جلسات رمضانية لعام 1411ه[6]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فإننا في هذه الليلة؛ ليلة الأحد الخامس عشر من شهر رمضان عام: (1411هـ) نكمل ما نريد أن نتكلم عليه من مسائل الزكاة.

وموضوع الدرس هو: أهل الزكاة، بيانهم، وأحوالهم.

وذلك أن الزكاة لا تكون مقبولة عند الله حتى توضع في المواضع التي أمر الله أن توضع فيها، فمن وضعها في غير أهلها فكمن صلَّى الصلاة في غير وقتها، وحينئذ تكون مردودة عليه غير مقبولة منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه، غير مقبول منه.

ولم يجعل الله سبحانه وتعالى تقسيم الزكاة موكولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا إلى مَن دونه من الأمة، بل تولى سبحانه وتعالى قسم ذلك بنفسه، وبيَّنه أكمل بيان، فقال سبحانه وتعالى في سورة التوبة: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60] يعني: أن الله فرض أن تكون الصدقات لهؤلاء، وهذا الفرض ناشئ عن علم وعن حكمة، ولهذا قال: وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60] فهو سبحانه وتعالى أعلم بمن هو أهل للزكاة، وهو سبحانه وتعالى أحكم؛ حيث وضعها في موضعها.

نرجع إلى أول الآية فنقول: إن الآية قد صُدِّرت بـ(إِنَّمَا) وإِنَّمَا من أدوات الحصر، والحصر يعني: إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما سواه.

ويعني: أن هناك أشياء خرجت عن هذا المحصور؛ لأنه لو دخل كل شيء لم يكن للحصر فائدة، وانتبه لهذه النقطة؛ لأنه سيكون عليها عَود إن شاء الله في آخر الآية.

أقول: إن الحصر يفيد أن هناك شيئين: محصور فيه، وخارج عن الحصر؛ لأننا لو لم نقل بذلك لم يكن للحصر فائدة.

إذاً: فالزكاة محصورة في هؤلاء الأصناف الثمانية، لا تخرج عنهم، ومن أخرجها عنهم فقد وضعها في غير موضعها، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ) وما المراد بالصدقات؟ الزكوات؛ لأن كلمة صَدَقَة تُطلق على الزكاة الواجبة، وعلى صدقة التبرع، وعلى الإنفاق على الأهل، وعلى الإنفاق على النفس، كل مالٍ يُبذل لله فإنه صدقة، لكن المراد بالصدقات هنا: الزكوات، بدليل قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103] .

وبدليل: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا بكر كتب: [هذه فريضة الصدقة -يعني: الزكاة- للفقراء ...] اللام للتمليك والاستحقاق، أي: أنهم يملكونها على وجه الاستحقاق لها، فهم يملكونها على أنها حلال لهم، كما لو كسبوها بالبيع والشراء [... للفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم] أربعة في نسق واحد، كل هؤلاء الأربعة داخلون في ضمن ما تقتضيه اللام، اللام من الاستحقاق والتمليك.

الفقراء والمساكين محتاجون؛ لكن الفقراء أحوج من المساكين، ودليل ذلك أن الله بدأ بهم في الاستحقاق، وإنما يُبدأ بالأهم فالأهم، والأَولى فالأَولى.

الفقراء

الفقراء:

يقول العلماء: هم الذين لا يجدون شيئاً من الكفاية، أو يجدون دون نصفها.

فمثلاً: إذا كان هناك رجل عنده عائلة، ليس له كسب لا من عمل، ولا من تجارة، ولا من غلة وقف، نسمي هذا فقيراً.

مثال آخر: رجل عنده راتب وظيفة مقداره (2000) ريال؛ لكن عنده عائلة كبيرة لا يكفيها إلا ستة آلاف ريال في الشهر، والراتب (2000) ريال في الشهر، ما هذا؟

فقير.

لماذا؟!

لا يجد نصف الكفاية؛ لأن راتبه (2000) ريال، ومصروفه ...!

(6000) آلاف.

إذاً: فهو لا يجد نصف الكفاية.

مثال ثالث: رجل عنده راتب (3000) ريال؛ لكنه ينفق في ضروراته (6000) ريال، هذا مسكين؛ لأن المسكين يجد نصفها فما فوق؛ لكن لا يجد الكل.

مثال رابع: رجل راتبه (4000) ريال؛ لكنه ينفق في ضروراته (6000) ريال، هذا مسكين؛ لأنه لا يجد الكفاية، إنما يجد أكثر الكفاية.

مثال خامس: رجل عنده راتب (6000) ريال، وإنفاقه الضروري (6000) ريال.

