شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [8]


الحلقة مفرغة

شرح حديث أنس في توضئه صلى الله عليه وسلم لكل صلاة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء لكل صلاة.

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن عمرو بن عامر عن أنس رضي الله عنه أنه ذكر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بإناء صغير فتوضأ. قلت: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة؟ قال: نعم. قال: فأنتم؟ قال: كنا نصلي الصلوات ما لم نحدث. قال: وقد كنا نصلي الصلوات بوضوء) ].

قوله: (نصلي الصلوات) يعني: نصلي عدداً من الصلوات، فلا بأس بأن يصلي المسلم عدداً من الصلوات بوضوء واحد، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال له عمر رضي الله عنه: فعلت شيئاً لم تكن تفعله! فقال: (عمداً فعلته يا عمر)؛ لبيان الجواز.

وأما حديث أنس هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة فالمراد به في الأغلب، فالغالب أنه عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ لكل صلاة، وقد جمع عدة صلوات بوضوء واحد في يوم الفتح.

شرح حديث: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا زياد بن أيوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقرب إليه طعام، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة) ].

هذا الحديث فيه أنه لا حرج في أن يأكل الإنسان ويشرب وهو محدث، ولا يقال: يشرع الوضوء للأكل والشرب، وإنما هذا للجنب، فالجنب يستحب له إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب أن يتوضأ، وأما غير الجنب فلا، فالإنسان إذا خرج من الخلاء بعد بول أو غائط فله أن يأكل ويشرب ولا يستحب له الوضوء، ولهذا لما قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم الطعام حين خرج من الخلاء وعرض عليه الماء ليتوضأ أخبرهم أن الوضوء للقيام إلى الصلاة.

شرح حديث: (كان رسول الله يتوضأ لكل صلاة)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثنا علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر : فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال: عمداً فعلته يا عمر! ) ].

هذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وفيه جواز جمع الصلوات بوضوء واحد، وكذلك التيمم عند المحققين من العلماء، فله أن يصلي الصلوات بتيمم واحد ما لم يحدث أو يجد الماء.

وذهب الجمهور إلى أنه لا يجمع بين الصلاتين فأكثر بتيمم واحد؛ لأن التيمم إنما تستباح به الصلاة، فيتيمم للصلاة الحاضرة، ويصلي معها النوافل القبلية والبعدية، لكن لا يصلي صلاة أخرى بهذا التيمم؛ لأن التيمم استباحة للصاة، وهذا هو الذي ذهب إليه الجمهور.

وذهب المحققون -كشيخ الإسلام ابن تيمية - إلى أن التيمم قائم مقام الماء؛ لأن الله تعالى سماه الله على لسان نبيه طهوراً، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، فيقوم مقام الماء ما لم يحدث أو يجد الماء.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء لكل صلاة.

أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن عمرو بن عامر عن أنس رضي الله عنه أنه ذكر (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بإناء صغير فتوضأ. قلت: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة؟ قال: نعم. قال: فأنتم؟ قال: كنا نصلي الصلوات ما لم نحدث. قال: وقد كنا نصلي الصلوات بوضوء) ].

قوله: (نصلي الصلوات) يعني: نصلي عدداً من الصلوات، فلا بأس بأن يصلي المسلم عدداً من الصلوات بوضوء واحد، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد، فقال له عمر رضي الله عنه: فعلت شيئاً لم تكن تفعله! فقال: (عمداً فعلته يا عمر)؛ لبيان الجواز.

وأما حديث أنس هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة فالمراد به في الأغلب، فالغالب أنه عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ لكل صلاة، وقد جمع عدة صلوات بوضوء واحد في يوم الفتح.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا زياد بن أيوب قال: حدثنا ابن علية قال: حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقرب إليه طعام، فقالوا: ألا نأتيك بوضوء؟ فقال: إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة) ].

هذا الحديث فيه أنه لا حرج في أن يأكل الإنسان ويشرب وهو محدث، ولا يقال: يشرع الوضوء للأكل والشرب، وإنما هذا للجنب، فالجنب يستحب له إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب أن يتوضأ، وأما غير الجنب فلا، فالإنسان إذا خرج من الخلاء بعد بول أو غائط فله أن يأكل ويشرب ولا يستحب له الوضوء، ولهذا لما قرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم الطعام حين خرج من الخلاء وعرض عليه الماء ليتوضأ أخبرهم أن الوضوء للقيام إلى الصلاة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: حدثنا يحيى عن سفيان قال: حدثنا علقمة بن مرثد عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر : فعلت شيئاً لم تكن تفعله، قال: عمداً فعلته يا عمر! ) ].

هذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وفيه جواز جمع الصلوات بوضوء واحد، وكذلك التيمم عند المحققين من العلماء، فله أن يصلي الصلوات بتيمم واحد ما لم يحدث أو يجد الماء.

وذهب الجمهور إلى أنه لا يجمع بين الصلاتين فأكثر بتيمم واحد؛ لأن التيمم إنما تستباح به الصلاة، فيتيمم للصلاة الحاضرة، ويصلي معها النوافل القبلية والبعدية، لكن لا يصلي صلاة أخرى بهذا التيمم؛ لأن التيمم استباحة للصاة، وهذا هو الذي ذهب إليه الجمهور.

وذهب المحققون -كشيخ الإسلام ابن تيمية - إلى أن التيمم قائم مقام الماء؛ لأن الله تعالى سماه الله على لسان نبيه طهوراً، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)، فيقوم مقام الماء ما لم يحدث أو يجد الماء.

شرح حديث سفيان الثقفي في نضح رسول الله على فرجه بعد الوضوء

أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة عن منصور عن مجاهد عن الحكم عن أبيه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فقال بها: هكذا. ووصف شعبة : نضح به فرجه. فذكرته لـإبراهيم فأعجبه).

قال الشيخ ابن السني : الحكم هو ابن سفيان الثقفي رضي الله عنه].

قوله: (إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فنضح بها فرجه) معناه: استنجي ثم نضح فرجه ثم توضأ، فيكون النضح بعد الاستنجاء وقبل الوضوء، كما جاء في الحديث الآخر: (إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) يعني: إذا أراد دخول الخلاء، وكما قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98] يعني: إذا أردت قراءة القرآن، وهنا: (كان إذا توضأ نضح فرجه) يعني: إذا أراد أن يتوضأ نضح فرجه.

شرح حديث سفيان الثقفي: (رأيت رسول الله توضأ ونضح فرجه)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا العباس بن محمد الدوري قال: حدثنا الأحوص بن جواب قال: حدثنا عمار بن رزيق عن منصور . ح وأخبرنا أحمد بن حرب قال: حدثنا قاسم -وهو ابن يزيد الجرمي - قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا منصور عن مجاهد عن الحكم بن سفيان رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ونضح فرجه) قال أحمد : فنضح فرجه ].

هذا فيه -أيضاً- أن النضح تأخر عن الوضوء، وهو محمول على أن النضح يتقدم على الوضوء.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة .

ورواته في الإسناد الأول هم: إسماعيل بن مسعود الجحدري أبو مسعود ، ثقة، وخالد بن الحارث بن عبيد أبو عثمان ، ثقة، والأحوص بن جواب صدوق ربما وهم، وهو بفتح الجيم وتشديد الواو، يكنى أبا الجواب ، كوفي، وعمار بن رزيق بتقديم الراء، مصغر، الضبي أو التميمي ، لا بأس به، وأحمد بن حرب صدوق.

فهذا الحديث فيه ثبوت النضح؛ لأن معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينضح فرجه، أي: كان يرش على ما حوله، فإن ثبت كان هذا لبيان الجواز، فمن كان عنده خواطر ووساوس فإنه ينضح فرجه ويرش بعد الاستنجاء لقطع الوساوس، فيكون هذا محمولاً على الجواز في حق من كان عنده شيء من الوساوس والخواطر، فإن عليه بعد أن يستنجى أن يرش على ما حول فرجه من الثياب حتى يقطع الوساوس ولا يبقى عنده شك، فإذا أصابه شيء قال: هذا من رطوبة الماء، فينقطع الوساوس، بخلاف ما إذا لم يرش فإنه قد يكون عنده وساوس، ويتوهم أنه خرج من فرجه شيء، فإذا رش ما حوله من الثياب كان في ذلك قطع الوساوس.

ولا يلزم من النضح أن يمس الفرج، فإن فعل انتقض الوضوء.

