علامات الشقاء


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد:

إذا أراد الله بعبده خيراً سدده ووفقه وهداه: وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:41].. وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً [الأعراف:146].. وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا [الأنعام:25].. وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً [الإسراء:60] الهداية والالتزام بالدين والانصياع لأمر الله والاستجابة لداعي الله خلق المؤمن: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء:64] ما أنزل الله الكتب، وما أرسل الرسل، وما أقام الحجج، وما بين البراهين إلا من أجل أن يستجيب الناس لداعيه، يقول الله عز وجل: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ [الشورى:47] ويقول عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [الأنفال:24].

إن الحياة الحقيقية إنما تنبع من مقدار استجابتنا لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لنا خيار في أن نستجيب لأمر الله أو لا نستجيب، ولا نملك أن نتصرف وفق أهوائنا، بل لا بد من الاستجابة وإلا فالنار، يقول الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] ولكن لا يريد أن يمشي على الاستقامة فقال: أريد أن ألف، فقال له الله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36] عرض نفسه للدمار، الدمار في هذه الدار، والدمار يوم يموت، والدمار يوم يقبر ويتحول القبر إلى حفرة من حفر النار، ويوم يبعث يقوم وقلبه يتقطع خوفاً وهلعاً من مصيره الأسود، وكذلك يوم يدخله الله النار ويقول: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود:107] يقول الله عز وجل: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا [هود:105-108] نسأل الله من فضله.

ما أعظمها والله -يا أخي- أن تكون سعيداً في الدنيا وسعيداً في الآخرة: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:108] أي: عطاء غير ممنوع ولا منقوص، بل هو كامل عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ * فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ [هود:108-109] يعني: الكفار مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ [هود:109] سوف يصليهم العذاب، ويتم عليهم التدمير، وسوف يتعرضون للدمار والنكال في الدنيا والآخرة، وسوف يجزيهم الله نصيباً وافياً غير منقوص.

الهداية مطلب لكل من يريد أن يهتدي وأن يسعد ولكن:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه     تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن

كل واحد يريد العلياء، وكل يريد أن يعمل جيداً لكن لا تحصل هذه بالأماني، إن الأماني هي رءوس أموال المفاليس؛ المفلس الذي ليس معه شيء يعيش على الأمنيات، يقول: معي عمارات وطائرات، ومعي سيارات وعندي شركات، أمل! فقل له: أخرج شيكات .. سجلاً! نرى الرصيد ليس هناك شيء. فالمفلس في الدنيا رأس ماله الأماني، والمفلس في الآخرة رأس ماله الأماني، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن الكيس العاقل الفطن الحازم: (الكيس من دان نفسه) أدانها: استذلها وسيرها في الخط الصحيح رغماً عنها؛ لأن النفس أمارة بالسوء، النفس تكره القيود وتكره الالتزام، تحب التفلت، تحب الفضول، تحب الكسل، تحب البطالة، يقول الناظم:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على     حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

فاصرف هواها وحاذر أن توليه     إن الهوى ما تولى يصمي أو يصم

ويقول الله عز وجل في أهل الكتاب لما جلسوا في مجلس مع الصحابة قالوا: نحن أصحاب كتاب، ونحن أصحاب رسالة سابقة والجنة لنا، قال المسلمون: بل. الجنة لنا؛ نحن أصحاب كتاب، ورسولنا خاتم الرسل، وكتابنا خير الكتب والجنة لنا، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123] هذه ليست بالأمنيات: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء:123-124].

وقالت اليهود: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى [البقرة:111] فقال الله تعالى: تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ [البقرة:111] يعني: أماني الكذابين قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى [البقرة:111-112] هذه كلمة (بلى) للإضراب: أي: الانتقال عن الشيء إلى آخر ضده، بلى يعني: كلامكم هذا غير صحيح ولكن مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ [البقرة:112] يعني: اتجه إلى الله -حول الموجة- إذ كان متجهاً إلى الشيطان، والهوى، والشهوات، واللعب، والزنا، والغناء، والنساء، والسمرات .. يعني: عبد هواه، لكن حول وجهته بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [البقرة:112] لأن بعض الناس الآن لا يسير إلى الله بل يتبع الشيطان وهو لا يعلم، وأحياناً يعطي لربه لفتة فقط، إذا أذن التفت لله قليلاً، لكن بعد الأذان يلتفت للشيطان ساعات طوال، يعني: هواه واتجاهه ووجهه وكيانه ليس إلى الله؛ فإن الله تعالى يقول: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ [البقرة:112] أي: من استسلم؛ وخضع وانقاد ووقف بين يدي الله وقال: رب. تبت إليك، أنت ربي وأنا عبدك، تبت إليك، وهأنذا بين يديك، أسير في طاعتك ولا أقع في معصيتك: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [البقرة:112] وماذا؟ وَهُوَ مُحْسِنٌ [البقرة:112] هذه هي الاستجابة الصحيحة، وأما الأماني فلا تنفع، فهل يمكن في الدنيا أن تحصل بالأماني على شيء؟ هل يمكن أن تأخذ شهادة الثانوية العامة بالأماني وأنت نائم في البيت؟ هل يمكن أن تأخذ شهادة الجامعة بالأماني؟

تقول: يا رب. أتمنى أن تعطيني شهادة الجامعة وأنا جالس في سنوات الابتدائي، تقوم في الصباح كل يوم، وتذهب في البرد، وتجد ألم الضرب من الأستاذ، وتجد حمل الكتب والواجبات والحفظ والمذاكرة، وتتعب رأسك بهذه الدروس التي تجهد الرءوس، لكن تصبر حتى تأخذ الشهادة الابتدائية، ثم تدخل المتوسطة، ثم تدخل الثانوي، ثم تدخل الجامعة، عمر! ست سنوات ابتدائية، وأربع سنوات متوسطة، وأربع ثانوي، حتى تصير أربعة عشر عاماً تعليماً، وبعد ذلك يقولون: أنت جامعي، ابحث عن وظيفة تفضل! لكن لو أن شخصاً قال: هذه الدراسة دوختني، ما فائدتها؟ قال: أنا سوف أقعد في البيت. ماذا يفعل؟ هل هذا تأتي له وظيفة؟ لا يحصل على شيء، إذا توظف يكون فراشاً أو كاتباً، لا يجد وظيفة؛ لأنه ما صبر على ذل التعلم حتى ينال عزته؛ لأن كل شيء تنال به ذلاً تجني منه عزاً، ولكن إذا ما رضيت وتمردت وأردت أن يحصل لك مجد بالأماني فإنها لا تنفع، الأماني هي رءوس أموال المفاليس، والهداية والدين أمنية، كل واحد يريد أن يكون مهتدياً وبعضهم يقول: أريد أن أتدين .. أريد أن أهتدي، نقول له: إذا كنت تريد أن تهتدي فلا بد أن تسلك سبيل الهداية، يقول الشاعر:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها     إن السفينة لا تجري على اليبس

السفينة لا تجري إلا في ماء، وأنت إذا أردت النجاة يجب أن تسلك طريقها وأن تسلك مسالكها. فمثلاً: إذا كان الشخص عنده زرع في هذه البلاد، وأراد أن يدخل السيل في زرعه فما الذي يلزمه؟ أن يعمل المجاري، ويتتبع رأس الشعب، وكلما رأى السيل جارياً أصلح طريقه، وجاء إلى عند الزرع وفتح المجرى، وبعد ذلك قام وقال: يا رب! ارزقنا. يا رب! أمطر علينا. يا رب! أنزل علينا السيل، فيأتي المطر فيدخل إلى الزرع، لكن ما رأيكم إذا وجد شخص أغلق على الزرع، وجاء على الشعب من أعلاه إلى أسفله يقطعه من هنا ومن هنا، وقال: يا رب! اسقني بالسيل، اسق زرعي. إذا نزل السيل لا يصل إلى الزرع منه قطرة؛ لأنك أنت الذي عملت بيدك، أنت حجبت السيل بيدك.

