جلسات رمضانية لعام 1410ه[2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد:

فإننا في هذه الجلسة سنتحدث -إن شاء الله- عن الصيام وما يتعلق به من أحكام وذلك للأهمية؛ لأن كثيراً من الناس يجهل حكمة الصوم ويجهل كثيراً من مسائله، فنبدأ أولاً بذكر حكمة الصوم.

ما هي الحكمة من أن الله عز وجل فرض على عباده الصوم بل جعله أحد أركان الإسلام التي لا يقوم الإسلام إلا بها، مع أن فيه تعباً على الجسم وعلى النفس، يتجنب الإنسان فيه مشتهياته من الأكل والشرب والنكاح، ويلحقه من الضعف، ضعف النفس، وضعف البدن، ولا سيما في الأيام الطويلة الحارة، ما يجعله أو ما يلحقه المشقة؟

فنقول جواباً على هذا السؤال: يجب أن نعلم قبل كل شيء أن الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحكيم، وقد تكرر في القرآن كثيراً، والحكيم هو ذو الحكمة الذي يضع الأشياء في مواضعها وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ .. أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وبناءً على هذه العقيدة التي يجب أن يعتقدها كل مسلم، وهي أن الله عز وجل له الحكمة في شرعه وقدره، بناءً على ذلك يرضى المسلم ويسلم بشرع الله عز وجل، كما يرضى ويسلم بقضاء الله وقدره، قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11] قال علقمة -أحد أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه-: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلِّم، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها: [ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة] .

فوظيفة المسلم الإيمان بقضاء الله وقدره، والإيمان بشرع الله وحكمه، فنقول: إن الله لم يشرع الصيام إلا لحكمٍ عظيمة، أهمها وأجلها وأعظمها: التقوى. تقوى الله عز وجل، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] هذه الحكمة، من أجل تقوى الله عز وجل، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للصائم: (إذا سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم) أي: لا يسبه ويرد عليه بالمثل، ليقل: إني امرؤ صائم، والصائم لا يسب ولا يشتم ولا يصخب، بل عنده الطمأنينة والوقار والسكينة، وتجنب المحرمات والأقوال البذيئة؛ لأن الصوم جنة، يتقي به الإنسان محارم الله ويتقي به النار يوم القيامة، هذه أعظم حكم الصيام.

ومن حكم الصيام: تعويد الإنسان على المشقة، على تحمل المشقات والتعب، لأن الترف والنعيم وتيسر الأكل والشرب لن يدوم، فيعوِّد الإنسان نفسه على تحمل المشاق.

ومن حكم الصوم كسر حدة النفس؛ لأن النفس إذا كمل لها نعيمها، من أكل وشرب ونكاح، حملها ذلك على الأشر والبطر ونسيان الغير، وأصبح الإنسان كالبهيمة ليس له هم إلا بطنه وفرجه، فإذا كبح جماح نفسه وعودها على تحمل المشاق، وتحمل الجوع، وتحمل الظمأ، وتحمل اجتناب النكاح، صار في هذا تربية عظيمة لها.

ومن حكم الصوم: أن الإنسان يذكر به نعمة الله عز وجل، بماذا؟ بتيسير الأكل والشرب والنكاح، لأن الإنسان لا يعرف الشيء إلا بضده، كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.

الإنسان لا يدري قدر النعمة إلا إذا فقدها، وانظر الآن مثالاً قريباً: لو أن النفس حبس، أي: صار الإنسان لا يستطيع أن يتنفس لوجد المشقة العظيمة، مع أننا نتنفس ونحن نتكلم، نتنفس ونحن نأكل، نتنفس ونحن نشرب، نتنفس ونحن في اليقظة، نتنفس ونحن في المنام، ولا نشعر بهذه النعمة العظيمة.

وكم مرة يتنفس الإنسان في الدقيقة.. في الساعة.. في اليوم.. في الشهر.. في السنة، ولا تعرف هذه النعمة، أو لا تعرف قدر هذه النعمة إلا إذا فقدتها، ولهذا إذا أصيب الإنسان بضيق النفس يجد الحرج العظيم، نسأل الله لنا ولكم العافية، لا يلتذ لا بنوم ولا بأكل ولا بشرب ولا بمخاطبة أحد، إذاً إذا صمت وامتنعت عن الأكل والشرب والنكاح عرفت قدر نعمة الله عليك بالأكل والشرب والنكاح، ففيه تذكر نعمة الله.

ومن حكمة الله عز وجل في إيجاب الصوم: أن يذكر الإنسان إخوة له مصابين بالجوع والعطش وفقد النكاح، فيرحمهم ويحنو عليهم ويعطيهم مما أعطاه الله عز وجل، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، ينفق ويجود عليه الصلاة والسلام.

وهذه الذكرى -أي: ذكرى إخوانك المعوزين- تحملك على أن تتصدق عليهم، وأن تتبرع لهم، وأن تحسن إليهم، والحكم كثيرة في الصوم، لكن كثير من الناس اليوم نجد يوم صومهم ويوم فطرهم سواء، لا تجد عند الإنسان سكينة الصوم ولا الوقار ولا تجنب السب والشتم والكذب والخيانة أبداً، يوم فطره ويوم صومه سواء عنده، وهذا نقص عظيم في الصوم.

أما ما يصام عنه من الأمور الحسية، يعني: نحن الآن ذكرنا حكمة الصوم.

ًما هي الأشياء التي يصام عنها؟

الأشياء التي يصام عنها هي التي يسميها العلماء المفطرات، أو مفسدات الصوم، وهي الأكل والشرب والنكاح والقيء وخروج الدم بالحجامة والحيض والنفاس. هذه المنصوص عليها وفيها أشياء مقيسة ليست منصوصاً عليها.

فالأكل والشرب والنكاح منصوص عليها في قوله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187].

