جلسات رمضانية 1415ه [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فهذا هو اللقاء الأول من اللقاءات التي تقررت في شهر الصيام، شهر رمضان، وأعني بذلك اللقاء الأول ليلة الخميس الثالث من شهر رمضان، عام (1415هـ) وأسأل الله تعالى أن يجعله لقاءً نافعاً وأن يتبعه بلقاءات نافعة.

يجدر بنا أن نتكلم في هذا اللقاء على شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي خصه الله تعالى بخصائص لم تكن موجودة في غيره، فمن ذلك أن الله تعالى أنزل فيه القرآن، والقرآن أنزله الله عز وجل هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، يهتدي به الناس في أمور دينهم وأمور دنياهم، ولهذا كان القرآن مشتملاً على قضايا العباد في دينهم ودنياهم، في فردهم ومجتمعهم، في حربهم وسلمهم، في رخائهم وشدتهم، في منامهم ويقظتهم، في مرضهم وصحتهم، في كل شيء.

الدين الإسلامي الذي جاء به القرآن الكريم يحل جميع المشاكل، ولكن قد تقع المشاكل إما لقلة العلم .. بألا يكون الإنسان واسع العلم فيخفى عليه شيء من القرآن أو السنة، وإما لقصور الفهم، يعني عنده علم لكنه قاصر الفهم، لا يفهم جيداً، فتفوته بعض الدلالات من الكتاب والسنة، تجده يحفظ لكن لا يفهم، فيفوته في ذلك خير كثير وعلم غزير، وإما من سوء القصد والإرادة، وهذا أسوأ الأمور الثلاثة في سوء القصد والإرادة.

بمعنى أن الإنسان لا يريد الحق، يبحث في الأدلة، يتأمل، يفكر، لكن لا يريد الحق، يريد أن ينتصر لقوله ولو كان باطلاً، يريد أن يكون إماماً بين الناس مشهوراً بينهم، يرائي كما يرائي المجاهد في قتاله، فهذا أيضاً يفوته خيرٌ كثير، ويحجب عنه ما تدل عليه النصوص من المسائل والأحكام، وإلا فإن القرآن هدىً للناس وبينات واضحة من الهدى والفرقان، وقد قال الله تبارك وتعالى: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89] كل شيء يبينه القرآن.

وقد ضل قومٌ حين زعموا أن دين الإسلام تنظيم لمعاملة فيما بين الإنسان والخالق، يعني يقتصر على العبادات، والأحوال الشخصية، ضل هؤلاء لأنهم زاغوا فأزاغ الله قلوبهم والعياذ بالله، وإلا فإننا نقول لهم: أي آية أطول في كتاب الله؟

آية الدين هي أطول آية في كتاب الله، ومع ذلك فهي في المعاملات، وما يوثق المعاملات من شهادة أو رهان، فكيف يقال: إن الإسلام لا شأن له في أمور الدنيا؟

ولا يقول ذلك إلا جاهل أو مغرض، فالقرآن الكريم تبيان لكل شيء، وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، لكنه لغير المسلمين ليس هدىً ولا بشرى ولا رحمة؛ لأنهم والعياذ بالله وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [التوبة:124].

لأنهم يزيدون بنزولها تصديقاً، ويزيدون بنزولها عملاً فيزدادوا إيماناً وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:125] لأنهم يزدادون بنزول الآيات كفراً إلى كفرانهم، وتكذيباً إلى تكذيبهم، واستكباراً إلى استكبارهم، فلا تزيدهم إلا رجساً -والعياذ بالله- إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الخاتمة، وأن يتوفانا على الإيمان.

فالقرآن يا إخواني! تبيانٌ لكل شيء، لكن الذي يحجب عنا مدلوله هو واحد من أمور ثلاث هي: الجهل، قصور الفهم، سوء القصد، الجهل يعني قصور العلم، ما يكون عندنا علم واسع، أو الفهم قاصر، أو سوء القصد والعياذ بالله، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتاب العقيدة الواسطية ذلكم الكتاب المختصر الواسع العلم، قال فيه: (من تدبر القرآن طالباً الهدى منه تبين له طريق الحق).

(من تدبر) لابد من تدبر وتفكر في المعنى، لابد أن نحسن القصد وهو قوله رحمه الله: (طالباًالهدى منه -والنتيجة- تبين له طريق الحق) وصدق رحمه الله.

فالمهم أنه بإنزال هذا القرآن صار الصيام فرضاً في هذا الشهر، وهي مناسبة عظيمة.

