النصيرية العلوية .. نشأة وعقيدة


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى قد أنزل كتابه العظيم، وسنته على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظهما وحفظ على هذه الأمة دينها، وهذا من أعظم النعم على هذه الأمة كما لا يخفى؛ ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، وذلك أن الله سبحانه وتعالى قد جعل الفضل والرحمة دين الإسلام، وكتابه العظيم، وهذه المنة التي ينبغي لكل عبد أن يؤدي شكرها للخالق سبحانه وتعالى أن حفظ عليه دينه وعقيدته، فيكون على بينة وبصيرة، فلا تجتاله الأهواء يمنة ويسرة، ولا الدعوات المضللة؛ فإن الإنسان إذا عرف طريقه لم يلتفت إلى أي دعوة عن يمينه وشماله.

ونحن في هذا المجلس نتكلم عن العلوية النصيرية من جهة العقائد والنشأة، وكذلك عن شيء من أهدافها.

والكلام على العقائد والأفكار من الأمور المهمة لكي يعرف الإنسان طريق الخير من طريق الشر، وذلك من الأمور المهمة والمقاصد السامية التي جاء فيها الدليل في كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان أقوى ما يكون من جهة الحجة، وأقوى ما يكون من جهة البينة أن يعرف طريق الخير، وأن يعرف كذلك طريق الشر، وكلما كان الإنسان بصيراً بالطريقين كان من أهل التوفيق والتسديد والإعانة، وإذا جهل الإنسان أحد الطريقين فإنه تقل عنده الثقة بسلوكه لهذا الطريق، فربما تردد أو ضعف إيمانه عند شيء من الفتن يلتمس فيها الحق بالباطل.

وأعظم الناس مرتبة الذين يوغلون بمعرفة الحق, ومعرفة طرق الشر التي تقترن بتلك الطرق التي يسلكونها فيهم زمناً من غير إسراف أو غلو، وهذا من الأمور المهمة التي إذا عرفها الإنسان حمى عقيدته، وكذلك حمى فكره؛ فإن الإنسان إذا أراد أن يسلك طريقاً ممتداً من مكة إلى المدينة، وكان على معرفة بهذا الطريق ومعرفة أيضاً بالطرق التي عن يمينه وعن شماله، فإنه لا يمكن لأحد أن يعكر صفوه إن ضلله فقال له: إن ثمة طريقاً عن يمين وشمال هو أهدى، فإنه إذا عرف الصراط المستقيم والطريق الذي يوصل إلى الحق وإلى الغاية التي يريدها, وعرف الطرق المؤدية إلى خلاف مقصوده فإنه لا يمكن لأحد أن يضلله، ولكن إذا عرف الغاية وجاء أحد من الناس وأراد أن يبين له طريقاً آخر يوصله إلى الحقيقة التي ينشدها ولو بطريق أقرب، فإنه لا ينطلي عليه إلا إذا كان من أهل الجهالة بطرق المخالفين؛ ولهذا كان بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل العناية بهذا الباب، كما جاء عن حذيفة عليه رضوان الله تعالى كما في الصحيحين وغيرهما أنه قال: ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ).

إن معرفة الإنسان بطريق الخير وطرق الشر يعطيه ثباتاً، فإنه لا يمكن لأحد أن يأتيه بشيء قد غاب عنه، فإذا عرف ذلك الطريق الذي يسلكه والطريق المخالف أيضاً له إن دعي إليه كان على بينة وبصيرة أكثر ممن يدعوه إليه، ونحن في هذا الزمن قد كثرت الدعوات المناوئة للإسلام، والمناهضة له، التي تدعو إلى مخالفة دين الله سبحانه وتعالى، وتدعو إلى شيء مما يوافق الحق تارة، ويخالفه تارة أخرى، فنحن أحوج ما نكون إلى بيان تلك الحقائق بالنسبة لطريق الحق، وبالنسبة للطرق المخالفة على شتى أنواع المخالفة بحسب الاقتران، وبحسب الزمن، وبحسب الساعة التي يعيشها الناس، وأفضل ما يكون الإنسان بصيرة ودراية ومعرفة أن يصاحب الإنسان زمنه من جهة إدراك الأفكار والعقائد المحيطة به؛ حتى يضمن الإنسان حياته؛ فإن حياة الإنسان ليس بأن يدرس أشياء قد اندثرت لا يكلف بمعرفتها، وإنما أن يعلم الإنسان أن حياته هي التي يكلف فيها منذ جريان القلم عليه إلى أن يأخذ الله جل وعلا روحه ويختاره إليه.

تنوع الأفكار والعقائد

من الأمور المهمة التي ينبغي الكلام عليها قبل الولوج في محاضرة هذا اليوم: أن نعلم أن العقائد والأفكار متنوعة، منها ما هو ظاهر البطلان، ومنها ما بطلانه مشرب ببعض الحقيقة، ولكنه يبدو بشيء من اللباس الذي لا يظهر فيه التزييف، وكذلك التزوير، فيظهر في ظاهره بأن صورته الحق.

الباطن والظاهر في عقائد وأفكار الفرق والطوائف

ومن هذه الحقائق أيضاً: الفرق والطوائف، وكذلك الأفكار والعقائد، فمنها ما لها ظاهر وباطن، ومنها ما لها باطن لا يمكن أن يصل الإنسان إلى باطنها، ولا يعرف إلا ظاهرها؛ ولهذا نعلم أن إدراك الإنسان لهذه الطوائف فيه من المشقة والكلفة ما لا يتيسر له ولو كان في طائفة هي أشد إيغالاً في الباطل، أو تشعباً وكثرة أتباع، وكذلك مصنفات، فإنه لا يعرف ذلك إلا بمعرفة ما هو مدون، يعني: ما هو مدون في مصنفات تلك الفرق، ولهم مصنفات، ولهم أتباع يجهرون بدعوتهم؛ لهذا أعقد الفرق على الإطلاق المنتسبة للإسلام أو غير المنتسبة للإسلام هي فرق الباطنية التي تبدي شيئاً وتخفي شيئاً آخر، وذلك أنه لا يمكن للإنسان أن يعرف الحق على سبيل الحقيقة والبيان الذي هم عليه، ومعلوم أن الشريعة قد خاطبت الناس بالأخذ بالظواهر، وعدم الرجوع وتحكيم الناس إلى ما في قلوبهم؛ فإن القلوب لا يعلمها إلا الله؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )، والمراد بهذا: أن هذه النظرة نظرة خاصة بالرب سبحانه وتعالى لا تتعلق بأمر البشر، وأما بالنسبة للبشر فما عليهم إلا الظواهر؛ ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الناس بظواهرهم, وأما البواطن فأحالها إلى الله ولا يطلع عليها أحد إلا من خصه الله جل وعلا بشيء من الإدراك من معرفة الغيب.

