهل بها، وآيات التوحيد في الربوبية والألوهية هي أفضل من غيرها من جهة معرفة المعاني في هذا الباب؛ ولهذا نقول: إن فضلها يختلف بحسب الحاجة إلى ذلك الموضع.

ولهذا نقول على ما تقدم: القرآن توحيد وأحكام وقصص؛ ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن )، ثلث القرآن من جهة هذا التقسيم؛ لأنها توحيد.

ولهذا جعل الله عز وجل أجر قراءة القرآن على وجوه: أجر قراءة معانيه، فقراءة آي التوحيد تختلف عن قراءة آي الأحكام والقصص، وقراءة القرآن من جهة حروفه سواء، ولكن من جهة معانيه تتمايز بمقدار التكليف الواجب على الإنسان، فالذي يعتني بمعرفة آي القرآن في التوحيد والحلال والحرام، يقال: أفضل من غيره، لماذا؟ لاختلاف مقامات العلم.

فهل الذي يقرأ في القرآن في أمور الآداب من اللباس ودخول البيوت والاستئذان وغير ذلك، كالذي يقرأ في آيات العقيدة والأحكام والحلال والحرام؟ لا، مرتبة هذا أعظم من مرتبة ذاك، إلا أن القرآن لا يهجر، يعلم منه هذا ويعلم منه هذا، ولكن يؤخذ بقدر التكليف الواجب عليه؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم جعل قراءة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، تعدل ثلث القرآن، هي في باب الجزاء لا في الإجزاء، يعني: أن الله عز وجل يجعل ذلك ثواباً له يعدل ثلث القرآن كما يقرأ الإنسان معاني التوحيد، فمعاني التوحيد يجدها مجتمعة في هذا، لا أن ذلك يجزئه عن قراءة القرآن كاملاً، فيقرأ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ثلاثاً، قال: حينئذ يؤتى قراءة القرآن كاملاً، نقول: هذا من أمور الجزاء لا أمور الإجزاء .

وكذلك أيضاً فإن تفاضل القرآن في ذلك من جهة جمع سياقاته وألفاظه والمتشابه من ألفاظه ثم يدرك الإنسان من ذلك معنى، هذا يشترك فيه القرآن، فإذا أراد الإنسان أن يفهم معنى للصلاة يجمع إطلاقات الصلاة في القرآن، فهذا يخرج بشيء من المعاني والتدبر ما لا يخرج به غيره، الزكاة يجمعها من مواضع متعددة مع اختلاف السياقات؛ لهذا ثمة اشتراك في معاني القرآن، وثمة اشتراك أيضاً في أجوره، وثمة تمايز في معانيه، وإن كان كله هو كلامه سبحانه وتعالى.

من العلماء من قال: لا يوجد تفاضل بين مواضع القرآن وهذا فيه نظر؛ وذلك لأن النصوص ناطقة بتفاضلها، ولكن هذا التفاضل هو على هذا الوجه.

كونها السبع المثاني

هذه السورة التي نتكلم عليها -وهي سورة الفاتحة- قد خصها الله عز وجل بجملة من الخصائص وفضلها الله عز وجل على غيرها بجملة من الفضائل المؤثرة على الإنسان؛ ولهذا تسمى: بالسبع المثاني؛ لعدد آيها.

تسمية الله لها بالصلاة

وجعلها الله سبحانه وتعالى صلاةً بينه وبين عبده، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة ( قال الله جل وعلا: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله، قال الله جل وعلا: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله سبحانه وتعالى: مجدني عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، قال: هذه لعبدي ولعبدي ما سأل ).

فالله سبحانه وتعالى سماها: صلاةً، باعتبار أنه لا تقوم صلاة الإنسان إلا بقراءتها؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن )، فهذه السورة تسمى: بأم القرآن، وتسمى: الفاتحة، وتسمى: السبع المثاني، كما جاء عن رسول الله أنه جعلها أفضل سور القرآن.

