الرؤى والأحلام


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الكلام على النبوة وأجزائها مما يحتاج إلى مجالس متنوعة، والنبوة منزلتها علية ورفيعة، ويكفي في ذلك أن الله جل وعلا جعل التكليف منها وإليها، وحفظ الله سبحانه وتعالى الدين لهذه الأمة، فلا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وذلك أن الله جل وعلا قد تكفل بحفظ أصله، كما قال الله جل وعلا: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، فامتن الله جل وعلا على هذه الأمة بأن حفظ لها دينها بحفظ كتابها، الذي جعله الله سبحانه وتعالى فيصلاً وفرقاناً وتبياناً وهدى لكل من أراد الهداية، ومن أراد الزيغ والضلال والتيه فإنه يستمسك بالهوى، ويتخذ إلهه هواه، وربما تمسك بشيء من ظواهر الأدلة من كلام الله جل وعلا، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضل وزاغ؛ لأنه أراد الهوى قبل أن ينظر في النص، ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران:7]، فإذا كان ذلك في الوحي المنزل من كلام الله جل وعلا وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر الإنسان إليه بريبة، أو أراد أن يؤكد في ذلك هوى، فإنه فيما دونه مما لم يكن تبياناً ولا هدىً ويحتمل الخطأ والصواب أكثر، فإنه سيجد في ذلك أيضاً ما يريد.

والكلام حول الرؤى والأحلام هو كلام له ذيول متنوعة، وكلامنا سيتركز على أصول هذا العلم، وعلاقته بكلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً علاقته بالفطرة البشرية وما غرسه الله جل وعلا في نفس الإنسان من قدرات، ووهب الإنسان من جملة المواهب التي تأخذ من منافذ الغيب والوحي.

والإنسان كما أن الله جل وعلا قد جعل له تكليفاً في حال يقظته يسلك به طريق الهداية، كذلك قد جعل له منافذ إلى الحقيقة في منامه على سبيل الظن تارة، وعلى سبيل التأكيد تارة، وكذلك ليعرف الخطأ من الصواب، وأن الله جل وعلا أراد بهذه الأمة خيراً.

والله سبحانه وتعالى قد كرم بني آدم، وجعل لهم من أسباب التوفيق والدلالة والخير ما يظهر لهم، وجعل الله جل وعلا من تمام عدله أنه لا يعذب أحداً من عباده إلا وقد استبانت له السبيل، واتضح الطريق، ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].

والكلام على الرؤى والأحلام والمباحث الواردة فيها مما جاء ذكره على سبيل التأصيل تصريحاً أو تلميحاً، أو كان ذلك على سبيل القياس مما يكون بنفي الفارق، أو ما يكون من باب تشبيه الأغلب في بعض الأبواب مما يأتي الكلام عليه، هذا مما يطول جداً، ونحن نتكلم على أهم ما في هذا العلم، ونتكلم على جملة من مسائل تعبير الرؤى، وتأصيل شيء من ذلك بالاعتماد على شيء مما يعرف بالحس، كذلك بالاعتماد على ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من مسائله وأحكامه.

والله جل وعلا قد جعل الرؤى من المنافذ إلى الغيب، وجعلها سبحانه وتعالى أيضاً مما يعرف بها الصادق من الكاذب، كذلك من العلامات والقرائن التي يعرف بها طريق الخير من الشر، وطريق الهداية من الغواية، وغير ذلك مما فيه خير للمؤمن، وفيها دلالة وإرشاد للكافر إذا أراد الدلالة والإرشاد، والرؤى قد جعلها الله جل وعلا مبشرة ومنذرة للعباد.

والرؤيا من جهة الأصل إذا أطلقت، فإنها يراد بها ما يراه الإنسان بعينه، ولكنها غلبت من جهة الاستعمال على ما يراه الإنسان في حال نومه، وأما إذا كانت بالتاء المربوطة، فإنها تكون لما يراه الإنسان بعينه، فيقال: الرؤية، وينصرف معناها من جهة الاصطلاح إلى ما يراه الإنسان في حال المنام، والرؤية ينصرف معناها إلى ما يراه الإنسان في حال يقظته بعينه سواءً كان ذلك على سبيل الحقيقة، أو كان ذلك على سبيل التوهم.

