أرشيف المقالات

خطر اللعن وجزاؤه وعاقبته

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
خطر اللعن
وجزاؤه وعاقبته

اللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله، وعليه فلا يجوز لإنسان أن يلعن شيئًا غير مستحق للعن؛ لأنه بذلك يحكم عليه أنه مطرود من رحمة الله، وهذا من التألي على الله، وهذا أمر خطير يوقع صاحبه في الهلكة.
 
جزاء وعاقبة اللعن:
1) لعن المسلم من الكبائر:
• ففي الحديث الذي أخرجه الطبراني عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه، رأينا أنه قد أتى بابًا من الكبائر[1]".

2) لعن المؤمن من الكبائر:
فقد أخرج البخاري من حديث أبي قلابة: أن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أخبره:
"أنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة[2]، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا، فهو كما قال[3]، ومن قتل نفسه بشيء، عُذِّب به يوم القيامة، وليس على رجلٍ نذر فيما لا يملك، ولعن المؤمن كقتله[4]، ومن رمى مؤمنًا بكفرٍ فهو كقتله، ومن ذبح نفسه بشيء، عُذِّب به يوم القيامة)).

3) اللعنة تعود على صاحبها إن تلفظ بها ظلمًا:
• فقد أخرج أبو داود والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
"إن رجلًا نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعن الريح؛ فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئًا ليس له بأهل [5]، رجعت اللعنة عليه))؛ (الصحيحة: 528).

• وعند أبي داود من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد إذا لعن شيئًا، صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض، فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينًا وشمالًا، فإذا لم تجد مساغًا [6]، رجعت إلى الذي لعن [7]، فإن كان لذلك أهلًا، وإلا رجعت إلى قائلها))؛ (صحيح أبي داود: 4905).

• وفي رواية عند الإمام أحمد من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن اللعنة إذا وجهت إلى من وجهت إليه، فإن أصابت عليه سبيلًا[8] أوجدت مسلكًا، وإلا قالت: يا رب، وُجِّهت إلى فلان، فلم أجد فيه مسلكًا، ولم أجد عليه سبيلًا[9]، فيقال لها: ارجعي حيث جئت)).

4) اللَّعَّان في إيمانه خلَل ونقص:
• فقد أخرج الترمذي من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء)).

• وعند الترمذي أيضًا والبخاري في "الأدب المفرد" من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يكون المؤمن لعانًا))؛ (صحيح الجامع: 7774).

• يقول ابن عمر رضي الله عنهما: "إن أبغض الناس إلى الله كل طعانٍ لعانٍ"؛ (الإحياء: 3/ 12).

5) اللَّعَّان يحرم أن يكون صِدِّيقًا:
• فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ينبغي لصِدِّيقٍ [10] أن يكون لعَّانًا[11])).

• وفي رواية: ((لا يجتمع أن تكونوا لعَّانين صِدِّيقين)).

• وأخرج البيهقي [12] من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "مر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر وهو يلعن بعض رقيقه، فالتفت إليه، وقال: ((لعَّانين وصِدِّيقين؟ كلا ورب الكعبة))، فعتق أبو بكر رضي الله عنه يومئذ بعض رقيقه، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أعود".

6) اللعان يحرم أن يكون شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة:
فقد أخرج الإمام مسلم وأحمد من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يكون اللعانون شفعاء [13]، ولا شهداء [14] يوم القيامة))؛ (صحيح الجامع: 7773).

• وفي رواية عند مسلم أيضًا: ((إن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة))؛ فمقام الشهادة والشفاعة من أعظم المقامات عند الله تعالى يوم القيامة وأعلاها.

فالصالحون يشفعون لأهليهم، فيلحقهم الله بهم، فلماذا يحرم الإنسان نفسه من هذا المقام العالي بلفظ يطلقه لسانه؟!

وكما قيل:
احفَظْ لسانَك واحترِزْ مِن لفظِه ♦♦♦ فالمرءُ يسلَمُ باللسانِ ويعطَبُ

فإذا أردتَ أن تكون من وسطاء الخير، ورُسل البر، وأصحاب المنازل الرفيعة عند الله تعالى، فاجتنِبِ اللعن.