القيء منصوص عليه في حديث أبي هريرة الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فلا قضاء عليه) ذرعه يعني: غلبه: (ومن استقاء عمداً فليقض).

خروج الدم بالحجامة منصوص عليه أيضاً في قوله صلى الله عليه وسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) هذه خمسة.

خروج دم الحيض والنفاس منصوص عليه في قوله صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) وقد أجمع العلماء على إلحاق النفاس بالحيض.

بقي علينا أشياء ليست منصوصاً عليها منها ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهي: الإبر المغذية التي يستغنى بها عن الأكل والشرب، يعني: أن الإنسان إذا تناولها اكتفى بها عن الأكل والشرب، هذه تلحق بالأكل والشرب قياساً.

ومنها: خروج المني بشهوة بفعل من الإنسان، فإنه يفطر، من العلماء من قال: إنه ملحق بالجماع، لأن كلاً منهما يوجب الغسل، فكان كلٌ منهما مفسد للصوم ومنهم من قال: إنه منصوص عليه، وذلك أن خروج المني بشهوة هو أعلى أنواع الشهوة، والصوم صوم عن الأكل والشرب والشهوة، لقوله تعالى في الحديث القدسي: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي).

على كل حال، خروج المني بشهوة بفعل من الصائم يفسد الصوم هذا عليه والأئمة الأربعة: مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وأما خروج المذي بشهوة فلا يفسد الصوم، ولا يمكن أن يلحق بالمني لأن المذي لا يوجب الغسل، وليس هو الشهوة ولهذا يخرج من الإنسان من غير أن يشعر به بخلاف المني، وعلى هذا فلا يصح إلحاقه بالمني، والأصل بقاء الصوم وصحته حتى يقوم دليل على فساده، وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يحفظها: كل ما ثبت في الشرع فإنه لا ينقض إلا بالشرع، يعني: ما ثبت بدليل شرعي لا ينقض إلا بدليل شرعي، فإذا ثبت هذا الصيام لا يمكن أن يفسده إلا بدليل من الشرع، ولا دليل على أن المذي ناقض ومفسد للصوم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أيضاً مذهب الظاهرية وهو صحيح.

ذكرنا الأكل، والشرب، والنكاح، وخروج القيء عمداً، وخروج الدم بالحجامة، وخروج دم الحيض والنفاس، وما كان بمعنى الأكل والشرب، وخروج المني بشهوة، بفعل من الصائم.

هذه الأشياء المفطرة هل فيها كفارة؟

الجواب: لا ليس فيها كفارة إلا واحداً فقط وهو الجماع، الجماع فيه كفارة بشرط أن يكون في نهار رمضان ممن يجب عليه الصوم، فإن كان في غير نهار رمضان مثل أن يكون الإنسان يقضي قضاءً، يعني: عليه أيام من رمضان يقضيها فحصل الجماع فإنه ليس فيه كفارة، فإذا كان في نهار رمضان ممن لا يجب عليه الصوم، فكذلك ليس فيه كفارة، مثل: أن يكون الإنسان مسافراً، ومعه أهله وقد صام هو وأهله، ولكن في أثناء النهار أتى أهله، فإنه ليس عليه كفارة ولا إثم أيضاً؛ لأن المسافر يجوز أن يفطر بأي شيء كان، مما أحله الله عز وجل، إذاً عليه القضاء لأنه أفطر فعليه القضاء، وما عدا الجماع ليس فيه كفارة حتى لو أنزل الإنسان فإنه لا كفارة عليه، لكن إذا كان صومه واجباً فعليه إثم وعليه القضاء.

ثم هذه المفطرات لا تفطِّر إلا إذا تناولها الإنسان عالماً ذاكراً قاصداً.

عالماً: وضده الجاهل.

ذاكراً: وضده الناسي.

قاصداً: وضده غير القاصد.

فلو أن الإنسان أكل وشرب يظن أن الفجر لم يطلع فتبين أنه طالع فليس عليه قضاء، بل صومه صحيح، لأنه جاهل ولو أكل ناسياً فصومه صحيح، ولو أكل مكرهاً أتاه إنسان وهدده بالحبس أو بالقتل أو بضرب يؤلمه، حتى أكل فلا قضاء عليه وصومه صحيح، وكذلك لو تمضمض ودخل الماء إلى جوفه بدون قصد فصومه صحيح، لأنه غير قاصد.

ما هو الدليل على أن الجاهل والناسي وغير القاصد لا يفطر؟

الدليل عموم وخصوص، أي: هناك أدلة عامة وأدلة خاصة، وأنا أقول لكم: الأدلة العامة يجب إبقاؤها على عمومها فلا يخرج منها أي صورة إلا بدليل، هذا أيضاً خذوها: الأدلة العامة يجب إبقاؤها على عمومها فلا يخرج منها أي صورة، أي: ما يخرج منها أي شيء إلا بدليل، لأن كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم محكم جاء باللغة العربية، فما كان داخلاً تحت الدلالة فإنه باقٍ على ما دل عليه اللفظ إلا بدليل.

الأدلة العامة: قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] في أي شيء؟ لا تؤاخذني في أي شيء؟ في كل شيء يقع منا خطأ أو نسيان فلا تؤاخذنا فيه (قال الله: قد فعلت) هذه القاعدة العامة العظيمة من الله عز وجل إذا ادعى إنسان أن شيئاً خارجاً منها قلنا له: عليك الدليل.

دليل آخر من القرآن: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5].

إذاً ما لا نقصده فليس علينا جناح فيه ما وقع منا بغير قصد فليس علينا جناح فيه: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5].