هذا غني، ليس فقيراً، ولا مسكيناً.

إذاً: عرفنا أن الفقير هو الذي لا يملك نصف الكفاية؛ يعني: لا يملك شيئاً، أو لا يملك إلا أقل من النصف.

المساكين

وأما المسكين فهو: الذي يملك النصف؛ لكن لا يملك الكل.

هذا هو الفرق بينهما.

هذان الصنفان يأخذان الزكاة لحاجتهما أو للحاجة إليهما؟

لحاجتهما.

إذاً: فما دام في الحاجة على وصف الفقر والمسكنة فهما من أهل الزكاة، وإذا اغتنيا فليسا من أهل الزكاة.

حسناً! الغنى ينقسم إلى قسمين:

غنى بدن.

وغنى مال.

أما غنى المال فعرفتموه، الذي يجد الكفاية.

أما غنى البدن فهو الذي لا مال عنده؛ لكنه يستطيع أن يكتسب ببدنه، قوي مكتسِب، ما عنده مال، ما عنده ادِّخار؛ لكن يستطيع أن يعمل وينفق على نفسه وأهله، هذا نقول عنه: إنه غني.

ولهذا جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه الصدقة، فنظر فيهما عليه الصلاة والسلام فقال: (إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسِب) هذا نسميه غناً بدنياً، أو نسمي صاحبه غنياً بالبدن.

فإن كان قوياً لكن لا يكتسب لأن البطالة في البلد كثيرة، لا يجد عملاً!

أسميه فقيراً؟

نعم؛ لأنه قوي كالفيل من قوته؛ ولكنه لا يجد عملاً؛ لأن هناك بطالة، فنقول: هذا فقير.

لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60].

العاملون عليها

الثالث: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60] :

انتبه لكلمة (عامل عليه)، ولم يقل: (العامل فيها)، وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا و(العاملين فيها) بينهما فرق عظيم:

العامل عليها يعني: الذي له ولاية عليها، ولهذا جاء حرف الجر (على) دون (في)، فمن هو العامل عليها؟

هو الموكل من قبل ولي الأمر على قبض الزكاة من أهلها وصرفها في مستحقها، هذا العامل عليها.

إذاً: العمالة نوع من الولاية.

أما العامل فيها فليس له حق منها، ولنضرب مثلاً يتضح به المقام:

أرسل ولي الأمر هيئة لقبض الزكاة من سائمة بهيمة الأنعام، من الإبل، فقبضت من الزكاة أربعين بعيراً، هذه الإبل تحتاج إلى راعٍ، استأجرنا لها رعاة، فعندنا الآن على هذه الإبل عاملون عليها وهم: الهيئة الذين نصبهم الإمام، أو نصبهم ولي الأمر، وعندنا عاملون فيها وهم: الرعاة.

العاملون عليها يُعطَون نصيبهم من الزكاة، وأما العاملون فيها فيُعطون نصيبهم من بيت المال، يُجعل لهم راتب من قبل ولي الأمر، ولا يأخذوا شيئاً من الزكاة؛ لأن الله قال: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60] ولم يقل: العاملين فيها.

هؤلاء نعطيهم لحاجتهم؟ أو للحاجة إليهم؟

للحاجة إليهم.

نعم، للحاجة إليهم، ولهذا نعطيهم ولو كانوا أغنياء؛ لو كان العامل عليها غنياً ثرياً عنده أموال كثيرة أعطيناه من الزكاة؛ لأننا لسنا نعطيه لحاجته، بل للحاجة إليه.

حسناً! هذا رجل معتبر في البلد يعطيه الناس زكواتهم يفرقها، هل يكون من العاملين عليها؟

لا؛ لأننا قلنا: العاملون عليها الذين ينصبهم مَن؟ ولي الأمر، لهم ولاية؛ لكن هؤلاء وكلاء عن أصحاب الزكاة وليسو عاملين عليها، فالذي عليه الزكاة يجب أن يؤديها إلى الفقير إما بنفسه وإما بوكيل، وهؤلاء وكلاء عمَّن عليهم الزكاة، عن أصحاب الأموال؛ ولذلك لا يعطَون من الزكاة على أنهم عاملون عليها.

ولو تلف المال عند هذا الرجل، هل يكون مضموناً للفقراء أو لا؟

الجواب: مضمون للفقراء على كل حال؛ لكن إن كان متعدياً أو مفرطاً فالضمان عليه دون صاحب المال، وإن كان غير متعدٍّ ولا مفرِّط فالضمان على صاحب المال.

