أرشيف المقالات

إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس


عن معاوية بن الحكَم السلمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلتُ: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمِّتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس؛ إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن))؛ رواه مسلم[1].
 
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: كان سيد الخَلق صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقًا، وبخاصة مع الجاهلين الذين يريدون تعلُّم الإسلام وتطبيقه، ولكنهم يجهلون ذلك؛ إما لقلة علمهم، أو لجفاء طباعهم، أو لغير ذلك، فكان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم يعلمهم برفق حتى يتقبلوا هذا الدين ويتأثروا به، وفي حديث عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه))؛ رواه مسلم[2].

الفائدة الثانية: الكلام في الصلاة بغير ما هو منها لا يجوز، ومن تكلَّم في الصلاة جاهلًا فلا شيء عليه، وصلاته صحيحة، وفي حكمه من تكلم في صلاته ساهيًا، فصلاته صحيحة ولا شيء عليه.

الفائدة الثالثة: إن مِن الناس مَن هم منفِّرون عن الإسلام والدين؛ فأين هم من هذه الأخلاق الكريمة لسيد الخَلق صلى الله عليه وسلم؟! لقد تأثر الرجل بهذا الخُلق الكريم، وازدادت محبته لهذا النبي العظيم، فبدأ يسأله السؤال تلو السؤال، وهذا من علامة حبه للنبي صلى الله عليه وسلم ودِينه، فماذا قال له؟ قال: قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالًا يأتون الكهان، قال: ((فلا تأتهم))، قال: ومنا رجالٌ يتطيرون، قال: ((ذاك شيء يجدونه في صدورهم؛ فلا يصدنهم))، قال: قلت: ومنا رجالٌ يخطُّون، قال: ((كان نبي من الأنبياء يخطُّ؛ فمن وافق خطَّه فذاك))،ثم بعد هذا يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم ليسأله عن مشكلة اجتماعية مرت به، يريد أن يهتدي بهديه فيها، ويعلم بمَ يوجهه؟؛ وذلك لأنه انشرح صدره لتعامله صلى الله عليه وسلم؛ فانشرح صدره لدينه وتعاليمه،قال معاوية بن الحكم رضي الله عنه: وكانت لي جارية ترعى غنمًا لي قِبَل أُحُد والجوَّانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسَفُ كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظَّم ذلك عليَّ، قلت: يا رسول الله، أفلا أعتقها؟ قال: ((ائتني بها))، فأتيته بها، فقال لها: ((أين الله؟))، قالت: في السماء، قال: ((مَن أنا؟))، قالت: أنت رسول الله، قال: ((أعتِقْها؛ فإنها مؤمنة))؛ رواه مسلم[3].



[1] رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة 1/ 381 (537)، ومعنى ما كهرني: ما انتهرني.



[2] رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق 4/ 2004 (2594).


[3] رواه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة 1/ 381 (537).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