فرضية صيامه

ومن خصائص شهر رمضان أن الله فرض صيامه وجعله أحد أركان الإسلام، كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -وهذا ركن واحد- وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام).

ولكن الصيام نوعان: صيام جسدي، وصيام قلبي عملي.

الصيام الجسدي: هو الإمساك عن ملذات الجسد مثل: الأكل والشرب والنكاح.

الصيام القلبي العملي: هو الإمساك عن المحرمات، وعن ترك الواجبات، وقد أشار الله إلى ذلك في كتابه حيث قال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] يعني فرض الصيام من أجل أن نتقي الله لا من أجل أن يعذبنا الله تعالى باجتناب ما نشتهيه من مأكل ومشرب ومنكح أبداً، قال الله تبارك وتعالى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147] لكن الحكمة البالغة العظيمة هي ماذا؟ التقوى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .

وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) قول الزور: كل قول محرم من الغيبة، والنميمة، والسب، والشتم، وغير ذلك. العمل بالزور: العمل بالمحرم من النظر المحرم والعمل المحرم. والجهل: العدوان على الغير. والجهل خصه وإن كان زوراً لأن فيه عدواناً على الآخرين، وليس المراد بالجهل هنا عدم العلم بل هو العدوان على الغير. وعلى ذلك جاء قول الشاعر الجاهلي:

ألا لا يجهلن أحدٌ علينا     فنجهل فوق جهل الجاهلينَ

يعني لا يعتدي أحد علينا فنعتدي فوق عدوانه، لكن تعرفون هذا كلام جاهلي، والشرع يبيح لنا أن نعتدي على من اعتدى علينا بمثل ما اعتدى علينا، فصيام رمضان ليس المقصود به أن نترك الأكل والشرب والنكاح بل المقصود هو أن ندع قول الزور والعمل به والجهل.

مشروعية قيامه

ومن خصائص هذا الشهر قيام لياليه، من أول ليلة إلى آخر ليلة، لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) والتراويح التي نصليها الآن هي من قيام رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه ثلاث ليالٍ في رمضان وكثر الناس، حتى ملئوا المسجد، ثم تخلى وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) وعلى هذا فالتراويح سنة بفعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

ثم ترك الناس الجماعة بقيام رمضان زمن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فخرج أمير المؤمنين عمر ذات يوم فوجد الناس يصلون أوزاعاً، الرجل وحده والرجلان والثلاثة فرأى أن يجمعهم على إمام واحد فجمعهم على أبي بن كعب، وتميم الداري، وأمرهما أن يقوما للناس بإحدى عشر ركعة، هكذا في الموطأ بإسناد صحيح ثابت.

وأما حديث يزيد بن رومان أن الناس في عهد عمر كانوا يقومون بثلاث وعشرين ركعة فهذا أولاً ليس فيه التصريح باطلاع عمر على ذلك، وما فعل في عهد الخلفاء ليس كما فعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أي أن ما فعل في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فهو سنة إقرارية لأنه على فرض أن الرسول لم يطلع عليه فالله قد اطلع عليه ولو كان لا يرضي الله لنزل به الوحي، وأما زمن الخلفاء فما فعل في عهدهم ولم يطلعوا عليه فإنه لا يقال إنه من سنتهم، ثم إن في سنده -أعني حديث يزيد بن رومان - مقالاً معروفاً، وعلى هذا فتكون السنة في قيام رمضان إحدى عشرة في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وفي عهد عمر الذي أمر بهذه التراويح من قيام رمضان، ولذلك لا ينبغي أن نفرط بها، ولا ينبغي أن نختصرها وننقرها نقر الغراب كما يفعل بعض الأئمة نسأل الله لنا ولهم الهداية، لا يمكنون المأمومين من الطمأنينة ليسبحوا ويدعوا لأن هذا وقت قد لا يعود على الإنسان مرة أخرى، وقت ثمين، فالذي ينبغي للأئمة أن يطيلوا في التراويح.. يطيلوا القيام والركوع والسجود والقيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، حتى يتمكن الناس من الدعاء والتسبيح.

ثم إنه ينبغي للإنسان أن يواظب على هذه التراويح، وإذا دخل مسجداً فصلى فيه فلا يخرج حتى تنتهي، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلب الصحابة منه أن ينفلهم بقية الليلة ويقوم بهم إلى الفجر قال: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وهذه من نعمة الله، يكتب لك قيام ليلة وأنت نائم في فراشك، فضل ونعمة، فليحرص الناس على التراويح، ولا ينصرفوا إذا صلوا في مسجد حتى ينصرف الإمام؛ ليكتب لهم قيام ليلة.