المهم أن المال مضمون للفقراء؛ لكن لو تلف المال عند العاملين عليها، هل يكون مضموناً للفقراء؟

لا؛ لأن العامل عليها يقبضها باسم ولي الأمر، فإذا دفع أهل الأموال الزكاة إلى العاملين عليها فقد برئت ذممهم؛ لأن العاملين عليها أيديهم أيدي ولاة الأمور، فقد وصلت إلى أصحابها، انتبهوا!

وبناءًَ على ذلك فإن جمعيات البر الخيرية المصرَّح لها من قبل الدولة إذا وصلها المال، فقد برئت ذمم أصحاب المال؛ لأن هؤلاء وكلاء عن الدولة وعن ولي الأمر، بخلاف الذي يُرسل أهل الأموال زكاتهم إليه، لكونه عارف بالبلد، وثقة، فإن هذا لو تلف المال عنده لكان مضموناً للفقراء. عليه أو على صاحب المال؟

حسب التفصيل الذي ذكرنا؛ عليه إن فرَّط أو تعدى، وإلاَّ فعلى صاحب المال.

المؤلفة قلوبهم

الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم :

قال تعالى: وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60] لماذا أنث المؤلفة مع أن (القلب) مذكر؟

لأن القلوب جمع.

وكل جمع مؤنث، نعم، كما قال الزمخشري :

لا أبالي بجمعهم     كل جمع مؤنثُ

نعم، كل جمع مؤنث، فيجوز تأنيثه إلا جمع المذكر السالم فإن اللغة المشهورة أنه لا يؤنث، فلا يصح أن تقول: جاءت المسلمون؛ لكن يصلح أن أقول: جاءت الرجال؛ لأن الرجال جمع تكسير، والمسلمون جمع مذكر سالم.

قال ابن مالك :

والتاء مع جمعٍ سوى السالم مِنْ     مذكرٍ كالتاء مع إحدى اللَّبِنْ

إذاً: المؤلفة قلوبهم أُنِّث الوصف؛ لأن القلوب جمع، فيجوز تأنيثه.

المؤلفة قلوبهم يعني: الذين يُعطَون من الزكاة لتأليف قلوبهم وجذبها إلى الإسلام وإلى الإيمان، قال العلماء: والمؤلفة قلوبهم أصناف:

أولاً: مَن يُعطى ليَقوَى إيمانُه.

والثاني: مَن يُعطى ليُؤمِن نظيرُه.

والثالث: مَن يُعطى ليُدفَع شرُّه.

كل هؤلاء من المؤلفة قلوبهم.

والرابع: مَن يُعطى لإيمانه، يعني: ليُؤمِن، ليس ليَقوَى إيمانه، بل ليُؤمِن.

فنعطيهم لهذه الأغراض.

رجل رأيناه مقبلاً على الإيمان؛ لكن يحتاج إلى جذب، فأعطيناه من الزكاة ليؤمن، نقول: صحيح؛ لأنه مؤلَّفٌ قلبُه.

رجل آخر مؤمن لكن إيمانه مهزوز، فأعطيناه ليثبت، يصح.

الثالث: مؤمن؛ لكن له نظير إذا أعطينا هذا ورأى الأموال أسلم نظيره، نعطيه من أجل أن يسلم نظيره، فهنا المصلحة لغيره، أعطيناه مع أن المصلحة لغيره.

الرابع: أن يكون هناك إنسان شرير من المسلمين فنعطيه لكف شره وأذاه.

كل هؤلاء من المؤلفة قلوبهم.

ولكن اختلف العلماء: هل يُشترط أن يكونوا سادة ذوي طاعة في قومهم -لأن السادة إذا صلحوا صلح من تحتهم- أو لا يُشترط ذلك؟

فأكثر العلماء على أن المؤلفة قلوبهم لابد أن يكونوا سادة كبراء في قومهم، حتى نكسبهم ومَن وراءَهم.

ولكن بعض العلماء يقول: بل نعطي المؤلَّف، وإن لم يكن سيداً في قومه من أجل إقامة دينه، وإذا كنا نعطيه إذا كان فقيراً لغذاء البدن؛ فالمؤلَّف قلبُه نعطيه لأجل غذاء الروح وتقوية الإيمان، وتقوية الإيمان عند الرجل أهم من أن يُملأ بطنُه من الطعام.

والراجح: أن ولي الأمر ينظر للمصلحة.

الرقاب

قال تعالى: وَفِي الرِّقَابِ [التوبة:60]:-

الرقاب: يقول العلماء أيضاً: إنها أصناف:

الصنف الأول: رجل مكاتَب يُعان في أداء كتابته.

والصنف الثاني: رجل رقيق يُشترى فيُعتق.

والصنف الثالث: أسير عند الكفار وهو مسلم فيُعطى آسروه من الزكاة ليفكُّوه.

