عرض كتاب الإتقان (75) - النوع الرابع والسبعون في مفردات القرآن


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد:

فسنأخذ النوع الرابع والسبعين في مفردات القرآن.

المراد بمفردات القرآن

السيوطي رحمه الله تعالى لم يعرف مراده بهذا المصطلح مفردات القرآن، وكذلك لم يفعل ابن عقيلة المكي ، وأخذ ما ذكره السيوطي كما هو، وإنما زاد مفردات القرآن العزيز، وذكر كل ما ذكره السيوطي ، ولهذا لا يعرف مراد السيوطي إلا من خلال تتبع ما ذكره؛ لأن لفظ مفردات القرآن يستخدم ويراد به ما يستخدمه بعضهم بمعنى غريب القرآن، ولكن السيوطي هنا يمكن أن يقال: إنه أراد الآيات ذوات الألقاب.

في الحاشية في طبعة مجمع الملك فهد رحمه الله: ذكروا نقلًا عن الدكتور حازم حيدر في كتابه علوم القرآن بين البرهان والإتقان: أنه قال يعني: السيوطي في هذا النوع آيات اختصت بمعنى انقلب عليها، بحيث يمنع هذا المعنى الاختلاط مع معانٍ أخرى، وهذا شرح لفكرة ما طرحه في هذا الباب.

فلما نقول: أجمع آية في القرآن هي قوله سبحانه وتعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].

كذلك أيضاً: أحزن آية: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123].

أرجى آية في القرآن

وأرجى آية: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ [الزمر:53] طبعًا هذا في الأثر الوارد في خبر عمر بن الخطاب ، وإن كان فيه كلام من جهة السند، لكن هذه المعاني المذكورة، والألقاب المذكورة لهذه الآية واردة في غير هذا الأثر، والأمر فيها هين.

وكذلك أعدل آية: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90].

وأحكم آية أيضًا: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7]، أيضًا أعيد لها لقب آخر.

فنلاحظ أن المسألة قائمة على ذكر ألقاب للآيات؛ وعلى هذا سار السيوطي رحمه الله تعالى في هذا المبحث، فأغلبه في هذا الباب.

على سبيل المثال: أرجى آية في القرآن وقع فيها خلاف، ذكر هو بضعة عشر قولًا: منها: آية الزمر، وهي قوله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا [الزمر:53].

والقول الثاني هي قوله: قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى [البقرة:260]، فجعلوها من الآيات التي هي أرجى آية.

فلو تأملنا الآن لماذا جُعلت: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ [البقرة:260]، أرجى آية؟ وهذا وارد عن أبي عبيد، وعن صفوان بن سليم فأرجى آية عندهم هذه الآية؛ لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام إذا تأملنا النص طلب كيفية إحياء الموتى، فقال الله له سبحانه وتعالى: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، فجعلوا هذه من آيات الرجاء، فكون إبراهيم يطلب هذه المنزلة، وهذه المرتبة، ويقول: إنه يريد اطمئنان قلبه ويخاطب ربه، فهذا دلالة على سعة حلم الله سبحانه وتعالى وسعة فضله على عبده إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فجعلوها من هذا الباب من آيات الرجاء.

ولو تأملنا جميع الآيات التي ذكروها فسنجد أن كل واحد منهم لحظ ملحظًا، فجعل هذه الآية أرجى آية، مثال قوله سبحانه وتعالى: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ [النور:22] إلى قوله: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ [النور:22]، جعلوها أيضًا من آيات الرجاء كما هو وارد في صحيح مسلم عن ابن المبارك : أنه قال أرجى آية في القرآن قوله تعالى: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ )).

كذلك أرجى آية عند أبي عثمان النهدي يقول رحمه الله: ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه الأمة من قوله تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا [التوبة:102].

إذا تأملنا قولهم: أرجى آية فسنجد المسألة قائمة على الاجتهاد، وليس هناك نص فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي اجتهادات من الصحابة ومن جاء بعدهم في أرجى آية، وكل واحد منهم نظر إلى موضوع آية يكون له تعلق بحاله، أو أن يكون رأيًا اختص به فيقول به، وإلا فقولنا: أرجى آية كثير من آيات القرآن داخلة في هذا الباب، وهو باب الرجاء، فقد تكون أرجى آية عندك ليست هي أرجى آية عند غيرك.

إذاً: المسألة في مثل هذا يدخلها النظر والاجتهاد.

لكن أعظم آية في القرآن، أعظم سورة في القرآن، هذه ورد فيها النص، ومع ذلك فالذي ورد فيه النص قليل جدًا، فما لقب من الآيات بنصٍ صريح من النبي صلى الله عليه وسلم هذا قليل جدًا، والغالب كما قلنا: إنها تلقيبات من العلماء، ودخلها الاجتهاد كما نلاحظ في مثل هذه الأقوال، وهذا لا يسمى اختلاف تضاد، وإنما هو اختلاف تنوع؛ لأن كل واحد منهم نظر إلى آية فجعلها من آيات الرجاء عنده.

أخوف آية

كذلك أشد آية أيضًا وقع فيها خلاف مثل ما وقع في أرجى آية، وهذه ضد هذه، فأشد آية بالنسبة لكل مسلم تختلف، ولهذا أيضًا وقع خلاف بين العلماء: ما هي أشد آية، مثلًا قوله تعالى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، معناه: أنه لا يوجد سوء قل أو كثر إلا وسيجزى به العبد، هذه تعتبر من أشد الآيات.