الهداية واردة، سيل السماء قد نزل علينا، هاهو كتاب الله بين أيدينا الآن، هو السيل العظيم، وهو الغيث الذي أغاث الله به القلوب، وأنار به العقول، وأحيا به الأمم، أنزل الله علينا نوراً مبيناً؛ يقول الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً [النساء:174] ويقول تبارك وتعالى: كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ [هود:1] ويقول جل ذكره: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ [المائدة:15-16] ويقول: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24].

أنزل الله الغيث من السماء، وبعد ذلك أرسل الله معه النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تبارك وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].. لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128].. يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً [الأحزاب:45-46].

فجاءت الرحمة المهداة من السماء وهي القرآن، وجاءت الرحمة المسداة من الرسول صلى الله عليه وسلم، القرآن يهدي إلى الله، والرسول يهدي إلى الله، واستجاب من استجاب، وأعرض من أعرض؛ من فتح قلبه للنور والهداية دخل في الإيمان، يقول الله تبارك وتعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله [الزمر:22]؛ ويل لهم ثم ويل لهم ما أصبرهم على النار! كيف يدمرون أنفسهم؟! كيف يحاربون ذواتهم؟! كيف يتعرضون لسخط مولاهم وما هم بصابرين على النار؟! من يتحمل -يا إخواني- جمرة واحدة إذا كانت الجمرة الواحدة من جمر جهنم أعظم من جبال الدنيا بأسرها؟ لما قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [البقرة:24] قال رجل: (يا رسول الله! أحجارة الدنيا مثل أحجار جهنم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لصخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا بأسرها) صخرة واحدة أعظم من جبال الدنيا بأسرها، فأين أنت -يا أخي- وكم نسبتك؟

كم تتحمل من عذاب النار؟ لم تعاند الله؟ لم تحارب الله مولاك؟ لم تحاربه وهو قادر عليك؟

ولهذا يقول الله تعالى: فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26] ليس هناك أحد أبداً يعذب مثل عذاب الله، وليس هناك أحد يمسك ويسجن ويقبض مثل سجن الله، كل سجن في الدنيا منها مخرج، آخر شيء أنك تموت ثم تقبر، لكن أين تموت، وأين تهرب من الله؟ يَقُولُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ [القيامة:10] أين المهرب؟

يقول الله تعالى: كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ [القيامة:10-15].

الهداية -يا إخواني- مطلب، ولكن من الناس من لا يستجيب لها ولا يريدها -يعرض عنها- وإذا وقعت في طريقه عقبة، أو وضع حاجزاً بينه وبين الهداية تركه الله؛ لأن الله ليس بحاجته، الله ليس بحاجة إلى عبادتنا، لم يخلقنا ربنا تبارك وتعالى ليتكثر بنا من قلة، ولا يتعزز بنا من ذلة، ولا لننفعه، ولا لندفع ضراً عنه تبارك وتعالى، بل هو الضار النافع، يقول في الحديث القدسي والحديث في سنن الترمذي وهو حديث صحيح: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا ... -إلى أن قال- يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني) كم أنت -يا أخي- حتى تضر ربك؟ وكم نسبتك إذا عصيت الله؟ أتظن أنك بالمعصية تبلغ السماوات والأرض؟ المعصية ضدك فقط، والطاعة لك فقط، أما الله فلا تضره معصية العاصين ولا تنفعه طاعة المطيعين، ثم أيظن العاصي أنه يبقى على هذا الوضع إذا دخل النار؟ لا. وألف لا؛ لأنه لا يتحملها، تأكله النار على مسافة أميال، فالله يضخم جسده ويزيد في طوله وعرضه حتى تجد النار ما تأكل.

ولهذا ورد في الحديث: (إن ضرس الكافر مثل جبل أحد) من منكم ذهب المدينة ورأى جبل أحد؟ جبل كبير من أكبر الجبال في المدينة، الضرس للكافر الواحد مثل الجبل، فكيف الرأس؟ إذا كان الضرس مثل الجبل إذاً كيف الرأس وبقية الجسم؟ ورد في السنن حديث رواه الحاكم في صحيح الجامع قال: (مقعد الكافر في النار مثل ما بين مكة والمدينة) ما بين مكة والمدينة أربعمائة وعشرون كيلو متر! هذا الكرسي للكافر الواحد في النار، وورد أيضاً: أن للكافر سبعة جلود، ما بين كل جلد وجلد مسيرة ثلاثة أيام، وغلظ الجلد الواحد مسيرة ثلاثة أيام، وتبدل هذه الجلود من شدة الإحراق في كل يوم أربعمائة مرة، قال الله عز وجل: كُلَّمَا نَضِجَتْ جلودهم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا [النساء:56] لماذا؟ لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ [النساء:56] لماذا أورط نفسي في هذه الورطة الكبيرة من أجل ماذا؟ من أجل المعاصي، ومن أجل الذنوب، من أجل قلة الدين.

ثم هل ترى أن صاحب الجنة -جعلنا الله وإياكم من أهلها وزوارها وضيفانها- أنه يبقى هكذا حتى يدخل الجنة؟ لا. بل تتغير الأمور، مثلما يزاد في جسد صاحب النار لكي تأخذ النار وتبقي منه، أيضاً يضخم في جسد صاحب الجنة لكي يجد نعيماً.

أولاً: السن ثلاث وثلاثون، والحُسن حسن يوسف، والطول طول آدم ستون ذراعاً، والذراع أظنه ثلاثة وثلاثين أو أربعة وثلاثين سنتيمتراً، يعني: أصل المتر ثلاثة أذرع، أي أن طولك عشرون متراً وأكثر، في سبعة أذرع.

وبعد ذلك في الجنة يتنعمون نعيماً ليس بعده نعيم -نسأل الله من فضله- يعطى المؤمن في الجنة قوة مائة رجل في القدرة على النكاح، ويزوجه الله باثنتين وسبعين حورية؛ اثنتين من نساء الدنيا وسبعين ممن أنشأهن الله إنشاء، قال الله تعالى: إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً [الواقعة:35-37] يعني: متحببات أَتْرَاباً [الواقعة:37] يعني: سواء لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ [الواقعة:38].

وبعد ذلك نعيم ليس مثله نعيم، يقول الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17] هذه لأهل الجنة.