هناك أدلة خاصة في مسألة الأكل جاهلاً أو ناسياً عدي بن حاتم رضي الله عنه أراد أن يصوم، فجعل تحت وسادته عقالين يعني: حبلين يعقل بهما البعير، وجعل يأكل ويشرب وينظر إلى العقالين الأسود والأبيض، لما تبين الأسود من الأبيض أمسك ظناً منه أن قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] أن المراد به الخيط الحبل، فلما أصبح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ذلك بياض النهار وسواد الليل) ولم يأمره بالإعادة مع أن الذي يأكل حتى يبين العقال الأسود والأبيض سوف يأكل وقد ارتفع النهار وقد ارتفع الفجر، لم يأمره بالإعادة لأنه جاهل بالحكم، يظن أن هذا معنى الآية.

أيضاً الجاهل بالوقت يظن أن الوقت وقت إفطار وقت أكل وليس كذلك، ما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أفطرنا في يوم غيمٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم ظهرت الشمس، أكلوا وأفطروا في يوم غيم ظن منهم أن الشمس قد غربت، وبعد ذلك ظهرت الشمس إذاً أكلوا في النهار، لكن جهلاً منهم، جهلاً بالوقت، ما علموا أن الشمس لم تغرب، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ما أمرهم، لو كان القضاء واجباً لأمرهم به كما أمر الذي أساء في صلاته قال له: (صل فإنك لم تصل) لو كان القضاء واجباً لأمرهم به، ولو أمرهم به لنقل إليه لا يمكن أن يترك؛ لأنه لو أمر به لكان من الشرع، والشرع محفوظ لابد أن يصل إلى آخر الأمة كما وصل إلى أولهم.

إذاً نقول: لا قضاء، وكما أن هذا مقتضى دلالة الحديث، فهو أيضاً مقتضى الأدلة العامة، رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، وهو كذلك مقتضى القياس على ما صح به الحديث: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) والجهل والنسيان صنوان، يعني: قرينان فإذا عفي عن الإنسان بالنسيان، عفي عنه في جهل ولا فرق.

أما عدم القصد فيؤخذ من قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106] ووجه الأخذ من هذه الآية أن الله رفع حكم الكفر عمن أكره عليه فما دون الكفر من معاصي من باب أولى، كما جاء في الحديث أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).

هذه لمحة وجيزة سريعة فيما يتعلق بالمفطِّرات ولكن يجب أن نعلم أن الإنسان مأمور بالصوم عن أمرين عن أمور حسية وهي هذه المفطرات، وعن أمور معنوية وهي قول الزور والعمل به والجهل، فعلينا أن نحفظ صيامنا حتى يكون نافعاً مؤثراً، وحتى نتربى به، فلا يخرج رمضان إلا وقد تأثرنا بهذا الصوم، نسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.

حكم شم البخور للصائم

السؤال: ذكرت -يا فضيلة الشيخ- في خطبة الجمعة أن من المفطرات البخور، وقلتم: إن له جرماً يدخل في الأنف، مع أنكم ذكرتم في مجالس شهر رمضان كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية ، أنه ليس مناط التكليف في المفطرات، في كل ما يدخل في الجوف، فهل البخور بمعنى الأكل والشرب؟ أفيدونا أثابكم الله؟ الجواب: البخور المحظور منه أن تستنشقه لا أن تتبخر به لو تبخرت به وتصاعد إلى أنفك شيء من دخانه بغير قصد لم يضر لكن كونك تجعل المبخرة تحت أنفك ثم تستنشق حتى يصل الدخان إلى جوفك، هذا مثل الماء، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام للقيط بن صبرة: (وبالغ فيَّ الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) فلما قال له: إلا أن تكون صائماً، بحثنا ما هي الحكمة في أن الصائم لا يبالغ، الحكمة: لئلا ينزل شيء من الماء إلى جوفه، فعلم بهذا أن كل ما يخشى منه نزول شيء إلى الجوف، أو أن كل ما نزل إلى الجوف من طريق الأنف فهو كالنازل إليه من طريق الفم.