وإذا دخل الإنسان والإمام يصلي صلاة التراويح وهو لم يصل صلاة العشاء فليدخل مع الإمام بنية العشاء، حتى لو كانوا جماعة، ليدخلوا مع الإمام بنية العشاء وإذا سلم من التراويح أتموا ما بقي، ولا يضر أن تكون صلاة المأموم فرضاً وصلاة الإمام نفلاً، لأن مثل هذا وقع في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فإن معاذ بن جبل كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاة العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم نفس الصلاة، فهي في حقه نفل وفي حقهم فرض.

ولما قال بعض العلماء: إنه لا يصح أن يكون المتنفل إماماً للمفترض، حاولوا رد حديث معاذ ، يعني تحريفه، فقال بعضهم: لعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يطلع.. ما اطلع عليه، فلا يكون هذا إقراراً من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا من العجب!! والرد على هذا من وجهين:

الوجه الأول: أن معاذ بن جبل شكاه بعض جماعته.. شكاه لمن؟ للرسول عليه الصلاة والسلام حين كان يطيل بهم، فغضب عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وقال: (أفتانٌ أنت يا معاذ ؟) وأمره أن يخفف، فكيف يقال: إن الرسول لم يعلم.

ثانياً: على فرض أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يعلم به فهل الله علم به؟ نعم لا شك، وهل يقر الله تعالى أحداً يفعل ما لا يرضيه؟ أبداً، ولهذا لما كان قومٌ يخفون ما لا يرضيه بيَّنهم الله وفضحهم يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً [النساء:108] ففضحهم الله، فاحتمال أن الرسول لم يعلم به وهو بعيد، يرد بأن الله علم به وأقره، ولو كان ليس من شريعته ولا يرضاه لبينه، إذاً بطل هذا التأويل.

وقال آخرون: بل إن معاذاً ينوي النفل مع الرسول والفرض بقومه، سبحان الله، صلاته مع الرسول التي يأتي إليها من مكانه ليكون خلف الرسول عليه الصلاة والسلام يجعلها نافلة ويجعل صلاته بقومه فريضة.. هل هذا معقول؟!

أبداً، الفريضة هي الأولى، والفريضة هي التي يتحرى أن يكون مأموماً برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لكن بلاء بعض العلماء أنهم يحكمون قبل أن يستدلوا، أو يعتقدون قبل أن يستدلوا، ونحن نقول: استدل ثم اعتقد، استدل ثم احكم، هذا الصواب.

فالحاصل أنك إذا جئت وقد فاتتك صلاة العشاء ووجدت الناس يصلون صلاة التراويح فادخل معهم بنية العشاء، وإذا سلم الإمام فأتم ما بقي عليك.

ومن خصائص هذا الشهر المبارك: أن فيه ليلة القدر، أي ليلة الشرف، وليلة التقدير، فالقدر من القدر الذي هو الشرف ومن التقدير لأن هذه الليلة شريفة عظيمة، أعني ليلة القدر إذ أنها خير من ألف شهر، وفيها تنزل الملائكة والروح الذي هو جبريل، وفيها من كل أمر يأمر الله به يكتب فيها ما يكون في السنة، وهي سلام، وتنتهي إلى طلوع الفجر حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر:5].

هذه الليلة كان النبي صلى الله عليه وسلم يسهر الليالي من أجل إدراكها، بل كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعزف عن الدنيا، ويعتكف في المسجد تحرياً لهذه الليلة، فاعتكف العشر الأول طلباً لها، ثم العشر الوسطى طلباً لها، ثم قيل له إنها في العشر الأواخر، وأري أنها في العشر الأواخر فكان يعتكف في العشر الأواخر.

إذاً: يمتاز شهر رمضان بأن فيه ليلة القدر.

الاعتكاف

ومن خصائص هذا الشهر الاعتكاف، والاعتكاف: لزوم المسجد لطاعة الله، يعني: أن يبقى الإنسان في المسجد متفرغاً لطاعة الله عازفاً عن الدنيا، ولهذا لا يبيع ولا يشتري ولا يأتي أهله، بل ولا يخرج من المسجد إلا لما لابد منه شرعاً أو حساً، مثال الذي لابد منه شرعاً: لو أصاب المعتكف جنابة وخرج يغتسل، هذا لابد منه شرعاً، ومثال ما لابد منه حساً: لو أن المعتكف ليس له من يأتيه بالطعام والشراب، فخرج ليتعشى أو يتسحر فلا بأس، والسحور يسمى الغداء المبارك، لأنه يؤكل غدوة يعني في مقدم النهار، وليس في النهار.