ولا ينامون، فلا يوجد نوم؛ لأن النوم محرم على أهل النار حتى لا يستريحون من العذاب، وكذلك محرم على أهل الجنة حتى لا يفوتهم شيء من النعيم، فهذا لا ينام فيستريح، وهذا لا ينام فيفوته شيء، كيف ينام؟

ولذلك ورد في الحديث: (إن المؤمن يمكث في الجنة عند زوجته نصف نهار) ونصف النهار من أيامنا يعادل خمسمائة سنة؛ لأن الله تعالى يقول: وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47] اليوم من أيام الآخرة كألف سنة، فيجلس عند الزوجة الواحدة خمسمائة سنة وهو عندها في نعيم، ثم يشرق في الجنة مثل البرق فيقولون: ما هذا؟ فيقال: حورية تبسمت في وجه زوجها، فيرفع رأسه فتقول له الحورية: يا عبد الله! يا ولي الله! أما لنا فيك نصيب؟ تقول: أطلت عند هذه، أما جاء الدور عندنا؟ فينتقل من هذه إلى هذه، وهكذا يدور على زوجاته في الجنة! نعيم في نعيم في نعيم، نسأل الله لنا ولكم من فضله.

يضيع الإنسان هذا النعيم من أجل ماذا؟ من أجل أن يزني بامرأة زانية دانية خبيثة فاجرة؛ فيورط نفسه في ورطة ما بعدها ورطة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة) هذا الذي في القبر فقط، إنما هذا فطور مقدم، هذه الوجبة السريعة الخفيفة: (كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة).

وورد في الحديث قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد بيده إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن فروج الزناة لتشتعل ناراً يوم القيامة) تتحول إلى لهب ونار، كيف والله تعالى يقول: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32] وقال تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3] الزنا جريمة تعافها العقول، ولكن قليل الدين؛ الذي ما عنده خوف من الله يمارسها، ويظن أنه مبسوط ولم يعلم أنه مدمر، والله ليس فيه خير؛ لأنه لو كان به خير لاستحى من الذي يراه.

وإذا خلوت بريبة في ظلمة     والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحي من نظر الإله وقل لها     إن الذي خلق الظلام يراني

هل يستطيع الزاني أن يزني وهو يعلم أن طفلاً عمره ثلاث سنوات يراه؟ لو انفرد إنسان بامرأة في غرفة وبعد ذلك نظر يميناً وشمالاً فما وجد أحداً، وبعد ذلك في نفس اللحظة ينظر وإذا في الشباك طفل صغير يشاهده، فهل يجرؤ على أن يزني والطفل يراه؟ كلا سيقوم خائفاً، ويستحي، وينكشف أمره.

حسناً! أفتستحي من طفل ولا تستحي من الله الذي يراك؟! مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ [المجادلة:7] أين أنت من الله؟

رجل دخل على امرأة في بيتها، وكلما دخل من عند باب أغلقه، حتى دخل عليها في غرفتها ومضجعها قالت: مالك؟

قال: أريدك.

قالت: أغلق الأبواب كلها؛ حتى لا يأتينا أحد.

قال: غلقتها كلها.

قالت: بقي باب لم تغلقه.

قال: أين هو؟

قالت: الباب الذي بينك وبين الله.

أغلقت الأبواب التي بينك وبين الناس لكن من يغلق الباب الذي بينك وبين ربي؟! فقام الرجل وارتعد وتركها وتاب إلى الله عز وجل.

الهداية -يا إخوتي- في الله مطلب لكل كائن، ولكن لها أسباب:

الاستعداد النفسي والمجاهدة

أولاً: لا بد من الاستعداد النفسي للهداية، لا بد من أرضية قابلة للهداية؛ فلو أنك أردت أن تزرع فإنه ليس كل أرض تصلح للزراعة، لو أتيت بالحب الصالح والماء العذب، وجئت إلى أرض سبخة -تعرفون السبخة التي في تهامة، بجوار البحر- وحرثتها ورميت الحبوب فإنها لا تنبت، لماذا؟ لأن الأرضية غير صالحة؛ ليست أرض زراعة، لكن تبحث عن الأرض الصالحة للزراعة وتضع فيها الحبوب وتسقيها بالمياه وتنبت بإذن الله، فأرضية الهداية التي يمكن أن تستقبل الهداية هي انفتاح القلب، فافتح قلبك وحول الموجة إلى الله واتجه إليه، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) اطلب من الله الهداية، اطلب من الله في سجودك، اطلب من الله في ليلك ونهارك، دائماً وأنت في كل مناسبات: يا رب! اهدني. إذا كان سيد الهدى كما تقول عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بالليل بقوله: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) سيد الهدى يقول: اهدني.

والناظم يقول:

والله لولا الله ما اهتدينا     ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا     وثبت الأقدام إن لاقينا

فالأرضية أن تستعد لتكون مهتدياً، وبعد ذلك تطلب الهداية، وبعدما تطلب الهداية تجاهد نفسك في طريقها؛ لأن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا [العنكبوت:69] ماذا؟

لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] أجل. ما تأتي الهداية إلا بعد المجاهدة، الهداية ثمرة للمجاهدة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا [العنكبوت:69] والمجاهدة هي المعاناة.

إجابة داعي الله من الاستعداد النفسي للهداية

ثانياً: عندما تسمع الأذان وأنت نائم في البيت فتشعر أنك مسئول عن هذه الدعوة، لمن هذه الدعوة؟ المؤذن يقول: الله أكبر .. الله أكبر، الله أكبر .. الله أكبر، فمن يدعو؟ من يخاطب؟

أيخاطب البقر؟! يخاطب الخيول؟! يخاطبك أنت أيها المسلم! يقول: الله أكبر من النوم، الله أكبر من الزوجة، الله أكبر من الفراش، الله أكبر من الهدوء والراحة، قم إلى الكبير، فإذا لم يقم الواحد، قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، رغم أنفك أيها الإنسان! يا من لا تستجيب لهذا الرب العظيم، هو الله لا إله إلا هو، أشهد أن لا إله إلا الله (يكررها مرتين).

فإذا لم ينهض الواحد قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وقامت به الحجة، واتضحت به المحجة، حتى تركنا على الطريق الواضحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

فإذا لم يقم الشخص قال المؤذن: حي على الصلاة، استحي من الله وقم، حي على الصلاة، حي على الفلاح .. حي على الفلاح، فإذا ما نفعت هذه وقد بلغت اثني عشر صوتاً قال المؤذن: الله أكبر .. الله أكبر، يعني: الله المستعان، لا إله إلا الله، خمسة عشر صوتاً يناديك مولاك وخالقك وبارئك وفاطرك إلى أن تأتي إلى بيته بخمسة عشر صوتاً ولا تأتي، بالله عليكم ما هو حكم هذا؟

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لم يجب لم تقبل منه الصلاة التي صلاها) وقال: (لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لا يجيب) ويقول: (من سمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لم يجب فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).

أنت هنا وأنت تسمع الداعي، وأنت في الفراش تأتيك الداوفع الإيمانية فتقول: أف! إنه يناديك، وتأتيك النوازع الشيطانية فتقول: يا شيخ! نعم وستصلي بعد، والمعبود باقٍ، والله في كل مكان، وأنت بعد ما زلت شباباً، ولو تقوم الآن لخرب النوم، ولا يأتيك النوم إلا بتعب، وسوف يفوتك الدوام، ودوام الله بسيط؛ لكن دوام البشر أيقنا بعقوبة البشر فلم نتأخر عن دوام البشر، لكن دوام الله لمَّا ضعف إيماننا بقوة الله وعظمته وشدته وبأسه ضيعنا دوام الله.