ولهذا جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر من عنده رجل، فقال: ( ما تقولون في هذا؟ فقال: هذا يوشك أن إذا غاب أن يسأل عنه، وإذا خطب أن يزوج، وإذا سأل أن يعطى، فلما جاء رجل آخر فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال عليه الصلاة والسلام: ما تقولون في هذا؟ فقال: هذا يوشك إذا غاب ألا يسأل عنه، وإذا خطب ألا يزوج، وإذا سأل ألا يعطى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من هذا )، والمراد بذلك أن أمر البواطن لا يدركه كثير من الناس، وإنما يحكمهم ما يرونه من حال الإنسان في ظاهر أمره، والظواهر من الأمور المشكلة لدى كثير من الناس، وذلك أن حكمها بحسب اقتران الإنسان ببصره الذي يشاهده؛ فإن الإنسان قد يطلع على شخص ساعة، أو يطلع عليه عشراً، فتتباين المعرفة بحسب الاطلاع؛ ولهذا تتناقض أحوال الناس بالتحكيم على ظواهر الناس بحسب ما يرون، فهذا يزكى، وهذا يذم، والذات واحدة، وذلك أن الإنسان قد عرف عنه ما لم يعرفه غيره.

وأما بالنسبة للبواطن فإن حكمها واحد؛ ولهذا كانت بالنسبة لله جل وعلا هي الحكم، فالإنسان يتصنع بظاهره ولا يتصنع بباطنه على الإطلاق، وهو يوزن بباطنه كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما من حديث عمر بن الخطاب قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، يعني: أن العبرة بعمل القلب لا بعمل الجوارح، وما يلفظه الإنسان من أقوال، فهي ليست عند الله حكماً مجرداً حتى تقترن بشيء من عمل الباطن.

وأعمال الباطن من الأمور التي يكثر الكلام حولها عند أهل السنة والجماعة، وكذلك عند كثير من الطوائف المنتسبة للإسلام وعند غيرهم، وهي من الأمور التي يتشعب فيها الناس والكتاب حتى يصل في ذلك إلى درجة الوسوسة في الحديث عن خواطر القلب، وكذلك أيضاً طرائق الهوى فيه، والنفس والعقل، والتلازم بينهما، وهذا مما لا يمكن للإنسان أن يحيط به؛ لهذا عليه أن يرجع الإنسان في ذلك إلى نصوص الشريعة كتاباً وسنة؛ ولهذا تحير أهل الكتاب بمعرفة الروح، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرادوا أن يسألوا عن هذا الشيء الكامن الغائب في جوف الإنسان، فسألوه عن الروح، فقال الله جل وعلا: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، وهذا الأمر فيه إشارة إلى أن الإنسان ينبغي أن يكل الباطن إلى الله، لا يكله إلى أحد من خلقه؛ لهذا ينبغي أن نعلم أن الطوائف المنتسبة للإسلام حكم العلماء عليها هو حكم على ظاهرها لا حكم على باطنها؛ لهذا تتباين نظرات الناس إليها، وكذلك الحكم في أفعالهم بحسب ما يظهر منها، وأشد هذه الطوائف الباطنية التي تحكم حالها إلى ظاهرها، وباطنها مجهول عند كثير من الناس، أو عند أكثرهم هي الطائفة النصيرية العلوية ويقترن بذلك جملة من الطوائف الباطنية المنتسبة إلى طوائف الرفض، وهي أنواع كثر، وهذا مما يطول الخوض فيه في طوائف الباطن، ولكن كان المهم أن نخوض فيه؛ لأن الباطل هو ضد النشر، وضد بيان الحق، وهذا الأمر إذا كان الإنسان يكتم عقيدته، ويكتم فكره الذي انطوى عليه، ولا يصدر منه قول ولا فعل صعب على الإنسان أن يصل إليه؛ لأن الإنسان حكمه في ذلك حسب عمل الجوارح، وكذلك قول اللسان، وأما البواطن فأمرها إلى الله سبحانه وتعالى.

الظاهر والباطن في الشريعة الإسلامية

إن دين الإسلام من جهة الأصل دين ظاهر؛ ولهذا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم محجة بيضاء، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة على خير ما بلغ العلماء الدين، وإذا كتموا الدين فإن الدين حينئذٍ سيضمحل، والعلماء وكذلك الأمة إذا لم يكن فيها متصدرون يبينون الحق، فإن الحق حينئذٍ سيضمحل وينزوي حتى يبقى في الكتمان، حتى يتلاشى من أفعال الناس، وربما من أقوالهم؛ لهذا جاءت الشريعة بحماية الإسلام ظاهراً وباطناً وأمرت بإظهاره، وأن كتمانه نوع من النفاق، فهي تقابل قول الباطنية: إن الشريعة جاءت بإظهار العمل، وذلك لأمور متعددة منها: أن الإيمان لا يمكن أن ينغرس في قلب الإنسان إلا باقتران الباطن بالظاهر، وذلك أقوى، فإنه إذا انفصل الباطن عن الظاهر بقي القلب بعيداً عن العمل الذي يؤكده ويذكره بإيمانه شيئاً فشيئاً حتى لا ينصرف عنها بعمل من الدنيا، أو شيء من العوارض التي تطرأ عليه من وساوس الشيطان أو أعمال الدنيا وملهياتها؛ فإنه إذا كان كذلك قوي إيمانه، وإذا كتم الحق الذي يعلمه وانفصل ظاهره عن باطنه، فإن ذلك يضمحل، وربما كان من أجهل الناس؛ لهذا جاءت الشريعة بمحاربة أمر الباطل المجرد، وأمرت بالعلانية على وجه الحقيقة، وأن الانفصال في ذلك هو علامة نفاق، ولشدة محاربة الإسلام لذلك جعلت خصوم الإسلام على نوعين: كفار مردة، وجعلت المنافقين دونهم؛ ولهذا المنافقون في الدرك الأسفل من النار، وفي هذا نعلم أن الشريعة قد جاءت مخالفة للتيارات الباطنية بالعلانية، وهذا من جهة تقوية الإيمان.