هذه ثلاثة.

أما الأول: المكاتَب:

فصورته: أن العبد يَشتري نفسه من سيده بثمن مؤجل، وهذا مشروع، وأوجبه كثير من أهل العلم، بالشرط الذي ذكر الله في القرآن، وهو قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً [النور:33].

والأمر للوجوب عند الظاهرية، وعند كثير من المتأخرين، مثل: محمد رشيد رضا ، وبعض العلماء.

وأكثر العلماء على أن الأمر للاستحباب؛ لأنه ملكه ولا يُلزم بإخراج ملكه عن سيطرته.

على كل حال، ليس هذا موضع البحث في هذا والترجيح.

فإذا كاتب العبدُ سيدَه، واشترى نفسه من سيده بثمن؛ فإننا نعينه من الزكاة من أجل أن نخلص نفسه من الرق.

والثاني: رقيق عبد:

اشتريناه من سيده بالزكاة وأعتقناه.

والثالث: أسير مسلم عند الكفار:

افتديناه، وقلنا للكفار: أطلقوا أسيرنا بمال، ونعطيهم من الزكاة.

ومثله أيضاً: مَن كان أسيراً عند غير الكفار، كما يوجد في عصرنا الحاضر ما يسمى بالاختطاف، لو أن فئة ظالمة خطفت رجلاً مسلماً وقالت: لا أطلقه إلا بمال، فإنه يجوز أن نعطيهم من الزكاة؛ لأنه لا فرق بين اختطاف هؤلاء وأسر الكفار، كلٌّ يراد به إنقاذ المسلم من الظلَمة.

قوله: وَفِي الرِّقَابِ جاءت (في) بدلاً عن (اللام)؛ لأن الرقاب لا يشترط فيهم التمليك؛ ولهذا لو ذهبنا إلى سيد المكاتَب، وقلنا: يا فلان! هذه قيمة الكتابة، يجوز؟ نعم يجوز، حتى وإن لم يعلم العبد؛ لأنه لا يُشترط التمليك.

الغارمون

قال تعالى: وَالْغَارِمِينَ [التوبة:60]:

الغارمون هم: المدينون، وقسمهم العلماء رحمهم الله إلى قسمين:

1- غارم لنفسه.

2- وغارم لغيره.

الغارم لنفسه: هو من لحقه الدَّين لغرض نفسه، كرجل تديَّن واشترى سيارة، تديَّن واشترى بيتاً للسُّكنى، تديَّن وتزوَّج، وما أشبه ذلك، هذا غارم لنفسه، لمصلحة نفسه.

والثاني: غارم لمصلحة غيره: مثل: رجل رأى بين قبيلتين من الناس شحناء وعداوة ربما تؤدي إلى الاقتتال، فقال لهم: يا جماعة، اصبروا! لنجلس على بساط البحث والصلح لنصلح بينكم، فنعطيكم أنتم (10.000) ريال، وأنتم نعطيكم (10.000) وكفوا، فوافقوا، وتصالحوا على (10.000) ريال تُدفع لكل قبيلة، الرجل هذا غرم الآن، التزم بماذا؟

بغُرْم.

بكم؟

بعشرين ألف ريال.

فهل يُعطى هذه الغرامة؟ أو نقول: نحن لم نوكلك حتى نعطيك؟

الجواب: نعطيه هذه الغرامة، حتى لو كان غنياً يستطيع أن يدفع ليس عشرين ألفاً فحسب! بل عشرين مليوناً، فنعطيه ونقول: تفضل، هذه عشرون ألفاً أعطِ القبيلة رقم [1] عشرة، وأعط القبيلة رقم [2] عشرة. فهمتم؟ نعم.

لماذا نعطيه؟

لأن هذه مصلحة عامة، ينبغي أن يُشجع الفاعل عليها.

ولو قلنا: والله نحن ما وكلناك، والغُرْم عليك لكان في هذا تحطيم لأهل الإصلاح، أليس كذلك؟ كلٌّ يقول: أنا ما علي، اتركهم يقتتلون، ما دمتُ إذا سعيتُ بينهم بالصلح على مال صار المال عليَّ فأنا ما عليَّ منهم، ولهذا قال العلماء: إن هذا من ذاك، المكافأة لهذا الرجل على معروفه العظيم الذي كفَّ فيه القتال.