أما المؤمن فيقوم، وهو في قيامه إلى الله ماذا يحصل له؟ أول شيء يحصل له تعب وذبول، لكن مع المعاناة والمجاهدة فهذا تحصل له هداية، فبقدر المجاهدة تأتي الهداية: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] فيجاهد في اليوم الأول ويعطيه ربه الهداية بقدرها، ويجاهد في اليوم الثاني ويعطيه ربه بقدرها، ويجاهد في اليوم الثالث ويعطيه الله .. وكلما جاهد أعطاه الله، حتى تكتمل له الهداية، فإذا اكتملت له الهداية لا يكون هناك صعوبة عنده، ينام طوال الليل، وإذا جاء وقت الصلاة فكأنما يوقظه رجل، يقوم بدون ساعة وبدون إيقاظ من أحد، تقول له: من أيقظك، قال: والله انتبهت، الله الذي أيقظني! تصبح العبادة والصلاة عنده أمراً راسخاً في ذهنه وفي حياته، تصبح صفاتٍ لازمة له، وملكات راسخة في حياته، بحيث لو عطلها لا يستطيع أن يعيش، تصبح الصلاة له مثل الماء للسمك، هل يستطيع أن يعيش السمك من غير الماء؟ لا. أبداً! وهل يستطيع الإنسان أن يعيش من غير الهواء؟ لا. أبداً! وهل يستطيع المسلم أن يعيش من غير صلاة؟ لا. أبداً!!

ولكن متى أتت هذه؟ بعد المعاناة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] المجاهدة مطلوبة؛ لأن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17] ويقول الله عز وجل: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5] لما انصرفوا عن ربهم أزاغ الله قلوبهم وطردهم والعياذ بالله! فأنت وأنت تقوم إلى الصلاة تعلن الحرب على الشيطان، وتعلن التمرد على أوامره، وتعلن الاستجابة لمولاك، وتعلن الذل والعبودية لخالقك، فتقول: الله أكبر، أذهب إلى الله، فتخرج من بيتك كما جاء في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا كتب له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، ورفعت له عند الله درجة) ثلاثة أشياء -وأنت وحظك- بيتك بعيد أو قريب .. كل شيء بحسابه، لا تحسب عندما يكون بيتك قريباً من المسجد أو بعيداً أن المسألة ضائعة، لا. فكل شيء بحقه؛ الذي يمشي ألف خطوة ليس كالذي يمشي مائة خطوة، وكل شيء بحسابه عند الله، والذي يمشي بسيارته ويروح بها أيضاً أفضل، لماذا؟ لأنه بذل جهداً وعناء ومالاً وبترولاً، والسيارة يمكن أن تخرب مع كثرة التشغيل في الأجواء الباردة، لكن يقول: لا يهمني في سبيل إرضاء ربي أن أذهب إلى الله عز وجل.

أذكار النوم والفزع إلى الصلاة

ثالثاً: ومن آداب الإسلام في قيامك لصلاة الفجر أولاً: أن تنام على ذكر؛ لأن من نام على الذكر أيقظه الله للصلاة كما جاء في الحديث. ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد قال: إذا نام العبد حضره ملك وشيطان. إذا جاء ينام جاء الملك والشيطان يريدون أن يروا ماذا يعمل هذا المخلوق؟

قال: فإن ذكر الله ونام على طهارة واستقبل القبلة وذكر الله؛ تولى الملك حراسته وفر منه الشيطان، فلا يزال الملك عنده يحرسه كما يحرس الرجل الرجل حتى يوقظه لصلاة الفجر، يقول: فإن نام على غير ذكر الله كأن نام على الأغاني؛ بعضهم يأخذ الراديو ويقلب قنواته حتى يجد أول شيء أم كلثوم ، فإذا وجدها نام، وإذا ما وجدها فإنه يقلب القنوات إلى أن يجدها، ثم يضع رحاله عندها، وبعض الشباب يقول: أين أم كلثوم ليست موجودة، كيف نعيش؟! الله أكبر يا أهل التكافل، يا هذا الشباب، كيف تعيش؟! لا إله إلا الله! أصبحت قرآنك؟! هي رسولك .. هي هدايتك؟! عجوز شمطاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

فإذا نام على غير ذكر الله -نام على الأغاني والغفلة، أو رمى بنفسه- جاء الملك إليه وقال: ما هذا؟ هذا يستحق حراسة؟ هذا جيفة، فيتركه، فإذا رأى الشيطان النوبة فارغة جاء وأمسكه، قال: وأخذ روحه، فلا يزال يعذبه طوال الليل، الذي يسمونه (الجثام) باللهجة العامية يعني: أن الواحد يشعر بضيق في النوم، يقول: شخص كبس على صدري، يسمونه (كابوس) ويرى أحلاماً مزعجة، ويرى أنه على رأس جبل وأنه يسقط في بئر ووديان، المهم يعذبه طوال الليل، فإذا جاءت صلاة الفجر رد روحه له، فيشعر في تلك الساعة بلذة في النوم فيصبح ألذ شيء عنده تلك اللحظة، فإذا جئنا لنوقظه للصلاة فإنه لا يستطيع أن يقوم؛ طوال الليل وهو يعذب! فمهما أيقظوه لا يستيقظ، بل بعض الناس يوقظ ولده حتى إذا دخل الحمام يوقظه، يقول: قم صل، قال: حسناً، وأخذ بيده وساعده، مسكين يريد أن يأخذ به إلى الجنة، لكن رفض هذا المخذول، حتى يدخله الحمام.

يقول لي شخص من الناس: والله إني أدخلته الحمام فأغلق على نفسه ونام على الكرسي، وأذهب أصلي وأنظر في المسجد أين الولد؟! وإذا هو ليس موجوداً، أدخل البيت وهو ليس موجوداً في فراشه، فأقول: أين الولد؟ وإذا به في الحمام! طرقت عليه الباب في الحمام وإذا به يفتح، قلت: ماذا بك؟ قال: دخلت ونمت. يستاهل! لا إله إلا الله!! أين دين الإنسان؟! ما الذي جعله يجلس هكذا؟!

وبعض الشباب يحلف بالله، يقول: والله لا أحد يوقظني، وأبوه يقول: أيقظتك فيقول: ما أيقظني أحد؛ لأنه نام على غير ذكر الله.

فإذا أردت أن تقوم الفجر فلتنم أولاً على ذكر الله تعالى.

وبعد ذلك كلما انقلبت في الليل فاذكر الله؛ كلما انقلبت من جنب إلى جنب قل: لا إله إلا الله، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، كلما انقلبت من جنب إلى جنب يذكرك الله تبارك وتعالى.

ثم بعد ذلك نم على نية صلاة الفجر، يعني: أوجد في نفسك النية أنك لابد أن تقوم مبكراً مهما كنت متعباً، مهما كنت مسافراً، مهما كنت مريضاً: لابد أن أقوم لصلاة الفجر إن شاء الله.