قال السندي في قوله: (نضح): قيل: هو الاستنجاء بالماء، وعلى هذا معنى: (إذا توضأ) أي: أراد أن يتوضأ. وقيل: رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء؛ ليدفع به وسوسة الشيطان، وعليه الجمهور، وكأنه يؤخره أحياناً إلى الفراغ من الوضوء، والله تعالى أعلم.

أي: أن المراد هو النضح على الثياب، وإذا حمل على الاستنجاء زال الإشكال، ويكون موافقاً الأحاديث الأخرى.

أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: حدثنا خالد بن الحارث عن شعبة عن منصور عن مجاهد عن الحكم عن أبيه رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فقال بها: هكذا. ووصف شعبة : نضح به فرجه. فذكرته لـإبراهيم فأعجبه).

قال الشيخ ابن السني : الحكم هو ابن سفيان الثقفي رضي الله عنه].

قوله: (إذا توضأ أخذ حفنة من ماء فنضح بها فرجه) معناه: استنجي ثم نضح فرجه ثم توضأ، فيكون النضح بعد الاستنجاء وقبل الوضوء، كما جاء في الحديث الآخر: (إذا دخل أحدكم الخلاء فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) يعني: إذا أراد دخول الخلاء، وكما قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98] يعني: إذا أردت قراءة القرآن، وهنا: (كان إذا توضأ نضح فرجه) يعني: إذا أراد أن يتوضأ نضح فرجه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا العباس بن محمد الدوري قال: حدثنا الأحوص بن جواب قال: حدثنا عمار بن رزيق عن منصور . ح وأخبرنا أحمد بن حرب قال: حدثنا قاسم -وهو ابن يزيد الجرمي - قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا منصور عن مجاهد عن الحكم بن سفيان رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ونضح فرجه) قال أحمد : فنضح فرجه ].

هذا فيه -أيضاً- أن النضح تأخر عن الوضوء، وهو محمول على أن النضح يتقدم على الوضوء.

وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة .

ورواته في الإسناد الأول هم: إسماعيل بن مسعود الجحدري أبو مسعود ، ثقة، وخالد بن الحارث بن عبيد أبو عثمان ، ثقة، والأحوص بن جواب صدوق ربما وهم، وهو بفتح الجيم وتشديد الواو، يكنى أبا الجواب ، كوفي، وعمار بن رزيق بتقديم الراء، مصغر، الضبي أو التميمي ، لا بأس به، وأحمد بن حرب صدوق.

فهذا الحديث فيه ثبوت النضح؛ لأن معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينضح فرجه، أي: كان يرش على ما حوله، فإن ثبت كان هذا لبيان الجواز، فمن كان عنده خواطر ووساوس فإنه ينضح فرجه ويرش بعد الاستنجاء لقطع الوساوس، فيكون هذا محمولاً على الجواز في حق من كان عنده شيء من الوساوس والخواطر، فإن عليه بعد أن يستنجى أن يرش على ما حول فرجه من الثياب حتى يقطع الوساوس ولا يبقى عنده شك، فإذا أصابه شيء قال: هذا من رطوبة الماء، فينقطع الوساوس، بخلاف ما إذا لم يرش فإنه قد يكون عنده وساوس، ويتوهم أنه خرج من فرجه شيء، فإذا رش ما حوله من الثياب كان في ذلك قطع الوساوس.

ولا يلزم من النضح أن يمس الفرج، فإن فعل انتقض الوضوء.

قال السندي في قوله: (نضح): قيل: هو الاستنجاء بالماء، وعلى هذا معنى: (إذا توضأ) أي: أراد أن يتوضأ. وقيل: رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء؛ ليدفع به وسوسة الشيطان، وعليه الجمهور، وكأنه يؤخره أحياناً إلى الفراغ من الوضوء، والله تعالى أعلم.

أي: أن المراد هو النضح على الثياب، وإذا حمل على الاستنجاء زال الإشكال، ويكون موافقاً الأحاديث الأخرى.

شرح حديث علي في الشرب من فضل الوضوء

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: الانتفاع بفضل الوضوء.

أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف قال: حدثنا أبو عتاب قال: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قام فشرب فضل وضوئه، وقال: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنعت) ].