الغارم لنفسه مسكين، لا يُعطى إلا إذا كان فقيراً، ويُعطى بقدر غُرْمه فقط، وإذا كان يُخشى إذا أُعطي لغُرْمه أن يُتلف المال ولا يقضي الدَّين، قلنا: اجلس في بيتك ونحن نقضي غُرْمك، نذهب إلى الطالب ونوفي عنه؛ لأننا لو أعطيناه وسلطناه على المال لأضاعه وأتلفه، إذاً: نذهب نحن إلى الطالب ونعطيه، ونقول: فلان مطلوب لك منه بألف ريال، فخذها وإن لم يعلم ذلك، وإن يعلم المطلوب ما علينا منه، نحن الآن أعطيناه، ولهذا قال الله: (وفي الرقاب والغارمين)، ولم يقل: للغارمين، لو قال: للغارمين لكان يجب علينا أن نملِّك الغارم هذا المال؛ لكن قال (في) التي للظرفية، يعني: أن الزكاة تكون في هذه الجهة؛ لا للشخص الغارم؛ ولكن يُشترط للغُرْم للنفس:

أن يكون عاجزاً عن السداد، فإن كان قادراً؛ فإنه لا يُعطى.

واشترط بعض العلماء: أن يكون غُرْمه في غير حرام، فإن كان في حرام؛ فإنه لا يُعطى، بل يقال: تُبْ أولاً، ثم نعطيك ثانياً.

فإن كان هذا المدين، وهو الغارم لنفسه قادراً على الوفاء؛ فإننا لا نعطيه؛ لأنه ليس بحاجة.

ولو كان عنده سيارة تساوي (10.000) ريال، وهي سيارة كبيرة عليه، بمعنى أن مثله لا يقتنيها؛ لأنها فخمة، أنا قلت: بعشرة آلاف ريال، وأظنها تساوي أكثر.

عنده سيارة بمائة ألف؛ ولكنه يستطيع أن يبيعها بمائة ألف، ويشتري سيارة بعشرين ألفاً، والدَّين الذي عليه (60.000)، ماذا نقول؟

لا نعطيه؛ لأنه قادر على الوفاء.

اشترط بعض العلماء أن يكون الغُرْم في غير حرام: فلو كان هذا الرجل غارماً؛ لكن غُرْمه بسبب شراء الدخان، فعلى هذا القول لا نعطيه؛ لأننا لو قضينا دَينه الحاصل عليه في المحرم لكان في هذا إغراء له على المحرم، أليس كذلك؟

لذلك قالوا: لا يُعطى حتى يتوب، فنقول لهذا الرجل: تُبْ من شرب الدخان ونقضي دَينك، أما أن تأتي إلينا تطلب منا أن نوفي عنك ثمن شيء محرم من أجل أن تزيد في شراء المحرم، فإننا لا نعين على الإثم والعدوان.

وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، أنه يُشترط أن يكون الغُرْم في غير حرام؛ لأنه إذا كان في حرام وسدَّدنا عنه فقد أعناه على الحرام.

لو أنه غرم في زواج، هل يُعطى؟

نعم يُعطى؛ لأن هذا غُرْم في غير حرام، بل قد يكون في واجب، فيُعطى ويُسدَّد، كل الدين الذي عليه؟

نعم، كل الدَّين، لو يبلغ (100.000) نسدِّده، ولو من زكاة رجل واحد.

وبعض الناس أخذ على العادة القديمة، حيث يوزع زكاته على عشرة ريالات، وريالين، وما أشبه ذلك، هذا زمن مضى، الآن العشرة ريالات ليست بشيء عند الناس. نعم، يقول: أنا أحب أن يكون نفعها عاماً، وينسى أن الوقت تغيَّر، الآن إذا أعطيته شيئاً كثيراً انتفع انتفاعاً كبيراً؛ لكن إذا أعطيته عشرة ريالات، مباشرة يذهب يشتري بها برتقالاً، لماذا؟ لأنها لا تساوي شيئاً، فيبددها.

لذلك يجب أن نقول: شمول الزكاة مع إعطاء اليسير في الوقت الحاضر قد تكون من غير المصلحة، أما حين كان الناس يشترون الذبيحة بخمسة عشر قرشاً، يعني: بريال إلا ربعاً، ويشتري البُر الذي تطبخ فيه الذبيحة الكاملة بربع ريال، فإن هذا يصح أن نقول: توزَّع الزكاة على عشرة وعلى ريال، وما أشبه ذلك؛ لكن الوقت اختلف.

في سبيل الله

قال تعالى: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:60] :

في سبيل الله، سبيل بمعنى: طريق، وسبيل الله: كل ما يوصل إلى الله فهو في سبيل الله، قال الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153] فكل ما يوصل إلى الله فهو من سبيل الله.

فمن ثَمَّ حصل خلاف بين العلماء في المراد بسبيل الله، فقال بعض العلماء: المراد بقوله: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ كل ما كان مقرِّباً إلى الله من الجهاد، والعلم، وإصلاح المدارس، وبناء المساجد، وإصلاح الطرق، كل شيء.