فإذا جاء آخر ونظر إلى قوله تعالى: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ [الأحزاب:37]، يعلم أن هذه لما أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم كانت أشد آية عليه، فهذه مرتبطة مثلًا بالنبي صلى الله عليه وسلم وهي حال خاصة به.

أما ابن سيرين فيقول: لم يكن عندهم شيء أخوف من هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، وهو الخوف من النفاق كما هو معلوم.

فإذاً نلاحظ أيضًا في قضية أخوف آية، نفس القضية يقع فيه الخلاف بين العلماء، فـمالك يقول: أشد آية على أهل الأهواء قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، فنلاحظ أن أخوف آية كأنهم نظروا إلى من المخاطب، أو إلى من يوجه الخطاب: فإن كان إلى النبي صلى الله عليه وسلم رأوا أن أشد آية عليه صلى الله عليه وسلم هي قوله: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب:37]، وفي أهل الأهواء والبدع جاء عن الإمام مالك أن أشد آية عليهم قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، وذكر ابن سيرين أن أشد آية قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:8]، فإذاً أخوف آية أو أشد آية دخلها الاجتهاد والرأي، وهو على حسب الأحوال والمقامات، وأيضًا على حسب الناس أو المخاطبين.

تنبيه: وقع في غير طبعة المجمع، في آية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، قال: وفي النوادر لأبي زيد هكذا في النسخ القديمة، والصواب: وفي النوادر لـابن أبي زيد ، وهو ابن أبي زيد القيرواني المالكي ، كتاب النوادر والزيادات موجود فيه هذا النقل في (14/553) كما ذكر المحققون، وهذا الوهم الذي وقع في كتاب الإتقان هو موجود كذلك في الزيادة والإحسان، وزاد المحقق على هذا الوهم وهمًا آخر، فعرف بأبي زيد على أنه أبو زيد الأنصاري اللغوي، فصار وهمًا على وهم. والصواب: أنه ابن أبي زيد القيرواني ، فينبه على هذا، ويعدل في النسخ.

نوع الاختلاف في ألقاب الآيات

هنا أيضًا عندنا سيأتي: أطول آية، وأقصر آية، وكل هذه كما نلاحظ قضايا أشبه من أن تكون ألقاب للآيات، ولم يذكر للسور ألقابًا، فاكتفى بما للآيات من ألقاب.

كما نلاحظ أيضاً أن ما يقوم عليه هذا المبحث كله هو من باب الرأي، يعني: اجتهاد، وإنما وقع فيه خلاف خاصة ما يقع في أرجى آية، وأخوف آية بالذات، فإنه من باب اختلاف التنوع، نظرًا لاختلاف الأحوال والمقامات، وإما لاختلاف الأشخاص.

علاقة مفردات القرآن بعلمي التفسير وعلوم القرآن

وهو كما نلاحظ من علوم القرآن، وليس من علوم التفسير، بمعنى: أن معرفة لقب الآية أو كون هذه الآية أطول آية أو أقصر آية أو أرجى آية، أو أخوف آية، أو أحكم آية، ليس له أثر في فهم معنى الآية، وما دام ليس له أثر في فهم معنى الآية فمعنى ذلك أن هذا النوع ليس له أثر في التفسير، وما دام ليس له أثر في التفسير فهو من علوم الآيات كما نلاحظ، وعلوم الآيات جزء من علوم القرآن.

من المباحث التي يمكن أن تعقد وهناك بحث للدكتور عبد الله الشتري وكيل جامعة الإمام عن ألقاب الآيات الملقبات، ومطبوع وهو بحث محكم، لكن لعله أخذ فكرته من هذا المبحث، ولعله أيضًا أضاف جديدًا، ولكن إن لم يكن أشار إلى هذا، فيمكن أن يبحث عن علة التلقيب، يعني: لماذا هذه أحكم آية؟ ولماذا هذه أعدل آية؟ ولماذا هذه أرجى آية؟ ولماذا هذه أخوف آية؟ فعلة التلقيب مجال للبحث، فلماذا أشد آية عند مالك هي: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]، بالنسبة للمبتدعة، وعند غيره بالنسبة للكفار: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا [النبأ:30]؛ لأنها دلت على أمرين: عدم انقطاع العذاب، والزيادة والعياذ بالله في هذا العذاب.

فالبحث عن علة التلقيب: هذا مجال من مجالات البحوث المقالية التي يمكن أن تكتب في مقالة.

هذا ما يتعلق بموضوع مفردات القرآن.

السيوطي رحمه الله تعالى لم يعرف مراده بهذا المصطلح مفردات القرآن، وكذلك لم يفعل ابن عقيلة المكي ، وأخذ ما ذكره السيوطي كما هو، وإنما زاد مفردات القرآن العزيز، وذكر كل ما ذكره السيوطي ، ولهذا لا يعرف مراد السيوطي إلا من خلال تتبع ما ذكره؛ لأن لفظ مفردات القرآن يستخدم ويراد به ما يستخدمه بعضهم بمعنى غريب القرآن، ولكن السيوطي هنا يمكن أن يقال: إنه أراد الآيات ذوات الألقاب.

في الحاشية في طبعة مجمع الملك فهد رحمه الله: ذكروا نقلًا عن الدكتور حازم حيدر في كتابه علوم القرآن بين البرهان والإتقان: أنه قال يعني: السيوطي في هذا النوع آيات اختصت بمعنى انقلب عليها، بحيث يمنع هذا المعنى الاختلاط مع معانٍ أخرى، وهذا شرح لفكرة ما طرحه في هذا الباب.

فلما نقول: أجمع آية في القرآن هي قوله سبحانه وتعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].

كذلك أيضاً: أحزن آية: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123].