وقت الإمساك عن الطعام في رمضان

السؤال: يتفاوت المؤذنون في أذان الفجر، فإذا أذن من نراه أوثق فهل نمسك على أول أذانه، أم لنا أن نأكل حتى ينتهي؟ وهل يجوز للمؤذن أن يحتاط فيؤذن في أول الوقت على ظنه وهو لا يرى طلوع الفجر، إنما يتبع في ذلك التقويم، كل ذلك خوفاً على صيام الناس مع احتمال تصويم الناس قبل الوقت؟ الجواب: الواقع أن مسألة أذان الفجر في وقتنا الحاضر، مشكلة كيف إشكالها؟ الناس لا يمكن أن يروا الفجر بسبب الإضاءة، لا يمكن أن يروه إلا من كان بعيداً، فهم يعتمدون في الحقيقة على الحساب بلا شك، وهنا صرنا نعمل بالحساب بحسب التوقيت اليومي، ولا نعمل بالحساب بحسب التوقيت الشهري، وهذا حق، أي مسألة أننا لا نعمل بالحساب بحسب التوقيت الشهري هذا حق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بالرؤية: (إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا) وكذلك الإمساك اليومي أو الإفطار اليومي، معلق أيضاً بالرؤية، قال الله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ [البقرة:187] وبماذا يتبين الخط الأبيض؟ في اللمس لا، بالشم لا، بالذوق لا، بالرؤية.. لكن الآن نحن نمشي على الحساب، حتى يتبين لنا بالحساب وإلا ما نشاهده. على كل حال، ما دمنا نمشي على الحساب، فالحساب أدق من الرؤية، لأن الحساب يبني على تقدير درجات معينة، ولهذا تجد فيه اختلافاً، حتى الحساب الآن فيه اختلاف فهو يمشي على درجات معينة لا على رؤية، ولهذا يقال لنا -ونحن ما جربنا- إن الإنسان الذي يبعد عن الأضواء يجد الفرق العظيم بين تبين الصبح وبين أذان الناس، يعني أن أذان الناس يسبق تبين الصبح؛ لأن هذا مقدر ببعد الشمس عن الأفق بدرجات قد يرى الصبح وقد لا يرى، لهذا نقول: إنه لا يجوز للمؤذن أن يحتاط فيقدم، هذا لا يجوز حرام عليه لأنه إذا فعل ذلك وقع في محاذير، ولنعدها: المحذور الأول: حرمان المسلمين مما أباح الله لهم؛ لأنه إذا أذن وأمسك الناس قبل أن يطلع الفجر، معناه أنه حرم الناس من الأكل والشرب إلى الفجر، وهذا شيء عظيم، ربما يكون الإنسان في هذه اللحظة قام من نومه، يريد أن يشرب ماءً، ولكن سمع الأذان فوقف هذه مشكلة. المحذور الثاني: أنه قد يصلي الإنسان الفجر على الأذان، أي: شخص يكون متوضئاً وينتظر متى يؤذن حتى يقوم ويصلي كالمرأة في البيت، والمريض في البيت، فيكون هذا صلَّى قبل دخول الوقت وهذا خطر عظيم، كيف يحتاط الإنسان بمنع المسلمين مما أباح الله لهم، وبكون المسلمين يصلون قبل الوقت، أين الاحتياط؟ هذا حقيقة إشغال للذمة، يعني: المؤذن يتعلق الناس بذمته. المحذور الثالث: أننا إذا قلنا بأن الأذان للفجر لا يجوز إلا بعد دخول الوقت كسائر الأذانات، يعني: أذان الظهر لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان العصر لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان المغرب لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، أذان العشاء لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، انتبه! أذان الفجر فيه خلاف بين العلماء، منهم من قال: لا يصلح إلا بعد دخول الوقت، ومنهم من قال يصح ولو قبل أن يدخل الوقت ولكن في زمن قريب من الوقت، لكن إذا قلنا بأنه لا يصح إلا بعد دخول الوقت، وأذن المؤذن قبل الوقت، يكون أذانه صحيحاً أم غير صحيح؟ غير صحيح. فالإنسان ينبغي له أن يتقي الله عز وجل، وأن يحتاط في أذان الفجر خاصة، وفي غيره من الأذانات، لكن المشكل الآن أن بعض الناس يجتهد وهو مخطئ، فيقول: أتقدم أربع دقائق من أجل الناس أن يمسكوا، ليس هناك إمساك الإمساك يكون إذا تبين الفجر، أما قول بعض الناس إمساك قبل خمس دقائق ثم الفجر هذا ما أنزل الله به من سلطان، كل واشرب إلى أن ترى الفجر. فإذا أذن المؤذن وعلم أن المؤذن حريص على ضبط ساعته، وعلى التأني وعدم السرعة، فإن الإنسان ينبغي له -من باب الاحتياط- أن يمسك إذا أذن المؤذن، ولا يأكل وبعض العلماء يرخص له، إذا كان الإناء في يده أن يشرب، وإذا كانت التمرة في يده أو اللقمة في يده أن يأكل، بعض العلماء يرخص في هذا لحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند بسند جيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سمع أحدكم الأذان والإناء في يده فلا يضعه حتى يقضي نهمته منه، أو قال: حتى يشرب) قال: هذا دليل على أنه إذا أذن والإناء في يده فلا بأس أن تشرب، أما أن تأخذ من الأرض بعد الأذان وهو قد أذن على طلوع الفجر فلا تأخذه. على كل حال الذي أنصح به إخواننا أن يكونوا قد هيئوا أنفسهم وألا يعرضوا صيامهم للخطر.

انتقاض الصوم بالنية

السؤال: رجل مسافر نوى قطع صيامه لكنه لم يجد ما يفطر به، ولما كان قريباً من وقت الغروب استأنف نية الإمساك، فما حكم صيامه؟ الجواب: رجل مسافر نوى أن يفطر يعني: قطع الصوم، ثم أراد أن يعود إلى الصوم من جديد، لما رأى أن المغرب قريب، فهل يصح هذا أو لا؟ نقول: لا يصح، لأنه لما نوى قطع الصوم انقطع، حتى وإن لم يأكل ويشرب ما دام نوى قطع الصوم فإنه ينقطع، ولو استأنف الصوم لم يصح لأن صوم الفريضة لابد أن يكون من قبل طلوع الفجر.

حكم من زاد ركوعاً في صلاة الوتر

السؤال: رجل ركع بعد ما قنت في الوتر وقد ركع قبله، مع العلم أنه هو الإمام، فماذا يفعل؟ الجواب: إذا ركع القانت في الوتر بعد القنوت فإن هذا الركوع يعتبر زيادة في الصلاة، وإذا كان زيادة فالواجب في ذلك سجود السهو ويكون سجوده بعد السلام، لأن سجود السهو إذا كان سببه الزيادة فمحله بعد السلام، ولا فرق بين الإمام وغير الإمام، لكن المأموم إذا كان لم يفته شيء من الصلاة يتحمل عنه الإمام سجود السهو، أي: لو فرض من المأموم ولو بركعة، ولما رأى الناس سجدوا قام ثم سجد، نقول: أنت أيها المأموم زدت ركوعاً ولكن لما كنت لم يفتك شيء فسلِّم مع الإمام ولا سجود عليك ،يتحمل عنك الإمام، وإن كان قد فاتك شيء فإنه يجب عليك إذا قضيت ما فاتك أن تسجد للسهو.