وهذا جرى عليه اصطلاح العلماء، وبه أيضاً نزل النص في كلام الله جل وعلا، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والله جل وعلا قد بين أن الرؤيا حظ المؤمن فيها أوفر، وسعادته فيها أحظى وأقرب، بخلاف غيره، ولهذا قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64]، والمراد بذلك الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

وجاء تفسير هذه البشرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد بها الرؤيا الصالحة التي يراها الرجل أو ترى له، كما جاء في حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عبادة عليه رضوان الله تعالى قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله جل وعلا: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64] قال: لقد سألتني عن شيء لم يسألني أحد عنه قبلك، فقال: هي الرؤيا يراها الرجل الصالح أو ترى له )، وهذا مرفوع وفيه كفاية، وروي هذا التأويل أيضاً عن غير واحد من المفسرين، فروي عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله تعالى، كما رواه ابن جرير الطبري من حديث سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس موقوفاً عليه، وروي أيضاً عن عروة بن الزبير كما رواه الإمام مالك في كتابه الموطأ من حديث هشام بن عروة عن أبيه، وجاء أيضاً عن مجاهد بن جبر كما رواه ابن جرير الطبري في تفسيره، أيضاً روي من حديث ليث بن أبي سليم عن مجاهد بن جبر أن المراد بذلك الرؤيا التي يراها الرجل الصالح أو ترى له.

وقد امتن الله سبحانه وتعالى على عباده أن جعل ذلك من وجوه معرفة ما لم يترجح عند الإنسان من أبواب الخير والشر، فإن الإنسان له في ذلك بشارة إن كان على خير، وله نذارة إن رأى شيئاً يستوجب الإحجام، ويأتي مزيد كلام على مسألة الاعتداد والأخذ بالرؤيا فيما كان على سبيل الأمر، أو كان على سبيل الحظر وما بينهما.

وقد بيّن الله سبحانه وتعالى منته على بعض أنبيائه أن جعلهم من أهل التعبير، كما امتن الله جل وعلا على نبيه يوسف عليه السلام، فعلمه الله جل وعلا تعبير الرؤيا، فكان ذلك عليه منة منه سبحانه وتعالى، وتأويل الأحاديث هو تعبير الرؤى، كما جاء تأويل ذلك عن غير واحد من المفسرين، روي عن مجاهد بن جبر و قتادة وغيرهما أن المراد بذلك هو تعبير الرؤى.

والرؤى والأحلام لها جهات، وهذه الجهات بالإمكان أن تجمع في مراتب أو في محال:

أولها: هي ذات الرؤيا، ولا خيار للإنسان فيها، وإنما هي من الله جل وعلا، وقد تكون حلماً فتكون من الشيطان، وقد تكون أيضاً من وساوس النفس، ويأتي مزيد كلام على هذه التفاصيل.

والجهة الأخرى جهة التعبير، وهي أمر خارج عن الإنسان، ومرد ذلك إلى الصواب والخطأ بحسب تمكن الإنسان من هذا العلم.

وكذلك إلى حال الرائي، فإن الرؤيا لا يمكن أن تتحقق إلا برائي يراها، والرائي في الرؤيا لا حد له من جهة جنسه، سواءً كان ذكراً أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، مؤمناً أو كافراً على خلافٍ عند العلماء في تحقق بعض أنواع الرؤيا كثرة وقلة، فإن الرؤيا تكون من الكبير والصغير، فإنها قد يراها الصغير غير البالغ، وتصح منه كما جاءت في رؤيا يوسف عليه السلام، فإن رؤياه كانت في حال صغره حينما رأى أحد عشر كوكباً، والشمس والقمر رآها له ساجدة عليه السلام كما في سورة يوسف، فإنه رآها وهو غلام لم يبلغ، وتكون أيضاً من الكبير كما هو معلوم.

وتكون أيضاً من الكافر كما كانت في رؤيا ملك مصر، وكذلك في رؤيا جماعة من الجاهليين، كما في رؤيا كسرى حينما رأى نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك عمة النبي صلى الله عليه وسلم عاتكة حينما رأت علامة بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك مما يقع من الكفرة على خلاف في صفة تحقق ذلك هل هو من جهة النبوة أم من جهة استراق السمع كما هو في بعض أجزاء الوحي الذي يسرقه الكهنة، ويأتي مزيد كلام على هذا بإذن الله.

