شرح سنن النسائي كتاب الطهارة [2]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (... وكان إذا أراد الحاجة أبعد)

قال المؤلف رحمه الله: [ الإبعاد عند إرادة الحاجة.

أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا أبو جعفر الخطمي عمير بن يزيد قال: حدثني الحارث بن فضيل وعمارة بن خزيمة بن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي قراد قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء وكان إذا أراد الحاجة أبعد) ].

هذا الحديث فيه مشروعية الإبعاد عند قضاء الحاجة من البول أو الغائط، اقتداءاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه: (كان إذا أراد قضاء حاجته أبعد)، وفي لفظ آخر: (حتى يتوارى)؛ وذلك لأنه يكون بعيداً عن الأعين؛ حتى لا ترى له عورة، ولا يسمع له صوت، هذه هي السنة، وهو الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء: (أنه صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً)، وهذا في بعض الأحيان لحاجة دعت إلى ذلك.

شرح حديث: (كان إذا ذهب المذهب أبعد)

قال المؤلف رحمه الله: [ أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا إسماعيل عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد، قال: فذهب لحاجته وهو في بعض أسفاره فقال: ائتني بوضوء، فأتيته بوضوء فتوضأ ومسح على الخفين) ].

قال الشيخ : إسماعيل هو ابن جعفر بن أبي كثير القارئ .

والمذهب: هو قضاء الحاجة.

ومسحه على الخفين ثابت في الصحاح، وأحاديثه من الأحاديث المتواترة عنه عليه الصلاة والسلام، وفي غزوة تبوك أن المغيرة صب للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه، فلما وصل إلى الرجلين قال: (فهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين، ثم مسح عليهما).

قال المؤلف رحمه الله: [ الإبعاد عند إرادة الحاجة.

أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا أبو جعفر الخطمي عمير بن يزيد قال: حدثني الحارث بن فضيل وعمارة بن خزيمة بن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي قراد قال: (خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء وكان إذا أراد الحاجة أبعد) ].

هذا الحديث فيه مشروعية الإبعاد عند قضاء الحاجة من البول أو الغائط، اقتداءاً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه: (كان إذا أراد قضاء حاجته أبعد)، وفي لفظ آخر: (حتى يتوارى)؛ وذلك لأنه يكون بعيداً عن الأعين؛ حتى لا ترى له عورة، ولا يسمع له صوت، هذه هي السنة، وهو الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء: (أنه صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً)، وهذا في بعض الأحيان لحاجة دعت إلى ذلك.

قال المؤلف رحمه الله: [ أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا إسماعيل عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب المذهب أبعد، قال: فذهب لحاجته وهو في بعض أسفاره فقال: ائتني بوضوء، فأتيته بوضوء فتوضأ ومسح على الخفين) ].

قال الشيخ : إسماعيل هو ابن جعفر بن أبي كثير القارئ .

والمذهب: هو قضاء الحاجة.

ومسحه على الخفين ثابت في الصحاح، وأحاديثه من الأحاديث المتواترة عنه عليه الصلاة والسلام، وفي غزوة تبوك أن المغيرة صب للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءه، فلما وصل إلى الرجلين قال: (فهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما؛ فإني أدخلتهما طاهرتين، ثم مسح عليهما).

شرح حديث حذيفة: (كنت أمشي مع رسول الله فانتهى إلى سباطة قوم ...)

قال المؤلف رحمه الله: [ الرخصة في ترك ذلك.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن شقيق عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، فتنحيت عنه فدعاني، وكنت عند عقبيه حتى فرغ، ثم توضأ ومسح على خفيه) ].