[1] أتى بابًا من الكبائر: أي أصاب ذنبًا من الذنوب العظيمة؛ لأنه لا يحب الخير لأخيه المسلم، وهذا ليس من الإيمان، وقد قال الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري: ((والذي نفسي بيده، لا يؤمن عبدٌ حتى يحب لأخيه أو لجاره ما يحب لنفسه))، فلا يتم إسلام المرء ولا يكمل إيمانه إلا إذا أحسن معاملته للمسلمين ظاهرًا وباطنًا؛ من إرادة الخير لهم، وموعظتهم بالحسنى، وعدم لعنتهم، والدعاء لهم بالهداية والتوفيق، وترك الإضرار بهم، وكف الأذى عنهم، وستر زلاتهم، والرفق بالصغير، وتوقير الكبير...
وغير ذلك من تعاليم الإسلام التي بينها الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم.


[2] الشجرة: يعني شجرة الرضوان: الحديبية.


[3] قال في "الفتح": الملة هي الدين والشريعة، وهي نكرة في سياق الشرط، فتعم جميع الملل من أهل الكتاب؛ كاليهودية والنصرانية ومَن لحق بهم من المجوسية والصابئة، وأهل الأوثان والدهرية والمعطلة وعبدة الشياطين وعبدة الملائكة، وغيرهم، ولم يجزم المصنف بالحكم على تكفير الحالف بذلك أو لا؟ لكن تصرفه يقتضي أنه لا يكفر بذلك؛ لأنه علق حديث: ((مَن حلف باللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله)) ولم ينسبه إلى الكفر"؛ اهـ.
- وقال بعض الشافعية: "ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبًا، والتحقيق التفصيل، فإن اعتقد تعظيم ما ذُكِر كفر، وإن قصد حقيقة التعليق فينظر، فإن كان أراد أن يكون مُتصفًا بذلك كفر؛ لأن إرادة الكفر كفر، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيهًا؟ الثاني هو المشهور.
- وقوله: "كاذبًا متعمدًا"، قال عياض: "تفرد بزيادتها سفيان الثوري، وهي زيادة حسنة، يستفاد منها: أن الحالف المتعمد إذا كان مطمئن القلب بالإيمان، وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه، لم يكفر، وإن قاله مُتعمدًا ليمين بتلك الملة؛ لكونها حقًّا كفر، وإن قالها لمجرد التعظيم لها، احتمل.


[4] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ولَعْن المؤمن كقتله" أي: في الإثم أو التحريم أو في العقاب أو في الإبعاد؛ لأن اللعن تبعيد من رحمة الله، والقتل تبعيد عن الحياة، وقيل: "إنه إذا لعنه، فكأنه دعا عليه بالهلاك، والتقيد بالمؤمن للتشنيع أو للاحتراز عن الكافر، فيجوز لعنه إذا كان غير معين؛ كقوله: "لعَنَ الله الكفار أو اليهود أو النصارى"، أما المعين فلا يجوز لعنه، ومثله العاصي المعين على المشهود، ونقل ابن العربي الاتفاق على هذا.


[5] ليس له بأهل: أي كان لا يستحق هذا العقاب.


[6] مَسَاغًا: أي مدخلًا وطريقًا.


[7] الذي لُعِن: أي وقعت له اللعنة.


[8] أي: وجدت طريقًا وصلت به إلى ذلك المستحق للطرد من رحمة الله لعصيانه.


[9] أي: إن كان المدعو عليه رجلًا صالحًا تقيًّا، لم تصبه تلك الدعوة، وهذا اللعن، بل ترجع إلى قائلها، وأصابته في صميمه، وأبعدته من حظيرة المكرمين المرحومين، ألا فليتق اللهَ اللاعنُ الساقطُ الصاخبُ، وليجتنب الدعوات البذيئة الساقطة.


[10] الصِّديق: كثير الصدق والعبادة، وهو للمبالغة في الصدق، ويكون المعنى الذي يصدق قوله بالعمل.


[11] لعانًا: يعني كثير السب والغضب واللغو، وأصل اللعن: الطرد من رحمة الله، ويكون من الإنسان دعاءً على غيره.


[12] روى هذا الحديث أيضًا ابن أبي الدنيا في "الصمت"، وشيخه بشار بن موسى الخفاف، ضعفه الجمهور، وكان الإمام أحمد حسن الرأي فيه.


[13] شفعاء: أي يتقدمون بين يدي الله تعالى ويطلبون المغفرة لِمَن يشاؤون.


[14] شهداء: أي لا تسمع شهادتهم، وقيل: "لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم السابقة"؛ اهـ (النهاية).

شارك الخبر

المرئيات-١