جلسات رمضانية 1412ه [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد في الآخرة والأولى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المصطفى وخليله المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اقتدى، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فإننا في هذه الليلة، ليلة الأحد الخامس من شهر رمضان عام (1412هـ) نفتتح لقاءاتنا معكم كجاري العادة في كل شهر رمضان، وسيكون اللقاء في يومين من الأسبوع، يوم السبت ليلة الأحد ويوم الثلاثاء ليلة الأربعاء بحول الله وقوته، هذا اللقاء ليس محاضرات تقال وتسكب فيها العبارات وتنمق فيها، ولكنه لقاء يتقدم الأسئلة فيه بحث يسير في فقه الصوم، أو الصلاة، أو الزكاة، أو غيرها من شئون المسلمين، ثم بعد ذلك يتلوها الأسئلة.

تعريف الصوم

إن أهم ما يختص به هذا الشهر الصيام الذي فرضه الله على عباده وجعله ركناً من أركان الإسلام، والصيام حقيقة وروحاً ومعنىً هو: إمساك الإنسان عن المحرمات التي حرمها الله عز وجل على الصائم بخصوصه وهي مفسدات الصوم، أو على المسلم عموماً وهي جميع المحرمات، فالصوم حقيقة وروحاً ومعنى هو الإمساك عن المحرمات الخاصة بالصوم أو العامة. والخاصة بالصوم هي مفسدات الصوم مثل الأكل والشرب، والعامة هي التي تحرم في كل زمان مثل الغيبة والنميمة والكذب والسب والشتم وكل قول منكر، ولكن الإمساك عن الأكل والشرب والنكاح هو وسيلة للإمساك عن المحرمات العامة، لأن هذه المحرمات الخاصة بالصوم -وهي مفسدات الصوم- إنما حرمت على الإنسان من أجل أن تتربى نفسه على ترك المألوف اتباعاً لرضى الله عز وجل، كما جاء في الحديث القدسي في شأن الصوم أن الله قال: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) فإذا ترك الإنسان هذه الأشياء المباحة لولا الصوم كان تركه للمحرم العام من باب أولى أن يلتزم به، وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحكمة في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] هذه الفائدة وهذه الحكمة تقوى الله عز وجل بالصيام، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) يعني: أن الله سبحانه وبحمده ما فرض علينا الصوم ليضيق علينا بترك المألوف والمحبوب للنفس من طعام وشراب ونكاح، ولكنه فرضه علينا من أجل أن نتجنب قول الزور والعمل به -أي بالزور- والجهل، هذه هي الحكمة من الصوم الذي فرضه الله على عباده.

الإسراف المالي والبدني في رمضان

ونحن نعلم أن الإنسان إذا ربى نفسه طيلة شهر رمضان على ترك المحرمات فسوف تتربى نفسه على ذلك في المستقبل، فهو مدرسة للنفس تتمرن فيه على ترك المحبوب بمحبة الله عز وجل، أي: لأن الله يحب ذلك، فإذا مرن نفسه في هذا الشهر كاملاً على ترك المألوف والمحبوب لنفسه تبعاً لرضى الله عز وجل ومحبته فإن النفس سوف تتربى وسوف تتغير وسوف يكون رمضان بمنزلة النار لصهر الحديد والذهب والفضة حتى يخرج خالصاً نقياً من الشوائب، فلننظر حال كثير من الناس اليوم: نجد كثيراً من الناس يجعل رمضان مرتعاً للشهوات، ففي الليل يسرف في الأكل عند الإفطار، عند العشاء، عند السحور، في جوف الليل، ليس له هم إلا أن ينظر ما تشتهيه نفسه من الأطعمة ويشتريه، وليته يشتريه بقدر حاجته، بل يشتري كثيراً ويفسد باقيه، وربما لا يجد من يأكله، فيقع في الإسراف البدني والإسراف المالي؛ أما الإسراف البدني فهو ملء البطن، وملء البطن قال فيه حكيم القلوب والأبدان محمد صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه) الوعاء: الآنية (فإن كان لا محالة -يعني: هو أراد أن يملأ بطنه- فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) ولكن نجد كثيراً من الناس مع الأسف في ليالي رمضان يسرفون إسرافاً عظيماً. كذلك هذا إسراف في المال؛ لأن الإنسان ينفق مالاً كثيراً في هذه الليالي في غير حاجة، ولو علم الإنسان قدر المال واهتمام الله عز وجل به ما أسرف في بذله قال الله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5] فالمال لا ينبغي أن يكون إلا بيد إنسان رشيد، يعرف كيف يتصرف تملكاً وتصرفاً، أما السفيه فلا يعطى المال، السفيه هو الذي يبذله في غير فائدة كما قال أهل العلم: إن السفيه هو الذي يبذل ماله في حرام، أو في غير فائدة، وأنه يجب الحجر عليه، ومنعه من التصرف. فالمال له شأن عظيم ولهذا قال: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5] ومعنى قوله: جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5] أي: صيرها قياماً تقوم به مصالح دينكم ودنياكم.