مقارنة العقائد بعضها ببعض

الأمر الآخر: أن الإنسان إذا لم يجهر بما في عقيدته بباطنه فإن هذا علامة ضعف؛ ولهذا نعلم أن العقائد والأفكار لا يمكن أن تصح لدى الإنسان إلا باقترانها بغيرها؛ فإن الإنسان لا يعرف طوله إلا إذا اقترن بغيره من الناس، فيعرف هذا قصير وهذا طويل، كذلك لا يعرف الإنسان من جهة جماله وحسنه وبياضه إلا باقترانه بغيره، وهذا أمر معلوم، وهذا أمر قدري جعله الله جل وعلا كذلك في الأمور المحسوسة؛ فإن الأشياء إذا اقترنت ببعضها تمايزت عن غيرها حسناً وكمالاً، ونضارة وغير ذلك؛ لهذا دعا الإسلام إلى إظهار كل ما فيه من عقيدة وأفكار وأعمال أن تظهر على جوارح الإنسان؛ لهذا كان الإيمان قولاً وعملاً واعتقاداً، وكله من إيمان الإنسان لا بد أن يقترن معه، فإذا تجرد إيمانه من هذه الثلاث لم يكن من أهل الإيمان باتفاق أهل السنة والجماعة، وهذا أمر معلوم.

كذلك فإن إظهار العقائد التي يعتقدها الإنسان بالقول والفعل فيه إشارة إلى أن من أراد أن يقارن الحق الذي نحن عليه بغيره فليأت فليقارن؛ فإن هذا فيه إشارة ومراجعة للإنسان الذي يرى ذلك الأمر؛ فإنه إذا رأى أن غيره أحسن منه دعاه ذلك إلى قبول الحق، وهذا أمر كما أنه في العقائد والأفكار، كذلك أيضاً في الماديات؛ فإن الماديات لا تفهم من جهة جوهرها إلا بضربها ببعض، وهذا أمر معلوم، فالإنسان إذا أراد أن يختبر جرمين من جهة الأقوى سواء كان من الحجارة أو الزجاج أو نحو ذلك ضربهما ببعضهما فامتاز الأقوى وثبت، وانكسر الأضعف، وهذا أمر معلوم.

إذاً: فالمخالطة والنقد وضرب الأفكار وإظهار اقترانها ببعض مدعاة لمعرفة الحق من الصواب، وكذلك أيضاً فإن العقائد إذا لم تظهر على الجوارح لم تنتشر، والعقائد الباطنية تبقى في الزوايا، وتضمحل شيئاً فشيئاً إن لم تتلاش فتبقى عقائد فردية يفعلها الناس في الظلام؛ لهذا كان دين الإسلام يدعو إلى تبليغ الحق للناس، ودعوتهم أياً كانوا سواء كانوا من دائرة الإسلام الذين يتبعونه من أهل الحق والمعرفة الذين خرجوا عن الإسلام بشيء من المفسقات من المعاصي ونحو ذلك، أو كانوا من الكفار على شتى درجاتهم سواء كانوا من أهل الشرائع السماوية المبدلة كاليهود والنصارى، أو كانوا من الملاحدة وغير ذلك من الوثنيين وغيرهم، أو من الصابئة والمجوس وغير ذلك.

فالإسلام ينبغي أن يصل إليهم؛ ولهذا خاطب الله جل وعلا نبيه عليه الصلاة والسلام بإخراج ما لديه وعدم حبسه، ولو كان آية، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67].

يقول عبد الله بن عباس كما روى ابن جرير الطبري في كتابه التفسير من حديث علي بن أبي طلحة أن عبد الله بن عباس قال في قول الله جل وعلا: (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ )) قال: بلغ ما أنزل إليك من ربك ولو كتمت آية فما بلغت رسالته، وهذا يظهر أيضاً في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن جماعة من الصحابة قال عليه الصلاة والسلام: ( بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )، يعني: أنه ينبغي للإنسان أن يبلغ الحق الذي لديه إلى من طلبه أو لم يطلبه؛ لهذا قال الله جل وعلا مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التوبة:6].

لهذا يجب على الإنسان أن يبلغ الحق لمن طلبه أياً كان؛ لهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعقد المجالس للعلم والتذكير، وكان أئمة الإسلام من الصحابة يدعون إلى ذلك لبيان الحق أنه لا يوجد لدينا عقيدة خافية في هذا الأمر؛ ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالبلاغ، وكان في ذلك أتباعه، وقد روى البخاري في كتابه الصحيح عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أبي بكر بن حزم فقال: إني خشيت دروس العلم، فاكتبوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن العلم لا يذهب حتى يكون سراً.

العلم والعقائد إذا كانت سراً لا تظهر فإنها تذهب شيئاً فشيئاً، وهذا ما لا يمكن للإنسان أن يدركه.

هذه المقدمة من الأمور المهمة التي ينبغي للإنسان أن يدركها قبل ولوجنا فيما يسمى بالعقيدة النصيرية، وبيان الطرق والمذاهب التي هي عليها، وقبل الولوج أيضاً فيها يحسن أن نتكلم على شيء من تفاصيل العقائد، وكذلك الأتباع للحق الذي يدعون إليه.

إن أتباع الحق يتباينون: فمنهم من يعرف الحق على سبيل التمام والكمال، ومردهم في ذلك إلى دساتيرهم وقوانينهم التي يعتمدون عليها فهي الحكم، وأما تفسيرات الناس وأهواء الناس فإنهم يتباينون في هذا الأمر فضلاً عن الفسقة، والذين يخالفون أمر الله جل وعلا، فإذا أتيت إلى الإسلام تجد أن ثمة أناساً يخالفون أمر الله سبحانه وتعالى في كثير من أوامره كتاباً وسنة وهم ينتسبون إلى الإسلام، من جهة المخالفة في الظاهر كموافقة أهل البدع، وموافقة أهل الفسق، ربما مشابهة اليهود والنصارى ونحو ذلك، هذا لا يخرجهم في كل الأحوال من إطار الإسلام، فهم يعدون من أهل الإسلام، وهذا ما يشكل عند كثير من المخالفين الذين يخرجون عن دائرة الإسلام الكبرى في تفسير كثير من تصرفات أتباع تلك المذاهب في أي هذه الأفعال تنتسب للإسلام، فيقع لديهم إشكال؛ ولهذا يجد المحققون في تفسير العقائد والأفكار والمذاهب إشكالاً كبيراً في إفحام العامة أو الناس البعيدين عن فهم عقائد تلك الأفكار وأصولها، وكذلك أيضاً ما يقولون في مصنفاتهم، وكذلك أيضاً ما يقوله علماؤهم، وكذلك أيضاً ما في دساتيرهم وقوانينهم وآثارهم فضلاً عما يدينون به، ويكون هذا من الأصول الكلية التي يعتقدها الجميع.