حكم إخراج النقود بدلاً عن الإطعام على من لا يستطيع الصوم

السؤال: رجل كبير مريض لا يستطيع الصوم، فهل يجزئ إخراج النقود بدلاً عن الإطعام، وهل يجزئ عن ذلك أن يدفعها فيما يسمى تفطير مجاهد؟ الجواب: يجب علينا أن نعلم قاعدة مهمة وهي: أن ما ذكره الله عز وجل بلفظ الإطعام أو الطعام وجب أن يكون طعاماً، وقد قال الله تعالى في الصوم: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البقرة:184] وقال في كفارة اليمين: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89]. وفي الفطرة فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام، فما ذكر في النصوص بلفظ الطعام أو الإطعام فإنه لا يجزئ عنه الدراهم، وعلى هذا فالكبير الذي كان فرضه الإطعام لا يجزئ أن يخرج بدلاً عنه دراهم، لو أخرج بقدر قيمة الطعام عشر مرات لم يجزئه، لأنه عدول عما جاء به النص كذلك الفطرة، قال بعض الناس: لو أخرج صاعاً من الذهب لم يجزئ عن صاعٍ من الحنطة؛ لأن الذهب غير منصوص عليه والحنطة منصوص عليها، أي: مذكورة من القرآن، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) فالذي حمل بعض الناس أن يقولوا هذا القول، قال: أنا معي أصل، هل نص الرسول على الدينار والدرهم؟ لا، (من طعام) وعلى هذا فنقول للأخ الذي لا يستطيع الصوم لكبره: أطعم عن كل يومٍ مسكيناً ولك في الإطعام صفتان: الصفة الأولى: أن توزع عليهم في بيوتهم، كل واحد تعطيه خمس الصاع من الرز وتجعل معهم ما يؤدمه وأي شيء، فاصنع طعاماً وادع إليه عدد المساكين الذي يجب أن تطعمهم، يعني يمكن إذا مضى عشرة أيام تصنع طعام عشاء، وتدعو عشرة من الفقراء يأكلون، وكذلك في العشر الثانية، والعشر الثالثة، كما كان أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر وصار لا يستطيع الصوم، يطعم ثلاثين فقيراً في آخر يومٍ من رمضان. وأما صرفه لما يسمى بتفطير مجاهد، فالمجاهد ليس عندنا حتى نفطره وإذا دفعنا ما يفطره اليوم متى يصل إليه، ربما يصل بعد يومين ثلاث وربما لا يصل إلا بعد العيد والله أعلم، حسب بعد المواصلات، وحسب تسهيل الوصول، لكن شيئاً طلب منك اجعله في بلدك، حتى تكون مطمئناً على وصوله في وقته، ومثل ذلك أيضاً الفطرة لا تخرجها إلا في بلدك مهما كان الأمر، حتى أن العلماء قالوا: يحرم على الإنسان أن يخرج فطرته في غير بلده، فإن كان ليس في بلده فقراء أخرجها في أقرب البلاد إليه من البلاد التي فيها الفقراء، والفطرة والأضاحي مطلوبة من الشخص تتعلق ببدنه، ولهذا قال العلماء: لو كان الإنسان في بلد وماله في بلد أخرج فطرته في البلد الذي هو فيه، وأخرج زكاة المال في البلد الذي فيه المال. وكوننا نجعل حتى الفطرة والأضحية تذهب إلى المكان الفلاني والمكان الفلاني، والناس الفلانيين والناس الفلانيين هذا خطأ، لأن هذه عبادات مقصودة منا، الأضحية إذا دفعناها إلى مكان ما بقيت بيوتنا ليست فيها أضحية فلا نقيم فيها شعائر الإسلام والأضحية من الشعائر، ولهذا قال العلماء: لو تصدق بقيمة الأضحية ألف مرة ما أجزأت عن الأضحية، لأن الله يقول: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37] وأنا أرى أن مساعدة المجاهدين في أفغانستان أو في غيرها من بلاد المسلمين ينبغي أن يحث الناس على التبرع، حتى يجعلوا من أموالهم نصيباً للجهاد في سبيل الله، أما أن تجعل الزكوات الواجبة التي هي خارجة على كل حال ومفروضة، تجعل في الجهاد، ولا تبذل أموال خاصة للجهاد، معنى ذلك أننا دفعنا ضريبة الجهاد مما أوجب الله علينا من الزكاة، فكأننا لم نشارك في الجهاد، يعني: الزكاة مطلوبة منا، وفتح هذا الباب للناس أن يجعلوا زكاة أموالهم وزكاة أبدانهم تصرف في الجهاد في أفغانستان أو غيرها، أنا عندي أنه يجب أن يتأمل الإنسان فيه، حتى لا نفتح للناس وقاية أموالهم بزكوات أموالهم، نقول: اجعل من مالك للجهاد حتى تكون مجاهداً أما أن تجعل زكاتك في الجهاد كيف هذا؟ صحيح أن المجاهدين لهم حق في الزكاة، لكن غير المجاهدين سبعة أصناف لهم حق في الزكاة أيضاً، فاجعل التبرع للجهاد من مالك، واجعل من زكاتك للجهاد، واجعل لبقية الأصناف نصيبهم. على كل حال الذي أريد أن أقوله في مسألة الزكاة: زكاة الفطر لا يجوز أن تخرج في غير بلد الإنسان، الأضحية لا يجوز أن تصرف إلا في بلد الإنسان، الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، جعلها الله للمقيمين في أوطانهم، كما جعل للحجاج هدايا في مكة والله حكيم، أما أن نصرف دراهم للمكان الفلاني والمكان الفلاني، وتبقى بيوتنا معطلة من الأضاحي، أو من العقيقة -مثلاً- بالنسبة للأولاد فلا. افتح للمسلمين التبرع للجهاد بأموالهم؛ لأن الجهاد بالمال عديل الجهاد بالنفس، دائماً يقرن في القرآن بين الجهاد بالمال والجهاد بالنفس، ويقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس. أما أن نجعل زكواتنا والأشياء التي أوجب الله علينا نجعلها في الجهاد، ونبقي دراهمنا محفوظة ما نشارك في الجهاد، هذا فيه شيء من النظر، ولست أقول لا يتبرع! ينبغي أن نتبرع للمجاهدين في كل مكان؛ لأنهم إخوتنا وعلينا نصرتهم، لكن كوننا نجعل واجباتنا التي أوجب الله علينا في أموالنا، أو أوجبها الله شعيرة من شعائر الإسلام، تكون في بيوتنا، نصرفها يميناً وشمالاً هذا فيه نظر.