ولكن أكثر أهل العلم قال: المراد من وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ما تُبذل فيه النفقة لإعلاء كلمة الله، وهو جهاد الكفار، كما قال تعالى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ [آل عمران:169].

وقال تعالى: يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54] .

وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111] ماذا؟ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:111].

فالمراد من وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ الجهاد، وهذا هو الصحيح، ويدل لصحة هذا وأن المراد بقوله: وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ خصوص الجهاد، الحصر الذي استفدناه من قوله:(إنما) وهذا هو الذي أشرتُ إليه، وقلتُ لكم إنه سيأتي عودٌ عليه في آخر الآية.

فالمراد الجهاد في سبيل الله: وهو قتال الكفار، ولا فرق بين أن تعطي المجاهدين أو تشتري أسلحة ليجاهدوا بها، لا فرق، فيجوز مثلاً أن تشتري أسلحة بالزكاة وتعطيها إياهم؛ لكن الذي يتولى الشراء ولي الأمر، أنت ادفع الدراهم ليُشترى بها السلاح، ويجوز أن تعطي المجاهد نفسه، ليجاهد في سبيل الله.

ابن السبيل

أما قوله: وَابْنِ السَّبِيلِ [التوبة:60]:

فالسبيل هو: الطريق.

وابن: الذي ولَدَهُ الطريق.

لا!

لماذا؟!

الطريق لا يلد أحداً؛ لكن ابن السبيل المراد به: المسافر؛ لأنه لملازمته للسفر أو للطريق صار مثل الابن له؛ لأن الابن والأب متلازمان، قالوا: ومنه قوله العرب: ابن الماء، لطير الماء. فهناك طير يُسَمَّى طير الماء معروف، يُسَمَّى ابن الماء، مع أن الماء لم يلده؛ لكنه ملازم له.

إذاً: فابن السبيل هو: المسافر، فإذا وُجد مسافر في بلد قد انقطع به السفر أُعطي من الزكاة ما يوصله إلى بلده، ولو كان هو في بلده غنياً؛ لأنه الآن محتاج.

فهؤلاء ثمانية أصناف، هم أهل الزكاة، إذا صُرِفت في غيرهم فإنها لا تُقبل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) .

واعلم أن الواجب بمقتضى الأصول الفقهية أن نأخذ بالعموم، فلا نخرج أحداً من هؤلاء إلا بدليل، فكل من كان فقيراً فهو من أهل الزكاة، سواء كان أخاً لك، أو عماً، أو خالاً، أو ابن أخ، أو ابن عم، أو ابن خال، أو أباً، أو أماً، أو جداً، أو جدةً، أو غير ذلك، كل من انطبق عليه وصف استحقاق فهو مستحق، هذا هو الأصل.

فإذا قال لنا قائل: هؤلاء لا تدفع الزكاة إليهم.

ماذا نقول؟

نقول: نحن عندنا عموم، هات الدليل على أنها لا تقبل، إن جاء بدليل فعلى العين والرأس، إن جاء بتعليل تشهد له النصوص فكذلك على العين والرأس.

الفقراء:

يقول العلماء: هم الذين لا يجدون شيئاً من الكفاية، أو يجدون دون نصفها.

فمثلاً: إذا كان هناك رجل عنده عائلة، ليس له كسب لا من عمل، ولا من تجارة، ولا من غلة وقف، نسمي هذا فقيراً.

مثال آخر: رجل عنده راتب وظيفة مقداره (2000) ريال؛ لكن عنده عائلة كبيرة لا يكفيها إلا ستة آلاف ريال في الشهر، والراتب (2000) ريال في الشهر، ما هذا؟

فقير.

لماذا؟!

لا يجد نصف الكفاية؛ لأن راتبه (2000) ريال، ومصروفه ...!

(6000) آلاف.

إذاً: فهو لا يجد نصف الكفاية.

مثال ثالث: رجل عنده راتب (3000) ريال؛ لكنه ينفق في ضروراته (6000) ريال، هذا مسكين؛ لأن المسكين يجد نصفها فما فوق؛ لكن لا يجد الكل.

مثال رابع: رجل راتبه (4000) ريال؛ لكنه ينفق في ضروراته (6000) ريال، هذا مسكين؛ لأنه لا يجد الكفاية، إنما يجد أكثر الكفاية.

مثال خامس: رجل عنده راتب (6000) ريال، وإنفاقه الضروري (6000) ريال.

هذا غني، ليس فقيراً، ولا مسكيناً.