إن من الأمور المهمة: أن يتأصل لدينا أن العقائد الباطنية التي ينفصل ظاهرها عن باطنها هذه من العقائد المشكلة من جهة بيانها للناس، وأما من جهة أهل التحقيق فإنها من الأمور الظاهرة البينة.

من الأمور المهمة التي ينبغي الكلام عليها قبل الولوج في محاضرة هذا اليوم: أن نعلم أن العقائد والأفكار متنوعة، منها ما هو ظاهر البطلان، ومنها ما بطلانه مشرب ببعض الحقيقة، ولكنه يبدو بشيء من اللباس الذي لا يظهر فيه التزييف، وكذلك التزوير، فيظهر في ظاهره بأن صورته الحق.

ومن هذه الحقائق أيضاً: الفرق والطوائف، وكذلك الأفكار والعقائد، فمنها ما لها ظاهر وباطن، ومنها ما لها باطن لا يمكن أن يصل الإنسان إلى باطنها، ولا يعرف إلا ظاهرها؛ ولهذا نعلم أن إدراك الإنسان لهذه الطوائف فيه من المشقة والكلفة ما لا يتيسر له ولو كان في طائفة هي أشد إيغالاً في الباطل، أو تشعباً وكثرة أتباع، وكذلك مصنفات، فإنه لا يعرف ذلك إلا بمعرفة ما هو مدون، يعني: ما هو مدون في مصنفات تلك الفرق، ولهم مصنفات، ولهم أتباع يجهرون بدعوتهم؛ لهذا أعقد الفرق على الإطلاق المنتسبة للإسلام أو غير المنتسبة للإسلام هي فرق الباطنية التي تبدي شيئاً وتخفي شيئاً آخر، وذلك أنه لا يمكن للإنسان أن يعرف الحق على سبيل الحقيقة والبيان الذي هم عليه، ومعلوم أن الشريعة قد خاطبت الناس بالأخذ بالظواهر، وعدم الرجوع وتحكيم الناس إلى ما في قلوبهم؛ فإن القلوب لا يعلمها إلا الله؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )، والمراد بهذا: أن هذه النظرة نظرة خاصة بالرب سبحانه وتعالى لا تتعلق بأمر البشر، وأما بالنسبة للبشر فما عليهم إلا الظواهر؛ ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الناس بظواهرهم, وأما البواطن فأحالها إلى الله ولا يطلع عليها أحد إلا من خصه الله جل وعلا بشيء من الإدراك من معرفة الغيب.

ولهذا جاء في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر من عنده رجل، فقال: ( ما تقولون في هذا؟ فقال: هذا يوشك أن إذا غاب أن يسأل عنه، وإذا خطب أن يزوج، وإذا سأل أن يعطى، فلما جاء رجل آخر فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال عليه الصلاة والسلام: ما تقولون في هذا؟ فقال: هذا يوشك إذا غاب ألا يسأل عنه، وإذا خطب ألا يزوج، وإذا سأل ألا يعطى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض من هذا )، والمراد بذلك أن أمر البواطن لا يدركه كثير من الناس، وإنما يحكمهم ما يرونه من حال الإنسان في ظاهر أمره، والظواهر من الأمور المشكلة لدى كثير من الناس، وذلك أن حكمها بحسب اقتران الإنسان ببصره الذي يشاهده؛ فإن الإنسان قد يطلع على شخص ساعة، أو يطلع عليه عشراً، فتتباين المعرفة بحسب الاطلاع؛ ولهذا تتناقض أحوال الناس بالتحكيم على ظواهر الناس بحسب ما يرون، فهذا يزكى، وهذا يذم، والذات واحدة، وذلك أن الإنسان قد عرف عنه ما لم يعرفه غيره.

وأما بالنسبة للبواطن فإن حكمها واحد؛ ولهذا كانت بالنسبة لله جل وعلا هي الحكم، فالإنسان يتصنع بظاهره ولا يتصنع بباطنه على الإطلاق، وهو يوزن بباطنه كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين وغيرهما من حديث عمر بن الخطاب قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى )، يعني: أن العبرة بعمل القلب لا بعمل الجوارح، وما يلفظه الإنسان من أقوال، فهي ليست عند الله حكماً مجرداً حتى تقترن بشيء من عمل الباطن.

وأعمال الباطن من الأمور التي يكثر الكلام حولها عند أهل السنة والجماعة، وكذلك عند كثير من الطوائف المنتسبة للإسلام وعند غيرهم، وهي من الأمور التي يتشعب فيها الناس والكتاب حتى يصل في ذلك إلى درجة الوسوسة في الحديث عن خواطر القلب، وكذلك أيضاً طرائق الهوى فيه، والنفس والعقل، والتلازم بينهما، وهذا مما لا يمكن للإنسان أن يحيط به؛ لهذا عليه أن يرجع الإنسان في ذلك إلى نصوص الشريعة كتاباً وسنة؛ ولهذا تحير أهل الكتاب بمعرفة الروح، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرادوا أن يسألوا عن هذا الشيء الكامن الغائب في جوف الإنسان، فسألوه عن الروح، فقال الله جل وعلا: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]، وهذا الأمر فيه إشارة إلى أن الإنسان ينبغي أن يكل الباطن إلى الله، لا يكله إلى أحد من خلقه؛ لهذا ينبغي أن نعلم أن الطوائف المنتسبة للإسلام حكم العلماء عليها هو حكم على ظاهرها لا حكم على باطنها؛ لهذا تتباين نظرات الناس إليها، وكذلك الحكم في أفعالهم بحسب ما يظهر منها، وأشد هذه الطوائف الباطنية التي تحكم حالها إلى ظاهرها، وباطنها مجهول عند كثير من الناس، أو عند أكثرهم هي الطائفة النصيرية العلوية ويقترن بذلك جملة من الطوائف الباطنية المنتسبة إلى طوائف الرفض، وهي أنواع كثر، وهذا مما يطول الخوض فيه في طوائف الباطن، ولكن كان المهم أن نخوض فيه؛ لأن الباطل هو ضد النشر، وضد بيان الحق، وهذا الأمر إذا كان الإنسان يكتم عقيدته، ويكتم فكره الذي انطوى عليه، ولا يصدر منه قول ولا فعل صعب على الإنسان أن يصل إليه؛ لأن الإنسان حكمه في ذلك حسب عمل الجوارح، وكذلك قول اللسان، وأما البواطن فأمرها إلى الله سبحانه وتعالى.