حكم تنبيه الصائم إذا سها فأكل أو شرب

السؤال: إذا رأيت صائماً يأكل أو يشرب فما حكم التنبيه له، وكيف يكون تنبيهه؟ الجواب: يجب إذا رأيت من يأكل أو يشرب وهو صائم أن تنبهه؛ لأنه وقع في سهو والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ولهذا لو رأيت شخصاً نائماً وقت الصلاة، هل تقول: إن النائم مرفوع عنه القلم فلا أوقظه، أو توقظه؟ طبعاً! توقظه، والعلماء قالوا: يجب إعلام النائم بدخول وقت الصلاة قبل أن يخرج وقت الصلاة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا نسيت فذكروني) الصائم الذي يأكل ناسياً معذور، لكن العالم به ليس بمعذور؛ لأنه يعلم أن هذا يفعل مفسداً لصومه لولا العذر، إذا كان يعلم بذلك فلينبهه.

حكم من جامع زوجته في نهار رمضان ناسياً أو جاهلاً

السؤال: ما هو الصحيح فيمن جامع امرأته في نهار رمضان ناسياً أو جاهلاً هل عليه كفارة أم لا؟ الجواب: جميع مفطرات الصوم ومنها الجماع، إذا كان الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو غير قاصد، فإنها لا تفطر، وعلى هذا فمن جامع زوجته ناسياً فليس عليه شيء، وصومه صحيح، ومن جامعها جاهلاً كأن يظن أن الفجر لم يطلع، لا جاهلاً بالحكم لأني لا أظن أن أحداً عاش بين المسلمين يجهل أن جماع الصائم حرام، كل الناس يعلمون أنه حرام، لكن الجاهل في الجماع يمكن أن يكون جهل طلوع الفجر، أي: يجامع زوجته في آخر الليل، وهو لا يظن أن الفجر قد طلع، فيتبين أنه طالع، فحينئذ نقول: صومه صحيح ليس عليه كفارة، ومثل ذلك لو كان يجامع أهله فأذن الفجر، على طلوع الفجر فإنه يجب عليه أن ينزع وصومه صحيح وليس عليه كفارة.

المسافر لا يفطر إلا بعد خروجه من البلد

السؤال: هل يجوز لمن نوى السفر أن يفطر قبل أن يخرج من بيته؟ فإذا كان يجوز له ذلك فما الحكم فيما لو نوى السفر فأفطر قبل الخروج، ثم لم يتيسر له السفر، أرجو التوضيح؟ الجواب: لا يجوز لمن نوى السفر أن يفطر حتى يخرج من البلد، وذلك؛ لأن رخص السفر مربوطة أو منوطة بحصول السفر فعلاً، لأن الله تعالى يقول: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101] إذا ضربتم، ولم يقل: إذا أردتم الضرب في الأرض، فالضرب لا يكون إلا في الخروج من البلد، فلا يجوز لمن أراد السفر أن يفطر، إلا لمن سافر فعلاً. ولكن هاهنا مسألة وهي: إذا أراد أن يسافر في الطيارة من بلدٍ في القصيم فمعلوم أن المطار ليس في البلد، ليس في بريدة ، وليس في عنيزة ، ولا في الرس ، ولا في البكيرية ، ولا في أي مدينة من مدن القصيم ، مستقل! هل يجوز لمن أراد أن يسافر في الطائرة وهو في المطار أن يفطر؟ الجواب: نعم يجوز؛ لأنه خرج عن بلده ويجوز أيضاً أن يقصر الصلاة لأنه أيضاً خرج عن بلده، والعلماء قالوا: متى خرج عن عامر البلد فقد شرع في السفر فيجوز له رخص السفر.

الدعاء المأثور عند الإفطار

السؤال: ما هو الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الإفطار؟ الجواب: الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإفطار لم تكن في الصحيحين ولا في أحدهما، لكنها في السنن، ومنها: (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) اللهم لك صمت: وهذا إخلاص، وعلى رزقك أفطرت: وهذا شكر لله عز وجل. وورد أيضاً فيما إذا اشتد الحر وأفطر الصائم: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك حين إفطاره، وهذا الحديث واضح أنه في يوم كان شديد الحر، لأن العروق يابسة، والظمأ حصل، فإذا شرب قال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر) أجر الصوم، وأجر مشقة الظمأ.

حكم رؤية الدم بعد تيقن الطهر للمرأة الصائمة

السؤال: امرأة حائض رأت علامة الطهر في الليل فاغتسلت وصامت من الغد، وفي أثناء النهار خرج منها قدر يسير من الدم علماً أنها استوفت في حيضتها المدة المعتادة، هل تصوم وتصلي أم أن ذلك دم حيض، وإذا كان هذا الدم يسيراً ويستمر أياماً فما الحكم؟ الجواب: إذا كانت المرأة هذه قد تيقنت الطهر في آخر الليل وصامت، فإن النقطة والنقطتين بعد الطهر ليست بشيء، لا تمنع لا من صلاة ولا من صيام، كالصفرة والكدرة، وعليه فصوم هذه المرأة صحيح، ولا قضاء عليها، حتى لو جاء في اليوم الثاني والثالث والرابع نقطة أو نقطتان ليس بشيء.