وكذلك ينظر إلى ذات المرء من جهة الرؤيا، وهذا أحد جهاتها، ويأتي مزيد تفصيل لذلك.

والرؤيا هناك أبواب منها للإنسان فيه اختيار بحسب حذقه، وذلك الاختيار يرجع إلى قدرة الإنسان وتمكنه، وهذا يقع في التعبير، وأما ما لا اختيار للإنسان فيه فهو نوع الرؤيا، فإن الإنسان ليس له خيار أن يرى الخير أو يرى الشر إلا بالأخذ بأسبابها، فإن الإنسان إذا أخذ بأسباب الصلاح والهداية والوقاية فإنه في الأغلب يرى الرؤيا التي تدله على الخير، أو تحذره من الشر، وهذا يفهم من عموم قول الله جل وعلا: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:64]، فالخيار هنا بالأخذ بالأسباب لا بذات الرؤيا.

الرؤى والأحلام هي مما يحتاج إلى تفصيل وبيان لأقسامها، وتفصيلها لسنا بحاجة إلى الخوض فيه، وقد قسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما جاء في الصحيح- حينما قال: ( الرؤى ثلاثة: حسنة وهي من الله عز وجل، وحديث نفس وهي من النفس، والرؤيا التي تحزن الإنسان وهي من الشيطان )، إذاً فهي على ثلاثة أقسام: رحمانية ونفسية وشيطانية، فالرحمانية هي التي يراها الإنسان وتحثه على الخير أو تحذره من الشر، وهي التي تفرح الإنسان من جهة معرفتها على سبيل الحقيقة، وأما ما كان من حديث النفس وهي النفسية فتكون مما يوافق حديث الإنسان فيما يفكر فيه، فإذا فكر الإنسان بشيء وقد أشغل باله به في حال يقظته رآه في المنام، فإذا صاحبت الرؤيا ما كان يعيشه الإنسان من تفكير وشغل بال فإن هذا من حديث النفس، وأما ما يحزن الإنسان ويسره ولا يعرف الإنسان وجهه، فإنه في الغالب من الشيطان، ولرؤيا الرحمن علامات كما أن لحديث النفس علامات، وكذلك لأحلام الشيطان علامات.

الرؤى متعلقة بفطرة الإنسان التي خلقه الله جل وعلا عليها، وهي ليست بحالة مضبوطة، حيث يرجع فيها إلى العقل، فقد يرى الإنسان الذي فيه سفه شيئاً، وكذلك الصبي، فتؤخذ رؤياه على ما يخبر بها، وذلك أن ما كان على سبيل التحمل والتكليف، فإنه يكون في حال اليقظة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( رفع القلم عن ثلاثة: وذكر منهم النائم حتى يستيقظ )، والنائم حينما يرى الرؤيا ويخبر بها فهذا من حالات الاستثناء التي يأخذها الإنسان في حال المنام، فيتحملها في حال المنام، ثم يبلغها في حال اليقظة، وهذا التكليف منصرف إلى البلاغ لا إلى ذات الرؤيا، وذلك أن الإنسان ليس له اختيار في ذات الرؤيا، وإنما اختياره في البلاغ الذي رآه، فيجب عليه أن يؤدي الرؤيا كما رآها من غير زيادة أو نقصان، ويأتي مزيد كلام على ذلك بإذن الله.

والرؤى متعلقة بفطرة الإنسان كما تقدم، فقد يراها الكافر وغيره، وهي موجودة ما وجد الجنس البشري، ووجد جنس العقل، وإن كان العقل ناقصاً فما وجد الإدراك، فإذا أدرك الإنسان فإن منفذ الرؤيا ممكن إليه، ولذا وجد علم الرؤى والتعبير عند كثير من الفلاسفة المتقدمين من فلاسفة اليونان والرومان، وكذلك فلاسفة الهند، وقد جاء عن جماعة من فلاسفة اليونان وغيرهم كـجالينوس و أرسطو وكذلك أرطميدورس وغيرهم أنهم كانوا ممن يعتنون بأبواب هذه العلوم تقنيناً وتقعيداً وتأويلاً، وقد صنفوا في ذلك جملة من المصنفات كـأرطميدورس وله خمسة من المصنفات، وهي مترجمة إلى العربية، وموجودة أيضاً بعدة لغات كالإنجليزية والفرنسية والهندية.