إن دين الإسلام من جهة الأصل دين ظاهر؛ ولهذا سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم محجة بيضاء، وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الأمة على خير ما بلغ العلماء الدين، وإذا كتموا الدين فإن الدين حينئذٍ سيضمحل، والعلماء وكذلك الأمة إذا لم يكن فيها متصدرون يبينون الحق، فإن الحق حينئذٍ سيضمحل وينزوي حتى يبقى في الكتمان، حتى يتلاشى من أفعال الناس، وربما من أقوالهم؛ لهذا جاءت الشريعة بحماية الإسلام ظاهراً وباطناً وأمرت بإظهاره، وأن كتمانه نوع من النفاق، فهي تقابل قول الباطنية: إن الشريعة جاءت بإظهار العمل، وذلك لأمور متعددة منها: أن الإيمان لا يمكن أن ينغرس في قلب الإنسان إلا باقتران الباطن بالظاهر، وذلك أقوى، فإنه إذا انفصل الباطن عن الظاهر بقي القلب بعيداً عن العمل الذي يؤكده ويذكره بإيمانه شيئاً فشيئاً حتى لا ينصرف عنها بعمل من الدنيا، أو شيء من العوارض التي تطرأ عليه من وساوس الشيطان أو أعمال الدنيا وملهياتها؛ فإنه إذا كان كذلك قوي إيمانه، وإذا كتم الحق الذي يعلمه وانفصل ظاهره عن باطنه، فإن ذلك يضمحل، وربما كان من أجهل الناس؛ لهذا جاءت الشريعة بمحاربة أمر الباطل المجرد، وأمرت بالعلانية على وجه الحقيقة، وأن الانفصال في ذلك هو علامة نفاق، ولشدة محاربة الإسلام لذلك جعلت خصوم الإسلام على نوعين: كفار مردة، وجعلت المنافقين دونهم؛ ولهذا المنافقون في الدرك الأسفل من النار، وفي هذا نعلم أن الشريعة قد جاءت مخالفة للتيارات الباطنية بالعلانية، وهذا من جهة تقوية الإيمان.

الأمر الآخر: أن الإنسان إذا لم يجهر بما في عقيدته بباطنه فإن هذا علامة ضعف؛ ولهذا نعلم أن العقائد والأفكار لا يمكن أن تصح لدى الإنسان إلا باقترانها بغيرها؛ فإن الإنسان لا يعرف طوله إلا إذا اقترن بغيره من الناس، فيعرف هذا قصير وهذا طويل، كذلك لا يعرف الإنسان من جهة جماله وحسنه وبياضه إلا باقترانه بغيره، وهذا أمر معلوم، وهذا أمر قدري جعله الله جل وعلا كذلك في الأمور المحسوسة؛ فإن الأشياء إذا اقترنت ببعضها تمايزت عن غيرها حسناً وكمالاً، ونضارة وغير ذلك؛ لهذا دعا الإسلام إلى إظهار كل ما فيه من عقيدة وأفكار وأعمال أن تظهر على جوارح الإنسان؛ لهذا كان الإيمان قولاً وعملاً واعتقاداً، وكله من إيمان الإنسان لا بد أن يقترن معه، فإذا تجرد إيمانه من هذه الثلاث لم يكن من أهل الإيمان باتفاق أهل السنة والجماعة، وهذا أمر معلوم.

كذلك فإن إظهار العقائد التي يعتقدها الإنسان بالقول والفعل فيه إشارة إلى أن من أراد أن يقارن الحق الذي نحن عليه بغيره فليأت فليقارن؛ فإن هذا فيه إشارة ومراجعة للإنسان الذي يرى ذلك الأمر؛ فإنه إذا رأى أن غيره أحسن منه دعاه ذلك إلى قبول الحق، وهذا أمر كما أنه في العقائد والأفكار، كذلك أيضاً في الماديات؛ فإن الماديات لا تفهم من جهة جوهرها إلا بضربها ببعض، وهذا أمر معلوم، فالإنسان إذا أراد أن يختبر جرمين من جهة الأقوى سواء كان من الحجارة أو الزجاج أو نحو ذلك ضربهما ببعضهما فامتاز الأقوى وثبت، وانكسر الأضعف، وهذا أمر معلوم.

إذاً: فالمخالطة والنقد وضرب الأفكار وإظهار اقترانها ببعض مدعاة لمعرفة الحق من الصواب، وكذلك أيضاً فإن العقائد إذا لم تظهر على الجوارح لم تنتشر، والعقائد الباطنية تبقى في الزوايا، وتضمحل شيئاً فشيئاً إن لم تتلاش فتبقى عقائد فردية يفعلها الناس في الظلام؛ لهذا كان دين الإسلام يدعو إلى تبليغ الحق للناس، ودعوتهم أياً كانوا سواء كانوا من دائرة الإسلام الذين يتبعونه من أهل الحق والمعرفة الذين خرجوا عن الإسلام بشيء من المفسقات من المعاصي ونحو ذلك، أو كانوا من الكفار على شتى درجاتهم سواء كانوا من أهل الشرائع السماوية المبدلة كاليهود والنصارى، أو كانوا من الملاحدة وغير ذلك من الوثنيين وغيرهم، أو من الصابئة والمجوس وغير ذلك.

فالإسلام ينبغي أن يصل إليهم؛ ولهذا خاطب الله جل وعلا نبيه عليه الصلاة والسلام بإخراج ما لديه وعدم حبسه، ولو كان آية، يقول الله جل وعلا في كتابه العظيم: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة:67].

يقول عبد الله بن عباس كما روى ابن جرير الطبري في كتابه التفسير من حديث علي بن أبي طلحة أن عبد الله بن عباس قال في قول الله جل وعلا: (( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ )) قال: بلغ ما أنزل إليك من ربك ولو كتمت آية فما بلغت رسالته، وهذا يظهر أيضاً في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه عن جماعة من الصحابة قال عليه الصلاة والسلام: ( بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )، يعني: أنه ينبغي للإنسان أن يبلغ الحق الذي لديه إلى من طلبه أو لم يطلبه؛ لهذا قال الله جل وعلا مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ [التوبة:6].