تصفيد الشياطين في رمضان

السؤال: كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم فيما معناه: (إذا جاء رمضان صفدت الشياطين فلا يخلصون إلا ما كانوا يخلصون إليه في غيره) وبين ما يفعله كثير من الناس من المعاصي في هذا الشهر الكريم، من إغواء الشيطان لهم، بترك بعض الصلوات أو غيرها من المعاصي؟

الجواب: يجب أولاً أن نعلم قاعدة مهمة، وهي: أن ما ثبت في الكتاب والسنة فلن يخالف الواقع أبداً، فإن وجد في الواقع المحسوس المعلوم ما ظاهره أنه يخالف الكتاب والسنة، فماذا نصنع؟

نقول: يجب تأويل الكتاب والسنة لأن فهمنا يكون حينئذ خطأً، يكون الله ما أراد هذا الذي فهمنا، ولا الرسول صلى الله عليه وسلم أراد هذا الذي فهمنا.

إذا حصل في الواقع ما يخالف ظاهر الكتاب والسنة، يؤول ويكون فهمنا أن المراد به ما خالف الظاهر فهماً خطأً، لأن كلام الله ورسوله لا يمكن أن يناقض الواقع إطلاقاً، فهذا الذي ذكره السائل أن رمضان تصفد فيه الشياطين، ولا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، والواقع كما قال: يوجد أناس من الفسقة يزداد فسقهم في رمضان، فالشياطين الآن مصفدة عنهم أم مصفدة فيهم؟ والله أعلم مصفدة فيهم.

على كل حال العلماء رحمهم الله قالوا: إن في بعض روايات هذا الحديث تصفد مردة الشياطين، وليست الشياطين كلها تصفد، إنما تصفد المردة، وبناءً على ذلك تسلط غير المردة على هؤلاء الفسقة، ولا مانع، وبعضهم قال: إنها تصفد الشياطين كلها، وذكر المردة في بعض الألفاظ لا يقتضي التخصيص؛ لأن لدينا قاعدة وهي: أن ذكر بعض أفراد العام بحكم مطابق للعام لا يكون ذلك تخصيصاً.

إذاً كيف يحمل؟ يقال: يحمل بالنسبة لأهل الحق والإيمان تصفد الشياطين عنهم فلا يخلصون إلى ما يخلصون إليه في غير، وحينئذٍ نتخلص من تسليط الشياطين على الفسقة في هذا الشهر.

البخل والتقتير على الزوجة والأولاد

السؤال: رجل يقتر على زوجته وأولاده مما يجعلهم في حاجة إلى مساعدة غيرهم، وقد نشب بينهم خلاف فقال: إن أخذت شيئاً من أهلك فأنتِ حرام عليَّ، وقد ندم مؤخراً على كلامه ويريد أن يرجع عنه، فماذا يفعل وهل يجوز أن يدفع لها أخوها من زكاة ماله؟ الجواب: أولاً: أنا أنصح هذا الرجل المقتر، بأنه آثم عاصٍ لله عز وجل، إذا قتر فيما يجب عليه لزوجته وأولاده، لأن الله أوجب عليه الإنفاق على زوجته وعلى أولاده، فإذا بخل فقد عصى الله عز وجل، والبخل مرض، من الذي يوصف بالبخل؟ اليهود هم أصحاب البخل، هل ترضى لنفسك بأنك تكون مشابهاً لليهود؟ أبداً، لا أحد من المسلمين يرضى أن يكون مشابهاً لليهود أبداً، ولكن البخل من أخلاق اليهود، مع كونه معصية لله ورسوله، مع كون هذا الرجل سفيهاً في عقله، بعد أن كان ناقصاً في دينه فهو سفيه في عقله كيف؟ لمن يعود هذا المال إذا بخل به؟ إذا مات يعود إلى ورثته وقد يكون من بينهم زوجته وهؤلاء الأولاد الموجودون الآن، فإن لم يكن له زوجة ولا أولاد من الذي يرثه؟ بنو عمه البعيدون، فيبخل بالمال على نفسه وعلى أقرب الناس إليه ليكون لبني عمه البعيدين، فإن لم يكن له بنو عم فلبيت المال أبعد وأبعد، هذا مسكين هذا المال الذي يبخل به يرثه إما أولاده أو زوجته الموجودون، وإما بنو عمه البعيدون، وإما من هو أبعد وهو بيت المال. هذا إن بقي المال مع إنه ربما يسلط عليه آفة تفنيه، ربما يصاب هذا البخيل بأمراض يحتاج معها إلى أموال كثيرة فتفنى أمواله وهو حي. فنحن نقول لهذا الرجل: أنت الآن ناقص الإيمان سفيه العقل، ونقول له: (إن كل يوم تطلع فيه الشمس فيه ملكان أحدهما يقول: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الثاني: اللهم أعط ممسكاً تلفاً) هل تحب الخلف أم التلف؟ يمكن البخيل هذا يحب التلف، إنما كل إنسان يحب الخلف، ما يمكن يحب التلف، ثم نقول اقرأ قول الله عز وجل وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39] الذي يرزقك الله، لا تظن أن المليون الذي عندك إذا نقص عشر ليرات معناه: لم يعد تماماً، بل سيصبح أكثر، يتم المليون وزيادة: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:39]. فنصيحتي لهذا الرجل أن يتقي الله ويقوم بالواجب لزوجته وأولاده حتى يبارك الله له في ماله ويتخلص من مشابهة اليهود، أما بالنسبة للزوجة والأولاد فلها شرعاً أن تأخذ من ماله بغير علمه ما تقوم به كفايتها، تسطو على الصندوق إن كانت تعرف المفتاح، وتأخذ ما تريد بشرط ألا تسرف، تأخذ من المخبأة إذا علَّق الثوب تأخذ منه حاجتها، بشرط ألا تسرف، لها ذلك شرعاً لأن هند بنت عتبة شكت زوجها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه لا يعطيها ما يكفيها وولدها قال: (خذي من ماله ما يكفيك ويكفي ولدك بالمعروف). فإذاً نقول: أنتِ حرة لكِ الحق أن تأخذي، فإن لم تستطيعي كأن يكون هذا الرجل يحمل مفتاح الصندوق معه، والمخبأة لا يجعل فيها شيئاً أو حصل لها شيء، ماذا تعمل؟ تأخذ من أقاربها ولا تموت هي وأولادها، لها أن تأخذ، وإذا حرم عليها أن تأخذ من أقاربها، لم يلزمها أن تطيعه في ذلك، لها أن تأخذ، وهو الذي يتعب ليتخلص من هذا التحريم. وإذا كان هذا الرجل حاضراً يقول: إن شاء الله لن أعود إلى البخل فأنا أفتيه أن يكفر كفارة يمين عن هذا التحريم، وينحل التحريم، يطعم عشرة مساكين ويتركها تأخذ من الذي تريد، وخير من ذلك أن يعطيها هو من ماله.

