الأحاديث المعلة في الصلاة [17]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

نكمل الأحاديث المعلة في الصلاة، وأول أحاديث اليوم: هو حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه ).

هذا الحديث رواه الإمام أحمد في سننه، ورواه أبو داود ، و الترمذي ، و النسائي ، و ابن ماجه ، و الدارمي من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد أخرجه أبو داود و النسائي من حديث عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد به، والحديث أعل بتفرد عبد العزيز بن محمد الدراوردي في روايته عن محمد بن عبد الله بن الحسن ، وكذلك بتفرد محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد ، وأما عبد العزيز بن محمد الدراوردي فإنه قد توبع عليه تابعه عبد الله بن نافع كما رواه أبو داود وكذلك النسائي في السنن من حديث عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله بن الحسن به.

وأعل الحديث أيضاً بتفرد محمد بن عبد الله بن الحسن وهو التفرد الثاني فلا يعرف الحديث إلا من طريقه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، و أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان وهو من الفقهاء وكذلك المحدثين من أهل المدينة وله أصحاب كثر وشيوخه أيضاً متوافرون، وحديثه يتلقف من الرواة ولا يترك، وتفرد محمد بن عبد الله بن الحسن وإن كان هو من الصالحين ومن آل البيت أيضاً فيسمى فهو الملقب بالنفس الزكية إلا أنه مستور الحال وحديثه نادر جداً واشتهر بهذا الحديث وتفرد به، ولهذا الأئمة عليهم رحمة الله ينكرونه عليه.

ووجه هذه النكارة أن أبا الزناد هو من الرواة المشهورين من المدنيين وله أصحاب كثر يعتنون بحديثه، فتفرد محمد بن عبد الله بن الحسن عنه بمثل هذا الحديث مما يستغرب عند الأئمة ويردون حديثه لأجل هذا التفرد، ثم إن محمد بن عبد الله مع عدم شهرته فإنه كان معتزلاً الناس في البادية, وقد ذكر ابن سعد في كتابه الطبقات ذلك وقد سأل بعض الخلفاء أباه عنه فقال: إنه معتزل للناس ويسكن البادية وهو منشغل بالصيد، وذلك لشيء من البعد عن الفتن فيما يظهر، ولم يكن معروفاً بالفقه ولا برواية الحديث، وتفرده بمثل هذا الحديث مما يستنكر، وقد جاء هذا الحديث عن أبي هريرة عليه رضوان الله موقوفاً عليه، فقد رواه السرقسطي في كتابه غريب الحديث من حديث بكير بن الأشج عن أبي مرة عن أبي هريرة أنه قال: لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير الشارد.

والموقوف على أبي هريرة أصح، وأما المرفوع فمنكر، ولهذا أعله البخاري رحمه الله في كتابه التاريخ فإنه قال حينما ترجم لـمحمد بن عبد الله بن الحسن : لا يتابع عليه، ولا يعرف لـمحمد بن عبد الله بن الحسن سماع من أبي الزناد ، وهذا إعلال له من جهتين:

الجهة الأولى: أن تفرد محمد بن عبد الله بن الحسن مما يستنكر، فإنه لم يتابع عليه، ومثل هذا الحديث ينبغي أن يتابع، لأنه يروي عن مثل أبي الزناد و أبو الزناد من الرواة المشهورين، كذلك فإن هذا الحديث هو من الأحاديث القوية التي تتعلق بكل صلاة وفي كل ركعة من ركعات الصلاة، ومثل هذا مما ينقل، فلما تفرد به مثل محمد بن عبد الله بن الحسن استغربه العلماء عليه، كذلك في قول البخاري رحمه الله: لا يعرف لـمحمد بن عبد الله بن الحسن سماع من أبي الزناد إشارة إلى أنه ليس بمعروف, وذلك أن أبا الزناد وهو من الرواة المشهورين من يروي عنه يعرف ومن يختص به بالمجالسة ويرد إليه مثلاً في بلده وفي حلق العلم يعرف إذا كان من الرواة المعروفين، ومثل محمد بن الحسن لو كان غاشياً لمجالس أبي الزناد معتاداً لها لعرف ذلك واستفاض، لأنه ممن يرجى قربه فهو من آل بيت النبوة ويسأل عنه ويتفقده الخلفاء, فلما كان بعيداً ونقل مثل هذا الحديث جهل البخاري رحمه الله سماعه من أبي الزناد .