نصيحة لمن يؤخرون الصلاة عن وقتها في رمضان

نجد أيضاً بعض الناس يقتل نهار رمضان، يقتله قتلاً، لا يذبحه بسكين بل يقتله بحجر، يقتل هذا النهار الذي هو من أشرف أيام السنة بالنوم، فينام من حين الفجر إلى أن يؤذن الظهر ومن حين أن يصلي الظهر إلى أن يؤذن العصر، ومن حين أن يصلي العصر إلى غروب الشمس، هذا إذا كان حريصاً على الصلاة، وإلا فسمعت أن بعض الناس ينام من حين أن يتسحر ولا يقوم إلا للعمل؛ عمل الوظيفة، ولا يصلي الفجر، لا مع الجماعة ولا في وقتها، ومثل هذا لا تقبل صلاته، كل إنسان ينام عن صلاة الفجر أو غيرها من الصلوات باختياره ولا يقوم فإنه إذا صلاها بعد خروج وقتها لا تقبل منه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاًليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود.

ثم تجده إذا قام للعمل ورجع من بعد صلاة الظهر، وقد لا يصلي نام إلى قرب الغروب حتى يقوم ليأكل والعياذ بالله، هذا في الحقيقة لم يقدر هذا الشهر حق قدره، وما عرف أن عمر الإنسان أنفاسه غالية، أغلى ما يكون عند الإنسان هو الزمن، هو أغلى من الذهب والفضة والسيارات وغير ذلك.

واستمع إلى قوله تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:99-100] ما قال لعلي أتبسط فيما تركت، وأخرج به للنزهة وأركب المراكب الفخمة وأسكن القصور المشيدة، قال: لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ من المال، قال الله عز وجل: كَلَّا [المؤمنون:100] أي: لا رجوع، إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا [المؤمنون:100] ويجوز أن تكون (كَلَّا) بمعنى حقاً، أي: حقاً إنها كلمة هو قائلها، فهي لها معنيان وكلاهما لا ينافي الآخر، فتكون بالمعنى هذا وبالمعنى هذا، كلا لا رجوع، فهي حرف ردع، كلا بمعنى حقاً أن يقول هذا الكلام رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100] هذا البرزخ هو ما بين موت الإنسان وقيام الساعة؛ سواء دفن، أو ألقي في البحر، أو بقي على ظهر الأرض فأكلته السباع، فكل هذا يسمى برزخاً؛ لأن البرزخ هو الفاصل بين شيئين كما قال تعالى: بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ [الرحمن:20] وهذا الذي بين موت الإنسان وقيام الساعة برزخ بين الدنيا وبين الآخرة.

على كل حال: ينبغي لنا أن نغتنم أوقات هذا الشهر خصوصاً وأوقات جميع أعمارنا عموماً بماذا؟ بما يقرب إلى الله عز وجل، بطاعة الله حتى تكون حياتنا حياة حقيقية، نسعد بها في الدنيا والآخرة. أقول لكم قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، وأنا أشدكم تقصيراً ولكني أستغفر الله وأتوب إليه، وأسأله أن يلحقني وإياكم بالصالحين إنه جواد كريم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

وإلى الأسئلة ولعل الله أن يجعل فيها خيراً كثيراً.

إن أهم ما يختص به هذا الشهر الصيام الذي فرضه الله على عباده وجعله ركناً من أركان الإسلام، والصيام حقيقة وروحاً ومعنىً هو: إمساك الإنسان عن المحرمات التي حرمها الله عز وجل على الصائم بخصوصه وهي مفسدات الصوم، أو على المسلم عموماً وهي جميع المحرمات، فالصوم حقيقة وروحاً ومعنى هو الإمساك عن المحرمات الخاصة بالصوم أو العامة. والخاصة بالصوم هي مفسدات الصوم مثل الأكل والشرب، والعامة هي التي تحرم في كل زمان مثل الغيبة والنميمة والكذب والسب والشتم وكل قول منكر، ولكن الإمساك عن الأكل والشرب والنكاح هو وسيلة للإمساك عن المحرمات العامة، لأن هذه المحرمات الخاصة بالصوم -وهي مفسدات الصوم- إنما حرمت على الإنسان من أجل أن تتربى نفسه على ترك المألوف اتباعاً لرضى الله عز وجل، كما جاء في الحديث القدسي في شأن الصوم أن الله قال: (يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي) فإذا ترك الإنسان هذه الأشياء المباحة لولا الصوم كان تركه للمحرم العام من باب أولى أن يلتزم به، وقد أشار الله تعالى إلى هذه الحكمة في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] هذه الفائدة وهذه الحكمة تقوى الله عز وجل بالصيام، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) يعني: أن الله سبحانه وبحمده ما فرض علينا الصوم ليضيق علينا بترك المألوف والمحبوب للنفس من طعام وشراب ونكاح، ولكنه فرضه علينا من أجل أن نتجنب قول الزور والعمل به -أي بالزور- والجهل، هذه هي الحكمة من الصوم الذي فرضه الله على عباده.