كيفية نصح المقصر في صلاة الجماعة والمستهزئ بالمتدينين

السؤال: زوجي يصلي الأوقات كلها ولكن في غير المسجد، يصليها في المنزل وهو يصوم أيضاً، لكن يكثر الكلام عن الدين والمتدينين والاستهزاء بهم، وأنا أناصحه في ذلك على قدر استطاعتي، فما نصيحتكم وما رأيكم يا فضيلة الشيخ؟! الجواب: رأيي أن تستمري في نصيحته، أنا أخاطب المرأة السائلة أن تستمر في نصيحة زوجها، ولعل الله أن يهديه لكن لا تستمروا في نصيحته على وجه يضجره، بل تتحين الفرص إذا كان هادئ البال، طيب القلب، مطمئناً راضياً تحدثه، أما أن تضجره كلما دخل قالت: صلِ مع الجماعة، كلما دخل قالت: صلِ مع الجماعة، جلس يأكل يتغدى قالت: صلِ مع الجماعة، يتعشى قالت: صلِ مع الجماعة.. يشرب القهوة قالت: صلِ مع الجماعة، هذا تضجره ربما يغضب ويقول شيئاً يخرجه من الدين وهو لا يدري. وأما كونه يسخر بأهل الدين، فهذه نقطة هامة يجب الوقوف عندها، إن سخر بأهل الدين من أجل ما هم عليه من الدين، يعني كراهة لدين الله فهذا كفر مخرج عن الملة، ولو صلى وصام، لأن الله يقول: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] كفرهم الله بعد إيمانهم لاستهزائهم بالله وآياته ورسوله. أما إذا كان يكرههم لا للدين الذي هم عليه، فهذا لا يكفر لكنه أخطأ خطأً عظيماً، لأن الواجب علينا محبة من يحب الله ورسوله، لكن قد يقول لي قائل: كيف نفرق بين من يستهزئ بالمتمسكين بالدين على وجه شخصي، أو يستهزئ لأنه متمسك بالدين؟ يعني قد يقول الإنسان: لا أعرف الفرق، كيف الفرق؟ نقول: لو أن أحداً من الناس الذين يجلهم هذا الرجل، فعل مثل ما فعل هؤلاء الملتزمون، ما كرهه فهذا نعلم أنه لم يكره الدين وإنما كره هؤلاء لأشخاصهم، لكن لو فعله واحد غيرهم ممن يجله ويعظمه، ما كرهه وهذا شيء يقع كثيراً، أي: ما أحب أسمي شخصاً بعينه حتى أضرب به المثل لكن لو وجد عالم من علمائنا المعتبرين، الذي هم محل الثناء عند الناس فعل مثل ما فعل هؤلاء الأخوة الملتزمون، لم تجد هذا الرجل يسخر منه ولا يستهزئ به، لكن إذا فعله هؤلاء سخر منهم. إذاً الاحتقار هنا لما هم عليه من الدين أم لأشخاصهم؟ هذا واضح بأنه لأشخاصهم بدليل أنه لو فعله إنسان آخر يجله ما استهزأ فهذا هو الفرق. على كل حال نصيحتي لهذا الرجل أن يقوم بما أوجب الله عليه من الصلاة مع الجماعة، وليعلم أن تركه للجماعة نقص في صيامه وفي دينه أيضاً، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وترك الجماعة في المساجد لا شك أنه معصية.

التقوى والزهد والورع

السؤال: كيف يستشعر الإنسان التقوى وبماذا تحصل؟ وما الفرق بين التقوى والورع؟ الجواب: هذا في الحقيقة سؤال مشكل، كيف يكون الإنسان تقياً، مشكل لكن جوابه سهل، يكون تقياً بفعل أوامر الله واجتناب نواهيه، وأهم ما يكون الصلاة وحضور القلب فيها، وكل المشاكل التي تصيب الإنسان من الخواطر والوساوس والتهاون كله بسبب إضاعة الصلاة: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ [مريم:59] اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] حاول أنك تكون دائماً مستحضر القلب في صلاتك، تجد أن الله يمن عليك بالتقوى بكل سهولة، فهذا أهم دواء يتداوى به الإنسان،وأما الفرق بين التقوى والورع، فلا فرق بينهما في الحقيقة؛ لأن الورع تعريفه: ترك ما يضر في الآخرة، والتقوى ترك ما يضر في الآخرة، لأن التقوى فعل الأوامر واجتناب النواهي، وترك الأوامر أو فعل النواهي يضر بالآخرة، والورع كما قال العلماء: ترك ما يضر في الآخرة، لكن ما الفرق بين الورع والزهد؟ فلان زاهد وفلان ورع ما الفرق؟ قالوا: إن الزهد أعلى مقاماً من الورع، الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما يضر وبينهما مرحلة، ما هو الذي بينهما؟ الذي ليس بنافع ولا ضار يفعله الورع ولا يفعله الزاهد، لأن الزاهد لا يفعل إلا ما ينفع. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.