فإذا جاء الفجر وسمعت المؤذن فمنذ أن تسمع المؤذن فقل أول شيء: أشهد أن لا إله إلا الله -جدد إيمانك- ثم قل: الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، ثم بعد ذلك قم واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، لا تجلس؛ لأن الشيطان كما جاء في الحديث: (يعقد الشيطان على ناصية أحدكم إذا نام ثلاث عقد ليصرفه عن صلاة الفجر: فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة -لكن بقي اثنتان لأنه لا يكفيه الذكر- فإذا قام وتوضأ انحلت الثانية، فإذا خرج وصلى انحلت الثالثة فيرجع طيب النفس نشيطاً)، لكن إذا نام ولم يذكر الله لا يقوم، وإذا ذكر الله وجلس في فراشه لكن لم يقفز بقوة، تشعر وأنت في الفراش أن قوة خارجة عن قوة إرادتك وهي قوة الشيطان تريد أن تصرفك وتجعلك تنام، لكن اشعر بأن أمامك عدواً يريد أن يكبسك على النوم، وأنت مطالب بأن تقوم، فقم بقوة وصارع الشيطان، وقم بقوة إلى الله واستعن بالله تبارك وتعالى!

لكن من الناس من لا يفعل هذا الأسلوب مع نفسه، ولا يفعله حتى مع أولاده، بل يمكن أن يصلي هو ولكن يمر على الأولاد فيغطيهم يقول: دعهم ينامون عندهم مدارس، نخاف أن نعقدهم من الصلاة.

أهمية تربية الأبناء على الطاعة

شخص يقول: أنا لا أريد أن آمر الأولاد بالصلاة، لماذا؟ قال: أخاف أن يتعقدوا، قلت: أنت تأمرهم بالمدارس؟ قال: إيه والله. قلت: لماذا ما تخاف أن تعقدهم من المدارس؟ يتعقدون من الصلاة ولا يتعقدون من المدارس؟!! الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) تضربه من أجل المدارس؛ لأنك تريد وظيفة وشهادة وتريد منصباً، ولكن لا تريد أن تعقده في دين الله، تريد أن يكون مفلساً، تريده ضالاً وضائعاً .. لا حول ولا قوة إلا بالله!!

إنك مسئول بين يدي الله يوم القيامة عن هذا الولد الذي بين يديك، والله إنك مسئول بين يدي الله، وسوف يأتي يوم القيامة آخذاً بتلابيبك يسحبك في عرصات القيامة، يقول: رب! أنصفني من هذا الظالم، فيقول: يا رب! ما ظلمته، قال: والله ظلمني، هذا أبي كان يغذيني ويؤكلني ويشربني، ويداويني ويكسوني ويعلمني، لكن ما كان يأمرني بالصلاة، والله تعالى يقول: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132] ويثني ربنا على إسماعيل عليه السلام فيقول جل ذكره: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً [مريم:54-55] مر أهلك بالصلاة، وظيفتك ورسالتك ومهمتك أن تنقذه من عذاب الله عز وجل، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6] نحن الآن لا نقيهم النار! نحن نقيهم الجوع؛ يكد الواحد ليل نهار لكي يؤمن لأولاده الأكل .. هذا طيب، ونقيهم العطش، والبرد فنبني لهم عمارات، ونقيهم التعب فنشتري لهم سيارات، نملأ لهم الثلاجات، لكن: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [التحريم:6] غير موجودة، كأن مسئوليتنا فقط في حشو بطونهم، وكسي جلودهم، وترفيههم، وأما دين الله فلا نهتم به، أين هذا يا إخوان؟! أين عقولنا؟!

فلا بد -أيها الأخ- أن تشعر بمسئوليتك تجاه أولادك في حمايتهم من عذاب الله، أترضى أن تدخل الجنة وولدك يدخل النار؟

أترضى أن تقف يوم القيامة في درجات الجنة وتتفرج على أهل النار وهم كالبحر وولدك وفلذة كبدك يتقلب في النار فيدعوك ويلعنك ويسبك ويقول: أنت الذي ورطتني بهذه الورطة؟

لماذا -يا أخي؟- خذ بيده، أيقظه وإن غضب، بعض الناس يقول: والله لا أقدر أن أوقظه، الولد أصبح معه وظيفة، ولو أمرناه يصلي لشرد علينا وأخذ النقود، الرزق عليه وليس على الله؟! لا إله إلا الله! إذا شرد هو فأين الله؟! إذا أخذ راتبه وما أعطاك، أين الذي خلقه؟ من الذي أعطاك إياه حتى تخاف من الرزق يا أخي؟ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذريات:58] أرض الله قبل كل شيء يرض عنك الله ويُرضي عنك كل شيء، لكن ترضي الولد في سخط الله يسخط الله عليك ويسخط عليك كل شيء! وبعد ذلك هذا الولد الذي ترضيه الآن والله لا يرضى عنك أبداً، إنك كلما ترضيته بمعصية الله يبحث لك عن معصية أكبر حتى يورطك في الدنيا والآخرة، لكن برئ ذمتك منه، ولا تخرج إلى المسجد إلا وهو الأول شاء أم أبى، فإذا أبى فليس ولدك، فإذا قال: لا أصلي، فقل: اخرج.

نوح عليه السلام وهو نبي، لما ركب السفينة وكان الله قد وعده؛ قال الله تعالى: فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ [المؤمنون:27] فلما رفضوا وكذبوا بنوح صنع السفينة، وأوحى الله عز وجل إليه فقال: فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:11-12] التقى ماء السماء بماء الأرض، التقت السماء بالأرض بالماء، فما بقي أحد على وجه الأرض إلا سفينة نوح، ومن فيها؟ الذين آمنوا، وجاء نوح إلى ولده وقال: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [هود:42-43] وبعد ذلك قام نوح بناءً على الوعد السابق الذي قال الله له وَأَهْلَكَ [هود:40] وهو يعتبر أنه ولده فقال له: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود:45] ولدي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ [هود:45] أنت الذي وعدتني أن أركبه، فيا رب نجه وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [هود:45-46] سبحان الله! أجل، الصلة والأهلية والقرابة ليست قرابة النسب، وإنما قرابة العقيدة والدين؛ فما دام أنه كافر فليس من أهلك، ما دام لا يصلي فليس ولدك: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [هود:46] الله أكبر، ما هذا التهديد! يقول المفسرون: إن في هذا عتاباً عظيماً لنوح عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل، وهو أول الأنبياء والرسل، ولكن الله عاتبه؛ لأنه طلب الشفاعة في كافر، فقال له: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46] الله أكبر! نبي يكون من الجاهلين!

لكن انظر ماذا قال نوح: قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود:47] يقول: يا رب، أخطأت حينما شفعت لهذا، وظننت أنه من أهلي، ولكن ما دام أنه ليس من أهلي إني أعوذ بك وألتجئ بجنابك: أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:47-49].

عليك أن تتخذ موقفاً حازماً وجاداً من أولادك في بيتك فيما يتعلق بالصلاة؛ لأن الصلاة تركها كفر يخرج الإنسان من الملة، (لا يوجد أنصاف حلول في الصلاة) فالذنوب والمعاصي الأخرى تحت مشيئة الله في الدار الآخرة إن شاء غفر، وإن شاء عذب عليها، لكن الصلاة عمود الدين، لا يقوم الإسلام إلا بعموده، ولا يقبل إسلام عبد إلا بصلاته، ومن ترك الصلاة كما جاء في الحديث، والحديث في صحيح مسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقال: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) والحديث في سنن أبي داود، فإذا ترك الصلاة وهو في بيتك فلماذا تؤاكل الكافر وتشاربه، وتصرف عليه وهو جالس معك؟ لا بد أن تحدد الموقف.