وهذه العلوم من جهة إدراكها ومعرفتها يرجع فيها إلى سبر الإنسان لذلك العلم، فإن ذات العلوم من جهة أصلها إذا أراد الإنسان أن يقعد لكل مكتسب يكتسبه الإنسان فإنه يرجع إلى فلسفة ربما ينكرها كثير من الناس، وهو أن الإنسان لا يمكن أن يبتكر شيئاً من المعلومات لم يدركه من جهة منافذ السمع التي تصل إلى قلبه، ومعلوم أن منافذ الإدراك التي تصل إلى الإنسان هي سمعه وبصره وحسه، ومن المنافذ الأخرى التي تصل إلى الإنسان من غير ذلك: عقل الإنسان في حال المنام، فإن الإنسان قد يحرم النظر، فيرى في منامه بعض الأشياء على سبيل الحقيقة، وهو نوع من انعكاس ما يراه الإنسان بغير نظر.

وكذلك ما يدخل في أبواب الحس من حس الإنسان بيده وبشمه وغير ذلك، فإن هذه المحسوسات توصل إلى القلب تلك العلوم، فيجمع الإنسان أخلاط تلك المعلومات والمتفرقات فيصبح لديه علم، فيجمع بين شتات العلوم، وكلما كثرت تلك الأجزاء تحصل للإنسان من دقائق العلم ما ربما يظن أنه لم يسبق إليه، وهي من جهة الأجزاء منثورة قد جمعها بشيء من خليط النوم واليقظة، أو من خليط السمع والبصر فتحقق لديه شيء من العلم، ولهذا لا يمكن للإنسان أن يبتكر فكرة ليست موجودة بجميع أجزائها، وهذا معلوم من جهة المعاني.

وكذلك من جهة المحسوسات، فلا يمكن للإنسان أن يعطى قلماً وورقة، ويقال له: ارسم شكلاً لم تره من قبل، فإن حاسة الإنسان تتوقف حينئذٍ، ولا يستطيع الإنسان أن يكتب شيئاً من ذلك؛ لأنه ما لديه من معلومات إما قد نقلها على صورتها أو ألف بين أجزائها، وأجزاؤها متنوعة، قد تكون آحاداً وعشرات ومئات وآلاف ونحو ذلك، والإنسان يسبح في تأليف ما يراه ويقيس عليه.

إذاً: عقل الإنسان هو قياس، ولا استطاعة لذلك العقل المجرد أن يخلق الأفكار، فهذا لا يمكن ومستحيل أيضاً، كما أنه يستحيل على الإنسان أن يخلق شيئاً من عدم، كذلك أن يخلق الإنسان جزء فكرة أو فكرة ليس لها وجود بأجزائها المتفرقة على سبيل الاستقلال، وهذا من سبره يجده ظاهراً بيناً.

ومعرفة الرؤى وأصولها هي من العلوم التي تأتي إلى الإنسان من غير اختيار، فيرى الإنسان الرؤيا، ثم يسبر أحوالها ويقيسها مع ما يتحصل لديه، فيقيس جملة من النتائج، منها تحليل وتقسيم الرؤى، ومنها كذلك تقسيم التعبير وأحواله ونحو ذلك، وقد يصيب الإنسان في ذلك ويخطئ بحسب قدرته في أبواب السبر.

وقد كان جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الحذق والدراية في أبواب الرؤيا، منهم من كان في الجاهلية وجاء الإسلام وهو من أهل الحذق، كـأبي بكر الصديق عليه رضوان الله تعالى، فقد ذكر ابن سعد في كتابه الطبقات عن محمد بن عمر وهو الواقدي عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر كان أحذق الناس أو أعبر الناس بالرؤيا في الجاهلية، وكان ابنتاه عائشة و أسماء قد أخذتا علم التأويل منه، وقد أخذ سعيد بن المسيب علم التأويل من أسماء بنت أبي بكر عن أبيها أبي بكر عليه رضوان الله تعالى، وكان هناك أيضاً من أهل التعبير والحذق في تعبير الرؤيا كـمحمد بن سيرين وغيرهم من أئمة التابعين، والناس يتباينون في إدراك ذلك بقدر قوة السبر وحدة الذكاء.

ومعرفة أنواع الرؤى مردها إلى ما جاء ميسراً من تقسيم الشارع الرؤى إلى ثلاثة أقسام، وبعض الأقسام التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تقسم إلى عدة أنواع.