انتصارات المسلمين في رمضان

وقد أوقع الله تعالى في هذا الشهر المبارك انتصارات عظيمة للمسلمين، أولها: غزوة بدر، فقد كانت في السنة الثانية من الهجرة، وفيها انتصر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الكفار انتصاراً ساحقاً مع قلة العَدد والعُدد، وكثرت عَدد الأعداء وعُددهم، كان الأعداء ما بين التسع مائة إلى الألف، وكان النبـي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما بين ثلاثمائة إلى بضعة عشر زائداً على الثلاثمائة، ومعهم سبعون بعيراً وفرسان يتعاقبون عليها، وحصل النصر العظيم، حتى قتل في تلك الغزوة سبعون من قريش وأسر سبعون. وقتل من صناديدهم أربعة وعشرون، وسحبوا حتى وضعوا في قليب بدر، فركب النبي صلى الله عليه وسلم ناقته ووقف على البئر، وجعل يكلمهم ويوبخهم يا فلان بن فلان باسمه واسم أبيه: (إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟! -والجواب: نعم- فقيل: يا رسول الله! كيف تكلم أناساً صاروا جيفاً، فقال: ما أنتم بأسمع بما أقول منهم لكنهم لا يجيبون) لأنهم جيف وموتى. أما الانتصار الثاني: فهو فتح مكة البلد الأمين، الذي استولى عليه المشركون وبقوا مستولين عليه إلى السنة الثامنة من الهجرة، ففتحه الله على يد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أحق الناس بولايته.. كما قال تعالى في المشركين: وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الأنفال:34]. وقصة بدر وفتح مكة موجودة في كتب التاريخ، كما أن بقية الغزوات موجودة، ومن أراد أن يطلع على ذلك فعليه بـزاد المعاد لـابن القيم رحمه الله فإنه جامع بين التاريخ والفقه، أو بـالبداية والنهاية لـابن كثير . أسأل الله لي ولكم الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، وأن يجعل شهرنا هذا شاهداً لنا لا علينا، وأن يرزقنا فيه العمل بما يرضيه، إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ومن خصائص شهر رمضان أن الله فرض صيامه وجعله أحد أركان الإسلام، كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله -وهذا ركن واحد- وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام).

ولكن الصيام نوعان: صيام جسدي، وصيام قلبي عملي.

الصيام الجسدي: هو الإمساك عن ملذات الجسد مثل: الأكل والشرب والنكاح.

الصيام القلبي العملي: هو الإمساك عن المحرمات، وعن ترك الواجبات، وقد أشار الله إلى ذلك في كتابه حيث قال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] يعني فرض الصيام من أجل أن نتقي الله لا من أجل أن يعذبنا الله تعالى باجتناب ما نشتهيه من مأكل ومشرب ومنكح أبداً، قال الله تبارك وتعالى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147] لكن الحكمة البالغة العظيمة هي ماذا؟ التقوى لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .

وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) قول الزور: كل قول محرم من الغيبة، والنميمة، والسب، والشتم، وغير ذلك. العمل بالزور: العمل بالمحرم من النظر المحرم والعمل المحرم. والجهل: العدوان على الغير. والجهل خصه وإن كان زوراً لأن فيه عدواناً على الآخرين، وليس المراد بالجهل هنا عدم العلم بل هو العدوان على الغير. وعلى ذلك جاء قول الشاعر الجاهلي:

ألا لا يجهلن أحدٌ علينا     فنجهل فوق جهل الجاهلينَ

يعني لا يعتدي أحد علينا فنعتدي فوق عدوانه، لكن تعرفون هذا كلام جاهلي، والشرع يبيح لنا أن نعتدي على من اعتدى علينا بمثل ما اعتدى علينا، فصيام رمضان ليس المقصود به أن نترك الأكل والشرب والنكاح بل المقصود هو أن ندع قول الزور والعمل به والجهل.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
جلسات رمضانية لعام 1411ه[6] 2910 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [4] 2872 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [7] 2782 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [1-1] 2748 استماع
جلسات رمضانية لعام 1410ه[2] 2714 استماع
جلسات رمضانية 1412ه [1] 2708 استماع
جلسات رمضانية (1415ه)[5] 2578 استماع
جلسات رمضانية1410ه [2-3] 2499 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [5] 2420 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [2-1] 2347 استماع