ولا يصلي في البيت، البيوت ليست مواطن للصلاة، البيوت للنساء، والرجال في المسجد يقول الله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ [النور:36] ماذا؟ رِجَالٌ الله أكبر ما أعظم هذا اللقب! أثنى عليهم الله بالرجولة، وامتدحهم بهذا الشرف وقال: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ [النور:37] لماذا؟ قال: يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [النور:37-38] فلا بد من المجاهدة والمعاناة حتى تحصل الهداية.

الاهتمام بتربية البنت المسلمة

رابعاً: وأيضاً لا ينبغي أن تكون مجاهدتك فقط لأولادك الذكور دون الإناث بهدايتهم وتربيتهم، وأيضاً عليك مسئولية كبيرة تجاه أولادك من الإناث؛ لأن البنت أمانة في عنقك، ينبغي أن تحول بينها وبين وسائل الفساد والإفساد، إذ ينبغي أن تنشئها النشأة الإسلامية الصالحة، ينبغي ألا تتيح لها أي فرصة للتفلت؛ لأن النساء حبائل الشيطان، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (كونوا مع خيارهن على حذر) يعني: الطيبة الجيدة الممتازة كن على حذر منها، فكيف بغيرها؟ لا بد أن تكون حذراً من النساء، يقول الشاعر:

لا تتركن أحداً بأهلك خالياً     لو كان في النساك مثل بنان

مثل ثابت البناني .

إن الرجال الناظرين إلى النسا     مثل الكلاب تطوف باللحمان

إن لم تصن تلك اللحوم أسودها     أكلت بلا عوض ولا أثمان

العرض أغلى شيء فلا تجازف به، ولا تأمن أحداً على عرضك، لا تأمن سائقاً؛ بعض الناس يركب بناته ونسائه مع سائق يقول: اذهبوا تسوقوا، يودع الذئب مع الغنم، يقول: اذهب وارع الغنم يا ذئب، ما رأيكم هل الذئب يرعى الغنم؟ يتسمن، ما يأخذها كلها، ينظر أسمن واحدة يتسمن بها، والله تبارك وتعالى قد حرم على المسلمة أن تكشف وجهها أو تبدي زينتها في آية محكمة من كتاب الله في سورة النور، يقول الله عز وجل: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] كم زوج في الشرع، واحد أو الجماعة؟ الحي كله، والأقارب كلهم يرون المرأة، إذا رأوها معناها: اشتراكية في العرض، ولكن بعولتهن فقط أَوْ آبَائِهِنَّ [النور:31] أبوها أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] يعني: أبو زوجها (عمها) لأنه محرم لها أَوْ أَبْنَائِهِنَّ [النور:31] ولدها أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور:31] ولد بعلها من غيرها؛ لأنها عمته ومحرم عليها، لا يجوز أن ينكحها بعد أبيه: أَوْ إِخْوَانِهِنَّ [النور:31] أخوها أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ [النور:31] ثمانية أصناف فقط.

هؤلاء يا رب من الأقارب، لا يوجد شخص من غير الأقارب؟ قال: بلى، يوجد أربعة من غير الأقارب يجوز أن تكشف عليهم المرأة، قال: أَوْ نِسَائِهِنَّ [النور:31] يعني: المرأة تكشف على المرأة. أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [النور:31] يعني: المرأة التي عندها عبد مملوك تكشف عليه؛ لأنه لا يمكن أن يكشف عورتها؛ لأنه يخاف منها وهي سيدته، هذان صنفان وثمانية هناك صاروا عشرة.

بقي اثنان: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ [النور:31] يعني: التابع للزوج الذي تبعك في خدمتك مثل: الخادم، ومثل السائق، ومثل الراعي، ومثل العامل، ولكن بشرط: أن يكون هذا الخادم وهذا الراعي وهذا العامل مخصي، هذا شرط بنص القرآن، يقول الله تعالى: أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ [النور:31] ما هي الإربة؟ هي الرغبة في النساء، يعني: الشهوة، المضروب المدقوق هذا الذي ما عنده شهوة فهذا يجوز؛ لأنه مثل المرأة، لكن الذي ليس بمدقوق ولا مضروب، وسائق يدخل على النساء في المسالك وفي الغرف، ويفرش ويطلع وينـزل، ويذهب بها إلى السوق .. ما هذا؟

هذا أخطر شيء على النساء والأعراض، يقول:

أصون مالي بعرضي لا أدنسه     لا بارك الله بعد العرض في المال

العرض تاج على رأس الإنسان، إذا انكسر انكسر إلى يوم القيامة، لا حول ولا قوة إلا بالله!

بقي صنف واحد وهو: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31] الطفل الصغير الذي لا يعرف الجميلة من القبيحة، رخص الشرع أن يكشف على المرأة المسلمة؛ لأنه ما منه خطر، أما الطفل الذي يعرف ولو كان صغيراً فإنه لا يجوز: أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ [النور:31] ثم قال: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31] حرم الله على المرأة إذا لبست زينتها ومشت في الشارع أن تضرب برجلها أو بيدها أو بجسمها حتى لا لا تهتز في مشيها فتحدث هذه الاهتزازات في الصيغة والحلي فتنة في قلب الذي يراها ولو كانت متحجبة وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور:31] ثم قال: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

فمسئوليتك -يا أخي المسلم- مسئولية عظيمة جداً تجاه أولادك في أمرهم بطاعة الله، وتجاه بناتك في أمرهن أيضاً بطاعة الله، وفي صيانتهن عن معصية الله، كن سداً منيعاً أمام شهوات النساء ورغباتهن؛ لأن من أطاع امرأته فيما تشتهي كبه الله في النار على أنفه، يقول الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] ولكن إذا انقلبت الآية وأصبحت المرأة هي القوامة، وأصبح الرجل هو المسير مثل التيس أينما توجهه يتوجه، انتكست الأرض، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم كرماءكم، وكانت أموركم في رءوسكم، فظاهر الأرض خير من باطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم في رءوس نسائكم، فباطن الأرض خير من ظاهرها).

بعض الناس لا يستطيع أن يعزم أحداً حتى يشاور المرأة، يخاف أن يعزم فتعطيه بالعصا: أشغلتنا بالعزائم، كل يوم عندنا ضيف، ما هي الفائدة لنا في العزائم؟ فيأتي ويذهب يناديها: ما رأيكم نعزم فلاناً أو لا نعزم؟ فإن قالت: نعم، ذهب ما شاء الله، وإن قالت: لا. ما استفدنا منه؟ قال: صدقت، قد خسرنا مع هؤلاء ذاهبين راجعين دون فائدة، ما يستطيع أن يبت في بصلة ويشتريها إلا بأمر المرأة، تسيره وتديره.

شخص من الناس زوج ابنته، ولما أراد أن يقيم الزواج رفضت المرأة وقالت: والله ما تزوج ابنتي، لماذا؟ بنات العرب عملن .. وعملن وأنا ماذا بها؟ ليست ناقصة عنهن، قال: أبشري، لا حول ولا قوة إلا بالله! الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون! (من أطاع امرأته فيما تشتهي كبه الله في النار على منخره).