وهذا قد استدل به المؤلف رحمه الله على ترك الإبعاد عند إرادة قضاء الحاجة، وهذا في بعض الأحيان عند الحاجة التي تدعو إلى ذلك، وإلا فالأغلب من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد قضاء الحاجة أبعد، كما ورد في بعض الأحاديث: (حتى يتوارى عن الأعين) أي: حتى لا ترى عورته، ولا يسمع له صوت، وقد بوب المؤلف رحمه الله هنا على الرخصة في ترك الإبعاد، وهذا لعارض، وقد استدل بهذا الحديث: (أن النبي أتى سباطة قوم فبال قائماً)، وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما، وقد اختلف العلماء في سبب ذلك، فقال بعضهم: إنما فعل ذلك لعلة في مأبظه، يعني: وجع في باطن الركبة، وقيل: إنما فعل ذلك لوجع في صلبه، والصواب: أنه فعله لبيان الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك، إما لأن المحل لا يناسب الجلوس؛ لكون الأرض صلبة أو نجسة، أو لأنه قد يرتد إليه البول فبال قائماً، فدل على الجواز، لكن بشرط أن يكون هناك من يستره، وكان قد دعا حذيفة وقال: (ادنو ادنو)، فدنا منه حتى صار عند عقبيه، وظاهره أنه ولاه ظهره، فجعل يستره، فدل ذلك على جواز البول قائماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وأمن من أن ترى له عورة، وكان عنده ساتر، فلا بأس بذلك.

حكم البول حال القيام

والأفضل أن يبول جالساً، وهذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم وأما هذا فقد فعله مرة واحدة، كما ذكر حذيفة ؛ ولهذا خفي على عائشة رضي الله عنها فقالت: (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبول إلا جالساً)؛ لأنه إنما فعله مرة واحدة، لبيان الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك. وبعض الناس فهم من هذا السنية وقال: إن أهل هراة كان الواحد منهم يبول قائماً في السنة مرة؛ إحياء للسنة، وهذا ليس بجيد، والصواب: أن هذا إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز. ولا يقال: إنه فعله سنة، وإنما هذا لبيان الجواز، وللإباحة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وإن كان الأفضل للإنسان أن يبول جالساً، فإن هذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، بل إنه إنما بال قائماً مرة واحدة، وظاهره أنه إنما فعل هذا مرة واحدة، ولحاجة دعت إلى ذلك، أما لأن المكان غير مناسب للجلوس؛ لكون الأرض صلبة، أو لأنه قد يرتد إليه البول لو جلس، أو لأن الأرض قد تكون نجسة، أو لغير ذلك من الأسباب وأما قول بعض العلماء: إنه إنما فعله لوجع في صلبه فهذا ليس بجيد، وكذلك قول بعضهم: إنه فعله لوجع في باطن الركبة، أو في مأبظه فهذا أيضاً ليس بجيد. والصواب: أنه إنما فعله لبيان الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك، إما لكون المكان غير مناسب للجلوس؛ لكون الأرض صلبة أو نجسة، أو مرتفعة بحيث يرتد إليه البول لو جلس. فبال قائماً، فدل على الجواز، مع أخذ الحيطة والتستر بحيث لا يراه أحد، إذا كان هناك ما يستره. ولهذا أمر حذيفة أن يقرب منه، حتى كان عند عقبيه؛ ليستره، ثم توضأ ومسح على الخفين.

مشروعية المسح على الخفين

وفيه مشروعية المسح على الخفين، وأدلته متواترة، وإنما يمسح عليهما من الحدث الأصغر من البول والنوم وأكل لحم الجزور وما أشبه ذلك، وأما في الجنابة فيجب خلعهما ولا يمسح عليهما. فإذا أصاب الإنسان جنابة وجب عليه خلع الخفين، وتعميم جسده بالماء، فقد جاء في الحديث: (أمرنا رسول الله ألا ننزع خفافنا إذا كنا سفراً ثلاثة أيام إلا من جنابة، ولكن من بول وغائط ونوم)، كما في حديث صفوان بن عسال.

قال المؤلف رحمه الله: [ الرخصة في ترك ذلك.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن شقيق عن حذيفة رضي الله تعالى عنه قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، فتنحيت عنه فدعاني، وكنت عند عقبيه حتى فرغ، ثم توضأ ومسح على خفيه) ].