إذاً: عرفنا أن الفقير هو الذي لا يملك نصف الكفاية؛ يعني: لا يملك شيئاً، أو لا يملك إلا أقل من النصف.

وأما المسكين فهو: الذي يملك النصف؛ لكن لا يملك الكل.

هذا هو الفرق بينهما.

هذان الصنفان يأخذان الزكاة لحاجتهما أو للحاجة إليهما؟

لحاجتهما.

إذاً: فما دام في الحاجة على وصف الفقر والمسكنة فهما من أهل الزكاة، وإذا اغتنيا فليسا من أهل الزكاة.

حسناً! الغنى ينقسم إلى قسمين:

غنى بدن.

وغنى مال.

أما غنى المال فعرفتموه، الذي يجد الكفاية.

أما غنى البدن فهو الذي لا مال عنده؛ لكنه يستطيع أن يكتسب ببدنه، قوي مكتسِب، ما عنده مال، ما عنده ادِّخار؛ لكن يستطيع أن يعمل وينفق على نفسه وأهله، هذا نقول عنه: إنه غني.

ولهذا جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه الصدقة، فنظر فيهما عليه الصلاة والسلام فقال: (إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسِب) هذا نسميه غناً بدنياً، أو نسمي صاحبه غنياً بالبدن.

فإن كان قوياً لكن لا يكتسب لأن البطالة في البلد كثيرة، لا يجد عملاً!

أسميه فقيراً؟

نعم؛ لأنه قوي كالفيل من قوته؛ ولكنه لا يجد عملاً؛ لأن هناك بطالة، فنقول: هذا فقير.

لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60].

الثالث: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60] :

انتبه لكلمة (عامل عليه)، ولم يقل: (العامل فيها)، وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا و(العاملين فيها) بينهما فرق عظيم:

العامل عليها يعني: الذي له ولاية عليها، ولهذا جاء حرف الجر (على) دون (في)، فمن هو العامل عليها؟

هو الموكل من قبل ولي الأمر على قبض الزكاة من أهلها وصرفها في مستحقها، هذا العامل عليها.

إذاً: العمالة نوع من الولاية.

أما العامل فيها فليس له حق منها، ولنضرب مثلاً يتضح به المقام:

أرسل ولي الأمر هيئة لقبض الزكاة من سائمة بهيمة الأنعام، من الإبل، فقبضت من الزكاة أربعين بعيراً، هذه الإبل تحتاج إلى راعٍ، استأجرنا لها رعاة، فعندنا الآن على هذه الإبل عاملون عليها وهم: الهيئة الذين نصبهم الإمام، أو نصبهم ولي الأمر، وعندنا عاملون فيها وهم: الرعاة.

العاملون عليها يُعطَون نصيبهم من الزكاة، وأما العاملون فيها فيُعطون نصيبهم من بيت المال، يُجعل لهم راتب من قبل ولي الأمر، ولا يأخذوا شيئاً من الزكاة؛ لأن الله قال: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [التوبة:60] ولم يقل: العاملين فيها.

هؤلاء نعطيهم لحاجتهم؟ أو للحاجة إليهم؟

للحاجة إليهم.

نعم، للحاجة إليهم، ولهذا نعطيهم ولو كانوا أغنياء؛ لو كان العامل عليها غنياً ثرياً عنده أموال كثيرة أعطيناه من الزكاة؛ لأننا لسنا نعطيه لحاجته، بل للحاجة إليه.

حسناً! هذا رجل معتبر في البلد يعطيه الناس زكواتهم يفرقها، هل يكون من العاملين عليها؟

لا؛ لأننا قلنا: العاملون عليها الذين ينصبهم مَن؟ ولي الأمر، لهم ولاية؛ لكن هؤلاء وكلاء عن أصحاب الزكاة وليسو عاملين عليها، فالذي عليه الزكاة يجب أن يؤديها إلى الفقير إما بنفسه وإما بوكيل، وهؤلاء وكلاء عمَّن عليهم الزكاة، عن أصحاب الأموال؛ ولذلك لا يعطَون من الزكاة على أنهم عاملون عليها.

ولو تلف المال عند هذا الرجل، هل يكون مضموناً للفقراء أو لا؟

الجواب: مضمون للفقراء على كل حال؛ لكن إن كان متعدياً أو مفرطاً فالضمان عليه دون صاحب المال، وإن كان غير متعدٍّ ولا مفرِّط فالضمان على صاحب المال.