هذا فيه أنه لا بأس بالانتفاع بفضل الوضوء بالشرب، وأن الإنسان إذا توضأ وبقي فضل فشربه فلا حرج عليه، فالباقي من الوضوء ينتفع به بالشرب والغسل والطبخ، ولا حرج في ذلك.

وفيه جواز الشرب حال القيام وأنه ليس بمحرم.

شرح حديث أبي جحيفة في نيله من فضل وضوء رسول الله

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان قال: حدثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وأخرج بلال فضل وضوئه فابتدره الناس، فنلت منه شيئاً، ورُكِزت له العنزة فصلى بالناس والحمر والكلاب والمرأة يمرون بين يديه) ].

وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وفيه مشروعية السترة حتى في مكة، ولهذا بوب البخاري فقال: (باب السترة في مكة وغيرها)، فدل على أن مكة ليس لها خصوصية أنه لا تشرع فيها السترة، بل السترة مشروعة للمصلي في مكة وفي غير مكة، لكن في المسجد الحرام إذا اشتد الزحام وعجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

وفيه أن الإنسان إذا صلى إلى السترة فلا يضره من مر من ورائها من الحمر والكلاب والنساء، وأما إذا لم يكن له سترة ومر حمار أو كلب أو امرأة بالغ قريباً منه فإن الصواب أنه تبطل الصلاة، لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقطع صلاة المرء -إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل- المرأة، والحمار، والكلب).

وأما الجمهور فقد تأولوا هذا الحديث بأن المراد قطع الثواب، واستدلوا بأحاديث، منها: (لا يقطع الصلاة شيء ) لكنه حديث ضعيف، والصواب أنها تبطل.

وفيه التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خاص به عليه الصلاة والسلام في حياته، ولهذا ابتدر الناس وضوءه، وصاروا يأخذون القطرات مما توضأ منه، وفي رواية البخاري : (فمن نائل منه وناضح)، فكانوا يأخذون القطرات ويتبركون بها؛ لما جعل الله في جسده عليه الصلاة والسلام وما لمس جسمه من البركة، ويمسحون وجوههم وأيديهم.

وكان إذا تفل أو تنخم صارت نخامته في يد واحد من الصحابة يدلك بها وجهه وجسمه، ولما نام عند أم سليم -وكان بينه وبينها محرمية- فعرق سلتت العرق، فجعلته في قارورة مع طيب لها، وقالت: إنه لأطيب الطيب. فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولا يقاس عليه غيره، ولهذا لم يفعل الصحابة هذا مع أبي بكر ولا مع عمر ؛ لأن هذا من وسائل الشرك، ويؤدي إلى الغلو، فهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته.

وفي الحديث الأول الانتفاع بفضل الوضوء بالشرب، وفي هذا الانتفاع بفضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بالتبرك.

وقد كانت عائشة رضي الله عنها ترى أن مرور المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة كما ما ذهب إليه الجمهور، وقالت: شبهتمونا بالحمير والكلاب! وقد رأيتني وأنا معترضة أمام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي.

وقد ظنت رضي الله عنها أن هذا مرور، وهذا ليس بمرور، فكون المرء ينام أمام المصلي لا يعتبر مروراً، بل المرور هو أن يأتي المرء من هذا الجانب إلى هذا الجانب.

وأما المرور بين يدي الصف فليس كالمرور بين يدي الإمام؛ إذ المأموم تابع للإمام، وفي قصة مرور ابن عباس بين الصوف لم يذكر أنه مر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث جابر في صب رسول الله وضوءه عليه في مرضه

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان قال: سمعت ابن المنكدر يقول: سمعت جابراً يقول: (مرضت فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يعوداني، فوجداني قد أغمي علي، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فصب علي وضوءه) ].

هذا الحديث فيه الانتفاع بفضل الوضوء بالصب على المريض المغمى عليه، وصب الماء على المريض مفيد، سواء أكان من الوضوء أم من غيره، لا سيما إذا كان المرض من الحمى التي يفيد فيها الماء؛ لأن الحمى أنواع، فبعضها قد يفيد فيها الماء، وبعضها لا يفيد فيها الماء، ففيه الصب على المغمى عليه أو على المريض من ماء الوضوء أو غيره.