وما يقوله البعض من أن البخاري رحمه الله إنما شدد في هذا في قوله: إنه لا يعرف لـمحمد بن عبد الله بن الحسن سماع من أبي الزناد أن البخاري رحمه الله يشترط في ذلك ثبوت السماع ولا يكتفي بمجرد إمكان اللقي، قالوا: وهذا تشديد، نقول: هذا فيه نظر, وذلك أن البخاري رحمه الله إنما قال: أنه لا يعرف السماع لـمحمد بن عبد الله بن الحسن من أبي الزناد بعد قوله: لا يتابع عليه، أي: أنه يعله بالتفرد، وأنه لم يروه أحد ممن هو أولى منه.

ومن وجوه الإعلال أيضاً: أن البخاري رحمه الله قد أخرج في كتابه الصحيح ورواه أبو داود أيضاً في سننه موصولاً من حديث نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه، وهذا عند البخاري رحمه الله إعلال للمرفوع، ولدينا قرينة من صنيع البخاري رحمه الله وتقدم الإشارة إليها، وهي أن البخاري إذا أورد أثراً موقوفاً عن صحابي من الصحابة وفي الباب حديث مرفوع لم يورده فهذا إعلال للحديث المرفوع، وهو إعلال أيضاً للحديث المرفوع الذي يخالفه وذلك أن إعلال الحديث الموقوف الذي يوافق هذا أن البخاري أصل شرطه في كتابه الصحيح أن يورد الأحاديث المرفوعة، فإن كتابه الجامع المسند الصحيح من سنن النبي عليه الصلاة والسلام فهو يورد الآثار تبعاً فلما أورد الحديث تبعاً ولم يورد الحديث المرفوع دل على أن الحديث المرفوع عنده معلول.

ثم أيضاً الحديث الذي يخالفه وثمة أحاديث تخالف حديث أبي هريرة عليه رضوان الله في هوي الإنسان إلى السجود، فلماذا قلنا بأن هذا الحديث أو هذا الأثر الموقوف يعل ما يوافقه وما يخالفه، ما يوافقه تقدم الكلام عليه، وأما ما يخالفه فلأنه رأى أن حديثاً موقوفاً أقوى من مرفوع في غير بابه.

ولهذا نقول: إن الحديث المخالف له لو كان صحيحاً ما أورد الحديث الموقوف الذي يخالفه، وهذا الصنيع معروف عند الأئمة المتقدمين كحال الإمام أحمد رحمه الله حينما يسأل عن مسألة من المسائل أو فتيا فيقول: قال به ابن عمر ، أو قال به ابن مسعود ، ويوجد حديث مرفوع يخالف ما جاء عن عبد الله بن مسعود إشارة إلى أنه يعل الحديث المرفوع.

لهذا نقول: إن في إيراد البخاري رحمه الله لحديث عبد الله بن عمر موقوفاً عليه أنه يضع يديه قبل ركبتيه إعلال لحديث أبي هريرة وإعلال للأحاديث الأخرى التي فيها تقديم الركبتين على اليدين، وكأن البخاري رحمه الله يرى أن الأحاديث الواردة في الباب لا تقوم بها حجة، أما محمد بن عبد الله بن الحسن وقد وثقه بعض العلماء ووثقه النسائي ، وكذلك ابن حبان ، فنقول: إنهما جريا على توثيقه للقرائن المحتفة به، فإنه من أهل بيت دين وصلاح، وكذلك شرف نسب، وهو معروف بالديانة.

أما مسألة الحفظ فهي باب آخر، ثم إن ورود هذا الحديث موقوفاً على أبي هريرة عليه رضوان الله بغير هذا اللفظ دل على أن محمد بن عبد الله بن الحسن لم يحفظه على وجهه.

الحديث الثاني: هو حديث وائل بن حجر عليه رضوان الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سجد أحدكم فليضع ركبتيه قبل يديه ).

هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد ، و أبو داود ، و النسائي ، و ابن ماجه ، و الدارمي وغيرهم من حديث شريك بن عبد الله النخعي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث تفرد به شريك بن عبد الله بهذا اللفظ، تفرد به شريك بن عبد الله النخعي ، و شريك بن عبد الله النخعي روايته نحملها على نوعين: روايته للموقوفات وهو أضبط لها من المرفوعات، وروايته للمرفوعات يقع فيها الوهم والغلط، ولهذا قال الجوهري رحمه الله: أخطأ شريك في أربعمائة حديث، ومثل هذا كثير وإن كان شريك بن عبد الله النخعي له أحاديث يرويها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة إلا أن خطأه في مثل هذا العدد مما يرد به الحديث.

ولكن نقول: إن في روايته لبعض الموقوفات ما يظهر معه الاستقامة مما يدل على أنه في الموقوف أضبط له من المرفوع، و شريك بن عبد الله النخعي تفرد بهذا الحديث عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

جاء عند أبي داود متابعة حملها بعضهم ومتابع له وقد أخرجها أبو داود في كتابه السنن، وكذلك البيهقي أيضاً من حديث همام عن شقيق أبي الليث عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً وما ذكر أبى وائل ، وهذا مرسل، و همام و شقيق لا تعرف حالهما.

ولهذا نقول: إن هذا الوجه منكر وقد جاء موصولاً من وجه آخر قد رواه البيهقي وفي كتابه السنن من حديث همام عن محمد بن جحادة وجعله موصولاً ولكن رواه من حديث عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه، و عبد الجبار بن وائل بن حجر لم يسمع من أبيه، وقد نص على هذا غير واحد من العلماء.

ونقول: إن هذا الوجه له علتان:

العلة الأولى: جهالة حال همام وكذلك أيضاً الانقطاع بين عبد الجبار بن وائل وبين أبيه فإنه لم يسمع من أبيه على الصحيح، وروايته عن أبيه بعض العلماء يخفف فيها, وذلك أنه يروي عن أهل بيت أبيه، ولهذا قد جاء عند البيهقي في هذا الحديث من وجه آخر من حديث محمد بن حجر عن سعيد بن عبد الجبار بن وائل عن أمه عن وائل بن حجر ، فغالب رواية عبد الجبار بن وائل يروي عن أهل بيت أبيه إما عن أمه وإما عن إخوته، يروي عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولكن نقول: إن العلة ليست في هذا الانقطاع فقط ولو كانت فيه مجردة لقلنا باحتمال اغتفار الانقطاع، وروايته هي كرواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ورواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه مما يقبلها العلماء رغم مع أن عبد الله بن مسعود إنما توفي و أبو عبيدة حمل في بطن أمه؛ لأن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود يروي عن أهل بيت أبيه، ولهذا العلماء يغتفرون رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ومن نظر إليها أو وجد رواية من الروايات على هذا الوجه فليس له أن يعلها بالانقطاع، فإعلالها بالانقطاع فيه نظر بل مخالف لمناهج الأئمة عليهم رحمة الله, وذلك أن الأئمة حينما يعلون الحديث بالانقطاع فإنما ذلك لوجود جهالة بين الراويين وهو أبو عبيدة مثلاً وبين أبيه، ولكن إذا علمت الجهالة ولو لم ينص عليها كان ذلك من مواضع الاغتفار.

ولهذا تجد الأئمة عليهم رحمة الله إذا جاء عندهم حديث من الأحاديث كرواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه يغتفرونها ويقولون: هذا منقطع صحيح، دون أن يذكروا الواسطة، لأنها غير محددة، وهذا يرد في غير ما موضع من الأسانيد، والسبب في ذلك أنه يروي عن أصحاب عبد الله بن مسعود ولهذا يروي عنه الأعمش أنه قال: قال إبراهيم النخعي : إذا حدثتكم عن عبد الله بن مسعود وسميت رجلاً فهو عن من سميت، وإذا رويت لكم عن عبد الله بن مسعود ولم أسم أحداً فهو عن غير واحد، يعني: عن جماعة، وأصحاب عبد الله بن مسعود جلهم أهل رواية وفقه، ولهذا نجد أن رواية إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود من الروايات الصحيحة، مثاله: رواية علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس ، والسبب في هذا أن علي بن أبي طلحة يروي عن عبد الله بن عباس بواسطة صحيفة أو كتاب، اختلف في هذا الكتاب هل أخذه من سعيد بن جبير أو من مجاهد بن جبر ، أو أخذه من القاسم بن أبي بزة عن مجاهد عن عبد الله بن عباس عليه رضوان الله.