المهم أن المال مضمون للفقراء؛ لكن لو تلف المال عند العاملين عليها، هل يكون مضموناً للفقراء؟

لا؛ لأن العامل عليها يقبضها باسم ولي الأمر، فإذا دفع أهل الأموال الزكاة إلى العاملين عليها فقد برئت ذممهم؛ لأن العاملين عليها أيديهم أيدي ولاة الأمور، فقد وصلت إلى أصحابها، انتبهوا!

وبناءًَ على ذلك فإن جمعيات البر الخيرية المصرَّح لها من قبل الدولة إذا وصلها المال، فقد برئت ذمم أصحاب المال؛ لأن هؤلاء وكلاء عن الدولة وعن ولي الأمر، بخلاف الذي يُرسل أهل الأموال زكاتهم إليه، لكونه عارف بالبلد، وثقة، فإن هذا لو تلف المال عنده لكان مضموناً للفقراء. عليه أو على صاحب المال؟

حسب التفصيل الذي ذكرنا؛ عليه إن فرَّط أو تعدى، وإلاَّ فعلى صاحب المال.

الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم :

قال تعالى: وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ [التوبة:60] لماذا أنث المؤلفة مع أن (القلب) مذكر؟

لأن القلوب جمع.

وكل جمع مؤنث، نعم، كما قال الزمخشري :

لا أبالي بجمعهم     كل جمع مؤنثُ

نعم، كل جمع مؤنث، فيجوز تأنيثه إلا جمع المذكر السالم فإن اللغة المشهورة أنه لا يؤنث، فلا يصح أن تقول: جاءت المسلمون؛ لكن يصلح أن أقول: جاءت الرجال؛ لأن الرجال جمع تكسير، والمسلمون جمع مذكر سالم.

قال ابن مالك :

والتاء مع جمعٍ سوى السالم مِنْ     مذكرٍ كالتاء مع إحدى اللَّبِنْ

إذاً: المؤلفة قلوبهم أُنِّث الوصف؛ لأن القلوب جمع، فيجوز تأنيثه.

المؤلفة قلوبهم يعني: الذين يُعطَون من الزكاة لتأليف قلوبهم وجذبها إلى الإسلام وإلى الإيمان، قال العلماء: والمؤلفة قلوبهم أصناف:

أولاً: مَن يُعطى ليَقوَى إيمانُه.

والثاني: مَن يُعطى ليُؤمِن نظيرُه.

والثالث: مَن يُعطى ليُدفَع شرُّه.

كل هؤلاء من المؤلفة قلوبهم.

والرابع: مَن يُعطى لإيمانه، يعني: ليُؤمِن، ليس ليَقوَى إيمانه، بل ليُؤمِن.

فنعطيهم لهذه الأغراض.

رجل رأيناه مقبلاً على الإيمان؛ لكن يحتاج إلى جذب، فأعطيناه من الزكاة ليؤمن، نقول: صحيح؛ لأنه مؤلَّفٌ قلبُه.

رجل آخر مؤمن لكن إيمانه مهزوز، فأعطيناه ليثبت، يصح.

الثالث: مؤمن؛ لكن له نظير إذا أعطينا هذا ورأى الأموال أسلم نظيره، نعطيه من أجل أن يسلم نظيره، فهنا المصلحة لغيره، أعطيناه مع أن المصلحة لغيره.

الرابع: أن يكون هناك إنسان شرير من المسلمين فنعطيه لكف شره وأذاه.

كل هؤلاء من المؤلفة قلوبهم.

ولكن اختلف العلماء: هل يُشترط أن يكونوا سادة ذوي طاعة في قومهم -لأن السادة إذا صلحوا صلح من تحتهم- أو لا يُشترط ذلك؟

فأكثر العلماء على أن المؤلفة قلوبهم لابد أن يكونوا سادة كبراء في قومهم، حتى نكسبهم ومَن وراءَهم.

ولكن بعض العلماء يقول: بل نعطي المؤلَّف، وإن لم يكن سيداً في قومه من أجل إقامة دينه، وإذا كنا نعطيه إذا كان فقيراً لغذاء البدن؛ فالمؤلَّف قلبُه نعطيه لأجل غذاء الروح وتقوية الإيمان، وتقوية الإيمان عند الرجل أهم من أن يُملأ بطنُه من الطعام.

والراجح: أن ولي الأمر ينظر للمصلحة.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [4] 2872 استماع
جلسات رمضانية 1415ه [1] 2823 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [7] 2782 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [1-1] 2748 استماع
جلسات رمضانية لعام 1410ه[2] 2714 استماع
جلسات رمضانية 1412ه [1] 2709 استماع
جلسات رمضانية (1415ه)[5] 2578 استماع
جلسات رمضانية1410ه [2-3] 2499 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [5] 2420 استماع
جلسات رمضانية لعام 1411ه [2-1] 2347 استماع