ومعلوم أن ثمة أفضلية لآيات وثمة أفضلية لسور؛ فأفضل سور القرآن اختلف العلماء في ذلك على أقوال: أشهرهما الفاتحة وسورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ثم اختلف في أيهما أفضل؟! وظواهر النصوص في هذا: أن أفضلية الفاتحة مقدمة على أفضلية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ؛ وذلك لقوة الإطلاقات في الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل ما جاء في الصحيح من حديث أبي سعيد بن المعلى : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فقال: ألا أدلك على أعظم سورة في القرآن أنزلت علي؟ فقرأ عليه عليه الصلاة والسلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4]، فأتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، فقال: هي السبع المثاني والقرآن العظيم )، وهذا من الخصائص التي جعلها الله جل وعلا لهذه السورة.

كونها وحدها تعدل الزبور

وكذلك أيضاً فإن الله سبحانه وتعالى قد جعلها مزيةً لهذه الأمة تختلف عن غيرها، وجعلت في مقام الزبور، أي: أن هذه السورة وحدها تساوي ما جاء في الزبور، فقد جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث متعددة منها حديث أبي هريرة، وجاء أيضاً من حديث عبد الله بن مسعود: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ( الطوال تعدل التوراة، والمئين )، يعني: الآيات التي فيها مئون ( تعدل الإنجيل، والفاتحة السبع المثاني تعدل الزبور، وفضل الله عز وجل رسوله بالمفصل )، يعني: بالمفصل من القرآن.

وكان السلف أول ما يبدءون به هو معرفة المفصل من الأحكام؛ ولهذا روى البخاري في كتابه الصحيح من حديث سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى، قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حفظت وعلمت المفصل، يعني: عرفت المفصل، إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أول ما يبدأ به أن يبدأ بمعرفة مفصل القرآن، وألا يبدأ بالطوال، وعلى هذا كان السلف الصالح من الصدر الأول.

كونها رقية

وقوعها في صدر القرآن

وكذلك أيضاً من خصائصها ومزاياها: أنها مع قصرها جعلت في صدر القرآن، وهي سابقة حتى للطوال، وهذا بإجماع الصحابة عليهم رضوان الله تعالى؛ لأنه لا تتم صلاة الإنسان سواء كانت فرضاً أو نفلاً إلا بقراءتها، بل جعلها الله عز وجل حتى في الصلاة التي ليست لها ركوع ولا سجود وهي صلاة الجنازة، فيجب على الإنسان أن يقرأها، فلا صلاة للإنسان إلا بقراءة فاتحة الكتاب؛ ولهذا تسمى: سورة الصلاة، ويطلق عليها أيضاً: أنها هي الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل )، ثم تقدم الحديث في هذا، أي: الإشارة إلى معنى الصلاة إلى أنها الفاتحة، ولا تصح صلاة الإنسان إلا بها.

هذه السورة التي نتكلم عليها -وهي سورة الفاتحة- قد خصها الله عز وجل بجملة من الخصائص وفضلها الله عز وجل على غيرها بجملة من الفضائل المؤثرة على الإنسان؛ ولهذا تسمى: بالسبع المثاني؛ لعدد آيها.

وجعلها الله سبحانه وتعالى صلاةً بينه وبين عبده، كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة ( قال الله جل وعلا: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله، قال الله جل وعلا: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله سبحانه وتعالى: مجدني عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم، قال: هذه لعبدي ولعبدي ما سأل ).

فالله سبحانه وتعالى سماها: صلاةً، باعتبار أنه لا تقوم صلاة الإنسان إلا بقراءتها؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن )، فهذه السورة تسمى: بأم القرآن، وتسمى: الفاتحة، وتسمى: السبع المثاني، كما جاء عن رسول الله أنه جعلها أفضل سور القرآن.

ومعلوم أن ثمة أفضلية لآيات وثمة أفضلية لسور؛ فأفضل سور القرآن اختلف العلماء في ذلك على أقوال: أشهرهما الفاتحة وسورة: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، ثم اختلف في أيهما أفضل؟! وظواهر النصوص في هذا: أن أفضلية الفاتحة مقدمة على أفضلية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ؛ وذلك لقوة الإطلاقات في الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل ما جاء في الصحيح من حديث أبي سعيد بن المعلى : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده فقال: ألا أدلك على أعظم سورة في القرآن أنزلت علي؟ فقرأ عليه عليه الصلاة والسلام: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4]، فأتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، فقال: هي السبع المثاني والقرآن العظيم )، وهذا من الخصائص التي جعلها الله جل وعلا لهذه السورة.