كذلك أيضاً في رواية سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب ، فجل روايته لم يسمعها من عمر وهي منقطعة تجدها في كتب الرجال وكتب المراسيل يقولون: مرسل لكنها ليست علة، ولهذا عبد الله بن عمر إذا جهل شيئاً من حديث أبيه سأل سعيد بن المسيب وهو عبد الله وذلك لاعتنائه بفقه أبيه، ولهذا يقول الإمام أحمد كما جاء في رواية أبي طالب لما سئل عن رواية سعيد بن المسيب عن عمر قال: إذا لم يقبل عن سعيد عن عمر فمن يقبل؟ يعني: أن مثل هذا الانقطاع مما يغتفره العلماء.

لهذا ينبغي أن نعلم أن الانقطاع إنما جعله العلماء ضعيفاً لجهالة الواسطة وليس ضعفاً بعينه، فإذا علمت الواسطة من غير نص عليها كفينا في ذلك، ولهذا الذي ينظر في كتب التراجم وكتب المراسيل ويعل الأحاديث بالانقطاع المجرد هذا خطأ, وذلك أن إعمال القرائن في هذا الباب مطلب.

ما يأتي عن عمر ويشتهر عنه لماذا ينفرد به سعيد والمفترض أن ينقل؟ نقول: إذا لم ينقل هذا سعيد عن عمر فمن ينقله! لأن سعيداً هو عمدة في هذا الباب، ولهذا يرجع إليه عبد الله وهو ابن عمر بن الخطاب وهو من يدرك حال أبيه، ولكن تفرغ سعيد بن المسيب لتتبع مرويات عمر وأخذها من أقرب الناس إليه فكان حافظاً ضابطاً ما جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله.

ولهذا نقول: إن في رواية عبد الجبار بن وائل بن حجر وهي من الروايات أيضاً التي يغتفرها العلماء غالباً في روايته عنه به، كذلك أيضاً في رواة التفسير عن مجاهد بن جبر ، من روى التفسير عن مجاهد بن جبر لم يسمعه منه، لو أخذنا بقاعدة الانقطاع لجعلنا أكثر تفسير مجاهد ضعيف، لأنه ليس سماعاً وفيه انقطاع بل قد يصل إلى الثلثين مما هو موجود بين أيدنا لـمجاهد بن جبر ، ولكن نقول: إنه أخذه بواسطة القاسم بن أبي بزة ولا يذكر هؤلاء الرواة عن مجاهد بن جبر وذلك ابن أبي نجيح و ابن جريج و ليث بن أبي سليم وغير هؤلاء الأئمة عليهم رحمة الله.

الحديث الثالث: هو حديث أبي هريرة عليه رضوان الله أيضاً وقد أخرجه البيهقي من حديث محمد بن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة بمعنى حديث وائل بن حجر وهو تقديم الركبتين على اليدين، هذا الحديث تفرد به عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة ، و عبد الله بن سعيد منكر الحديث بل متروك قد قال بتركه غير واحد من الأئمة وقد تفرد بهذا الحديث، وبعضهم يجعل هذا الحديث شاهداً لحديث وائل بن حجر وليس بشاهد لأنه مطروح.

وذلك أن الأئمة عليهم رحمة الله في الأحاديث التي تأتي في ذات الباب وفيها متروك أو ضعيف جداً الأئمة لا يعتدون بها ويجعلون وجودها كعدمها، و عبد الله بن سعيد تفرد بهذا عن جده عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك أيضاً فإنه مخالف لحديث أبي هريرة السابق وهذا من وجوه الاضطراب في الحديث السابق قد جاء مرفوعاً وجاء موقوفاً، وجاء هنا على خلاف ذلك، والحديث الأول بطريقه الأول هي أمثل من هذا فذاك يعل هذا.

الحديث الرابع: هو حديث سعد بن أبي وقاص عليه رضوان الله قال: ( أمرنا في الصلاة أن نضع الركبتين قبل اليدين ) ، هذا الحديث أخرجه البيهقي و الحازمي في الاعتبار من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة قال: حدثني أبي عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص من حديث إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة قال: حدثني أبي عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن سعد عن سعد بن أبي وقاص .