لهذا يجب على الإنسان أن يبلغ الحق لمن طلبه أياً كان؛ لهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعقد المجالس للعلم والتذكير، وكان أئمة الإسلام من الصحابة يدعون إلى ذلك لبيان الحق أنه لا يوجد لدينا عقيدة خافية في هذا الأمر؛ ولهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالبلاغ، وكان في ذلك أتباعه، وقد روى البخاري في كتابه الصحيح عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى أبي بكر بن حزم فقال: إني خشيت دروس العلم، فاكتبوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن العلم لا يذهب حتى يكون سراً.

العلم والعقائد إذا كانت سراً لا تظهر فإنها تذهب شيئاً فشيئاً، وهذا ما لا يمكن للإنسان أن يدركه.

هذه المقدمة من الأمور المهمة التي ينبغي للإنسان أن يدركها قبل ولوجنا فيما يسمى بالعقيدة النصيرية، وبيان الطرق والمذاهب التي هي عليها، وقبل الولوج أيضاً فيها يحسن أن نتكلم على شيء من تفاصيل العقائد، وكذلك الأتباع للحق الذي يدعون إليه.

إن أتباع الحق يتباينون: فمنهم من يعرف الحق على سبيل التمام والكمال، ومردهم في ذلك إلى دساتيرهم وقوانينهم التي يعتمدون عليها فهي الحكم، وأما تفسيرات الناس وأهواء الناس فإنهم يتباينون في هذا الأمر فضلاً عن الفسقة، والذين يخالفون أمر الله جل وعلا، فإذا أتيت إلى الإسلام تجد أن ثمة أناساً يخالفون أمر الله سبحانه وتعالى في كثير من أوامره كتاباً وسنة وهم ينتسبون إلى الإسلام، من جهة المخالفة في الظاهر كموافقة أهل البدع، وموافقة أهل الفسق، ربما مشابهة اليهود والنصارى ونحو ذلك، هذا لا يخرجهم في كل الأحوال من إطار الإسلام، فهم يعدون من أهل الإسلام، وهذا ما يشكل عند كثير من المخالفين الذين يخرجون عن دائرة الإسلام الكبرى في تفسير كثير من تصرفات أتباع تلك المذاهب في أي هذه الأفعال تنتسب للإسلام، فيقع لديهم إشكال؛ ولهذا يجد المحققون في تفسير العقائد والأفكار والمذاهب إشكالاً كبيراً في إفحام العامة أو الناس البعيدين عن فهم عقائد تلك الأفكار وأصولها، وكذلك أيضاً ما يقولون في مصنفاتهم، وكذلك أيضاً ما يقوله علماؤهم، وكذلك أيضاً ما في دساتيرهم وقوانينهم وآثارهم فضلاً عما يدينون به، ويكون هذا من الأصول الكلية التي يعتقدها الجميع.

إن من الأمور المهمة: أن يتأصل لدينا أن العقائد الباطنية التي ينفصل ظاهرها عن باطنها هذه من العقائد المشكلة من جهة بيانها للناس، وأما من جهة أهل التحقيق فإنها من الأمور الظاهرة البينة.

فرق الباطنية نشأت في الإسلام في عقائد أهل الرفض الذين جعلوا الإمامة في الأئمة الاثني عشر, وهم من نسل علي بن أبي طالب من فاطمة عليها رضوان الله تعالى، ويحسن أن نتكلم على نشأة هذه الفرق الباطنية، وكذلك أصل وولادة النصيرية بابتدائها.

لقد زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، وأنجبت له أبناءً وهم الحسن و الحسين، و الحسن و الحسين هما سيدا شباب أهل الجنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن منزلتهما في نصوص كثيرة من الأحاديث المتفق على صحتها، وكذلك أحاديث كثيرة صحيحة عند أهل العلم، ويأتي في ذلك أنهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه، وهم من أول من يدخل في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سبب تعلق أهل الأهواء بالحسن والحسين

الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة بدأ من هنا التعلق بهما باعتبار أنهما الذكور من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا نعلم أن لله جل وعلا حكمة عظيمة أن لم يجعل لرسوله عليه الصلاة والسلام نسلاً ذكراً مباشراً، فإذا كان هذا التعلق بالذكور من نسل ابنته عليه الصلاة والسلام، ومعلوم عند العرب أن ابنة الرجل أبناؤها لا يعتبرون منه مباشرة من جهة الإرث، بخلاف الولاء والقربى ونحو ذلك، ولهذا يقول الشاعر العربي:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

يعني: أن أبناءنا هم أبناء أبنائنا من أصلابنا، وأما بالنسبة لبناتنا فإن أبناءهن هم أبناء الرجال الأباعد، ولكن لما كان من نسل فاطمة عليها رضوان الله تعالى من علي بن أبي طالب وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلق بهما أهل الأهواء، واخترعوا عقيدة الأئمة الاثني عشري الذين يزعمون لهم العصمة، وهم من نسل الحسين، ويخرج منهم واحد وهو الحسن عليه رضوان الله تعالى، وهو أخو الحسين، والحسين عليه رضوان الله تعالى يعتبرونه ثالث الأئمة، فأولهم علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، وهؤلاء الأئمة هم كلهم من نسل واحد ينتهون بـمحمد بن الحسن المزعومة ولادته، وهو المهدي المنتظر الذي يزعمون أنه في السرداب، وينتظرون خروجه حتى يفتح على الأمة الظلمات، وهو محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر، ويضاف إليهم الحسن بن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى.

ما فعله الرافضة عند موت الحسن العسكري من غير نسل

لما كانت الولادة على سبيل التسلسل في هؤلاء الأئمة توقفت الولادة عند الحسن العسكري، فلم ينجب له على الصحيح من كلام المؤرخين، فلما كانت السلالة توقفت تحيروا في ذلك؛ لأنهم يرون أن هؤلاء هم الأئمة، فلما توفي الحسن انصرف أتباعه في ذلك أشياعاً، وقالوا: إنه بموتهم مات الشيعة، ومات أتباع آل البيت، ولم يبق ولي يبلغهم الوحي، فكانوا يتعلقون بهم، ويرون أنهم معصومون أشد من عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخذ الرافضة يموجون في ذلك موجاً كثيراً، وتباينوا في ذلك في المخرج من هذا، حتى ظهرت تلك الدعوة بأن الحسن العسكري قد ولد له ولد، قيل: إن عمره ثلاث سنوات أو ست سنوات، وأدخل السرداب، فأخفي ذلك؛ لأنه لم يكن له جسد ظاهر بيّن فأخفوه وقالوا: هذه هي الغيبة، وأن الفرج للأمة لا يمكن أن يظهر إلا بظهوره، وحين وضعوه بمثل هذا الموضع حلوا مسألة الإمامة، وأن الإمامة باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلما كان ثمة خفاء ظهر ما يسمى بالأوصياء والنواب والأبواب الذين يكونون لـمحمد المهدي المنتظر، وظهر أناس يزعمون أنهم أبواب وأوصياء لـمحمد المهدي الذي كان في السرداب، وهم قد أدخلوه فيما يزعمون في السرداب عام مائتين وستين لهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: بيننا وبين دخوله للسرداب ألف ومائة واثنان وسبعون عاماً، وهو في السرداب، ولم يخرج، وهذا جعلهم يتعلقون ويختلفون كثيرا،ً وأصبحوا على طوائف وفرق.