وهذا قد استدل به المؤلف رحمه الله على ترك الإبعاد عند إرادة قضاء الحاجة، وهذا في بعض الأحيان عند الحاجة التي تدعو إلى ذلك، وإلا فالأغلب من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد قضاء الحاجة أبعد، كما ورد في بعض الأحاديث: (حتى يتوارى عن الأعين) أي: حتى لا ترى عورته، ولا يسمع له صوت، وقد بوب المؤلف رحمه الله هنا على الرخصة في ترك الإبعاد، وهذا لعارض، وقد استدل بهذا الحديث: (أن النبي أتى سباطة قوم فبال قائماً)، وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما، وقد اختلف العلماء في سبب ذلك، فقال بعضهم: إنما فعل ذلك لعلة في مأبظه، يعني: وجع في باطن الركبة، وقيل: إنما فعل ذلك لوجع في صلبه، والصواب: أنه فعله لبيان الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك، إما لأن المحل لا يناسب الجلوس؛ لكون الأرض صلبة أو نجسة، أو لأنه قد يرتد إليه البول فبال قائماً، فدل على الجواز، لكن بشرط أن يكون هناك من يستره، وكان قد دعا حذيفة وقال: (ادنو ادنو)، فدنا منه حتى صار عند عقبيه، وظاهره أنه ولاه ظهره، فجعل يستره، فدل ذلك على جواز البول قائماً إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وأمن من أن ترى له عورة، وكان عنده ساتر، فلا بأس بذلك.

والأفضل أن يبول جالساً، وهذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم وأما هذا فقد فعله مرة واحدة، كما ذكر حذيفة ؛ ولهذا خفي على عائشة رضي الله عنها فقالت: (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائماً فلا تصدقوه، ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبول إلا جالساً)؛ لأنه إنما فعله مرة واحدة، لبيان الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك. وبعض الناس فهم من هذا السنية وقال: إن أهل هراة كان الواحد منهم يبول قائماً في السنة مرة؛ إحياء للسنة، وهذا ليس بجيد، والصواب: أن هذا إنما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز. ولا يقال: إنه فعله سنة، وإنما هذا لبيان الجواز، وللإباحة إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وإن كان الأفضل للإنسان أن يبول جالساً، فإن هذا هو الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم، بل إنه إنما بال قائماً مرة واحدة، وظاهره أنه إنما فعل هذا مرة واحدة، ولحاجة دعت إلى ذلك، أما لأن المكان غير مناسب للجلوس؛ لكون الأرض صلبة، أو لأنه قد يرتد إليه البول لو جلس، أو لأن الأرض قد تكون نجسة، أو لغير ذلك من الأسباب وأما قول بعض العلماء: إنه إنما فعله لوجع في صلبه فهذا ليس بجيد، وكذلك قول بعضهم: إنه فعله لوجع في باطن الركبة، أو في مأبظه فهذا أيضاً ليس بجيد. والصواب: أنه إنما فعله لبيان الجواز، ولحاجة دعت إلى ذلك، إما لكون المكان غير مناسب للجلوس؛ لكون الأرض صلبة أو نجسة، أو مرتفعة بحيث يرتد إليه البول لو جلس. فبال قائماً، فدل على الجواز، مع أخذ الحيطة والتستر بحيث لا يراه أحد، إذا كان هناك ما يستره. ولهذا أمر حذيفة أن يقرب منه، حتى كان عند عقبيه؛ ليستره، ثم توضأ ومسح على الخفين.

وفيه مشروعية المسح على الخفين، وأدلته متواترة، وإنما يمسح عليهما من الحدث الأصغر من البول والنوم وأكل لحم الجزور وما أشبه ذلك، وأما في الجنابة فيجب خلعهما ولا يمسح عليهما. فإذا أصاب الإنسان جنابة وجب عليه خلع الخفين، وتعميم جسده بالماء، فقد جاء في الحديث: (أمرنا رسول الله ألا ننزع خفافنا إذا كنا سفراً ثلاثة أيام إلا من جنابة، ولكن من بول وغائط ونوم)، كما في حديث صفوان بن عسال.

شرح حديث: (كان رسول الله إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك ...)