وهذا الحديث معلول أو مسلسل بالعلل، فإنه تفرد به إبراهيم بن إسماعيل وهو متروك الحديث، تركه النسائي وغيره، يرويه إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة قال: حدثني أبي عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن سعد ، إبراهيم وأبوه وجده كلهم مطروح الحديث وهو ضعيف جداً، وهذه السلسلة مما لا يحتج بها العلماء حتى في أبواب الشواهد.

ولهذا نقول: إن حديث مصعب بن سعد عن أبيه أن هذا لا يعد شاهداً للأحاديث السابقة، كذلك أيضاً فإن مصعب بن سعد هو من الرواة المشهورين بالرواية عن أبيه، وتفرد هذا الراوي عن آبائه وهو إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة عن أبيه عن سلمة عن مصعب بن سعد مما يستنكر، ومثل هذا يستفيض لو وجد خاصة أنه قال في هذا الحديث: أمرنا، مما يدل على أن الأمر على الجماعة وليس على الفرد.

الحديث الخامس: هو حديث أنس بن مالك عليه رضوان الله: ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع ركبتيه قبل يديه ).

الحديث أخرجه البيهقي رحمه الله في كتابه السنن من حديث العلاء بن إسماعيل عن حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث تفرد به العلاء بن إسماعيل وهو مجهول لا تعرف حاله، وتفرد به أيضاً عن حفص بن غياث و حفص بن غياث من الرواة المكثرين المعروفين بالرواية وهو من الحفاظ الأثبات، وينبغي أن لا يتفرد عنه مثل العلاء بمثل هذا الحديث والمحفوظ عنه خلاف ذلك، فإنه قد جاء هذا الحديث من حديث حفص بن غياث على غير هذا الوجه عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله، فقد رواه عمر بن حفص بن غياث وهو أوثق وأضبط لحديث أبيه، عمر بن حفص بن غياث يروي عن أبيه عن الأعمش عن إبراهيم قال: قال الأسود و علقمة أن عمر: إذا سجد لا يبرك كما يبرك البعير وإنما يضع ركبتيه قبل يديه، وهذا إسناده صحيح عن عمر.

وعلى هذا مذهب الكوفيين وذلك أنه قد جاء عن أصحاب عبد الله بن مسعود كما رواه أبو إسحاق السبيعي عن أصحاب عبد الله بن مسعود بنحوه، وجاء أيضاً ذلك عن إبراهيم النخعي عن أصحاب عبد الله بن مسعود أيضاً، ونقول: إن أصح شيء جاء في هذا الباب في مسألة السجود نقول: إن أصح ما جاء في هذا أعلاها هو عن عمر بن الخطاب وما جاء عن عبد الله بن عمر وهو يخالفه، وما جاء عن عبد الله بن مسعود عليه رضوان الله.

ولهذا نقول: إن في حديث صفة هوي الإنسان في صلاته أن ذلك جاء عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاء عن عمر بن الخطاب ، و عبد الله بن مسعود في وضع الركبتين قبل اليدين، وجاء عن عبد الله بن عمر في وضع اليدين قبل الركبتين.

والذي يظهر -والله أعلم- أن المرفوع في ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام لا يصح فيه شيء في المرفوع عن النبي عليه الصلاة والسلام، والأحاديث الواردة في ذلك يعل بعضها بعضاً، وقد اختلف العلماء في تصحيح بعضها، فأول حديث هو حديث أبي هريرة عامة العلماء على إعلاله وقد أعله البخاري ، وأعله كذلك حمزة الكناني فقال: منكر الحديث وأعله في ظاهر صنيعه أبو داود و الدارقطني و ابن خزيمة و ابن حبان وغيرهم من الحفاظ وذلك على ما تقدم بتفرد محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمثلها حديث أبي هريرة ، ولهذا أخرج البخاري رحمه الله ما يعضده وهو حديث عبد الله بن عمر .