ظهور النصيرية

ظهرت في هذه المرحلة بعد محمد بن الحسن العسكري بعد دخوله السرداب فيما يزعمون ظهر ما يسمى بالأوصياء، وكذلك الأتباع، فكان منهم: محمد بن نصير النميري، وقال: إنه باب له، ويصل إليه، وأنه يبلغه الأمر، فظهرت حينئذٍ ما يسمى بالنصيرية، و محمد بن نصير قد أدرك الحسن العسكري وأدرك والده الهادي وأدرك أيضاً فيما يزعم محمد بن الحسن وهو المهدي أدرك هؤلاء الثلاثة وقد توفي عام مائتين وسبعين، يعني: بعد دخوله في السرداب بعشر سنين.

وفي هذه العشر ظهرت هذه الدعوة، ثم تطورت في بضع سنين وادعى النبوة، وأن جسد الغائب قد حل فيه.

ظهرت هذه الفرقة وخالفت طوائف من أهل الرفض والتشيع في هذا الأمر.

والشيعة في ذلك على طوائف متنوعة، منهم غلاة, وأشد طوائف الرفض المتبعين في ظاهرهم لآل البيت هم النصيرية أشدهم غلواً وأبعدهم عن دائرة الإسلام على الإطلاق، ويليهم بعد ذلك المخطئة، والمخطئة هي طائفة أيضاً خارجة عن الإسلام، ولكنها أقل كفراً من النصيرية، وهم الذين يقولون: إن جبريل أخطأ برسالته، فيقولون: أخطأ الأمين فصدها عن حيدرة، يعني: أخطأ الأمين برسالته وهو جبريل عليه السلام، فصدها عن حيدرة وهو علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، وهم يخطئون جبريل، وتبعاً لذلك يخطئون كل من أخذ الولاية بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، فيرون أن أبا بكر مخطئ، بل يضللونه ويلعنونه، وكذلك عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان عليهم رضوان الله، يرون أنهم قد اغتصبوا الخلافة؛ لأنهم رأوا أن علياً أولى بمقام النبوة من غيره كمحمد صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن يرجع الحق إليه بموت محمد صلى الله عليه وسلم، فلما لم يرجع إليه صار كل من نازعه منازعاً للحق.

وعلى هذا يرون أن الحق قد انصرف من أول وهلة ابتداءً، وهذا طعن في جبريل عليه السلام، وطعن أيضاً في حفظ الإسلام من جهة الأصل، وفي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حمل حقاً ليس له، وهذا أمر زور، فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد بيّن في مسألة المرأة التي تقول: إن لي ضرة، وإني أريد أن أتشبع من زوجي بما لم يعطني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور )، وهذا إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله في حال امرأة تتشبع في حق زوجها عند ضرتها تريد إثارتها فكيف التشبع بالوحي، لعن الله من وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.

ويرون أن الحق والضلال قد تفاصلا من تلك اللحظة، ويرون أنهم أتباع علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى.

وقيل: إن النصيرية لم يسموا بهذا الاسم نسبة لـمحمد بن نصير، وثمة قول ضعيف أنهم يتبعون نصيراً وهو مولى علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، قالوا: وذلك أنه ادعى الربوبية لـعلي بن أبي طالب، فـعلي بن أبي طالب لما علم -بزعمهم ذلك- دعاه واستتابه، فلما لم يتب أراد قتله، فلما قتله وحرقه بالنار قال: علمت أنك رب، ولا يعذب بالنار إلا رب النار، ولم يرجع عن قوله، وهذا غاية في التمسك بأمر وعقيدة الباطل ظاهراً وباطناً.

وبدأ التعلق بحق علي بن أبي طالب بعد موته وإن كابروا في ذلك.

ظهور الرافضة

والرافضة هي الطائفة الثالثة أيضاً الذين رفضوا مجلس زيد بن علي بن الحسين حينما سألوه عن أبي بكر و عمر، فترضى عنهما عليه رضوان الله تعالى، فرفضه مجلسه، فقال عليه رضوان الله: رفضتموني رفضتموني، فسموا رافضة؛ ولهذا نعلم: أن أعظم طوائف الرافضة من جهة شدة بعدهم عن الحق هي النصيرية, وهي التي نتكلم عليها في هذا المجلس.

الثانية: هي المخطئة.

والثالثة: هم الرافضة.

ثم يتباينون في ذلك من جهة تعلقهم، ومنهم من يحمل من بعض هذه الطوائف شيئاً من الباطل، ومنهم من يتجرد من بعض الباطل ويتمسك بشيء من ذلك بحسب ما يرون.