قال المؤلف رحمه الله: [القول عند دخول الخلاء.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا إسماعيل عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ].

وهذا رواه الشيخان، وفيه مشروعية هذا الذكر عند دخول الخلاء، يعني: عند إرادة قضاء الحاجة، سواء كان في الصحراء أو في البيت، فإذا أراد قضاء الحاجة فيقول: اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

وجاء في رواية أنه يقول: (باسم الله, اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). وهذه الرواية ذكرها الشارح في شرح الترمذي من رواية العمري، أنه يقول: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)، والخبث: ذكران الشياطين، والخبائث: إناثهم. ففيه: الاستعاذة بالله من ذكران الشياطين وإناثهم، وقد جاء في الحديث الآخر بيان العلة، وسبب المشروعية، وهي: (أن هذه الحشوش محتضرة) يعني: تحضرها الشياطين، فلذلك شرع للمسلم أن يستعيذ، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. فإذا قال: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ذهبوا وسلم من شرهم.

ويقول هذا الدعاء عند الدخول، وإذا كان في الصحراء فيقوله عند دنوه من الأرض، عندما يرفع ثوبه، وإذا كان في البيت فيقوله عند إرادة الدخول، فيقدم رجله اليسرى ويقول: باسم الله، اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

قال المؤلف رحمه الله: [القول عند دخول الخلاء.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا إسماعيل عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ].

وهذا رواه الشيخان، وفيه مشروعية هذا الذكر عند دخول الخلاء، يعني: عند إرادة قضاء الحاجة، سواء كان في الصحراء أو في البيت، فإذا أراد قضاء الحاجة فيقول: اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

وجاء في رواية أنه يقول: (باسم الله, اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). وهذه الرواية ذكرها الشارح في شرح الترمذي من رواية العمري، أنه يقول: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث)، والخبث: ذكران الشياطين، والخبائث: إناثهم. ففيه: الاستعاذة بالله من ذكران الشياطين وإناثهم، وقد جاء في الحديث الآخر بيان العلة، وسبب المشروعية، وهي: (أن هذه الحشوش محتضرة) يعني: تحضرها الشياطين، فلذلك شرع للمسلم أن يستعيذ، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث. فإذا قال: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ذهبوا وسلم من شرهم.

ويقول هذا الدعاء عند الدخول، وإذا كان في الصحراء فيقوله عند دنوه من الأرض، عندما يرفع ثوبه، وإذا كان في البيت فيقوله عند إرادة الدخول، فيقدم رجله اليسرى ويقول: باسم الله، اللهم أني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

شرح حديث: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة ...)

قال المؤلف رحمه الله: [النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة.

أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع بن إسحاق أنه سمع أبا أيوب الأنصاري وهو بمصر يقول: والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكراييس ]، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها) ].

وهذا الحديث أخرجه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم، وفيه دليل على تحريم استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة في الصحراء؛ لأن النهي للتحريم، وأما في البنيان فلا بأس بذلك على الصحيح؛ لما جاء في حديث ابن عمر : (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)، فدل على الجواز في البنيان، والقاعدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثم فعله فإنه يدل على أن النهي ليس للتحريم، إلا إذا حمل على حالة غير الحالة الأولى، مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائماً ثم إنه شرب قائماً, فالنهي هنا يكون للتنزيه، وأما في هذه الحالة فقد نهى عن استقبال القبلة ثم استقبلها، ولكن هذا في حالة خاصة، وهي: أنه استقبلها في البنيان، فدل على الجواز في البنيان. وفيها خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من منع حتى في البنيان، ومنهم أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فإنه لما جاء إلى مصر ووجد الكراييس، يعني: الكنف مبنية نحو القبلة، فقال: والله ما أدري ما نصنع بهذه الكراييس؛ لأنها مبنية باتجاه القبلة، وفي اللفظ الآخر أنه قال: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل، فهذا دليل على أن أبا أيوب كان يرى المنع حتى في البنيان. والصواب: الجواز في البنيان، وهو اختيار البخاري رحمه الله في تراجمه، والنسائي وغيرهم.