والصب من الوضوء خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأما غيره فيَصُب من أي ماء، لكن إذا توضأ الإنسان وبقي من وضوئه فضله فله أن ينتفع بصبه على المريض، وله أن ينتفع به بالشرب، وله أن ينتفع به بالأكل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: الانتفاع بفضل الوضوء.

أخبرنا أبو داود سليمان بن سيف قال: حدثنا أبو عتاب قال: حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي حية قال: (رأيت علياً رضي الله عنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قام فشرب فضل وضوئه، وقال: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنعت) ].

هذا فيه أنه لا بأس بالانتفاع بفضل الوضوء بالشرب، وأن الإنسان إذا توضأ وبقي فضل فشربه فلا حرج عليه، فالباقي من الوضوء ينتفع به بالشرب والغسل والطبخ، ولا حرج في ذلك.

وفيه جواز الشرب حال القيام وأنه ليس بمحرم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان قال: حدثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه قال: (شهدت النبي صلى الله عليه وسلم بالبطحاء وأخرج بلال فضل وضوئه فابتدره الناس، فنلت منه شيئاً، ورُكِزت له العنزة فصلى بالناس والحمر والكلاب والمرأة يمرون بين يديه) ].

وهذا الحديث رواه البخاري في الصحيح، وفيه مشروعية السترة حتى في مكة، ولهذا بوب البخاري فقال: (باب السترة في مكة وغيرها)، فدل على أن مكة ليس لها خصوصية أنه لا تشرع فيها السترة، بل السترة مشروعة للمصلي في مكة وفي غير مكة، لكن في المسجد الحرام إذا اشتد الزحام وعجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

وفيه أن الإنسان إذا صلى إلى السترة فلا يضره من مر من ورائها من الحمر والكلاب والنساء، وأما إذا لم يكن له سترة ومر حمار أو كلب أو امرأة بالغ قريباً منه فإن الصواب أنه تبطل الصلاة، لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقطع صلاة المرء -إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل- المرأة، والحمار، والكلب).

وأما الجمهور فقد تأولوا هذا الحديث بأن المراد قطع الثواب، واستدلوا بأحاديث، منها: (لا يقطع الصلاة شيء ) لكنه حديث ضعيف، والصواب أنها تبطل.

وفيه التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خاص به عليه الصلاة والسلام في حياته، ولهذا ابتدر الناس وضوءه، وصاروا يأخذون القطرات مما توضأ منه، وفي رواية البخاري : (فمن نائل منه وناضح)، فكانوا يأخذون القطرات ويتبركون بها؛ لما جعل الله في جسده عليه الصلاة والسلام وما لمس جسمه من البركة، ويمسحون وجوههم وأيديهم.

وكان إذا تفل أو تنخم صارت نخامته في يد واحد من الصحابة يدلك بها وجهه وجسمه، ولما نام عند أم سليم -وكان بينه وبينها محرمية- فعرق سلتت العرق، فجعلته في قارورة مع طيب لها، وقالت: إنه لأطيب الطيب. فهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم ولا يقاس عليه غيره، ولهذا لم يفعل الصحابة هذا مع أبي بكر ولا مع عمر ؛ لأن هذا من وسائل الشرك، ويؤدي إلى الغلو، فهو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته.

وفي الحديث الأول الانتفاع بفضل الوضوء بالشرب، وفي هذا الانتفاع بفضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم بالتبرك.

وقد كانت عائشة رضي الله عنها ترى أن مرور المرأة بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة كما ما ذهب إليه الجمهور، وقالت: شبهتمونا بالحمير والكلاب! وقد رأيتني وأنا معترضة أمام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي.

وقد ظنت رضي الله عنها أن هذا مرور، وهذا ليس بمرور، فكون المرء ينام أمام المصلي لا يعتبر مروراً، بل المرور هو أن يأتي المرء من هذا الجانب إلى هذا الجانب.

وأما المرور بين يدي الصف فليس كالمرور بين يدي الإمام؛ إذ المأموم تابع للإمام، وفي قصة مرور ابن عباس بين الصوف لم يذكر أنه مر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.


استمع المزيد من الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [20] 2943 استماع
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [4] 2577 استماع
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [18] 2408 استماع
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [22] 2214 استماع
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [9] 2203 استماع
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [10] 1929 استماع
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [11] 1929 استماع
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [21] 1909 استماع
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [7] 1837 استماع
شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [2] 1795 استماع