ولكن نقول: إن الأحاديث المرفوعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم معلولة ولا يصح فيها شيء، ولا يظهر سنة معينة وإنما يقال: إن الإنسان في ذلك في طريقة سجوده أن لا يتشبه بحيوان وذلك كالسرعة في الهبوط ونحو ذلك فنقول: إن الإنسان في ذلك يفعل ما هو أسمح له، ولهذا جاء في حديث أبي هريرة عليه رضوان الله الموقوف فيما رواه السرقسطي في كتابه غريب الحديث قال: لا يبرك أحدكم كما يبرك البعير الشارد مما يدل على شدة هبوط وهوي الإنسان، فلهذا نقول: إن المرفوع في ذلك لا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام لا في تقديم يد، ولا في تقديم ركبة.

والأحاديث المتعارضة في ذلك لا يصح منها شيء، وتعارض الموقوفات عن الصحابة عليهم رضوان الله أمارة على هذا، وهذا هو ظاهر صنيع الإمام أحمد رحمه الله فإنه روي عن الإمام أحمد رحمه الله الوجهان: روي عنه القول والفتيا بوضع الركبتين قبل اليدين، وروي عنه بوضع اليدين قبل الركبتين مما يدل على أن المسألة فيها سعة.

ولهذا نقول: إنه لا يثبت في هذا الباب شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفتى بذلك في الإنسان على التخيير إن وضع يديه قبل ركبتيه فحسن، أو وضع ركبتيه قبل يديه فحسن، وإن كل ذلك فيه اقتداء بالصحابة عليهم رضوان الله.

ولكن قد نقول: إنما جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله بعلوه وهو من الخلفاء الراشدين، نقول: إنه أرجح من هذا الوجه ولكن لا نستطيع أن نقول بالسنية، نقول: هو الأقرب إلى الرجحان وهو أن يضع الإنسان الركبتين قبل اليدين، وقد جاء عن عمر بن الخطاب من وجهين: من وجه منقطع، من حديث إبراهيم النخعي عن عمر ، وجاء من وجه موصول على ما تقدم من حديث علقمة و الأسود عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله.

وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سبب إخراج البخاري لأثر ابن عمر عوضا عن أثر أبيه في النزول على الركبين

السؤال: لماذا أخرج أو علق البخاري في كتابه الصحيح أثر عبد الله بن عمر وترك أثر أبيه؟

الجواب: يظهر أن البخاري يميل إلى ترجيح ما جاء عن عبد الله بن عمر ولعله لما رأى حديث محمد بن عبد الله بن الحسن مع علته أحسن حالاً من حديث شريك ، وأن أقرب شيء للعمل به هو ما جاء عن عبد الله بن عمر فأورده في هذا الباب، ومنه تؤخذ فوائد: منها أن حديث محمد بن عبد الله بن الحسن معلول، ومنها أيضاً أنه أحسن من حديث شريك . والثالثة: أن حديث شريك أيضاً ضعيف.

صحة قصة إسقاط عمر لحد شرب الخمر عن قدامة

السؤال: هل قصة قدامة في أن عمر أسقط حد شرب الخمر عنه؟

الجواب: نعم، صحيحة.

تشميت العاطس المزكوم

السؤال: جاء في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أنه عطس عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل فشمته في المرة الأولى أما الثانية قال: أنت مزكوم؟ فهل يشمت العاطس مباشرة أو يتوقف عن الكلام.

الجواب: إذا كان مريضاً أو لم يكن مريضاً الذي يجب على الإنسان هو التشميت للمرة الأولى، الواجب عليه على الصحيح هو التشميت في المرة الأولى وما عدا ذلك فهو سنة، فإذا كان مريضاً يترك ويدعى له بالشفاء، أحياناً تعلم أن ما فيه من عطاس إنما هو مرض ولو كانت المرة الأولى بالنسبة لك كأن ترى الإنسان حينما تدخل عليه يشكو وترى من حاله المرض بالزكام ثم عطس عندك وتعلم أنه قبل ذلك وأنت حديث دخول عليه تعلم أنه قبل ذلك عطس مراراً، هذه في حكمها هل نقول: تحسب لك هذه المرة؟ لا، لأن حاله مريض تدعو له بالشفاء.

ثبوت الإشارة بالسبابة عن ابن مسعود

السؤال: هل ثبت عن ابن عمر أنه كان يشير بالسبابة؟

الشيخ: ثبت عن ابن مسعود , أما ابن عمر فلا يثبت عنه.