وأما بالنسبة للتأويل فإن مرده في ذلك إلى جملة من العلوم المكتسبة:

منها السمع، وهو الوحي من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام الله جل وعلا قبل ذلك.

ومنها ما يعرفه الإنسان إذا سبر الرؤى وكذلك تعلقها بالأحداث، فإنه قد يتوفق ويتحصل لديه شيء من العلم الذي لم يكن لديه في السابق.

كذلك بالعلم المكتسب من غيره على سبيل التعلم، والناس يتباينون في ذلك بحسب الإدراك، وهذا العلم متفرق بين تلك الأنواع.

وقد يرى الإنسان الرؤيا من جهة الأصل فتكون كما رآها على حالها، كما جاء في رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة القدر أنه يسجد في صبيحتها على ماء وطين كما جاء في الصحيح، فجاءت على ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تكون مخالفة لذلك كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى غنماً سوداً وغنماً بيضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الغنم السود العرب، والغنم البيض هم الروم )، وغير ذلك، فإنها قد تكون على جنس ظاهرها، وقد تكون على خلاف ظاهرها، ويأتي الكلام عليها بإذن الله.

بالنسبة للرؤيا، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان منزلتها، وأنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وقد جاء في ذلك خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس بن مالك ويرويه عنه ثابت ، ورواه عنه جماعة، وكذلك جاء من حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى، وجاء من حديث عبد الله بن عمرو و عوف بن مالك و أبي سعيد الخدري و عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي في ذلك أيضاً جملة من المراسيل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة )، وجاء في بعض الألفاظ أنها جزء من سبعين جزءاً، وجاء في بعض الروايات أنها جزء من خمسة وأربعين، وجاء في بعض الروايات أنها جزء من أربعين جزءاً من النبوة، وأصح هذه الروايات أنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وهذه أصح الروايات، ويليها بعد ذلك رواية سبعين، ويليها بعد ذلك رواية خمسة وأربعين، ثم الأربعون، وروي في ذلك أيضاً جملة من الروايات الضعيفة وبعضها واهٍ، وبعضها يصل إلى درجة الموضوع.

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ) اختلف العلماء في معنى ذلك، هل المراد بذلك أنها من النبوة على سبيل الحقيقة، واتفقوا على أن الرؤيا المتعلقة برسول الله صلى الله عليه وسلم ورؤيا الأنبياء أنها من النبوة على سبيل الحقيقة، وهذا ما جاء في الصحيح من حديث عائشة عليها رضوان الله تعالى أنها قالت: ( أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ) يعني: ظهوراً ووقوعاً، فتكون في الغالب كحال اليقظة، فهذا من النبوة ومن الوحي الصريح، وهذا قد دل الدليل عليه، وأما ما عدا ذلك فهل هي من النبوة على سبيل الصراحة كحال اليقظة، أم هي جزء دقيق في ذلك؟ ذهب جماعة من العلماء وهو قول ابن حزم ، وأبي بكر بن العربي ، والعراقي وغيرهم إلى أن الرؤيا ليست من النبوة على سبيل الحقيقة، وإنما هي نوع من الإلهام كإلهام الله جل وعلا للنحل، وإنما تكون الرؤيا من النبوة إذا حصلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء، كما جاء في قصة يوسف وغيره، أنها من النبوة فتكون على الحقيقة.

ومن العلماء من قال: إنها من النبوة على سبيل الحقيقة، ويستشكل بعض العلماء أن الكافر يرى الرؤيا فكيف تكون النبوة فيه ولو كانت شيئاً قليلاً؟ وهذا يأتي مزيد كلام عليه بإذن الله جل وعلا.




استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز الطريفي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الأحكام الفقهية المتعلقة بالصيام [2] 2712 استماع
إنما يخشى الله من عباده العلماء 2475 استماع
إن خير من استأجرت القوي الأمين 2316 استماع
العالِم والعالَم 2313 استماع
الذريعة بين السد والفتح [1] 2299 استماع
الإسلام وأهل الكتاب 2134 استماع
الحجاب بين الفقه الأصيل والفقه البديل [1] 2103 استماع
الذريعة بين السد والفتح [2] 2103 استماع
الردة .. مسائل وأحكام 2077 استماع
شرح حديث إن الحلال بين وإن الحرام بين [2] 2046 استماع