أنت رجل لك القيادة، والريادة، والسيادة، ولك الرأي، نفذ الأمور كيفما تريد، لا تنتظر أحداً، نفذ الأمور على الحق ولو غضب كل من يغضب، المهم الحق، وإذا رأيت الحق ظهر أمامك فسر فيه ولو غضبت النساء، إذا غضبت اليوم لا ترضيها؛ تغضب اليوم وغداً ترضى، لكن إذا أغضبت ربك وأطعت المرأة غضب الله عليك في الدنيا والآخرة، لا حول ولا قوة إلا بالله!

فاسلك سبيل الهداية، ولكن كما أسلفت، لا بد أولاً من الأرضية التي تستطيع أن تستوعب بها هداية الله لك، والأرضية كما قلت لكم هي القابلية، والاستعداد النفسي، كل شخص يقول: أنا والله أريد أن أهتدي، لكن يهتدي وهو مكانه، ما تحول إلى الله، ما توجه إلى الله، ما أحدث في حياته تغييراً، أنت عندما تريد أن تتوب إلى الله من الأغاني ماذا يلزمك؟ يلزمك أولاً أن تقلع من سماعها، وتذهب إلى البيت فتأخذ كل الأشرطة التي عندك وتمسحها وتغيرها كلها إلى مواعظ ومحاضرات وإلى أناشيد إسلامية وإلى كلام طيب، وبعد ذلك تجزم وتعقد العزم على أن لا تسمع هذه الأغاني مهما كانت الأسباب، هذا معنى أنك تائب، لكن: صدقت والله، صحيح أن هذه الأغاني حرام، لكن يا أخي دعنا نسمع قليلاً! هذه ليست توبة، واسمها: توبة الكذابين.

والتائب من الذنب العائد فيه كالمستهزئ بربه. تستهزئ بربك وتضحك على الله! تستغفر الله بلسانك ثم بعد ذلك تعود للمعصية في اليوم الثاني، لا يصلح، لا بد من التوبة النصوح، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8] أي: صادقة جازمة، تشعر فيها بالانتقال من حياة الجاهلية إلى حياة الإسلام، من حياة المعصية إلى حياة الطاعة، من حياة الظلمة إلى حياة النور، من حياة الغناء إلى حياة القرآن، من حياة النظر إلى النساء إلى حياة النظر إلى المصحف، هذا هو التائب الحقيقي، والمجاهد لنفسه، هذا أول شيء تعمله للهداية التي تحتاج منك إلى الاستعداد والأرضية والقابلية.

التحلي بالصبر بجميع أنواعه

خامساً: الهداية تحتاج منك إلى الصبر، الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة.

ويوم أن تتحقق لك هذه الأشياء، وتحصل لك الهداية، ويقذف الله في قلبك النور انتهى الأمر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [الحديد:28] رتب الله تبارك وتعالى الإيمان والتقوى فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ [الحديد:28] ماذا يحصل؟ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ أي: نصيبين مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد:28] نصيب في الدنيا ونصيب في الآخرة: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ [الحديد:28] ما معنى (نُوراً تَمْشُونَ بِهِ )؟ إيماناً تمشون به.

الآن إذا خرج شخص من هذا المسجد في الظلام في هذه الشعاب ومعه ضوء، وشخص ليس معه ضوء، الذي معه الضوء كلما مر على حفرة يجتنبها، وكلما مر على شوكة تجنبها، وكلما مر على حجر حاد عنه؛ لأن عنده نوراً، لكن الشخص الذي ليس معه ضوء فينزل من الشعب ماذا يحصل له؟ لا يصل حتى تكسره حجر .. تدقه شوكة .. تضربه زجاجة .. يضربه مسمار .. لماذا؟ لأنه يمشي بدون ضوء، وكثير من الناس الآن يسيرون في الحياة بدون نور الإيمان فتضربه حجر الزنا؛ يقع في طريقه في الزنا، ويسقط في حفرة الربا، ويسقط في حفرة العقوق، ويسقط في حفرة الغناء، وبعد ذلك لا يعلم: زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً [فاطر:8].. وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ [المجادلة:18].. أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [النحل:59] هذا لا يصل إلى الآخرة؛ لأنه معطل في هذه الحفر، أما المؤمن فإن معه نور، إذا رأى حراماً تجنبه، وإذا رأى امرأة أمامه لا يستطيع أن ينظر إليها، لماذا لا ينظر؟ لأنه يعلم أن من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم، ويعلم أن الله قد أمره في القرآن وقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30] ويعلم أن من غض بصره احتساباً لوجه الله أبدله الله إيماناً يجد حلاوته إلى يوم يلقاه.

التقيت بشاب وجدته في المسجد قبل صلاة المغرب يبكي -جالس في الروضة يبكي- فقلت: السلام عليكم، وإذا بالدمع ينهمر من عينيه وله أزيز، فسلمت عليه، ماذا فيك يا أخي؟ خيراً، قال: اتركني يا شيخ! قلت له: كلمني، أنا أظن أنها مشكلة مادية، أو أن أهله خاصموه، الرجل في وادٍ وأنا في وادٍ آخر، قال: دعني يا شيخ! تركته، وبعد ما سلمنا وصلينا وانتهى من البكاء، قلت: أرجوك أن تخبرني، أنا لابد أن أشاركك في مصيبتك، وسأحاول أن أنفعك -يا أخي- ما هي المأساة التي عندك؟ قال: أكلمك خارج المسجد. ولما خرجنا من المسجد أمسكني وقال: أنا يا شيخ من عادتي باستمرار بعد العصر أنني في البيت ما أخرج إلى أن تأتي الصلاة وأخرج أصلي، لكن أهلي اليوم طلبوا مني أن أذهب إلى السوق يقول: فذهبت إلى السوق ودخلت في مكان أشتري قطعة قماش يقول: ولما دخلت وجدت نساء كن يشترين أقمشة في نفس الدكان، فقلت لصاحب الدكان: هل هذا القماش عندك؟ قال: نعم. يقول: فأخذ مني النوعية وذهب يبحث عنها ويقول: وبينما أنا واقف ووالله ما نظرت إلى النساء، وهن موجودات، يقول: خائف من الله ما حاولت أن أنظر -لكن واحدة منهن تحرشت بالولد، الولد شاب وسيم لكنه يخاف الله- يقول: وجاءت من ورائي إلى أن قابلتني وجلست تتلفت فيِّ، يقول: لما تلفتت فيَّ أغراني الشيطان في تلك اللحظات، يقول: فجلست أتلفت فيها، يقول: ثم تذكرت خوف الله فغضيت بصري، وأخذت القماش وخرجت، وعندما جئت إلى المسجد قعدت أحاسب نفسي لماذا تلفت فيها؟! أين أنا من الله؟! أما أعلم أن الله يراني في تلك اللحظات؟! يقول: فتضاءلت نفسي أمامي، فشعرت أن الله قد أوجب علي عذابه وسخطه ووباله فأنا الآن في مصيبة لا يعلمها إلا الله، ووالله إني أبكي من الساعة الخامسة قبل الأذان!