ولما كان هذا القول يتعلق برجل خفي والناس يتعلقون به كل يظهر أنه وصي، فظهر أوصياء كثر في هذا، أولهم محمد بن نصير، ثم جاء بعد ذلك أناس كثر، ومن متأخريهم الخميني قال: إنه وصي محمد بن الحسن المهدي المنتظر, وأنه يبلغهم بذلك, وأنه يلتقي به مراراً، وهذا من الأمور التي تحمل جملة من المتناقضات، وهي سبب تشتتهم في ذلك، وكذلك سبب عدم وجود كلمة لهم سواء لو أظهروا، وذلك أن الحق إذا ظهر للناس يختلف بعض الناس في تفسيره؛ لهذا جعل الله جل وعلا الحق في أهل الإسلام يختلفون فيه ولو بشيء يسير في ظاهر الأمر؛ لهذا كان اختلاف الأمة رحمة، وهذا في بعض فروع الإسلام، وأما في العقائد فليس برحمة؛ ولهذا جاء عن أبي يزيد البسطامي أنه قال: اختلاف الأمة رحمة إلا في تجريد التوحيد، يعني: أنهم إذا خالفوا في أمر التوحيد فإنهم خالفوا أمر الرحمة، وأما إذا كان في أمر الفروع فإن الخلاف رحمة، والمراد بالرحمة أن العقائد إذا ظهرت للناس فإن بعض الفروع يختلفون فيها بحسب اجتهادهم، ويكون هذا الاختلاف من أمور الرحمة، والرافضة حينما كان عقيدتهم باطلة، فإنه لا يمكن أن يكون ثمة زمن يجتمع فيه الرافضة على كلمة سواء؛ لأنهم قد أضمروا باطناً باطلاً فلا يمكن أن يجتمعوا على ذلك الباطل لاختلاف الناس عليه من باب أولى، كما تقدمت الإشارة إليه.

أثر الاعتقاد بالمهدي على العمل بالإسلام لدى النصيرية

لما كان هذا الأمر يتعلق بعقيدة الباطنية صعب على الرافضة، وصعب أيضاً على النصيرية إدراك أحكام الدين، وذلك أنهم يرون ألا وسيط بين العباد وبين ربهم إلا من كان باباً بينهم وبين ذلك المهدي المنتظر , فعلقوا جميع شرائع الإسلام على ذلك؛ ولهذا تجدهم كثيراً ما يقررون عدم العمل بشرائع الإسلام، فلا يرون الصلاة، ولا يرون الزكاة والصيام، ولا يرون الحج، ولا يرون الجهاد، ولا يرون كثيراً من أحكام الدين؛ وذلك أنه لا يقيمها إلا المهدي المنتظر، وهذا عند النصيرية على خلاف مع الطوائف من المخطئة، وكذلك الرافضة الذين يؤمنون بشيء من أركان الإسلام.

أما بالنسبة للنصيرية فإنهم يقرون في مصنفاتهم أنه لا يوجد شيء من أحكام الإسلام ينبغي العمل به، فيفسرون الصلاة المذكورة في القرآن وما جاء في السنة بجملة من التفسيرات الباطلة التي ينبغي للإنسان ألا يعمل بها، فيفسرون فروع الإسلام بجملة من التفسيرات يأتي الكلام عليها بعد الكلام على عقيدتهم وكذلك إيمانهم بالله سبحانه وتعالى.

الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة بدأ من هنا التعلق بهما باعتبار أنهما الذكور من نسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا نعلم أن لله جل وعلا حكمة عظيمة أن لم يجعل لرسوله عليه الصلاة والسلام نسلاً ذكراً مباشراً، فإذا كان هذا التعلق بالذكور من نسل ابنته عليه الصلاة والسلام، ومعلوم عند العرب أن ابنة الرجل أبناؤها لا يعتبرون منه مباشرة من جهة الإرث، بخلاف الولاء والقربى ونحو ذلك، ولهذا يقول الشاعر العربي:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

يعني: أن أبناءنا هم أبناء أبنائنا من أصلابنا، وأما بالنسبة لبناتنا فإن أبناءهن هم أبناء الرجال الأباعد، ولكن لما كان من نسل فاطمة عليها رضوان الله تعالى من علي بن أبي طالب وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تعلق بهما أهل الأهواء، واخترعوا عقيدة الأئمة الاثني عشري الذين يزعمون لهم العصمة، وهم من نسل الحسين، ويخرج منهم واحد وهو الحسن عليه رضوان الله تعالى، وهو أخو الحسين، والحسين عليه رضوان الله تعالى يعتبرونه ثالث الأئمة، فأولهم علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، وهؤلاء الأئمة هم كلهم من نسل واحد ينتهون بـمحمد بن الحسن المزعومة ولادته، وهو المهدي المنتظر الذي يزعمون أنه في السرداب، وينتظرون خروجه حتى يفتح على الأمة الظلمات، وهو محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى، هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر، ويضاف إليهم الحسن بن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله تعالى.

لما كانت الولادة على سبيل التسلسل في هؤلاء الأئمة توقفت الولادة عند الحسن العسكري، فلم ينجب له على الصحيح من كلام المؤرخين، فلما كانت السلالة توقفت تحيروا في ذلك؛ لأنهم يرون أن هؤلاء هم الأئمة، فلما توفي الحسن انصرف أتباعه في ذلك أشياعاً، وقالوا: إنه بموتهم مات الشيعة، ومات أتباع آل البيت، ولم يبق ولي يبلغهم الوحي، فكانوا يتعلقون بهم، ويرون أنهم معصومون أشد من عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخذ الرافضة يموجون في ذلك موجاً كثيراً، وتباينوا في ذلك في المخرج من هذا، حتى ظهرت تلك الدعوة بأن الحسن العسكري قد ولد له ولد، قيل: إن عمره ثلاث سنوات أو ست سنوات، وأدخل السرداب، فأخفي ذلك؛ لأنه لم يكن له جسد ظاهر بيّن فأخفوه وقالوا: هذه هي الغيبة، وأن الفرج للأمة لا يمكن أن يظهر إلا بظهوره، وحين وضعوه بمثل هذا الموضع حلوا مسألة الإمامة، وأن الإمامة باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلما كان ثمة خفاء ظهر ما يسمى بالأوصياء والنواب والأبواب الذين يكونون لـمحمد المهدي المنتظر، وظهر أناس يزعمون أنهم أبواب وأوصياء لـمحمد المهدي الذي كان في السرداب، وهم قد أدخلوه فيما يزعمون في السرداب عام مائتين وستين لهجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: بيننا وبين دخوله للسرداب ألف ومائة واثنان وسبعون عاماً، وهو في السرداب، ولم يخرج، وهذا جعلهم يتعلقون ويختلفون كثيرا،ً وأصبحوا على طوائف وفرق.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام [2] 2714 استماع
إنما يخشى الله من عباده العلماء 2478 استماع
إن خير من استأجرت القوي الأمين 2317 استماع
العالِم والعالَم 2314 استماع
الذريعة بين السد والفتح [1] 2299 استماع
الإسلام وأهل الكتاب 2138 استماع
الذريعة بين السد والفتح [2] 2106 استماع
الحجاب بين الفقه الأصيل والفقه البديل [1] 2105 استماع
الردة .. مسائل وأحكام 2077 استماع
شرح حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين [2] 2047 استماع