لا إله إلا الله!! ما الذي جعله يعمل هكذا؟ الخوف من الله، وهو شاب مثل أي شاب عنده من نوازع الشر وعوامل الجنس والرغبة في النساء مثل أي إنسان، ليس ملكاً من الملائكة، لكن الإيمان يحجز، ال

أولاً: لا بد من الاستعداد النفسي للهداية، لا بد من أرضية قابلة للهداية؛ فلو أنك أردت أن تزرع فإنه ليس كل أرض تصلح للزراعة، لو أتيت بالحب الصالح والماء العذب، وجئت إلى أرض سبخة -تعرفون السبخة التي في تهامة، بجوار البحر- وحرثتها ورميت الحبوب فإنها لا تنبت، لماذا؟ لأن الأرضية غير صالحة؛ ليست أرض زراعة، لكن تبحث عن الأرض الصالحة للزراعة وتضع فيها الحبوب وتسقيها بالمياه وتنبت بإذن الله، فأرضية الهداية التي يمكن أن تستقبل الهداية هي انفتاح القلب، فافتح قلبك وحول الموجة إلى الله واتجه إليه، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) اطلب من الله الهداية، اطلب من الله في سجودك، اطلب من الله في ليلك ونهارك، دائماً وأنت في كل مناسبات: يا رب! اهدني. إذا كان سيد الهدى كما تقول عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بالليل بقوله: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) سيد الهدى يقول: اهدني.

والناظم يقول:

والله لولا الله ما اهتدينا     ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا     وثبت الأقدام إن لاقينا

فالأرضية أن تستعد لتكون مهتدياً، وبعد ذلك تطلب الهداية، وبعدما تطلب الهداية تجاهد نفسك في طريقها؛ لأن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا [العنكبوت:69] ماذا؟

لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] أجل. ما تأتي الهداية إلا بعد المجاهدة، الهداية ثمرة للمجاهدة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا [العنكبوت:69] والمجاهدة هي المعاناة.

ثانياً: عندما تسمع الأذان وأنت نائم في البيت فتشعر أنك مسئول عن هذه الدعوة، لمن هذه الدعوة؟ المؤذن يقول: الله أكبر .. الله أكبر، الله أكبر .. الله أكبر، فمن يدعو؟ من يخاطب؟

أيخاطب البقر؟! يخاطب الخيول؟! يخاطبك أنت أيها المسلم! يقول: الله أكبر من النوم، الله أكبر من الزوجة، الله أكبر من الفراش، الله أكبر من الهدوء والراحة، قم إلى الكبير، فإذا لم يقم الواحد، قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، رغم أنفك أيها الإنسان! يا من لا تستجيب لهذا الرب العظيم، هو الله لا إله إلا هو، أشهد أن لا إله إلا الله (يكررها مرتين).

فإذا لم ينهض الواحد قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وقامت به الحجة، واتضحت به المحجة، حتى تركنا على الطريق الواضحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.

فإذا لم يقم الشخص قال المؤذن: حي على الصلاة، استحي من الله وقم، حي على الصلاة، حي على الفلاح .. حي على الفلاح، فإذا ما نفعت هذه وقد بلغت اثني عشر صوتاً قال المؤذن: الله أكبر .. الله أكبر، يعني: الله المستعان، لا إله إلا الله، خمسة عشر صوتاً يناديك مولاك وخالقك وبارئك وفاطرك إلى أن تأتي إلى بيته بخمسة عشر صوتاً ولا تأتي، بالله عليكم ما هو حكم هذا؟

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لم يجب لم تقبل منه الصلاة التي صلاها) وقال: (لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لا يجيب) ويقول: (من سمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لم يجب فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).

أنت هنا وأنت تسمع الداعي، وأنت في الفراش تأتيك الداوفع الإيمانية فتقول: أف! إنه يناديك، وتأتيك النوازع الشيطانية فتقول: يا شيخ! نعم وستصلي بعد، والمعبود باقٍ، والله في كل مكان، وأنت بعد ما زلت شباباً، ولو تقوم الآن لخرب النوم، ولا يأتيك النوم إلا بتعب، وسوف يفوتك الدوام، ودوام الله بسيط؛ لكن دوام البشر أيقنا بعقوبة البشر فلم نتأخر عن دوام البشر، لكن دوام الله لمَّا ضعف إيماننا بقوة الله وعظمته وشدته وبأسه ضيعنا دوام الله.

أما المؤمن فيقوم، وهو في قيامه إلى الله ماذا يحصل له؟ أول شيء يحصل له تعب وذبول، لكن مع المعاناة والمجاهدة فهذا تحصل له هداية، فبقدر المجاهدة تأتي الهداية: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69] فيجاهد في اليوم الأول ويعطيه ربه الهداية بقدرها، ويجاهد في اليوم الثاني ويعطيه ربه بقدرها، ويجاهد في اليوم الثالث ويعطيه الله .. وكلما جاهد أعطاه الله، حتى تكتمل له الهداية، فإذا اكتملت له الهداية لا يكون هناك صعوبة عنده، ينام طوال الليل، وإذا جاء وقت الصلاة فكأنما يوقظه رجل، يقوم بدون ساعة وبدون إيقاظ من أحد، تقول له: من أيقظك، قال: والله انتبهت، الله الذي أيقظني! تصبح العبادة والصلاة عنده أمراً راسخاً في ذهنه وفي حياته، تصبح صفاتٍ لازمة له، وملكات راسخة في حياته، بحيث لو عطلها لا يستطيع أن يعيش، تصبح الصلاة له مثل الماء للسمك، هل يستطيع أن يعيش السمك من غير الماء؟ لا. أبداً! وهل يستطيع الإنسان أن يعيش من غير الهواء؟ لا. أبداً! وهل يستطيع المسلم أن يعيش من غير صلاة؟ لا. أبداً!!

ولكن متى أتت هذه؟ بعد المعاناة: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69] المجاهدة مطلوبة؛ لأن الله تعالى يقول: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ [محمد:17] ويقول الله عز وجل: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ [الصف:5] لما انصرفوا عن ربهم أزاغ الله قلوبهم وطردهم والعياذ بالله! فأنت وأنت تقوم إلى الصلاة تعلن الحرب على الشيطان، وتعلن التمرد على أوامره، وتعلن الاستجابة لمولاك، وتعلن الذل والعبودية لخالقك، فتقول: الله أكبر، أذهب إلى الله، فتخرج من بيتك كما جاء في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا كتب له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، ورفعت له عند الله درجة) ثلاثة أشياء -وأنت وحظك- بيتك بعيد أو قريب .. كل شيء بحسابه، لا تحسب عندما يكون بيتك قريباً من المسجد أو بعيداً أن المسألة ضائعة، لا. فكل شيء بحقه؛ الذي يمشي ألف خطوة ليس كالذي يمشي مائة خطوة، وكل شيء بحسابه عند الله، والذي يمشي بسيارته ويروح بها أيضاً أفضل، لماذا؟ لأنه بذل جهداً وعناء ومالاً وبترولاً، والسيارة يمكن أن تخرب مع كثرة التشغيل في الأجواء الباردة، لكن يقول: لا يهمني في سبيل إرضاء ربي أن أذهب إلى الله عز وجل.


استمع المزيد من الشيخ سعيد بن مسفر - عنوان الحلقة اسٌتمع
اتق المحارم تكن أعبد الناس 2930 استماع
كيف تنال محبة الله؟ 2929 استماع
وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً 2805 استماع
أمن وإيمان 2678 استماع
حال الناس في القبور 2676 استماع
توجيهات للمرأة المسلمة 2605 استماع
فرصة الرجوع إلى الله 2572 استماع
النهر الجاري 2478 استماع
دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله 2468 استماع
مرحباً شهر الصيام 2403 استماع